إليز ستيفانيك... هل تكون مرشحة ترمب لمنصب نائب الرئيس الأميركي إثر جنوحها لليمين المتشدد؟

وصفها بـ«القاتلة» بعد إطاحتها رؤساء جامعات كبرى بحجة «معاداة السامية»

عارضت بشدة محاول عزل ترمب الأولى عام 2019 المتصلة بـ«فضيحة» أوكرانيا ودعمت محاولاته لإلغاء الانتخابات الرئاسية عام 2020
عارضت بشدة محاول عزل ترمب الأولى عام 2019 المتصلة بـ«فضيحة» أوكرانيا ودعمت محاولاته لإلغاء الانتخابات الرئاسية عام 2020
TT

إليز ستيفانيك... هل تكون مرشحة ترمب لمنصب نائب الرئيس الأميركي إثر جنوحها لليمين المتشدد؟

عارضت بشدة محاول عزل ترمب الأولى عام 2019 المتصلة بـ«فضيحة» أوكرانيا ودعمت محاولاته لإلغاء الانتخابات الرئاسية عام 2020
عارضت بشدة محاول عزل ترمب الأولى عام 2019 المتصلة بـ«فضيحة» أوكرانيا ودعمت محاولاته لإلغاء الانتخابات الرئاسية عام 2020

مع اقتراب موعد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الأميركي، منتصف الشهر المقبل، لتثبيت ترشيح دونالد ترمب لخوض الانتخابات الرئاسية، تزايدت التكهنات والترشيحات عن هوية «نائب الرئيس» الذي سيُدرج اسمه على بطاقات الاقتراع الخريف المقبل. وبينما ينتقد العديد من المراقبين «تأخر» ترمب في تسمية نائبه العتيد، على الرغم من انسحاب كل منافسيه الجمهوريين من السباق منذ مارس (آذار) الماضي، يرى آخرون أنه تأخير «طبيعي» بالنظر إلى شخصيته و«شروطه» التي تقوم على «الولاء» الكامل. ثم أنه بعدما نجح في السيطرة على قاعدة الحزب، وأزاح معارضيه «المعتدلين» في قيادته، استبعد في الوقت نفسه كل الشخصيات المحتملة؛ لضمان ألا تتكرر تجربته «المريرة» مع نائبه السابق مايك بنس، الذي رفض الموافقة على طلبه لإنكار فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اتجهت الأنظار نحو إليز ستيفانيك، النائبة الجمهورية عن ولاية نيويورك، التي وصفها الرئيس السابق دونالد ترمب بـ«القاتلة» (من منطلق الإعجاب بها)، بعدما صعدت أسهمها بشكل كبير إثر استجوابها ثلاثة رؤساء جامعات كبرى في جلسة استماع بالكونغرس بتهمة «معاداة السامية» في الحرم الجامعي؛ وذلك على خلفية الاحتجاجات الطلابية التي اندلعت نصرة للفلسطينيين بسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة. وبالفعل، أدّت جلسات الاستجواب إلى استقالة ليز ماغيل، رئيسة جامعة بنسلفانيا، وكلودين غاي رئيسة جامعة هارفارد.

ولقد حظي الدور الذي لعبته ستيفانيك في جلسة الاستجواب، بتأييد واسع من «اللوبي الإسرائيلي – الأميركي»، ومن إسرائيل ذاتها. وبدلاً من إبداء رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو امتنانه لإدارة بايدن على «الخدمات» الكبيرة التي أسدتها لإسرائيل إبان هذه الحرب، اختار نتنياهو الاحتفاء بستيفانيك ومنحها شرفاً استثنائياً بإلقاء خطاب أمام الكنيست. وفي الكنيست انتقدت النائبة الجمهورية الرئيس الأميركي بشدة، وأثنت على ترمب مع أنه «ليس لها أي موقف في السياسة الخارجية على الإطلاق»، فكانت «الشخص الذي يذل نفسه ليصبح نائباً لترمب»، بحسب صحيفة «النيويورك تايمز».

بطاقة شخصية

وُلدت إليز ماري ستيفانيك في مدينة ألباني، عاصمة ولاية نيويورك، يوم 2 يوليو (تموز) 1984. وهي تدّعي أن والدها كينيث من أصل تشيكي، ووالدتها ميلاني من أصل إيطالي. لكن سجلات الأنساب تظهر أن عائلة والدها جاءت من إقليم غاليسيا الذي يتوزع بين جنوب شرقي بولندا وغربي أوكرانيا.

تزوجت ستيفانيك يوم 19 أغسطس (آب) 2017، من ماثيو ماندا، الذي يعمل في مجال التسويق والاتصالات. وفي ديسمبر 2018، انتقلت وزوجها إلى شويلرفيل، بالقرب من ساراتوغا سبرينغز بشمال شرقي ولاية نيويورك، حيث أنجبا عام 2021 طفلاً واحداً هو صموئيل ألبرتون. واعتباراً من عام 2022، يعمل زوجها مديراً للشؤون العامة في المؤسسة الوطنية لرياضة الرماية، وهي جمعية تجارية لمصنعي الأسلحة النارية.

أما على الصعيد التعليمي، فقد أنهت ستيفانيك تعليمها الثانوي في مدرسة أكاديمية ألباني للبنات، وهي مدرسة خاصة عريقة. ثم التحقت بجامعة هارفارد، حيث تخرّجت بدرجة بكالوريوس في الإدارة العامة عام 2006. وخلال تلك الفترة انتُخبت نائبة لرئيس معهد هارفارد للسياسة في عام 2004، وحصلت من الجامعة على تنويه مشرّف لجائزة القيادة النسائية، وهي جائزة طلابية للقيادة والمساهمة في النهوض بالمرأة. بعد هارفارد، عملت في واشنطن لمدة ست سنوات قبل دخولها عالم السياسة، وحسب قولها فإنها فكّرت لأول مرة بالعمل في الخدمة العامة والسياسة إثر هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وللعلم، ضُمّت ستيفانيك إلى اللجنة الاستشارية العليا في معهد هارفارد للسياسة بعد فترة قصيرة من انتخابها، بيد أنها أقيلت من اللجنة عام 2021 إثر اعتراضها على الأصوات الانتخابية لولاية بنسلفانيا بعد اقتحام مبنى الكابيتول.

البدايات السياسية

في مستهل سجلّ تدرّج إليز ستيفانيك السياسي انضمامها إلى إدارة جورج بوش «الابن»، كموظفة في مجلس السياسة الداخلية، وعملت لاحقاً في مكتب جوشوا بولتن، رئيس أركان البيت الأبيض.

وفي عام 2009، أسّست مدوّنة لتعزيز آراء «النساء المحافظات والجمهوريات»، سمّتها على اسم رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر. وأدارت التحضير لمناظرات الحملة الرئاسية التي خسرها المرشح الرئاسي الجمهوري - يومذاك - ميت رومني ونائبه بول ريان عام 2012، أمام الرئيس باراك أوباما.

وبعد سنتين، في العام 2014، انتُخبت ستيفانيك وهي لا تزال في سن الثلاثين لأول مرة نائباً في مجلس النواب؛ ما جعلها أصغر امرأة تحظى بعضوية الكونغرس في ذلك الوقت، وأول امرأة تشغل مقعدها عن دائرتها في مجلس النواب.

وهنا تجدر الإشارة، إلى أنه عندما انتُخبت ستيفانيك نائبةً كانت تعتبر جمهورية محافظة معتدلة. إلا أنها مع صعود أسهم دونالد ترمب وفوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2016، تحوّلت تدريجياً ولكن بشكل صريح نحو اليمين المتشدد، وانضمت إلى فريقه خلال رئاسته الأولى، وأعادت تصنيف نفسها كواحدة من كبار حلفائه في الكونغرس.

جمهورية ملتزمة

وحقاً، لدى مراجعة مسيرة ستيفانيك فإنها تكشف في بداياتها التزاماً لافتاً بـ«أجندة» الحزب الجمهوري ما قبل «الهيمنة الترمبية»، فهي - على سبيل المثال - عام 2017، ورغم فشل المحاولة، صوّتت ملتزمة بالسياسة الحزبية لإلغاء «قانون الرعاية الصحية» (أوباما كير) من أجل تمرير قانون الرعاية الصحية الأميركية الذي يرعاه الجمهوريون في مجلس النواب.

وفي العام نفسه، عارضت «الأمر التنفيذي» الذي أصدره الرئيس ترمب بفرض حظر مؤقت على السفر والهجرة إلى الولايات المتحدة من مواطني سبع دول ذات غالبية مسلمة، غير أنها رفضت إدانة «سياسة فصل العائلات» التي اتبعتها إدارة ترمب، ونشرت بياناً صحافياً تشيد به، بعدما وقّع ترمب «أمراً تنفيذياً» لتعليق عمليات الفصل واحتجاز العائلات.

ثم في العام 2019، صوّتت ستيفانيك مع 14 جمهورياً وجميع الديمقراطيين في مجلس النواب لتجاوز «حق النقض» الذي استخدمه ترمب على إجراء يلغي إعلان الأخير حالة الطوارئ الوطنية على الحدود الجنوبية. وعارضت التفويضات الفيدرالية الخاصة بلقاح «كوفيد - 19» لأصحاب العمل في القطاع الخاص.

وإلى جانب ما يقرب من 170 عضواً آخر في الكونغرس، وقّعت ستيفانيك على مذكرة للمحكمة العليا تجادل فيها بأن الكونغرس لم يمنح الحكومة سلطة فرض تفويض باللقاح. لكنها في مارس (آذار) 2021، صوّتت مع جميع الجمهوريين في مجلس النواب، ضد «قانون خطة الإنقاذ» الأميركية لعام 2021، وهو مشروع قانون إغاثة بقيمة 1.9 تريليون دولار من فيروس «كوفيد - 19». وبعدما كانت تدعم قانون «داكا» صوتت عام 2021 ضد قانون «دريم» (الحالمين بالجنسية).

أيضاً، صوّتت ستيفانيك مع ثمانية جمهوريين لمصلحة قانون المساواة وقدّمت مشروع قانون «الإنصاف للجميع»، الذي من شأنه حظر التمييز ضد المثليين، مع تضمين استثناءات للمجموعات الدينية والشركات الصغيرة ذات المؤسسات الدينية. إلا أنها عام 2021، عادت فصوّتت ضد «قانون المساواة»، على الرغم من دعمه التشريع نفسه. وعام 2022، صوّتت مع 47 نائباً جمهورياً لمصلحة قانون احترام الزواج، الذي من شأنه أن يقنّن الحق في زواج المثليين في القانون الفيدرالي.

دعم قوي لترمب

عارضت ستيفانيك بشدة محاول عزل ترمب الأولى عام 2019، المتصلة بـ«فضيحة» ترمب وأوكرانيا، ودعمت محاولاته لإلغاء الانتخابات الرئاسية عام 2020، معترضة على الأصوات الانتخابية في ولاية بنسلفانيا.

وبعد تورّط أنصار ترمب في الهجوم على مبنى الكابيتول عام 2021، وتشكيل مجلس النواب الذي كان يسيطر عليه الديمقراطيون، لجنة للتحقيق في الهجوم، أكدت وقوفها مع ترمب عبر تصويتها وجميع القادة الجمهوريين الآخرين في مجلس النواب ضد إنشاء اللجنة. لكن 35 عضواً جمهورياً صوّتوا مع جميع الديمقراطيين البالغ عددهم 217 عضواً على إنشائها. وبعدما بدأت اللجنة تحقيقاتها في الهجوم، قالت ستيفانيك إن رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، هي المسؤولة عنه.

ستيفانيك بدلاً من تشيني

في مايو (أيار) عام 2021، انتُخبت ستيفانيك رئيسة للمؤتمر الجمهوري بمجلس النواب، بعد إقالة النائبة ليز تشيني بسبب معارضة الأخيرة لترمب، وبذا صارت ثالث أرفع مسؤول جمهوري، على الرغم من سنّها البالغ في ذلك الوقت 37 سنة. وإبّان ظهورها في برنامج إذاعي مع ستيف بانون، كبير الاستراتيجيين السابق لترمب، أكدت ستيفانيك على «حاجة الحزب الجمهوري إلى الالتفاف» حول الرئيس السابق. وحين تحدّى النائب تشيب روي ترشيح ستيفانيك لأخذ منصب تشيني، ندّد ترمب به، وأكد تأييده لها. ومن ثم، في أعقاب فوزها، شكرته قائلة: «الرئيس ترمب هو القائد الذي يتطلع إليه الناخبون الجمهوريون». وهنا علّق جاك كولينز، أستاذ العلوم السياسية في كلية سيينا، بالقول إن تسليمها منصبها الجديد يشير إلى أن قادة الحزب يريدون أن تكون جزءاً من «الجيل المقبل من القادة الجمهوريين».

وبالفعل، بعد أسبوعين فقط من انتخاب ستيفانيك رئيسةً للمؤتمر الجمهوري، ذكرت صحيفة «بوليتيكو»، أنها كانت مسؤولة عن نشر قصص سلبية عن جيم بانكس، الذي كان من المنافسين المحتملين لهذا المنصب، ومساعده باكلي كارلسون، نجل مقدم البرامج الشهير السابق لمحطة «فوكس نيوز»، تاكر كارلسون. وقوبل هذا باستياء من قِبل حلفاء دونالد ترمب «الابن»، الذين أبلغوا ستيفانيك أن هجماتها على ابن كارلسون تجاوزت الحدود. ولكن بعد الانتخابات النيابية عام 2022، أعيد انتخابها رئيسةً للمؤتمر الجمهوري، متغلبة على بايرون دونالدز.


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.