ديفيد لامي... وجه الدبلوماسية البريطانية الجديد يواجه قضايا عالمية شائكة

محام طموح ظل 14 سنة يعارض المحافظين

ديفيد لامي
ديفيد لامي
TT

ديفيد لامي... وجه الدبلوماسية البريطانية الجديد يواجه قضايا عالمية شائكة

ديفيد لامي
ديفيد لامي

ديفيد لامي، وزير الخارجية الجديد، هو «ذراع» كير ستارمر اليمنى على المستوى الدولي، ومنه يتوقّع العالم أن يسمع عن توجهات حكومة بريطانية جديدة تتمتع بتفويض عريض يتيح لها حرية التصرف مع الخصوم والأصدقاء.

النشأة والبداية

ولد ديفيد ليندون لامي يوم 19 يوليو (تموز) 1972 في حي هولواي، بشمال وسط العاصمة البريطانية لندن، لأسرة سوداء تتحدّر من غيانا (أميركا الجنوبية). وترعرع مع إخوته الأربعة في حي توتنهام المجاور برعاية أمه وحدها؛ إذ غادر أبوه منزل الأسرة عندما كان ديفيد في الثانية عشرة من العمر، وترك هذا الأمر تأثيراً بالغاً في حياته لجهة اهتمامه الشديد بالعناية بالأطفال. وفي أثناء دراسته في مدرسته الأولى بلندن، وكان يومذاك في العاشرة من عمره، حصل على منحة دراسية كورالية للإنشاد في كاتدرائية بيتربورو (شرق إنجلترا)، وكانت الدراسة في مدرسة «كينغز سكول» الخاصة في مدينة بيتربورو.

بعد إكمال لامي تعليمه المتوسط والثانوي في مدرسة «كينغز سكول» - بيتربورو، التحق بمعهد الدراسات الشرقية والأفريقية «سواس» العريق في جامعة لندن، ومنه تخرّج مُجازاً بالحقوق، وانتمى لنقابة المحامين في إنجلترا وويلز عام 1994. ثم درس في جامعة هارفارد الأميركية الشهيرة، وأكمل هناك شهادة الماجستير في القانون. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه كان أول بريطاني أسود يتخرّج في كلية الحقوق بجامعة هارفارد. وبعد الماجستير عمل محامياً في مكتب شركة هوارد رايس القانونية بولاية كاليفورنيا عامي 1997 – 1998، ثم شركة دي جي فريمان بين عامي 1998 و2000. كما كان لفترة قصيرة أستاذاً زائراً للمارساة المحاماة في «سواس» بلندن.

وأما بالنسبة لحياته الزوجية، فإنه تزوّج عام 2005 من الرسامة نيكولا غرين ورزقا بصبيين وبنت. وهو يصف نفسه بأنه مسيحي ومتحدر من أصل أفريقي... وبريطاني وإنجليزي ولندني وأوروبي، كما أنه يحمل جنسية مزدوجة غيانية - بريطانية.

لامي السياسي الطموح

منذ مرحلة الشباب المبكّر انتسب لامي إلى حزب العمال ونشط في صفوفه. وفي عام 2000 دخل «مجلس لندن التمثيلي»، وانتقل بعد ذلك في عام 2002 ليشغل مقعد دائرة منطقة توتنهام، بشمال لندن، عبر انتخاب فرعي أجري لملء شغور المقعد البرلماني إثر وفاة شاغله النائب الأسود العمالي اليساري بيرني غرانت. ويومذاك، في 22 يونيو (حزيران) 2002 حصل على 53.5 في المائة من الأصوات، ومتغلباً على أقريب منافسيه بفارق 5646 صوتاً، وغدا، بالتالي، وهو في سن السابعة والعشرين أصغر أعضاء مجلس العموم سناً... واحتفظ بهذا اللقب حتى انتخاب النائبة سارة تيثر في العام التالي.

ولقد احتفظ لامي بهذا المقعد منذ ذلك الحين، كما أنه شغل عدة مناصب وزارية ثانوية في حكومتي بلير وبراون بين عامي 2002 و2010؛ إذ عيّنه بلير عام 2002 مساعد وزير دولة بوزارة الصحة العامة، وعام 2003 أصبح مساعد وزير دولة للشؤون الدستورية. ثم عيّن وزير دولة في وزارة الثقافة عام 2005، ثم نائب وزير دولة للابتكار والجامعات والمهارات عام 2007، وبين عامي 2008 و2010 شغل لامي منصب وزير دولة للتعليم العالي.

الابتعاد التدريجي عن اليسار

بعد خسارة حزب العمال انتخابات 2010، أيّد لامي انتخاب إد ميليباند لزعامة الحزب، لكنه لم يدخل «حكومة الظل»، مفضلاً البقاء خارج الصفوف القيادية. وخلال هذه الفترة كانت توجهات لامي السياسية لا تزال تعتبر عن قناعات يسارية، وهذا بالتوازي مع الصعود الحثيث للتيار اليساري المتشدد، الذي تجسّد عام 2015 بانتخاب اليساري المخضرم جيريمي كوربن زعيماً.

في عام 2012، أيّد لامي ترشيح عمدة لندن الكبرى اليساري كين ليفينغستون لتولي منصب رئيس بلدية العاصمة، بل كان ضمن فريق مستشاريه ومعاونيه. وبعدها، عام 2014 أعلن عن رغبته بالترشح لمنصب رئيس البلدية، وقال إنه يخطّط لخوض المنافسة عام 2016. ولكن خلال الانتخابات العامة عام 2015 أعيد انتخابه نائباً في مجلس العموم، معزّزاً غالبيته بحصوله على نسبة 67.3 من أصوات دائرته، ومتقدّماً على أقرب منافسيه بأكثر من 23560.

حتى بعد هزيمة حزب العمال في تلك الانتخابات، كان لامي واحداً من 36 نائباً رشحوا جيريمي كوربن لزعامة الحزب... وكان محسوباً أحد أصدقائه. إلا أن طموحه لرئاسة بلدية لندن تعرض لانتكاسة كبرى عندما حل رابعاً بين المرشحين العماليين في التصويت الترشيحي، وفي نهاية المطاف فاز برئاسة البلدية متصدّر المنافسين صديق خان، الذي ما زال يشغل المنصب.

عند هذه المحطة بدأ تحول لامي - وبعض أترابه من اليساريين - التدريجي نحو الاعتدال والوسط. وتجلّى هذا التحوّل في تأييده لتوليّ ستارمر، الشخصية القانونية ذات التوجهات الوسطية، خلال انتخابات الزعامة عام 2020. ويُذكر أن انتخابات عام 2019 شهدت هزيمة مريرة للعمال، أنهت حقبة كورين واليسار لمصلحة التيار الوسطي المدعوم بقوة من مناصري إسرائيل داخل الحزب. وبالفعل، أثمر ولاء لامي للزعيم الجديد - المقرب جداً من إسرائيل - وخطه السياسي عندما عيّن في «حكومة الظل» لحقيبة العدل وكبير القانونيين. ولاحقاً، في التعديل الذي أجري في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، انتقل لتولي حقيبة وزارة الخارجية في «حكومة الظل».

تعيينه وزيراً للخارجية

في أعقاب فوز العمال الساحق بالانتخابات الأخيرة، واحتفاظ لامي بمقعده في توتنهام، بشمال لندن، أسند رئيس الوزراء الجديد ستارمر إليه منصب وزير الخارجية رسمياً. وجاء هذا التعيين على الرغم من أن لجنة تحقيق اكتشفت عام 2022 ارتكابه من دون قصد مخالفة مسلكية، واضطر على الأثر إلى تقديم كتاب اعتذار عن المخالفة إلى مفوضة المعايير البرلمانية. أما على الصعيد السياسي، فمنذ تولي لامي منصبه الوزاري الجديد، كان بين أبرز مواقفه تأييده الصريح لأوكرانيا في الحرب الروسية عليها، ودعمه حرب إسرائيل ضد حركة «حماس»، وهو في هذا الشأن، على الرغم من تأييده وقف إطلاق النار في غزة، فإنه مثل ستارمر، ما زال يربطه بإطلاق جميع الرهائن.

الموقف من إسرائيل

أيضاً حول موضوع إسرائيل والقضية الفلسطينية، تجدر الإشارة إلى أن ديفيد لامي يُعد من أكثر أعضاء الحكومة العمالية الجديدة تلقياً للدعم المالي من جماعة «أصدقاء إسرائيل في حزب العمال». وهو، بعد هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) في غلاف قطاع غزة، زار إسرائيل في أواخر العام الفائت، تحديداً يوم 19 نوفمبر 2023، وهناك اجتمع برئيس الدولة الإسرائيلي إسحق هرتسوغ ووزير الخارجية إيلي كوهين.

وخلال ذلك الشهر، اعتبر لامي الغارة الإسرائيلية على أحد مخيمات اللاجئين في قطاع غزة «عملية مبرّرة». على الأثر، اتسمت بالسلبية علاقته بالشارع البريطاني المؤيد للقضية الفلسطينية، والمعارض لاستمرار الأعمال التهجيرية الدامية في القطاع، وأيضاً في الضفة الغربية. ومجدداً زار لامي إسرائيل يوم 14 يوليو (تموز) الحالي، والتقى في أثناء الزيارة بعائلات الرهائن الإسرائيليين الذين اختطفتهم «حماس»، وكرر من هناك المطالبة بوقف لإطلاق النار في غزة مشروط بالإفراج عن جميع الرهائن.

... ومن أوكرانيا

أما ما يخصّ أوكرانيا وانعكاسات حربها على المشهد الأوروبي، فكانت من أولى مهام ديفيد لامي وزياراته الخارجية بصفته وزيراً للخارجية البريطانية، اجتماعه بنظرائه: البولندي رادوسواف سيكورسكي، والألمانية آنالينا بيربوك، والسويدي توبياس بيلستروم، لمناقشة الوضع ومستجدات الحرب الروسية إلى جانب مواضيع أخرى. وحول علاقة بريطانيا - ما بعد «بريكست» (الخروج من الاتحاد الأوروبي)، شدد لامي الوزير لنظرائه الأوروبيين على أن الحكومة الجديدة في لندن حريصة على «إعادة ضبط» علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك تعزيز الخطط الخاصة بالأمن المشترك، وسياسات الطاقة، وأزمة تغير المناخ، ومواجهة الجوائح والأوبئة، والهجرة غير الشرعية.

ديفيد لامي، الذي يتمتع بخبرة سياسية وقانونية كبيرة، لديه أيضاً - كما سبقت الإشارة - اهتمامات أكاديمية وثقافية. وكان قد نشر خلال نوفمبر 2011 كتاباً بعنوان «بعيداً عن الرماد: بريطانيا في أعقاب اضطراب الشوارع»، تناول فيه الاضطرابات التي اجتاحت بعض المدن الإنجليزية عام 2011. ثم نشر كتاباً ثانياً من تأليفه بعنوان «قبائل» ناقش فيه أزمة الانقسامات الاجتماعية، ومدى الحاجة إلى الانتماء. ومن جهة ثانية، ظهر مقدِّماً خلال الفترة بين عامي 2022 و2024 في برنامج تلفزيوني قبل ظهر أيام الأحد. وهنا، نشير إلى أن المعلومات الموثقة عنه تفيد بأنه تلقى بين عامي 2019 و2024 أعلى دخل مادي بين النواب العماليين، إلى جانب مرتبه نائباً في مجلس العموم. من أبرز مواقف لامي في منصبه الوزاري

تأييده الصريح لأوكرانيا في الحرب الروسية عليها،

ودعمه حرب إسرائيل ضد «حماس»


مقالات ذات صلة

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

حصاد الأسبوع تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

بعد عِقد من الزمن، توافد الناخبون بإقليم جامو وكشمير، ذي الغالبية المسلمة والخاضع للإدارة الهندية، بأعداد قياسية للتصويت للحكومة المحلية في إطار انتخابات...

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع طابور اقتراع في كشمير (رويترز)

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

برز إلغاء المادة 370 وتأسيس دولة مستقلة في جامو وكشمير قضيتَين رئيسيتين في هذه الانتخابات، بينما تشكّل البطالة مصدر قلق مزمن كبير. الصحافي زاهور مالك قال: «ثمة…

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية،

ميشال أبونجم (باريس)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)

جدعون ساعر... غريم نتنياهو الذي ناصره في «حكومة الحرب»

جدعون ساعر
جدعون ساعر
TT

جدعون ساعر... غريم نتنياهو الذي ناصره في «حكومة الحرب»

جدعون ساعر
جدعون ساعر

عادّاً قرار عودته إلى الحكومة الإسرائيلية «عملاً وطنياً صحيحاً» يأتي في «أوقات صعبة مليئة بالتحديات»، تحالف النائب الليكودي جدعون ساعر من جديد مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وانضم لنصرته في «مجلس الحرب» وزيراً بلا حقيبة، وسط تكهّنات بأن المعارض اليميني «المتشدد» الذي يلقبه زملاؤه بـ«جيدي» قد يخلف وزير الدفاع يوآف غالانت، حال استقالته من منصبه. ساعر، الذي كان قد استقال من حكومة نتنياهو قبل بضعة أشهر اعتراضاً على استبعاده من «مجلس الحرب»، قال يومذاك جملته الشهيرة «لم نأت لتدفئة الكراسي». إلا أنه تراجع عن موقفه وعاد اليوم إلى الحكومة، مبرراً ذلك خلال مؤتمر صحافي لإعلان المصالحة مع حليفه وغريمه نتنياهو، بأنه «ليس من المفيد البقاء في المعارضة، بل واجبي في الوقت الحالي أن أحاول المساهمة على الطاولة حيث تُتخذ القرارات».

أثارت عودة جدعون ساعر إلى الحكومة الإسرائيلية جدلاً واسعاً، وشكلت تناقضاً سافراً لمواقف سبق أن أعلنها في خضم خلافه المحتدم مع نتنياهو ضمن كتلة «الليكود» النيابية. وهو الأمر الذي لم ينكره ساعر، إذ قال: «أمضينا أنا وبيبي (نتنياهو) سنوات من الشراكة الجيدة والوثيقة جداً، وكانت هناك أيضاً سنوات من الخلافات الشخصية والسياسية، لكن منذ صباح 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لم يعد لهذا الخلاف أهمية»، وهذا ما أقرّ به أيضاً نتنياهو عندما ردّ: «وضعنا ضغائن الماضي خلفنا».

نشأة في «كيبوتز»

ولد جدعون ساعر في تل أبيب يوم 9 ديسمبر (كانون الأول) 1966. وهو الابن الأكبر لأم من يهود بُخارى (في أوزبكستان) تعمل في التدريس، وأب طبيب جاء إلى إسرائيل من الأرجنتين. ولقد نشأ جدعون في مستوطنة تعاونية (كيبوتز)، واعتاد أن يرافق والده في زيارات إلى بيت ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، إذ كان أبوه الطبيب الخاص لبن غوريون.

بدأت ميول جدعون ساعر السياسية في وقت مبكر، وإبان مرحلة تعليمه الثانوي انضم إلى حركة «هتحيا»، وترأس فرع الشباب فيها، وهي الحركة التي تحوّلت فيما بعد إلى حزب سياسي يميني متطرّف بين عامي 1979 و1992، أسّسه إسرائيليون يمينيون معارضون لاتفاقية «كامب ديفيد»، وظل قيادياً ناشطاً في ذلك الحزب إلى أن التحق فيما بعد بصفوف حزب «الليكود» (التكتل) اليميني. أما في مرحلة الدراسة الجامعية، فقد حاز ساعر درجة بكالوريوس في العلوم السياسية وبكالوريوس في الحقوق من جامعة تل أبيب. وبما يتصل بخدمته العسكرية، فإنه خدم في الجيش الإسرائيلي جندي مشاة في وحدة «غولاني»، وبعد إصابته أكمل خدمته ضابط استخبارات.

محام وصحافي

عمل ساعر في مهن عدة، وتدرّج في عدة مناصب. ولقد بدأ حياته العملية في المجال الحقوقي مساعد نائب عام، ثم عمل محامياً في النيابة العامة لمنطقة تل أبيب. وفي عام 1999، عندما كان في الثانية والثلاثين من عمره عيّن أميناً لمجلس الوزراء في حكومة نتنياهو الأولى، وهو المنصب الذي شغله أيضاً في حكومة أريئيل شارون الأولى. أيضاً سبق لساعر أن عمل صحافياً في وسيلتين إعلاميتين يساريتين. وإبان «الانتفاضة الفلسطينية الثانية»، شغل أيضاً منصب سكرتير مجلس الوزراء، وترأس وفد إسرائيل إلى الأمم المتحدة مركزاً على منع تشكيل لجنة تحقيق دولية في معركة جنين ضمن «عملية الدرع الواقي» التي نفذتها القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية من أجل القضاء على «الانتفاضة». وكان ممثلاً للحكومة في الكنيست؛ حيث روّج لتشريعات عدة متعلقة بالقضايا الأمنية والسياسية الحساسة. وفي عام 2002 انتخب عضواً في الكنيست للمرة الأولى، وكان رئيساً لكتلة «الليكود» البرلمانية ورئيساً للائتلاف اليميني. هذا، وبرز ساعر في «الليكود» خلال فترة توليه السلطة، وقاده أيضاً في زمن المعارضة بعد خسارة الحزب انتخابات عام 2005. وكان من الشخصيات الرئيسية والمؤثرة في إعادة تأهيل «الليكود» للفوز في انتخابات 2009. وحقاً، في ذلك العام عيّن وزيراً للتربية والتعليم، كما صار عضواً في «مجلس الوزراء الأمني». ثم في عام 2013 عيّن وزيراً للداخلية.

استراحة أسرية

عام 2014، بعد زواجه من الإعلامية اليسارية غيئولا إيبن، قرّر ساعر أخذ استراحة من العمل السياسي وتكريس وقته لرعاية أطفاله من زواجه الأول وأطفال زوجته الجديدة، دانييلا وألونا وديفيد وشيرا. وخلال هذه الفترة، تعمّق في متابعة قضايا الأمن القومي الإسرائيلي، وصار زميلاً في «المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي»، كما عمل محاضراً في قضايا الحكومة والإصلاح في كلية «أونو الأكاديمية»، ومستشاراً خاصاً لإحدى شركات المحاماة.

وبالفعل، عاش ساعر مع أسرته، إبان هذه الفترة، في شقة بتل أبيب «مليئة بألعاب الأطفال الملوّنة والمراهقين الصاخبين»، وفق وصف صحيفة «الواشنطن بوست» في حوار أجرته معه عام 2017، كذلك نقلت الصحيفة عنه قوله إنه «يريد التركيز على عائلته ونفسه، على الأقل لفترة من الوقت، تاركاً الباب مفتوحاً لعودته للسياسة يوماً ما». وأردف: «عندما استقلت من الحكومة والكنيست في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 كان من الواضح أنني سأعود... وكان السؤال الوحيد هو متى». ثم تابع في حواره مع الصحيفة الأميركية: «لست في عجلة من أمري لكي أصبح رئيساً للوزراء، لكنني قلت بوضوح عند عودتي إنني أعتزم قيادة الحزب والبلاد في المستقبل». وبالضبط، بعد نحو خمس سنوات، قرر ساعر العودة للسياسة وانتخب على قائمة «الليكود» في الكنيست.

مواقف «متشددة»

يُعرف ساعر بمواقفه اليمينية الحادة والمعارضة، فهو رفض خطة الانسحاب من قطاع غزة، وتنازل عن منصبه في رئاسة كتلة الائتلاف في الكنيست أيام أريئيل شارون، إثر تنفيذ خطة «فك الارتباط». وأيضاً من آرائه ومواقفه المتشددة، معارضته الشديدة «حل الدولتين». وفي هذا الشأن قال في حوار مع «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» – القريب جداً من إسرائيل – عام 2021 إنه «يدعم أقصى قدر من الحكم الذاتي للفلسطينيين ليحكموا حياتهم، مع الحدّ الأدنى من القدرة على إلحاق الضرّر بأمن دولة إسرائيل». وتكلّم عن «الحاجة لعنصر إقليميّ، مع دمج الدولتَين المجاورتَين، الأردن ومصر، في الحلول نفسها»، عبر ما وصفه باتفاقيات «ثلاثية الأطراف في بعض القضايا؛ بشأن السياحة والاقتصاد والبيئة وقضايا أخرى».

وبالنسبة للاستيطان، يدعم ساعر بناء المستوطنات في الضفة الغربية مع ضم أجزاء من الضفة الغربية. وسبق أن أوضح خلال لقاء مع صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عام 2018 أن «إقامة دولة فلسطينية على بعد أميال قليلة من مطار بن غوريون والمراكز السكانية الرئيسية في إسرائيل من شأنها أن تخلق خطراً أمنياً وديموغرافياً على إسرائيل».

وحيال «حرب غزة»، حثّ ساعر حكومته على «اتخاذ إجراء عسكري أكثر قوة في غزة»، وهو ما من شأنه حسب رأيه «تقصير فترة الحرب». وعدّ في مقال نشره موقع «بوليتيكو» في نوفمبر 2023 أن «الصراع بين حماس وإسرائيل حرب للغرب أيضاً... ومنذ الثورة الإيرانية عام 1979، أصبح الإسلام الراديكالي منافساً آيديولوجياً للغرب الديمقراطي». وأضاف أن «الصبر والتسامح تجاه الآيديولوجية المتطرّفة التي لا تعترف بشرعية أسلوب حياتكم (أي الغرب) هما أكبر عدوّ للسلام والتعايش».

حليف نتنياهو وغريمه

في الواقع، يحمل جدعون ساعر سمات شخصية مزدوجة، وقد وصفته صحيفة «هآرتس» عام 2020 بأنه في آن معاً «علماني رائع من تل أبيب... وقومي مؤيد للمستوطنين».

ولعل تناقضات شخصية ساعر المثيرة للجدل تظهر بوضوح في علاقته بـ«بيبي» نتنياهو، الذي ظل لسنوات طويلة داعماً له بصفته عضواً في «الليكود»، أو سكرتيراً لرئيس الوزراء ووزيراً في حكومات نتنياهو المختلفة. لكن هذا التحالف سرعان ما انفضّ كاشفاً عن «ضغينة شديدة» يكنّها ساعر ضد رئيسه السابق، إذ انفصل عن «الليكود» وشكّل حزباً جديداً لمنافسة حليفه السابق في الانتخابات، ما «يضع العقل السياسي الماكر ضد معلمه السابق في معركة شخصية عميقة غارقة في مظالم الماضي»، بحسب تقرير لوكالة «الأسوشييتد برس» عام 2021. والحقيقة أن الخلاف مع نتنياهو مر بمراحل عدة، كانت الأولى عندما خاض الانتخابات التمهيدية لقيادة «الليكود» ضده عام 2019، لكنه لم يستطع يومذاك الحصول على زعامة الحزب، فقرر عام 2020 الاستقالة من الكنيست والحزب، وتأسيس حزب «تكفا هداشا» (الأمل الجديد)، الذي خاض انتخابات 2021 وحصل على 6 مقاعد في الكنيست، ومن ثمّ، لعب دوراً في تشكيل «حكومة وحدة» بديلة لإسرائيل، ليشغل في البداية منصب نائب رئيس الوزراء ووزير العدل.

وللعلم، وصف ساعر دائماً بأنه «قومي متشدد» وكان يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه «وريث لقيادة حزب الليكود»، لكنه بعد تحديه الفاشل لنتنياهو في سباق الزعامة، ومن ثم حرمانه من أي منصب حكومي عقاباً له، انفصل عن الحزب وأعلن أن «هدفه هو الإطاحة بنتنياهو لتحويله حزب الليكود أداةً للبقاء الشخصي».

ولكن، في أكتوبر الماضي، وافق ساعر على طلب نتنياهو تشكيل «حكومة موسّعة»، بيد أنه سرعان ما ترك الحكومة في مارس (آذار) الماضي، بعد رفض «بيبي» السماح له بالانضمام إلى «حكومة الحرب»، وقال حينذاك إنه لن يستطيع «تحمّل المسؤولية طالما أنه ليس لدي أي تأثير، فنحن لم نأت إلى الحكومة لتدفئة الكراسي».

مع هذا، عاد ساعر مرة أخرى ليتراجع، وأعلن في29 سبتمبر (أيلول) الماضي عودته إلى الحكومة الإسرائيلية، فيما عُدّ «نُصرة» لنتنياهو تتيح له توسيع غالبيته مع دعم أربعة نواب إضافيين.