أبعاد جيوسياسية لميناء تشابَهار والاتفاق الهندي ـ الإيراني

وسط اعتبارات المنافسة الصينية ومخاوف العقوبات الأميركية

ميناء تشابهار الإيراني محور التلاقي الهندي - الإيراني (كيهان لندن)
ميناء تشابهار الإيراني محور التلاقي الهندي - الإيراني (كيهان لندن)
TT

أبعاد جيوسياسية لميناء تشابَهار والاتفاق الهندي ـ الإيراني

ميناء تشابهار الإيراني محور التلاقي الهندي - الإيراني (كيهان لندن)
ميناء تشابهار الإيراني محور التلاقي الهندي - الإيراني (كيهان لندن)

بمواجهة الخوف من التعرض لعقوبات أميركية، وبعد سنوات من المفاوضات والانتكاسات، وقّعت الهند، أخيراً، اتفاقية طويلة الأمد مع إيران بخصوص تشغيل وإدارة ميناء تشابهار الإيراني ذي الأهمية الاستراتيجية. ولفتت الصفقة الأنظار على مستوى العالم، خاصة وأنها جاءت في توقيت حسّاس في غرب آسيا، مع استمرار الحرب في غزة دونما هوادة، وكذلك استمرار التوترات، بدرجة خطيرة، بين إسرائيل وإيران، ومقتل الرئيس الإيراني ووزير الخارجية في حادث طائرة مروحيّة؛ ما خلق تحديات على صعيد السياسة الداخلية الإيرانية. في الوقت ذاته، من الواضح أن تشابهار أكثر عن مجرد «ميناء اتصال» للهند، بل يحمل إمكانات تجارية واستراتيجية كبيرة. وقبل أسابيع قليلة، تعاونت كل من شركة «الهند للموانئ العالمية المحدودة» Indian Ports Global Limited و«منظمة الموانئ والملاحة البحرية» الإيرانية؛ لتمكين تشغيل ميناء شهيد بهشتي، في إطار مشروع تطوير ميناء تشابهار لمدة 10 سنوات. وهذه هي المرة الأولى التي تتولّى فيها الهند إدارة ميناء خارج أراضيها.

صورة أرشيفية لقاء الرئيسين الهندي أتال بيهاري فاجبايي والإيراني محمد خاتمي عام 2003 (غيتي)

يعود تاريخ بدء مشاركة الهند في تطوير ميناء تشابَهار الإيراني، الواقع عند مدخل خليج عُمان، وهو ميناء المياه العميقة الأول بإيران، إلى عام 2002. وفي العام التالي، زار الرئيس الإيراني (آنذاك) محمد خاتمي، نيودلهي ووقّع «خريطة طريق» للتعاون الاستراتيجي الثنائي مع نظيره الهندي أتال بيهاري فاجبايي. وبعد «الاتفاق الثلاثي» عام 2016 بين الهند وإيران وأفغانستان لتطوير ممر تجاري دولي يتضمّن تشابهار كنقطة عبور مركزية، كثّفت نيودلهي جهودها لتطوير الميناء. إلا أن ثمة عوامل جيوسياسية أدّت إلى تأخير تطوير الميناء، كان أبرزها توتّر العلاقات الإيرانية - الأميركية، والعقوبات الأميركية ضد طهران.

ولكن عبر الجهود الدبلوماسية، نجحت نيودلهي باقتناص استثناء من واشنطن يتيح لها تطوير تشابهار، وتنفيذ بضعة مشاريع بنى تحتية أخرى عام 2018. وبالفعل، أصدرت إدارة ترمب استثناءً عام 2018 يعفي التطوير من العقوبات الأميركية تسهيلاً للجهود الرامية إلى استخدام الميناء في جهود إعادة الإعمار بأفغانستان.

بعدها، عزّزت الهند التزامها تجاه تشابهار عبر مضاعفة ميزانية تطوير الميناء من 5.5 مليون دولار أميركي في 2020 - 2021 إلى 12.3 مليون دولار في 2022 - 2023. وفي تلميح إلى الصين، لاحظ الصحافي الهندي مانيش فايد أن الميناء «لا يقف فقط دليلاً على العلاقة التكافلية بين الهند وإيران، بل يُعد ايضاَ عنصراً مهماً في استراتيجية الهند الجيوسياسية والاقتصادية إقليمياً. إذ تسهم الاستراتيجية في تعزيز تواصل الهند مع الدول الأخرى وتجارتها ونفوذها، وتكون أيضاً ثقلاً موازناً للوجود المتزايد لقوى إقليمية وعالمية أخرى في المحيط الهندي وآسيا الوسطى».

«بوابة» أفغانستان وآسيا الوسطى

وحقاً، تتيح مشاركة الهند في تشابهار لها نفوذاً جيوسياسياً كبيراً؛ إذ يمكّن ميناؤها نيودلهي من التعامل مع إيران وأفغانستان ودول آسيا الوسطى، ودعم حساباتها للاستقرار الإقليمي.

كذلك يوفّر الميناء طريقاً تجارية بديلة وأكثر مباشرة للمنطقة، مقارنة بالطرق التقليدية المارّة عبر باكستان؛ ما يُعد أمراً حيوياً لمصالح الهند الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة. فمن تشابهار، تصل شبكة طرق إلى زرنج في أفغانستان. ومن هناك ستبلغ طريق زرنج – ديلارام (طولها 218 كلم) الذي شاركت نيودلهي بشقها أربع مدن أفغانية كبرى هي هراة، وقندهار، وكابُل ومزار الشريف. وكانت نُقلت صادرات من أفغانستان إلى الهند عبر الميناء، للمرة الأولى، عام 2019.

عموماً، تمرّ أسهل الطرق للهند إلى آسيا الوسطى عبر باكستان وأفغانستان. والطريق الأفضل التالي يمرّ عبر إيران التي تشترك في حدودها مع آسيا الوسطى وبحر قزوين. وحتى عندما سعت الهند إلى الوصول إلى أفغانستان، كانت تدرس كذلك ما يسمى «ممرّ النقل الدولي بين الشمال والجنوب»، الذي يصل بروسيا ومناطق أوروبية، كما يشرح الصحافي الهندي البارز في. راجا موهان.

ويضيف موهان أن تشابهار «يمكن أن يساعد إيران في التعامل مع تداعيات العقوبات الغربية، ناهيك عن مساعدة أفغانستان - غير المطلّة على البحار - في الحد من اعتمادها على باكستان للوصول إلى المحيط الهندي». وكان أحد الجوانب الحاسمة في اتفاق تشابهار لعام 2016، منح أفغانستان «إمكانية الوصول إلى البحار المفتوحة»، متجاوزة ميناءي كراتشي وغوادار الباكستانيين.

جدير بالذكر أنه تاريخياً، اعتمدت أفغانستان بشكل كبير على الموانئ الباكستانية في وارداتها وصادراتها. وبالتالي، يتيح ميناء تشابهار أمام أفغانستان إمكانية التنويع وتقليل الاعتماد على باكستان، ولا سيما في ضوء العلاقات المتوترة راهناً بين أفغانستان وباكستان. والملاحظ هنا أنه في الأشهر القليلة الماضية، ازداد تقارب نيودلهي من حركة «طالبان» بالتزامن مع تدهور العلاقات بين كابُل وإسلام آباد، وأيضاً اضطراب العلاقات بين طهران وإسلام آباد. وخلال الاجتماع الذي عُقد في مارس (آذار) 2024، بين أمير خان متقّي، وزير خارجية «طالبان»، والدبلوماسي الهندي جيه. بي. سينغ، تطرقت وزارة خارجية «طالبان»، تحديداً، عن «دعم الهند لتعزيز التجارة بين البلدين، عبر تشابهار». وأعلنت «طالبان» خطتها لاستثمار نحو 35 مليون دولار في الميناء.

ومن ثم، يمكن اليوم تصوّر حرص نيودلهي وطهران وكابُل على تنفيذ خطة تنمية تشابهار... وإذا استلزم الأمر المضي قُدماً من دون موافقة صريحة من واشنطن.

ممرّ بين الشمال والجنوب

في سياق متّصل، وسط التنافس الجيوسياسي العالمي والقلق المتزايد في البحر الأحمر، يرى مراقبون أن تشابهار قد يحقّق تكاملاً مع «ممرّ النقل الدولي» بين الشمال والجنوب - أي «طريق النقل المتعدد الوسائط» - الذي يربط المحيط الهندي والخليج العربي ببحر قزوين عبر إيران، ثم إلى شمال أوروبا عبر سانت بطرسبرغ في روسيا. ويتضمن هذا «الممرّ» تعاوناً بين الهند وروسيا وإيران ودول أخرى، منها أذربيجان، وأرمينيا، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركيا، وأوكرانيا، وسوريا، وبيلاروسيا وعُمان.

ويجمع هذا «الممّر» أيضاً النقل بالسكك الحديدية والنقل البحري؛ ما يشكّل بديلاً لمبادرة «الحزام والطريق» الصينية و«الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني». وهنا يعلّق المسؤول السابق بالبحرية الهندية والمحلل الجيوسياسي، القائد داوان، بأن «الصين ستبذل قصارى جهدها لتخريب أي مشروع يهدد استثماراتها. وأعتقد أنا وكثرة من الخبراء أن الفوضى السائدة في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط لها هدف ثانوي يرتبط بهذه الاستراتيجية الكبرى. ومن ناحيتها، تدرك واشنطن تماماً أن الهند الدولة الوحيدة القادرة على مواجهة الصين في عموم منطقة المحيطين الهندي والهادي، لكن نيودلهي ستفعل ذلك بشروطها. ولذا؛ على واشنطن أن تدرك أنه إذا ما تخلّت الهند عن ميناء تشابهار، فإنه سيقع بقبضة الصين». ثم يتابع: «مع أن طهران حليف وثيق لبكين، فإنها ليست حمقاء. لذا؛ فهي لا ترغب في وضع البيض كله في سلة واحدة، ونيودلهي، من جهتها، تؤمّن لها هذه الفرصة».

نفوذ وثقل استراتيجيان

من جهة ثانية، يتجلّى السباق الاستراتيجي بين الهند والصين، في جهود تطوير ميناءي تشابهار (الإيراني) وغوادار (الباكستاني)، وربطهما بطرق التجارة المؤدية إلى آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وصولاً إلى أوروبا وروسيا. والميناءان مهمان جداً بفضل موقعيهما الجغرافيين باعتبارهما «ميناءي مياه دافئة عميقين» مطلين على بحر العرب يخدمان القوتين الصاعدتين: الهند والصين. ولقد عبّر محللون عن اعتقادهم بأن النهج الاستباقي الذي تتبعه نيودلهي تجاه تشابهار، يعكس تحرّكاً محسوباً لتأكيد وجودها الإقليمي، والعمل بمثابة ثقل استراتيجي موازن أمام النفوذ الصيني.

ومن جانبها، استثمرت الصين المليارات في مشاريع البنية التحتية لطرق التجارة المعروفة باسم «الممرّ الاقتصادي الصيني - الباكستاني». وفي إطار مبادرة «الحزام والطريق»، تستثمر الصين في ميناء غوادار ليغدو «بوابة بكين» إلى أسواق العالم عبر المحيط الهندي. ولكن بسبب الصراع الطويل بين الهند وباكستان، واجهت الهند صعوبة في إنشاء طريق عبور آمنة إلى الأسواق في إيران وأفغانستان وآسيا الوسطى ومنطقة الخليج. وبالمقابل، وقّعت باكستان والصين اتفاقاً عام 2002 لبناء ميناء عميق في غوادار، وأبرمتا اتفاقاً للسيطرة التشغيلية على مينائها لمدة 40 سنة.

وهنا، يرى أنيل تريجونايات، الدبلوماسي السابق والكاتب المهتم بالشأن العالمي، «أن تشابهار أكثر عن مجرّد ميناء... إنه خطوة مضادّة من جانب الهند لصدّ التقدّم البحري الصيني في غوادار الباكستانية. وعبر الالتفاف على باكستان، التي فرضت تاريخياً قيوداً على تجارة الهند مع أفغانستان وآسيا الوسطى، يعمل ميناء تشابهار على تنويع طرق التجارة أمام الهند. ويقلل ذلك من اعتماد الهند على ممر واحد، ويعزز مرونتها التجارية. كما أنه يتصدّى لمحاولات الصين توسيع نفوذها في المحيط الهندي».

ميناء غوادار الباكستاني ضمن اهتمامات الصين (رويترز)

حسابات الجغرافيا والطاقة

من ناحية ثانية، يحمل تطوير تشابهار أهمية بالغة لضمان استقرار إمدادات الطاقة إلى الهند. فقبل إعادة فرض العقوبات الأميركية عام 2018، كانت إيران مصدراً رئيسياً للنفط الخام للهند. وراهناً تواصل نيودلهي الامتناع عن استيراد النفط الإيراني، امتثالاً لعقوبات واشنطن. ومع ذلك، فإن ميناء تشابهار يؤمّن للهند طريقاً بحرية مباشرة من إيران لاستيراد النفط والغاز، والالتفاف على مضيق هرمز المضطرب سياسياً، والذي يشكل نقطة مرور بالغة الأهمية لإمدادات النفط العالمية. بجانب ذلك، قد يمهّد تطوير تشابهار الطريق لمشاريع خطوط الأنابيب المستقبلية، كخط الأنابيب البحري المقترح بين إيران والهند، الذي سيمكن الأخيرة من الحصول على الغاز الطبيعي مباشرة من إيران وآسيا الوسطى. وأيضاً يمكن أن يلعب ميناء تشابهار دوراً مفيداً في الشحن البحري إلى القارة الأفريقية - الشريك الطبيعي للهند، وتسهم كل هذه العوامل في تعزيز البعد الاستراتيجي للميناء.

هاجس العقوبات الأميركية

توازياً، في ظل العقوبات الأميركية والتحديات الاقتصادية التي تواجهها إيران على المشهد العام، قد يعيد مصير تشابهار تشكيل الديناميكيات الإقليمية. وفي ردّها على الاتفاق، أطلقت واشنطن طلقة تحذير، مهددة بأن الشركة الهندية «آي بي جي إل» عُرضة للعقوبات إذا مضت قدماً في المشروع. وهنا يقول الصحافي الهندي راجا موهان: «لقد تغيرت الاعتبارات الأميركية بشأن تشابهار منذ انسحاب واشنطن من أفغانستان في أغسطس (آب) 2021... ولكن تظل نيودلهي شريكاً مهماً لواشنطن، في خضم التنافس الأميركي - الصيني المحتدم». ويضيف: «على ما يبدو، ستتجنب واشنطن اتخاذ إجراءات قاسية، خاصة في سنة انتخابات. والأهم، أنه في وقت تغيّر الولاءات والتحالفات الإقليمية، على نيودلهي وواشنطن اجتياز تضاريس إقليمية معقدة وصعبة، بينما يتطلعان نحو سبل بناء شراكة استراتيجية أقوى بينهما. فعلى واشنطن أن تعي أن العقوبات محدودة التأثير، كما أن العقوبات المفروضة على الشركاء الاستراتيجيين مثل الهند تشكل عامل تثبيط أكبر، وتدفع الدولة الصديقة بعيداً عن واشنطن. وبالفعل، لعقود تسبب سيف العقوبات في إقصاء الشركات والبنوك الهندية عن تشابهار؛ ما حرمه من تحقيق إمكاناته الكاملة».

من جهتها، نقلت صحيفة «إنديان إكسبريس» عن علي أوميدي وجوري نولكار أوك، من جامعة أصفهان الإيرانية، ما ورد في ورقة بحثية لهما بعنوان «الأهمية الجيوسياسية لميناء تشابهار لإيران والهند وأفغانستان»، من أن «مشروع تشابهار لا يخلو من تحديات، على رأسها التعرض لعقوبات وضغوط أميركية، والتقلبات والشكوك المستمرة في أفغانستان، والتنافر الظاهري مع مبادرة الحزام والطريق. ومع ذلك، عبر الدبلوماسية النشطة والحكيمة والتنفيذ الفعال وعمليات المشروع، يمكن لإيران والهند التغلب على هذه التحديات، وينبغي لهما الحفاظ على مشروع جابهار كمركز عبور ورابط قابل للحياة».

حكاية ميناءين... وصراع القوى

يقع ميناء المياه العميقة تشابهار الإيراني (المؤهل للتعامل مع السفن الضخمة وذات الحمولات الثقيلة) على ساحل إقليم مكران في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية. وهو يُطل عملياً على خليج عُمان، وتحديداً عند مدخل مضيق هرمز، وهو طريق ملاحية حيوية تربط الشرق الأوسط بالأسواق في آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية. وبجانب ذلك، فإن تشابهار يُعد الميناء الإيراني الوحيد الذي يحظى بإمكانية الوصول المباشر إلى المحيط الهندي. وهنا نشير إلى أن المسافة بين الميناء الإيراني وميناء كندلا في ولاية غُجرات الهندية أقصر من المسافة بين مدينتي نيودلهي ومُومباي الهنديتين.في المقابل، يقع ميناء غوادار الباكستاني، حيث استثمرت الصين بكثافة، على مسافة 170 كيلومتراً فقط شرقي تشابهار. ومعلوم أنه يخالج الهند شعور بالقلق إزاء مبادرة «الحزام والطريق»، التي أعلنت عنها بكين عام 2013. وتعني هذه «المبادرة» التي شاركت فيها أكثر من 100 دولة، تشييد مشاريع كبرى في دول مجاورة للهند، مثل باكستان، وسريلانكا، وبنغلاديش وجزر المالديف.ولذا؛ تحتاج الهند - المعادية تقليدياً لباكستان والصين - إلى مواصلة الترويج لتشابهار من منطلق أنه يحقّق سهولة التجارة، ويلبي أيضاً «احتياجات الهند الأمنية» إقليمياً. إذ تعتبر نيودلهي موقعه الاستراتيجي - إلى الغرب من حدود إيران مع باكستان، وعلى مقربة من ميناء غوادار الباكستاني المنافس - ذا ثقل استراتيجي موازٍ للنفوذ الصيني في جنوب آسيا ومنطقة المحيط الهندي، الذي تخدمه الاستثمارات الصينية ضمن «الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني» كجزء من مبادرة «الحزام والطريق».


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.