انتخابات منغوليا وانعكاساتها مع «جاريها العملاقين»... الصين وروسيا

فيها أكبر عدد من النساء البرلمانيات في آسيا

 رئيس الوزراء المنغولي في لقاء آخر مع الرئيس الصيني شي جينبينغ (تشينخوا)
رئيس الوزراء المنغولي في لقاء آخر مع الرئيس الصيني شي جينبينغ (تشينخوا)
TT

انتخابات منغوليا وانعكاساتها مع «جاريها العملاقين»... الصين وروسيا

 رئيس الوزراء المنغولي في لقاء آخر مع الرئيس الصيني شي جينبينغ (تشينخوا)
رئيس الوزراء المنغولي في لقاء آخر مع الرئيس الصيني شي جينبينغ (تشينخوا)

كان الفساد القضية الأبرز في الانتخابات المنغولية، ولقد سبق أن شهدت العاصمة أولان باتار احتجاجات كبيرة في ديسمبر (كانون الأول) 2022؛ إثر الكشف عن فساد وصفقات جانبية في شركة مملوكة للدولة تزوّد العملاء الصناعيين الصينيين بالفحم.

للعلم، السياسة في منغوليا تجري في إطار ديمقراطية تمثيلية شبه رئاسية متعددة الأحزاب. إذ تضطلع الحكومة بالسلطة التنفيذية التي يرأسها رئيس الوزراء، أما رئيس الجمهورية فهو رأس الدولة، لكنه يملك سلطة محدودة على السلطة التنفيذية للحكومة، كحال معظم الديمقراطيات في معظم أوروبا. وبينما السلطة التشريعية تتمثّل بالبرلمان، تستقل السلطة القضائية بعملها عن السلطتين التنفيذية والتشريعية.

السياسة الخارجية منذ إنشاء الدولة المنغولية الحديثة كانت سياستها الخارجية في الغالب تمليها العلاقات الدبلوماسية بين «جاريها العملاقين» الاتحاد السوفياتي والصين. وإبان الانقسام العقائدي بين موسكو وبكين، من الستينات إلى أواخر الثمانينات، اختارت منغوليا جانب موسكو ضد بكين، وكانت الحليف الأكثر موثوقية لدى الاتحاد السوفياتي في آسيا.

وفي ورقة بحثية بعنوان «أفضل صديق للسوفيات في آسيا: البُعد المنغولي للانقسام الصيني السوفياتي (2003)»، كتب المؤرخ الروسي البريطاني سيرغي رادتشينكو: «اتخذ المنغوليون إزاء بكين موقفاً عميقاً ومتجذراً من اللاثقة، مربوطاً بالإرث الاستعماري للصين في منغوليا والتاريخ الطويل للمواجهة الصينية المنغولية». لكن العلاقات الثنائية شهدت دفئاً خلال ثمانينات القرن الماضي، واليوم أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لمنغوليا.

أما الكاتب الصحافي الهندي فيناكات أنانث فيقول «منغوليا كانت على مدى السنوات الثلاثين الماضية ناجحة إلى حد ما في اعتماد سياسة خارجية مستقلة تتحرك عبر تأثيرات الجارتين روسيا والصين. وفي الوقت نفسه، أبقت أيضاً على شراكات ثنائية استراتيجية مع روسيا والصين، للحفاظ على علاقات ودية ومتوازنة وتجنّب استفزاز جيرانها الأقوياء. واليوم تعود أهميتها المتزايدة - سيما في نظر الصين وروسيا - إلى الموارد الطبيعية التي تمتلكها. وبالفعل، زادت الضغوط المتزايدة التي مارستها الصين بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ورغبتها في تنويع شركائها الاقتصاديين من أهمية منغوليا».العلاقات الروسية المنغوليةطوال القرن العشرين، كان النفوذ الروسي والسوفياتي على منغوليا عاملاً مهيمناً على تنميتها الوطنية، وسط تنافس الصينيين والروس على السيطرة على الأراضي الحدودية المنغولية. وما يذكر أن منغوليا غدت أول دولة شيوعية في آسيا، وثاني دولة شيوعية في العالم بعد روسيا، إثر استقلالها عن الصين عام 1921 بمساعدة روسيا وتشكيل حكومة شعبية عام 1924 تحت اسم «جمهورية منغوليا الشعبية». وعلى الأثر صارت منغوليا حليفاً وثيقاً لموسكو.

ولكن، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 ونهاية «الحرب الباردة»، فجأة تراجع النفوذ السوفياتي. ولاحقاً، خرجت أولان باتار على الخط التقليدي المتمثل في الاعتماد على الروس في بناء علاقات مع الصين، أقله في المجال الاقتصادي والتجاري. وكان الأمر كذلك، لأنه في السنوات الأولى من فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي، وقعت روسيا في أزمات سياسية واقتصادية عميقة جعلتها منشغلة بإصلاح مشاكلها.زيارة بوتينشاراد سوني، الأستاذ في جامعة «جواهر لال نهرو» في العاصمة الهندية نيودلهي، والخبير في الشؤون المنغولية، يرى أن «الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتخذ مواقف إيجابية تجاه منغوليا في السنوات الأخيرة، وأدرك كلا البلدين أن التعاون القائم على حسن الجوار بينهما ضروري لإبعاد الصينيين عن ممارسة أي دور مهيمن في منغوليا. وبدأت ممارسة إحياء العلاقات بين الجانبين عملياً عندما زار بوتين منغوليا عام 2000، وكانت الزيارة الأولى لزعيم روسي منذ زيارة الرئيس ليونيد بريجينيف عام 1974. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، طغت الديون الضخمة التي كانت مستحقة لروسيا على منغوليا من الحقبة السوفياتية على العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية لمنغوليا إلى حد ما. وألغت الحكومة الروسية 98 في المائة من هذه الديون، التي كانت تُقدر قيمتها في السابق بـ11 مليار دولار أميركي». وتابع سوني «يمكن تصوّر التقارب في العلاقات الروسية المنغولية من حقيقة أن منغوليا قد أحجمت مراراً وتكراراً عن إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا».العلاقات مع الصين

في المقابل، وسط الوضع الحالي للعلاقات الصينية الروسية أضعف إلى حد كبير الدور الذي تلعبه أولان باتار في السياسات الأمنية للصين وروسيا، مع أن الصين لا تزال تعتبر منغوليا دولة ذات أهمية جيوسياسية. فالحدود البرّية الصينية المنغولية هي الأطول بالنسبة للصين. وعليه، فالحفاظ على علاقات ثنائية طيبة يُعد قضية أساسية تتعلّق بالأمن والاستقرار في شمال الصين، خصوصاً شينجيانغ (سنكيانغ) ومنغوليا الداخلية، بجانب مقاطعات شمال شرقي الصين.

جدير بالذكر أنه في عام 1946 بعد استقلال منغوليا عن الصين، اعترفت القيادة الصينية بمنغوليا، وبادلتها أولان باتار عام 1949.

ثم إن منغوليا والصين وقّعتا «معاهدة الصداقة والمساعدة المتبادلة» عام 1960، وأعاد البلدان ترسيم الحدود الطويلة بينهما ودياً. لكن النزاع الآيديولوجي بين موسكو وبكين أدى إلى توتر علاقات منغوليا مع الصين. وتصاعدت حدة التوتر خلال السبعينات. واتهمت منغوليا الصين بالسعي لضم أراضيها، وردت الصين، خلال احتفالاتها بالذكرى السنوية الثمانمائة لتأسيسها، بانتقاد السوفيات على «احتلال» منغوليا عبر نشرهم قوات ومعدات عسكرية هناك.

في أبريل (نيسان) 1978 دعت بكين إلى الانسحاب السوفياتي من منغوليا، وسرعان ما زار رئيس الوزراء المنغولي يومجاغين تسيدينبال وحدة من الجيش السوفياتي المتمركزة في منغوليا؛ «لشكرها على حماية البلاد من التهديد الصيني». وباشرت منغوليا، في أوائل عام 1979، بطرد المهاجرين الصينيين متهمة إياهم بممارسة «مؤامرات توسعية»؛ ما أدى إلى تفاقم العلاقات بين البلدين. ولم تخف حدة التوتر بشكل كبير إلا منتصف الثمانينات عندما اتخذ القادة السوفيات والمنغوليون خطوات لتطبيع العلاقات مع الصين. فعلاً عادت العلاقات الدبلوماسية بين منغوليا والصين عام 1986.تطوّرات السنوات الأخيرةعزّزت منغوليا والصين علاقاتهما خلال السنوات الأخيرة عبر مبادرات مختلفة. وتعمل الدولتان اليوم في مشاريع منها خط أنابيب الطاقة «سيبيريا 2»، ومشاريع أخرى لتوليد الطاقة والإنتاج الصناعي وتنمية «الطاقة الخضراء».

وحقاً بين 1990 و2019، استثمرت الصين ما مجموعه 5.4 مليار دولار في منغوليا، وهو ما يمثّل 19 في المائة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في منغوليا، مع أن التعاون المتزايد يجلب معه عدداً من الصعوبات.

وبين أكثر القضايا حساسية بين الجانبين اعتراف أولان باتار بالدالاي لاما وغيره من القادة البوذيين التيبتيين. وكانت سلطة بكين قد تأثرت عندما أعلن القادة الدينيون في منغوليا رسمياً إعادة تجسيد «جيبتسوندامبا خوتوغتو العاشر»، وهو رأس البوذية التيبتية في منغوليا؛ الأمر الذي هدّد بزجّ منغوليا بشكل أعمق في اللعبة السياسية بين الصين والدالاي لاما. وكانت بكين حذرت أولان باتار من عواقب وخيمة إذا ما اقترب «جيبتسوندامبا خوتوغتو» الجديد من الدالاي لاما.

وهنا يوضح السفير الهندي السابق موهان لال تريفيدي، الذي خدم في منغوليا، أن «زيارات الدالاي لاما إلى منغوليا كانت دائماً مصدر ضغط على العلاقات مع الصين، خاصة أن بكين وأولان باتار تنظران إليه من زاويتين مختلفتين. فالدين السائد في منغوليا شكل من أشكال البوذية ذي صلة بالبوذية التيبتية، بينما تعتبر بكين الدالاي لاما مصدر تهديد انفصالي. وبالفعل فرضت بكين رسوماً جمركية على الصادرات المنغولية (90 في المائة منها موجهة إلى الصين) إبان الزيارة الأخيرة للدالاي لاما عام 2016، ولم تُوجه له أي دعوة للزيارة منذ ذلك الحين...».

هذا، وتكافح منغوليا لتسديد ديونها، ولقد مددت اتفاقية تبادل العملات مع الصين حتى عام 2025. أما الرصيد المتبقي من هذه المبادلة فهو 15 مليار يوان (2 مليار دولار أميركي). ثم إن اقتصاد منغوليا لا يزال يعتمد بشكل مفرط على الأسواق والاستثمارات والبنية التحتية الصينية. وتحتفظ الصين بنسبة 91.5 في المائة من إجمالي صادرات منغوليا، وجاءت نسبة 62.3 في المائة من إجمالي عائدات التصدير من صادرات الفحم وحدها. وفي الأمد القريب، ستواجه منغوليا صعوبات في اجتذاب المستثمرين الأجانب، نظراً لضعفها أمام الصدمات الجيوسياسية، والأعباء التنظيمية المرتفعة، والبنية التحتية المتخلفة.سياسة «الجار الثالث»في المقابل، على الرغم من التحديات السياسية والاقتصادية، أظهرت منغوليا مرونة حافظت معها على سياسة خارجية مستقلة، وتغلّبت على التأثيرات الخارجية من القوى الكبرى كالصين وروسيا، مع تعزيزها العلاقات مع دول كالولايات المتحدة وفرنسا وبولندا واليابان وكوريا الجنوبية، التي هي دول في منافسة جيوسياسية مباشرة مع «جارتي»... روسيا والصين.

وفي هذا السياق، زار منغوليا عدد من القادة العالميين البارزين عام 2023، بينهم البابا فرنسيس (أصبح أول بابا يزور البلاد) ورئيسا فرنسا وبولندا. كذلك زار رئيس وزراء منغوليا الولايات المتحدة، واستضافت وزارة خارجيتها اجتماعاً لوزيرات الخارجية النساء في أولان باتار. وعام 2023، أيضاً، عزّزت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية شراكتيهما الاستراتيجيتين مع منغوليا، ودشنتا آلية حوار ثلاثية مع التركيز على المعادن الحيوية. وبدأت الشركات الفرنسية مفاوضات لتطوير منجم لليورانيوم في منغوليا، بهدف التصدير إلى السوق الصينية.

وبالنسبة للعلاقات مع واشنطن بالذات، زار رئيس وزراء منغوليا لوفسان نامسراي أويون-إردين وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وأجرى مباحثات رسمية، ووقّعت منغوليا والولايات المتحدة مذكرة تفاهم بشأن إدارة وتطوير الموارد المعدنية. وفي السنوات الأخيرة، تطرّقت القيادة المنغولية مراراً لـ«القيم الأميركية المشتركة، من حيث حقوق الإنسان، وتنمية الحرية»، مؤكدة أن الولايات المتحدة ليست جارتها الثالثة الاستراتيجية فحسب، بل أيضاً «النجم القطبي المرشد في رحلة منغوليا صوب الديمقراطية».

الموقع الحيوي الحساسواستطراداً، في بيان له قال السياسي والصحافي المنغولي إلبغدورغ تساخيا، الذي شغل منصب رئيس منغوليا من عام 2009 إلى عام 2017 «إن موقعنا استراتيجي، لأن منغوليا تقع على العمود الفقري للصين، في حين تضرب الجزء السفلي من روسيا».

أيضاً، قال ميندي جارغالسيخان، عميد الأبحاث في معهد الدراسات الاستراتيجية في منغوليا، في مقال له «لقد أظهرت منغوليا المرونة في إطار سياستها الخارجية المستقلة، والديمقراطية، والاقتصاد. لكن السياسات المحلية التنافسية والسياسات الاقتصادية الشعوبية غير الفعالة من المرجح أن تشكل التحدي الأكبر. وفي حين لا تتورّط منغوليا غالباً بصورة مباشرة في الصراعات الدولية، فإنها تتأثر بها. ويتعيّن على أولان باتار أن تستجيب لهذا التحديات عبر تحقيق التوازن بين العلاقات الإقليمية والدولية في حين تُحافظ على الديمقراطية والاستقرار والنمو الاقتصادي».

إبان الانقسام العقائدي بين موسكو وبكين، من الستينات إلى أواخر الثمانينات، اختارت منغوليا جانب موسكو ضد بكين، وكانت الحليف الأكثر موثوقية لدى الاتحاد السوفياتي في آسيا

منغوليا... جغرافيا وتاريخ وسياسة وموارد

> منغوليا دولة غير ساحلية في شمال شرق آسيا، تهيمن عليها السهوب شبه الصحراوية القليلة السكان. وتحدّها روسيا من الشمال والصين من الجنوب. ونحو 40 في المائة من قوة العمل في البلاد من البدو الرحل، الذين يرعون الماشية في المراعي الواسعة. * العاصمة وأكبر مدن البلاد، أولان باتار، يقطنها نحو نصف سكان البلاد البالغ عددهم 3.4 مليون نسمة. * امتدت الإمبراطورية المنغولية في كل الاتجاهات أيام البطل الوطني جنكيز خان، وحكم نسله الصين لما يقرب من قرن من الزمان تحت اسم سلالة يوان. * في القرن العشرين، حصلت منغوليا على مساعدة من الاتحاد السوفياتي في سعيها للاستقلال عن الصين. * تاريخياً، من النادر تحوّل دولة من الاشتراكية إلى ديمقراطية انتخابية كاملة. لكن منغوليا نجحت عام 1990 في التخلي عن نظام الحزب الواحد (الشيوعي) الذي استمر 70 سنة على النمط السوفياتي لصالح التغييرات السياسية والاقتصادية والانتخابات المتعددة الأحزاب. من الناحية الجيوسياسية، كانت منغوليا لقرون كثيرة كياناً يُعتبر على نطاق واسع «عازلاً» بين روسيا والصين. إلا أنها اليوم تتمتع بقدر عظيم من الأهمية الاقتصادية العالمية بعدما أصبحت تمتلك مواد خام ذات أهمية استراتيجية مثل اليورانيوم. * احتياطي منغوليا من اليورانيوم يصل إلى نحو 62 ألف طن؛ ما يجعلها من بين أكبر 15 دولة من حيث الاحتياطي، لكنها لا تمتلك محطة للطاقة النووية ولا أسلحة نووية. وكانت روسيا هي أول دولة توقّع اتفاقاً مع منغوليا حول العمليات المشتركة لتخصيب اليورانيوم. * الانتخابات البرلمانية هذا العام كانت واحدة من أهم الانتخابات في تاريخ منغوليا الحديث. إذ منذ اعتماد الدستور الديمقراطي لمنغوليا عام 1992، كان البرلمان (يضم 76 عضواً) يهيمن عليه معظم الوقت حزبان سياسيان رئيسيان «الحزب الديمقراطي» و«حزب الشعب المنغولي». لكن في الصيف الماضي، أجري تغييران دستوريان مهمان؛ إذ زيدت مقاعد البرلمان من 76 مقعداً إلى 126 مقعداً، مع شغل 78 مقعداً من خلال الانتخابات المباشرة و48 مقعداً عبر التمثيل النسبي. * ضم البرلمان الجديد ممثلين عن عدد من الأحزاب، وللمرة الأولى انتُخبت 32 نائبة، أي 25 في المائة من العدد الإجمالي للأعضاء، وهذه أعلى نسبة من النساء في برلمانات آسيا.


مقالات ذات صلة

موسكو وبكين تردّان على قمة الأطلسي في واشنطن بمناورات عسكرية مشتركة

أوروبا بوتين مع شي... الصين لن تحضر مؤتمر السلام في سويسرا (رويترز)

موسكو وبكين تردّان على قمة الأطلسي في واشنطن بمناورات عسكرية مشتركة

رفضت بكين التحذيرات اليابانية والأطلسية ووصفتها بأنها «غير مسؤولة واستفزازية» بعد ساعات على الإعلان عن مناورات مشتركة مع موسكو.

«الشرق الأوسط» (موسكو) «الشرق الأوسط» (بكين)
العالم سفينة روسية تدخل ميناء تشانجيانغ وسط المناورة البحرية الصينية- الروسية المشتركة لعام 2024 (رويترز)

سفينتان حربيتان روسيتان في الصين لإجراء مناورات مشتركة

أعلنت وزارة الدفاع الروسية، السبت، أن سفينتين حربيتين روسيتين وصلتا إلى مدينة تشانجيانغ الساحلية جنوب الصين؛ للمشاركة في مناورات بحرية مشتركة.

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق حملة في بداية العطلة الصيفية المدرسية لإبعاد المحتويات المضرة عن عيون الصغار في الصين (رويترز)

الصين تعزز القيود لحماية الأطفال من المحتويات الإلكترونية «الخطرة»

أعلنت الصين إطلاق حملة إلكترونية ضد تطبيقات مشاركة الفيديو وشبكات التواصل الاجتماعي التي توزع محتوى خطراً للأطفال.

«الشرق الأوسط» (بكين)
آسيا علما الصين وتايوان (رويترز)

تأهب في تايوان بعد رصد تجارب صاروخية في شمال الصين

أفادت وزارة الدفاع التايوانية، اليوم السبت، بأنها تراقب «موجات» من التجارب الصاروخية التي تُجرى في منطقة منغوليا الداخلية في أقصى شمال الصين.

«الشرق الأوسط» (تايبه)
الاقتصاد سفينة حاويات عملاقة تقترب من دخول المرفأ في شينغداو بمقاطعة شاندونغ شرق الصين (أ.ب)

فائض تجاري صيني قياسي يلامس 100 مليار دولار

بلغ الفائض التجاري للصين 99.05 مليار دولار في يونيو (حزيران) الماضي، وهو أعلى مستوى في السجلات التي تعود إلى عام 1981.

«الشرق الأوسط» (بكين)

ستيفاني خوري... «خبيرة حل أزمات» تسعى إلى إنهاء «الانسداد السياسي» في ليبيا

ستيفاني خوري
ستيفاني خوري
TT

ستيفاني خوري... «خبيرة حل أزمات» تسعى إلى إنهاء «الانسداد السياسي» في ليبيا

ستيفاني خوري
ستيفاني خوري

تناوبَ على رئاسة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا دبلوماسيون وسياسيون من جنسيات عربية وأوروبية وأميركية. وكانت «الاستقالة» هي السمة الغالبة التي صاحبت نهاية أعمالهم في البعثة الأممية؛ نتيجة لغياب أفق الحلول السياسية منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011.

تعيين الدبلوماسية الأميركية ستيفاني خوري نائباً لرئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، جاء إثر استقالة المبعوث الأممي عبد الله باتيلي في منتصف أبريل (نيسان) الماضي. ووسط حالة التعثر هذه، بدت خوري خلال الأسابيع الماضية وكأنها تصارع الزمن بلقاءات مع الأفرقاء الليبيين، في مسعى للدفع قُدماً بالعملية السياسية، وإنهاء حالة الانقسام الداخلي، وتحقيق المصالحة والسلام.

خوري، التي تتسلح بخبرة في أزمات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هدفها الرئيسي في مهمتها الأممية بليبيا، تيسير «عملية سياسية وطنية شاملة يقودها الليبيون»، كما قالت في إحاطتها الأولى لها أمام مجلس الأمن أخيراً، عند سردها نتائج مشاورات أجرتها مع الأفرقاء الليبيين خلال الأسابيع الأخيرة. لكن ثمة تساؤلات مطروحة إزاء قدرة الدبلوماسية الأميركية على تهيئة الأجواء السياسية الكفيلة بتجاوز اختبار الانتخابات المقرّرة نهاية العام الحالي، والتعاطي مع التناقضات والتوازنات بين الأفرقاء، وسط استمرار تنافس القوى الدولية على أدوار ومكانة في الداخل الليبي.

من هي ستيفاني خوري؟ستيفاني خوري، دبلوماسية أميركية تتحدّر من أصول لبنانية، وهي تتكلّم اللغتين العربية والإنجليزية. وعلى الصعيد الأكاديمي، حصلت على درجة البكالوريوس في الآداب من جامعة تكساس الأميركية، ودرجة الإجازة في القانون من الجامعة ذاتها، وعملت أيضاً باحثة في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن. وفي سجلّها العملي، مارست خوري جهوداً طيبة لدعم عمليات السلام والاستقرار عبر التعاون مع عدد من المنظمات غير الحكومية، منها منظمة «البحث عن أرضية مشتركة»، وهي منظمة دولية غير حكومية مقرها في واشنطن، وتُعنى بتعزيز جهود السلام والاستقرار، ويمتد نشاطها لنحو 33 دولة حول العالم. وأيضاً تمتلك خوري خبرة واسعة في أزمات المنطقة، حيث تمتد مسيرتها المهنية لأكثر من 30 سنة في دعم العمليات السياسية ومباحثات السلام والوساطة.

خبرة أمميةلقد اقتربت خوري أكثر من قضايا المنطقة، من واقع مهام عملية مع الأمم المتحدة على مدى أكثر من 15 سنة، خصوصاً في الدول العربية التي تشهد صراعات خلال السنوات الماضية، خصوصاً في كل من العراق ولبنان وليبيا وسوريا واليمن والسودان. بل كانت قد عملت في وقت سابق مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا خلال الفترة ما بين 2011 و2013، ثم عُيّنت ممثّلة عن مكتب المستشار الخاص للأمم المتحدة في العاصمة اليمنية صنعاء، ومديرة لمكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في العاصمة اللبنانية بيروت، وممثلة لمبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا.

وفي السودان، شغلت خوري منصب القائم بأعمال بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة، خلال الفترة الانتقالية في السودان عام 2021، ثم مدير الشؤون السياسية للبعثة الأممية في السودان عام 2022. وبعد ذلك عادت خوري إلى البعثة الأممية في ليبيا مرة أخرى، عبر اختيارها من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، نائباً للممثل الخاص للشؤون السياسية في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، خلال شهر مارس الماضي، وقادت مهام مبعوث الأمم المتحدة، بعد استقالة باتيلي من هذا المنصب.

في المقابل، على الرغم من كل هذه الخبرات الواسعة في العمل الأممي، فإن مراقبين يرون أن خوري لم تحقق أي إنجاز أو تسوية سياسية في أي من دول النزاع التي خدمت فيها. ويستند أصحاب هذا الرأي إلى إخفاقها وقت أزمة «الفترة الانتقالية» في السودان، عام 2021، في تجاوز الخلاف بين «المكونَين العسكري والمدني» للحكم الانتقالي بالسودان وقتها. إذ رأت أن دور البعثة الأممية يتمحور حول «الاستماع إلى أصحاب المصلحة السودانيين، وتوثيق رؤاهم ومقترحاتهم في هذه المرحلة».

استعادة الثقةيذكر، أن ستيفاني خوري هي عاشر مسؤول دولي تُسند إليه مهام البعثة الأممية في ليبيا منذ الإطاحة بنظام العقيد معمّر القذافي. وهي تتولى المهمة في خضم ارتفاع أصوات النقد إلى البعثة بحجة عجزها عن تحريك «الجمود» المطبق على العملية السياسية، بعد فقدان أطراف ليبية الثقة في دورها الداعم لإيجاد تسوية سياسية للأزمة. وبالإضافة إلى ذلك، تعاني البعثة في ليبيا من حملها إرثاً غير مشجّع من إخفاقات المبعوثين الأمميين، ولهذا فهي تسعى الآن أولاً إلى استعادة الثقة المفقودة في دور بعثة الأمم المتحدة، كي لا تلقى مصيراً مثل مصائر أسلافها من المبعوثين.

من جهة ثانية، ليست خوري الأميركية الوحيدة التي تولت مهام البعثة الأممية في ليبيا، فكما سبقت الإشارة، سبقتها ستيفاني وليامز، التي حظيت جهودها بإشادة أممية بعد دفعها خريطة الانتخابات، وتشكيل حكومة «وحدة وطنية» عام 2021. ويتوقع المراقبون أن تعيد «ستيفاني الثانية» الدور ذاته الذي لعبته مواطنتها، لا سيما، إذا توافر دعم كافٍ من الإدارة الأميركية يتحقّق من خلاله اختراق للمشهد السياسي الليبي. بيد أن هذه التوقعات، تقابَل بتصريحات لعديد من السياسيين الليبيين، تقلل من قدرتها على إحداث تغيير بالعملية السياسية الليبية في ضوء تعقيدات «النفوذ الدولي»، وتأثيره في عناصر الأزمة الليبية.

تحديات بالجملةوحقاً، تصطدم مهمة خوري بمجموعة من التحديات والاختبارات الصعبة: أبرزها القدرة على إحداث حلحلة للمشهد السياسي المجمّد، وإنهاء حالة الانقسام السياسي الداخلي، وإقناع أطراف الأزمة بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة منذ عام 2021، لإخراج ليبيا من مراحلها الانتقالية المتتالية. وهي اليوم تعمل على جمع الأفرقاء الليبيين على طاولة حوار أملاً بإنهاء حالة «الفوضى» القائمة بسبب تنافس حكومتين على السلطة. والمعروف أن «الحكومة الأولى»، التي تسيطر على غرب ليبيا ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، كانت قد شُكّلت إثر حوار سياسي مطلع 2021. و«الحكومة الثانية» تسيطر على شرق البلاد ويرأسها أسامة حماد، وهي مكلّفة من مجلس النواب ومدعومة من قائد «الجيش الوطني الليبي» خليفة حفتر.

وفي سبيل ذلك، رسمت خوري «خريطة طريق» لمهمتها في رسالة مصورة بثتها البعثة الأممية عبر صفحاتها على منصات التواصل في مايو (أيار) الماضي. وتعهدت خوري فيها «بمساندة الليبيين على تجنيب البلاد مخاطر الانقسام والعنف وهدر الموارد، من خلال تيسير عملية سياسية شاملة يملكها ويقودها الليبيون أنفسهم، بمَن فيهم النساء والشباب ومختلف المكونات». كذلك أكدت التزام البعثة بالعمل على «دعم إجراء انتخابات وطنية شاملة حرة ونزيهة لإعادة الشرعية للمؤسسات الليبية، ودعم عملية مصالحة وطنية شاملة مع كل الشركاء، والعمل مع الليبيين على التنفيذ الكامل والمستدام لاتفاق وقف إطلاق النار».

مشاورات سياسيةوطوال الأسابيع الماضية، كثفت خوري لقاءاتها مع الأفرقاء في مناطق عديدة بين الشرق والغرب الليبيَّين، ونشرت عبر حسابها بمنصة «إكس»، إفادات عن نتائج المشاورات. وللعلم، شملت اللقاءات والمشاورات رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفّي، ورئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، والقائد العام لـ«الجيش الوطني الليبي» خليفة حفتر، ويضاف إلى هؤلاء «المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا» وممثلو الأحزاب الليبية ونشطاء مدنيون، وكذلك أجرت خوري مشاورات مع سفراء دول أجنبية لدى ليبيا. وقالت خوري لاحقاً إنها ناقشت «سبل الخروج من الانسداد الراهن والدفع بالعملية السياسية للأمام، وتهيئة الظروف المواتية لإجراء الانتخابات، وتعزيز اتفاق وقف إطلاق النار والحفاظ على وحدة ليبيا وسيادتها».

الإحاطة الأولىوفي الإحاطة الأولى التي قدمتها خوري أمام مجلس الأمن حول الأوضاع في ليبيا، أخيراً، تكلمت عن مشروع «عملية سياسية شاملة يقودها الليبيون» لتخطي الجمود السياسي الراهن، و«حاجة الليبيين لاتفاق سياسي، يمهّد لإجراء انتخابات ذات مصداقية». وترى المسؤولة الأممية وجود فرصة لدفع عملية المصالحة الوطنية في ليبيا. وهي تستند في ذلك إلى اتفاق «المجلس الرئاسي» الليبي ومجلس النواب على مشروع قانون واحد للمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، لكنها في الوقت ذاته ترى خطورة في «هشاشة الوضع الليبي» في مواجهة تحديات عديدة، أهمها وضعية الانقسام الداخلي بوجود مؤسسات حكم موازية. وإلى جانب مسار الحل السياسي، تسعى خوري إلى دفع عملية إجراء انتخابات محلية، خصوصاً مع إطلاق اللجنة الوطنية العليا للانتخابات، أخيراً، عملية تسجيل الناخبين للانتخابات البلدية في 60 بلدية في جميع أنحاء ليبيا، إلى جانب العمل على تمكين أكبر للشباب والمرأة.

الصراع الدوليعلى صعيد آخر، هناك مَن يرى أن «واقع النفوذ الدولي في ليبيا يجعل خيارات خوري في التعامل مع الأزمة الليبية محدودة». ويربط مراقبون بين الاستعانة بها في البعثة الأممية، والتحولات في السياسة الأميركية تجاه الأزمة الليبية، إذ ثمة مَن يرى أن «واشنطن تعول على دورها في مواجهة المنافسة من بعض القوى الدولية التي تشهدها الساحة الليبية، خصوصاً النفوذ الروسي والتركي والفرنسي، وبذلك تبقى قضية النفوذ الدولي، إحدى الإشكاليات، التي يجب على خوري مواجهتها».

وعبّر عن تلك الإشكالية، وكيل وزارة الخارجية بالحكومة الليبية «المؤقتة»، حسن الصغير، حين أشار عبر حسابه الشخصي على «فيسبوك» إلى أن «تعيين ستيفاني خوري نائباً للمبعوث الأممي يعيد الصراع بشكل رسمي ومباشر من صراع إقليمي لصراع دولي»، لكنه عدّ ذلك في الوقت نفسه «من شأنه سرعة الوصول لانفراجة ولو مرحلية بالملف الليبي». اقتربت أكثر من قضايا المنطقة من واقع مهامها العملية

مع الأمم المتحدة على مدى أكثر من 15 سنة