بدر عبد العاطي... «مهندس العلاقات الأوروبية» يترأس «الخارجية المصرية»

دبلوماسي مخضرم بدأ حياته باحثاً سياسياً

بدر عبد العاطي... «مهندس العلاقات الأوروبية» يترأس «الخارجية المصرية»
TT

بدر عبد العاطي... «مهندس العلاقات الأوروبية» يترأس «الخارجية المصرية»

بدر عبد العاطي... «مهندس العلاقات الأوروبية» يترأس «الخارجية المصرية»

متعهداً بـ«استكمال مسيرة من سبقوه»، تسلّم الدبلوماسي المخضرم الدكتور بدر عبد العاطي مهام عمله وزيراً للخارجيّة والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، ضمن حكومة الدكتور مصطفى مدبولي الجديدة التي أدّت اليمين الدستورية في الثالث من يوليو (تموز) الحالي.

عبد العاطي، الذي لقبته الصحافة المحلية بـ«مهندس العلاقات المصرية - الأوروبية»، ووصفه سياسيون بـ«الرجل العصامي المجتهد»، تسلّم زمام الدبلوماسية المصرية في ظرف استثنائي يجعله مضطراً للتعامل مع تحديات عدة؛ بغية «الدفاع عن مصالح بلاده وأمنها القومي». وهو الهدف الذي وضعه الوزير الجديد نصب عينيه، مؤكداً في أول تصريحاته الصحافية بصفته وزيراً للخارجيّة اعتزامه «مواصلة مسيرة تعزيز العلاقات مع شركاء بلاده الإقليميين والدوليين والدفاع عن القضايا العربية والأفريقية في مختلف المحافل»، مقتنعاً بأن «الدبلوماسية المصرية العريقة قادرة على أن ترسو بالبلاد على بر الأمان وسط التحديات الإقليمية والدولية المتفاقمة».

ويقود عبد العاطي دفة السياسة الخارجية المصرية، وسط تعويل كبير على خبراته الدبلوماسية العملية التي امتدّت لنحو 35 سنة، وامتزجت بدراسة أكاديمية للعلوم السياسية، مع توقعات بأن تكون طريقته في الأداء أقرب لمدرسة وزير الخارجية الأسبق rnعمرو موسى.

باحث ودبلوماسي

ولد بدر عبد العاطي في الثامن من فبراير (شباط) عام 1966 في مدينة أسيوط بصعيد مصر، لأسرة متوسطة بسيطة. وكان متفوقاً في كل مراحل دراسته، الأمر الذي أهله للالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، التي تعد إحدى «كليات القمة»، نظراً لاشتراطها حصول الطالب على درجات مرتفعة في امتحان الثانوية العامة.

تخرّج عبد العاطي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية حاصلاً على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية عام 1987. وبدأ حياته المهنية باحثاً في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» خلال الفترة بين1987 و1989، والمركز واحد من أهم مراكز الأبحاث السياسية في الشرق الأوسط. وفي تلك الفترة كتب عبد العاطي العديد من الأوراق البحثية في مجال السياسة الدولية. غير أن وظيفة الباحث السياسي لم ترض طموحه المهني، ما دفعه للتقدم لاختبارات التوظيف بوزارة الخارجية في عام 1989، وهي الاختبارات التي نجح فيها بتفوق كعادته، وكان «الأول على دفعته رغم عدم امتلاكه واسطة ذات شأن»، بحسب تأكيد أصدقائه.

تنقلات بين القاهرة وعواصم عالمية

عمل بدر عبد العاطي في وظيفة ملحق بوزارة الخارجية المصرية حتى عام 1991، قبل أن ينتقل إلى العمل سكرتيراً ثالثاً في السفارة المصرية بتل أبيب حتى عام 1995، وهناك كان مسؤولاً عن شؤون إسرائيل الداخلية وعملية السلام في الشرق الأوسط. وعقب انتهاء عمله في تل أبيب عاد عبد العاطي إلى ديوان وزارة الخارجية بالقاهرة، بعدما ترقّى لدرجة سكرتير ثانٍ، وعمل مساعداً لوزير الخارجية لشؤون التعاون الاقتصادي الإقليمي في الشرق الأوسط.

خلال تلك الفترة، حرص عبد العاطي على صقل مهاراته الدبلوماسية العملية بالدراسات الأكاديمية، حيث حصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة القاهرة عام 1996، وقد ركز موضوعها على السياسة الخارجية المصرية تجاه فلسطين. وجاء حصوله على الدرجة العلمية الأكاديمية في العام ذاته الذي كان فيه عضواً في الوفد المصري إلى المؤتمر الاقتصادي للشرق الأدنى والأوسط وشمال أفريقيا بالقاهرة.

وبعدها، عام 1997 التحق عبد العاطي بالسفارة المصرية في طوكيو في وظيفة سكرتير ثاني، وكان مسؤولاً في الوقت ذاته عن الشؤون الأفريقية وعملية السلام في الشرق الأوسط وإيران. قبل أن يعود مرة أخرى إلى ديوان وزارة الخارجية عام 2001، سكرتيراً أول، مع احتفاظه بالمسؤولية عن الشؤون الأفريقية وعملية السلام في الشرق الأوسط. وفي تلك الفترة استكمل دراسته الأكاديمية، فحصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة القاهرة عام 2003، كما عمل محاضراً في «أكاديمية ناصر العسكرية». وأيضاً، في ذلك العام انتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية للعمل مستشاراً سياسياً في سفارة بلاده في واشنطن، وكان مسؤولاً عن ملفي الشؤون الأفريقية والكونغرس. ثم عاد إلى مصر عام 2007، لكن هذه المرة بصفته رئيساً لقسم فلسطين بوزارة الخارجية.

في عام 2008، أصبح عبد العاطي نائباً لرئيس البعثة الدبلوماسية المصرية في بروكسل، وظل هناك حتى عام 2012، حين عاد إلى مصر ليشغل منصب نائب وزير الخارجية المسؤول عن الاتحاد الأوروبي وأوروبا الغربية واتحاد التنسيق الوطني في البحر الأبيض المتوسط. ويرى مراقبون أن أسباب تنقل عبد العاطي في هذه المناصب المتعددة تعود أولاً إلى «جهده وعمله الدؤوب»؛ لأنه رجل «غير روتيني»، يمارس عمله بحب.

الناطق الرسمي

من جهة ثانية، على الرغم من كل الوظائف السابقة، لم يبرز اسم عبد العاطي على الساحة المحلية إلا عقب تعيينه ناطقاً باسم وزارة الخارجية في يونيو (حزيران)، وهي الوظيفة التي ظل فيها حتى عام 2015. وهذه الفترة جعلته يحتك بالأوساط الإعلامية، لا سيما مع «حرصه الدائم على التواصل ليلاً ونهاراً»، وفق كلام صحافيين وإعلاميين عاصروه في تلك الفترة. أيضاً، وبينما تثير طريقته الحماسيّة في الاشتباك مع الأحداث السياسية إعجابَ البعض كونها تكسب العمل الدبلوماسي «زخماً إعلامياً»، فإن البعض الآخر ربما يخشون «حدّته» في التعامل مع بعض القضايا أحياناً. وهم في هذا يستندون إلى حوار تلفزيوني أجراه عبر الهاتف عندما كان ناطقاً باسم الخارجية، أظهر خلاله حدة في الرد، في مسعى للتأكيد على سرعة استجابة وزارته لاتصالات المصريين العالقين في ليبيا.

... وسفيراً لدى ألمانيا

في سبتمبر (أيلول) عام 2015، عيّن عبد العاطي سفيراً لمصر لدى ألمانيا، في فترة كانت تشهد فتوراً في العلاقات بين البلدين عقب «ثورة 30 يونيو» التي أطاحت بحكم «الإخوان» في مصر عام 2013. وفي مايو (أيار) 2016، استدعته وزارة الخارجية الألمانية لـ«إبداء عدم فهمها السبب وراء إغلاق مكتب مؤسسة ألمانية في القاهرة». وطالبت بإعادة فتح مكتب مؤسسة «فريدريش نومان» المرتبطة بحزب الديمقراطيين الأحرار الليبرالي.

وبالفعل، عمل عبد العاطي لمدة أربع سنوات أمضاها في ألمانيا بين عامي 2015 و2019 على استعادة العلاقات بين القاهرة وبرلين. وظهر مدافعاً عن صورة بلاده، وموجّهاً انتقادات علنية لمنظمات حقوقية دولية انتقدت أوضاع حقوق الإنسان في مصر. وبالنسبة لعبد العاطي، فإن العلاقات مع ألمانيا «تقوم على شراكة استراتيجية حقيقية، ووضع مربح يجلب منافع متبادلة، وهي ليست علاقة بين مانح ومتلقٍّ».

وبالفعل، شهدت العلاقات بين البلدين تطوراً ملحوظاً إبان فترة عمل عبد العاطي؛ إذ زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ألمانيا أربع مرات. وزارت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل مصر مرتين. كما وُقعت أول اتفاقية بين القاهرة وبرلين لتعزيز التعاون في مجال مكافحة «الهجرة غير المشروعة».

ويبدو أن تقدير نجاح عبد العاطي في ألمانيا لم يكن مقصوراً على المصريين، ففي أكتوبر (تشرين الأول) 2020 منحته ألمانيا وسام «صليب الاستحقاق الأكبر»؛ لأنه «برهن خلال فترة عمله سفيراً لمصر في ألمانيا، على مدى أهمية مواصلة تعزيز العلاقات بين البلدين»، وفق سفير ألمانيا في القاهرة في ذلك الوقت سيريل نون.

حملة انتقادات

في المقابل، تعرّض عبد العاطي خلال فترة عمله سفيراً لمصر في ألمانيا لانتقادات وحملات «تشويه» تداولها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي ونقلتها وسائل إعلام محلية، وصلت حد اتهامه بـ«الاختلاس» والادعاء بأنه جرى إبعاده عن منصبه في برلين، الأمر الذي دفع وزارة الخارجية المصرية لإصدار بيان في مايو 2017، أكّدت فيه «نفيها القاطع توجيه أي اتهامات بالاختلاس لسفير مصر في برلين، أو تسجيل إحدى سيارات السفارة باسم السفير المصري»، ليبقى عبد العاطي سفيراً لبلاده لدى ألمانيا سنتين أُخريين بعد هذه الواقعة.

ورداً على تلك الاتهامات، أصدرت الجالية المصرية في ألمانيا بياناً في الشهر ذاته، أعربت خلاله عن «رفضها لحملة التشويه التي يتعرّض لها عبد العاطي»، مؤكدة أنه «أفضل من تولى هذا المنصب الرفيع في توقيت حرج للغاية، ونجح بامتياز في تحسين صورة مصر والمصريين وإعادة العلاقات المصرية - الألمانية إلى سابق عهدها».

الشراكة الأوروبية

ومن ثم، بعد انتهاء عمله في ألمانيا عاد عبد العاطي إلى القاهرة، حيث شغل منصب مساعد الوزير للشؤون الأوروبية. ثم اختير سفيراً لدى بلجيكا ودوقية لوكسمبورغ، ومندوباً لمصر لدى «الاتحاد الأوروبي» وحلف شمال الأطلسي «الناتو»، خلال مارس (آذار) 2022. وحقاً، لم تمنعه علاقاته الطيبة مع أوروبا من توجيه انتقادات للغرب ولميوله من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهي انتقادات تناقلتها وسائل إعلام غربية أبرزت اتهامه للغرب بالانحياز لإسرائيل، ما يضر بسمعته في الشرق الأوسط.

هذه الانتقادات للسياسات الغربية لم تقف - بدورها - حائلاً دون تحسين علاقات بلاده مع أوروبا، وهي العلاقات التي يعدّها عبد العاطي «مهمة» لاعتبارات عدة؛ ذلك أنه يرى أن «أوروبا تحتاج إلى مصر بوصفها دولة محوَرية وركيزة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وبوابة الدخول إلى القارة الأفريقية، إضافة إلى دورها في مكافحة الإرهاب والهجرة غير المشروعة. وفي المقابل، تحتاج مصر لأوروبا بوصفها شريكاً مهماً في التنمية والتحديث، ومصدراً رئيساً للاستثمار والتكنولوجيا والتدريب وأكبر سوق مصدر للسياحة إلى مصر». وفعلاً نجح عبد العاطي في تعزيز علاقات مصر مع الاتحاد الأوروبي، وكان له دور بارز في المباحثات التي أدت في النهاية إلى ترفيع العلاقات بين الجانبين إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية والشاملة»، خلال قمة مصرية - أوروبية استضافتها القاهرة في مارس الماضي.

إنها حقبة جديدة في العمل الدبلوماسي المصري بدأت بتولي بدر عبد العاطي حقيبة الخارجية، وبينما لا يُنتظر أن تشهد الفترة المقبلة تغيّرات في السياسة الخارجية المصرية، المرتبطة بمدرسة دبلوماسية عريقة وثوابت لا تتغير بتغير الأشخاص، يتوقع مراقبون نشاطاً متزايداً في ملفات عدة على رأسها الشراكة مع أوروبا، إضافة إلى الملفات الرئيسة الأخرى على أجندة السياسة المصرية مثل فلسطين وليبيا والسودان و«سد النهضة» الإثيوبي. القاهرة: فتحية الدخاخني


مقالات ذات صلة

«صراع الأضداد» في فرنسا يحمى وطيسه

حصاد الأسبوع ميلونشون يحيي مناصريه اليساريين (آ ف ب /غيتي)

«صراع الأضداد» في فرنسا يحمى وطيسه

فرنسا غارقة اليوم في أزمة سياسية - مؤسساتية لم تعرف مثيلاً لها منذ ستينات القرن الماضي التي أفضت وقتها وتحديداً يوم 28 أبريل (نيسان) 1969 إلى استقالة رئيس الجمهورية، الجنرال شارل ديغول، مؤسس «الجمهورية الخامسة» الذي كان في السلطة في عامه الحادي عشر. وما بين ذلك التاريخ واليوم، تَعاقب على السلطة سبعة رؤساء: جورج بومبيدو وفاليري جيسكار ديستان وفرنسوا ميتران وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرنسوا ميتران والرئيس الحالي إيمانويل ماكرون الذي انتُخب لولاية أولى ربيع عام 2017. وخلال هذه العهود، استقر في قصر الأليزيه رؤساء من اليمين ومن اليسار وعرفت فرنسا ثلاث مراحل مما يسمى «التعايش» أو «المساكنة» بين رئيس للجمهورية ينتمي إلى معسكر سياسي ورئيس حكومة من معسكر آخر.

حصاد الأسبوع عمرو موسى

وزراء تعاقبوا على حقيبة الخارجية المصرية

> يمتد تاريخ وزارة الخارجية المصرية لأكثر من مائة سنة، تعاقب خلالها على قيادة دفة الدبلوماسية المصرية أكثر من 40 وزيراً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع  رئيس الوزراء المنغولي في لقاء آخر مع الرئيس الصيني شي جينبينغ (تشينخوا)

انتخابات منغوليا وانعكاساتها مع «جاريها العملاقين»... الصين وروسيا

بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة في منغوليا، الدولة الآسيوية غير الساحلية، شُكّلت حكومة ائتلافية برئاسة رئيس الوزراء لوفسان نامسراي أويون-إردين، بعدما حرم الناخبون الساخطون «حزب الشعب المنغولي» الحاكم من الغالبية البرلمانية، وإرغام لوفسان نامسراي على تشكيل حكومة ائتلافية مع أحزاب المعارضة. وللعلم، حصل الحزبان المنافسان الرئيسان، أي «الحزب الديمقراطي» وحزب «خون»، على مقاعد كثيرة في البرلمان، لكنهما لم يتمكنا من تحدّي حكومة «حزب الشعب المنغولي».

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع المصفحة الرسمية بين الرئيسين فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون في بيونغ يانغ (رويترز)

شراكة بوتين «الاستراتيجية» مع بيونغ يانغ توسّع المواجهة مع الغرب

قد تشكّل الزيارة «التاريخية»، كما وصفتها موسكو وبيونغ يانغ، للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية، نقطة تحوّل رئيسية في الصراع المتفاقم بين روسيا

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع  اعتمد آرسي فور تسلمه السلطة «قسيمة الجوع» لجميع المواطنين البالغين من غير ذوي الدخل الثابت... وقرّر تمويلها من ضريبة فرضها على أصحاب الثروات الكبرى

لويس آرسي... رئيس بوليفيا الاشتراكي قائد سفينة الاقتصاد

في صبيحة الأربعاء من الأسبوع الماضي، اقتحمت ناقلة جند مصفحة بوابة مقر رئاسة الحكومة البوليفية في العاصمة لاباز، وعلى متنها القائد العام للقوات المسلحة الجنرال

شوقي الريّس (مدريد)

بوليفيا: المحاولة الانقلابية... وخلفية الصراعات المتنوعة

الجنرال زونيغا، قائد المحاولة الانقلابية الفاشلة، قيد الاعتقال (رويترز)
الجنرال زونيغا، قائد المحاولة الانقلابية الفاشلة، قيد الاعتقال (رويترز)
TT

بوليفيا: المحاولة الانقلابية... وخلفية الصراعات المتنوعة

الجنرال زونيغا، قائد المحاولة الانقلابية الفاشلة، قيد الاعتقال (رويترز)
الجنرال زونيغا، قائد المحاولة الانقلابية الفاشلة، قيد الاعتقال (رويترز)

> يصعب فهم ملابسات المحاولة الانقلابية «الفاشلة» التي شهدتها بوليفيا يوم 26 يونيو (حزيران) الماضي، ودامت أقل من ساعتين، من غير الرجوع إلى الأجواء السياسية المشحونة بين اليمين واليسار التي لازمت انتخاب لويس آرسي رئيساً للجمهورية، وإلى الصراع الشخصي الذي يدور منذ سنوات بين آرسي والرئيس الأسبق إيفو موراليس الزعيم المؤسس لحزب «الحركة من أجل الاشتراكية».

المعارضة اليمينية المتطرفة لا تزال ترفض الاعتراف بفوز آرسي في الانتخابات الرئاسية، وتلجأ إلى جميع الوسائل المتاحة لها للإعراب عن هذا الرفض، ومنها عرقلة نشاط الحكومة ومحاولة إسقاطها أو تقصير ولاية الرئيس. وتستند هذه المعارضة إلى تأييد شريحة واسعة من الطبقات الوسطى والغنية في المناطق الحضرية التي كانت اتّهمت موراليس بمحاولة العودة إلى السلطة للمرة الثالثة في عام 2019، وخرجت ضده في مظاهرات حاشدة شلّت البلاد وأجبرته على الهروب إلى الخارج بعدما تسلمّت السلطة بصورة مؤقتة النائبة الثانية لرئيس مجلس الشيوخ جانين آنيز، قبل أن تُمنَى بهزيمة انتخابية مدوّية في العام التالي... حملت آرسي إلى رئاسة الجمهورية.

أما الصراع الدائر بين آرسي وموراليس، فهو يعود إلى اليوم الذي تسلّم فيه الأول مهامه رئيساً للجمهورية في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 عندما تعمّد في خطاب التسلّم إغفال ذكر اسم موراليس، الذي كان عاد لتوّه من منفاه السياسي في الأرجنتين لحضور حفل تنصيبه، الذي كان أصلاً صاحب قرار ترشيحه.

الرئيس السابق ايفو موراليس (رويترز)

المراقبون يرون أن الخطأ الذي ارتكبه آرسي يومها كان فادحاً، نظراً للنفوذ الواسع الذي يتمتع به موراليس على الصعيدَين الشعبي والحزبي، ولأن الحزب يفتقر إلى الآليات الداخلية التي تسمح له بحسم مثل هذا الخلاف، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم الأزمة بينهما. وفعلاً، بلغت هذه المواجهة ذروتها عندما أصدرت المحكمة الدستورية قرارها، بتحريض من آرسي، بإعلان انعدام أهلية موراليس للترشح مرة أخرى للانتخابات الرئاسية في العام المقبل.

وفي هذا المجال يعدّ أنصار آرسي أن ثمة تبايناً عميقاً بين الطرفين. إذ ينظر موراليس إلى التيار الاشتراكي البوليفي من بابه الشخصي بوصفه مؤسساً له، بينما ينظر إليه تيّار «التجديدين» بوصفه مجموعةً من التنظيمات الاجتماعية المتجانسة التي تربطها مصالح وأهداف مشتركة. كذلك يأخذ أنصار موراليس على آرسي أنه «يلعب في ساحة اليمين السياسي»، ويطمح إلى السيطرة على قاعدة اجتماعية ليست له، «متجاهلاً المبادئ الثورية التي قام عليها التيّار من أجل الاشتراكية».

وبالتالي، يرى مراقبون أن هذه الأزمة العميقة داخل الحزب الحاكم، التي خلّفت تداعيات واسعة على نشاط الحكومة والبرلمان - الذي يعاني من حالة شلل تام منذ فترة - وضعت البلاد في حال من الفوضى السياسية وانعدام الاستقرار، كانت محاولة الانقلاب من أعراضها الطبيعية.

إلا أن آرسي قال في تصريحات صحافية بعد ساعات على إعلانه فشل المحاولة الانقلابية «إن ثمّة مصالح أجنبية ومحلية واضحة تسعى للوصول إلى السلطة في بوليفيا من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية». وأردف: «تملك بوليفيا أكبر مخزون عالمي من مادة الليثيوم، وموارد ضخمة من العناصر الأرضية النادرة... وفهمكم كفاية».

وجاءت هذه التصريحات بعد تسريبات على لسان مقرّبين من قائد الانقلاب تزعم أن آرسي هو الذي كان وراء تدبيره لهدفين: الأول امتصاص الاحتقان الشعبي المتزايد. والثاني قطع الطريق على موراليس لجهة تجاوز قرار المحكمة الدستورية والترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، خصوصاً أن القوات المسلحة لم تستسغْ أبداً تعاظم نفوذ السكان الأصليين الذين حملوا موراليس إلى الرئاسة.