بوليفيا: المحاولة الانقلابية... وخلفية الصراعات المتنوعة

الجنرال زونيغا، قائد المحاولة الانقلابية الفاشلة، قيد الاعتقال (رويترز)
الجنرال زونيغا، قائد المحاولة الانقلابية الفاشلة، قيد الاعتقال (رويترز)
TT

بوليفيا: المحاولة الانقلابية... وخلفية الصراعات المتنوعة

الجنرال زونيغا، قائد المحاولة الانقلابية الفاشلة، قيد الاعتقال (رويترز)
الجنرال زونيغا، قائد المحاولة الانقلابية الفاشلة، قيد الاعتقال (رويترز)

> يصعب فهم ملابسات المحاولة الانقلابية «الفاشلة» التي شهدتها بوليفيا يوم 26 يونيو (حزيران) الماضي، ودامت أقل من ساعتين، من غير الرجوع إلى الأجواء السياسية المشحونة بين اليمين واليسار التي لازمت انتخاب لويس آرسي رئيساً للجمهورية، وإلى الصراع الشخصي الذي يدور منذ سنوات بين آرسي والرئيس الأسبق إيفو موراليس الزعيم المؤسس لحزب «الحركة من أجل الاشتراكية».

المعارضة اليمينية المتطرفة لا تزال ترفض الاعتراف بفوز آرسي في الانتخابات الرئاسية، وتلجأ إلى جميع الوسائل المتاحة لها للإعراب عن هذا الرفض، ومنها عرقلة نشاط الحكومة ومحاولة إسقاطها أو تقصير ولاية الرئيس. وتستند هذه المعارضة إلى تأييد شريحة واسعة من الطبقات الوسطى والغنية في المناطق الحضرية التي كانت اتّهمت موراليس بمحاولة العودة إلى السلطة للمرة الثالثة في عام 2019، وخرجت ضده في مظاهرات حاشدة شلّت البلاد وأجبرته على الهروب إلى الخارج بعدما تسلمّت السلطة بصورة مؤقتة النائبة الثانية لرئيس مجلس الشيوخ جانين آنيز، قبل أن تُمنَى بهزيمة انتخابية مدوّية في العام التالي... حملت آرسي إلى رئاسة الجمهورية.

أما الصراع الدائر بين آرسي وموراليس، فهو يعود إلى اليوم الذي تسلّم فيه الأول مهامه رئيساً للجمهورية في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 عندما تعمّد في خطاب التسلّم إغفال ذكر اسم موراليس، الذي كان عاد لتوّه من منفاه السياسي في الأرجنتين لحضور حفل تنصيبه، الذي كان أصلاً صاحب قرار ترشيحه.

الرئيس السابق ايفو موراليس (رويترز)

المراقبون يرون أن الخطأ الذي ارتكبه آرسي يومها كان فادحاً، نظراً للنفوذ الواسع الذي يتمتع به موراليس على الصعيدَين الشعبي والحزبي، ولأن الحزب يفتقر إلى الآليات الداخلية التي تسمح له بحسم مثل هذا الخلاف، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم الأزمة بينهما. وفعلاً، بلغت هذه المواجهة ذروتها عندما أصدرت المحكمة الدستورية قرارها، بتحريض من آرسي، بإعلان انعدام أهلية موراليس للترشح مرة أخرى للانتخابات الرئاسية في العام المقبل.

وفي هذا المجال يعدّ أنصار آرسي أن ثمة تبايناً عميقاً بين الطرفين. إذ ينظر موراليس إلى التيار الاشتراكي البوليفي من بابه الشخصي بوصفه مؤسساً له، بينما ينظر إليه تيّار «التجديدين» بوصفه مجموعةً من التنظيمات الاجتماعية المتجانسة التي تربطها مصالح وأهداف مشتركة. كذلك يأخذ أنصار موراليس على آرسي أنه «يلعب في ساحة اليمين السياسي»، ويطمح إلى السيطرة على قاعدة اجتماعية ليست له، «متجاهلاً المبادئ الثورية التي قام عليها التيّار من أجل الاشتراكية».

وبالتالي، يرى مراقبون أن هذه الأزمة العميقة داخل الحزب الحاكم، التي خلّفت تداعيات واسعة على نشاط الحكومة والبرلمان - الذي يعاني من حالة شلل تام منذ فترة - وضعت البلاد في حال من الفوضى السياسية وانعدام الاستقرار، كانت محاولة الانقلاب من أعراضها الطبيعية.

إلا أن آرسي قال في تصريحات صحافية بعد ساعات على إعلانه فشل المحاولة الانقلابية «إن ثمّة مصالح أجنبية ومحلية واضحة تسعى للوصول إلى السلطة في بوليفيا من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية». وأردف: «تملك بوليفيا أكبر مخزون عالمي من مادة الليثيوم، وموارد ضخمة من العناصر الأرضية النادرة... وفهمكم كفاية».

وجاءت هذه التصريحات بعد تسريبات على لسان مقرّبين من قائد الانقلاب تزعم أن آرسي هو الذي كان وراء تدبيره لهدفين: الأول امتصاص الاحتقان الشعبي المتزايد. والثاني قطع الطريق على موراليس لجهة تجاوز قرار المحكمة الدستورية والترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، خصوصاً أن القوات المسلحة لم تستسغْ أبداً تعاظم نفوذ السكان الأصليين الذين حملوا موراليس إلى الرئاسة.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
TT

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا، كما أيّد تصدي المملكة العربية السعودية للمتمردين الحوثيين في اليمن.

في المقابل، أدان روبيو هجوم حركة «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على غلاف قطاع غزة، وأعرب بقوة عن دعمه لإسرائيل و«عن حقها في الدفاع عن النفس»، داعياً إلى القضاء التام على «حماس» في القطاع الفلسطيني المحتل.

وعندما سُئل عما إذا كانت هناك طريقة ما لوقف «حماس» من دون التسبّب في خسائر بشرية جسيمة في صفوف مدنيي غزة، قال روبيو - بالحرف - إن إسرائيل لا تستطيع التعايش «مع هؤلاء المتوحشين... يجب القضاء عليهم». وتابع في الاتجاه نفسه ليقول: «إن (حماس) مسؤولة بنسبة 100 في المائة» عن الخسائر البشرية الفلسطينية في غزة.

أما فيما يتعلق بإيران فالمعروف عن روبيو أنه يدعم العقوبات الصارمة وإلغاء الاتفاق النووي معها. وإزاء هذه الخلفية يرى محللون أن اختياره لمنصب وزير الخارجية ربما يعني تطبيقاً أكثر صرامة للعقوبات النفطية على كلّ من إيران وفنزويلا.

ومن جهة ثانية، بصفة ماركو روبيو نائباً لرئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ وعضواً في لجنة العلاقات الخارجية، فإنه يناقش في الكثير من الأحيان التهديدات العسكرية والاقتصادية الأجنبية، ولعل من أبرزها ما تعدّه واشنطن تهديد الصين. وهو يحذّر بشدّة من أن كلاً من الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا تتعاون بشكل متزايد ضد الولايات المتحدة. وسبق له أن قال في خطاب ألقاه خلال مارس (آذار) الماضي: «إنهم جميعاً يشتركون في هدف واحد. إنهم يريدون إضعاف أميركا، وإضعاف تحالفاتنا، وإضعاف مكانتنا وقدراتنا وإرادتنا».

وحول الصين بالذات، فيما يتعلق بالأمن القومي وحقوق الإنسان، فإنه يحذر من الصين. وفي حين يأمل روبيو بنمو اقتصادي أكبر نتيجة للتجارة معها، فإنه يعتقد أن على واشنطن دعم الديمقراطية والحرية والاستقلال الحقيقي لشعب هونغ كونغ.

أما بالنسبة لروسيا، فقد أدان روبيو غزو روسيا لأوكرانيا، خلال فبراير (شباط) 2022، بيد أنه صوّت مع 15 جمهورياً في مجلس الشيوخ ضد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 95 مليار دولار لأوكرانيا وإسرائيل وشركاء آخرين جرى تمريرها في أبريل (نيسان).

ثم في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وصف الأوكرانيين بأنهم «شجعان وأقوياء بشكل لا يصدق»، لكنه قال إن الحرب في أوكرانيا وصلت إلى «طريق مسدود»، و«يجب إنهاؤها» عبر التفاوض لتجنب المزيد من الضحايا، بدلاً من التركيز على استعادة كل الأراضي التي استولت عليها موسكو.

في المقابل، يدعم وزير الخارجية المرشّح الشراكةَ التجارية والتعاون مع الحلفاء عبر المحيط الهادئ، ويدعو إلى تعزيز الوجود العسكري الأميركي في تلك المنطقة، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة «تخاطر بالاستبعاد من التجارة العالمية ما لم تكن أكثر انفتاحاً على التجارة».