أبعاد جيوسياسية لميناء تشابَهار والاتفاق الهندي ـ الإيراني

وسط اعتبارات المنافسة الصينية ومخاوف العقوبات الأميركية

ميناء تشابهار الإيراني محور التلاقي الهندي - الإيراني (كيهان لندن)
ميناء تشابهار الإيراني محور التلاقي الهندي - الإيراني (كيهان لندن)
TT

أبعاد جيوسياسية لميناء تشابَهار والاتفاق الهندي ـ الإيراني

ميناء تشابهار الإيراني محور التلاقي الهندي - الإيراني (كيهان لندن)
ميناء تشابهار الإيراني محور التلاقي الهندي - الإيراني (كيهان لندن)

بمواجهة الخوف من التعرض لعقوبات أميركية، وبعد سنوات من المفاوضات والانتكاسات، وقّعت الهند، أخيراً، اتفاقية طويلة الأمد مع إيران بخصوص تشغيل وإدارة ميناء تشابهار الإيراني ذي الأهمية الاستراتيجية. ولفتت الصفقة الأنظار على مستوى العالم، خاصة وأنها جاءت في توقيت حسّاس في غرب آسيا، مع استمرار الحرب في غزة دونما هوادة، وكذلك استمرار التوترات، بدرجة خطيرة، بين إسرائيل وإيران، ومقتل الرئيس الإيراني ووزير الخارجية في حادث طائرة مروحيّة؛ ما خلق تحديات على صعيد السياسة الداخلية الإيرانية. في الوقت ذاته، من الواضح أن تشابهار أكثر عن مجرد «ميناء اتصال» للهند، بل يحمل إمكانات تجارية واستراتيجية كبيرة. وقبل أسابيع قليلة، تعاونت كل من شركة «الهند للموانئ العالمية المحدودة» Indian Ports Global Limited و«منظمة الموانئ والملاحة البحرية» الإيرانية؛ لتمكين تشغيل ميناء شهيد بهشتي، في إطار مشروع تطوير ميناء تشابهار لمدة 10 سنوات. وهذه هي المرة الأولى التي تتولّى فيها الهند إدارة ميناء خارج أراضيها.

صورة أرشيفية لقاء الرئيسين الهندي أتال بيهاري فاجبايي والإيراني محمد خاتمي عام 2003 (غيتي)

يعود تاريخ بدء مشاركة الهند في تطوير ميناء تشابَهار الإيراني، الواقع عند مدخل خليج عُمان، وهو ميناء المياه العميقة الأول بإيران، إلى عام 2002. وفي العام التالي، زار الرئيس الإيراني (آنذاك) محمد خاتمي، نيودلهي ووقّع «خريطة طريق» للتعاون الاستراتيجي الثنائي مع نظيره الهندي أتال بيهاري فاجبايي. وبعد «الاتفاق الثلاثي» عام 2016 بين الهند وإيران وأفغانستان لتطوير ممر تجاري دولي يتضمّن تشابهار كنقطة عبور مركزية، كثّفت نيودلهي جهودها لتطوير الميناء. إلا أن ثمة عوامل جيوسياسية أدّت إلى تأخير تطوير الميناء، كان أبرزها توتّر العلاقات الإيرانية - الأميركية، والعقوبات الأميركية ضد طهران.

ولكن عبر الجهود الدبلوماسية، نجحت نيودلهي باقتناص استثناء من واشنطن يتيح لها تطوير تشابهار، وتنفيذ بضعة مشاريع بنى تحتية أخرى عام 2018. وبالفعل، أصدرت إدارة ترمب استثناءً عام 2018 يعفي التطوير من العقوبات الأميركية تسهيلاً للجهود الرامية إلى استخدام الميناء في جهود إعادة الإعمار بأفغانستان.

بعدها، عزّزت الهند التزامها تجاه تشابهار عبر مضاعفة ميزانية تطوير الميناء من 5.5 مليون دولار أميركي في 2020 - 2021 إلى 12.3 مليون دولار في 2022 - 2023. وفي تلميح إلى الصين، لاحظ الصحافي الهندي مانيش فايد أن الميناء «لا يقف فقط دليلاً على العلاقة التكافلية بين الهند وإيران، بل يُعد ايضاَ عنصراً مهماً في استراتيجية الهند الجيوسياسية والاقتصادية إقليمياً. إذ تسهم الاستراتيجية في تعزيز تواصل الهند مع الدول الأخرى وتجارتها ونفوذها، وتكون أيضاً ثقلاً موازناً للوجود المتزايد لقوى إقليمية وعالمية أخرى في المحيط الهندي وآسيا الوسطى».

«بوابة» أفغانستان وآسيا الوسطى

وحقاً، تتيح مشاركة الهند في تشابهار لها نفوذاً جيوسياسياً كبيراً؛ إذ يمكّن ميناؤها نيودلهي من التعامل مع إيران وأفغانستان ودول آسيا الوسطى، ودعم حساباتها للاستقرار الإقليمي.

كذلك يوفّر الميناء طريقاً تجارية بديلة وأكثر مباشرة للمنطقة، مقارنة بالطرق التقليدية المارّة عبر باكستان؛ ما يُعد أمراً حيوياً لمصالح الهند الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة. فمن تشابهار، تصل شبكة طرق إلى زرنج في أفغانستان. ومن هناك ستبلغ طريق زرنج – ديلارام (طولها 218 كلم) الذي شاركت نيودلهي بشقها أربع مدن أفغانية كبرى هي هراة، وقندهار، وكابُل ومزار الشريف. وكانت نُقلت صادرات من أفغانستان إلى الهند عبر الميناء، للمرة الأولى، عام 2019.

عموماً، تمرّ أسهل الطرق للهند إلى آسيا الوسطى عبر باكستان وأفغانستان. والطريق الأفضل التالي يمرّ عبر إيران التي تشترك في حدودها مع آسيا الوسطى وبحر قزوين. وحتى عندما سعت الهند إلى الوصول إلى أفغانستان، كانت تدرس كذلك ما يسمى «ممرّ النقل الدولي بين الشمال والجنوب»، الذي يصل بروسيا ومناطق أوروبية، كما يشرح الصحافي الهندي البارز في. راجا موهان.

ويضيف موهان أن تشابهار «يمكن أن يساعد إيران في التعامل مع تداعيات العقوبات الغربية، ناهيك عن مساعدة أفغانستان - غير المطلّة على البحار - في الحد من اعتمادها على باكستان للوصول إلى المحيط الهندي». وكان أحد الجوانب الحاسمة في اتفاق تشابهار لعام 2016، منح أفغانستان «إمكانية الوصول إلى البحار المفتوحة»، متجاوزة ميناءي كراتشي وغوادار الباكستانيين.

جدير بالذكر أنه تاريخياً، اعتمدت أفغانستان بشكل كبير على الموانئ الباكستانية في وارداتها وصادراتها. وبالتالي، يتيح ميناء تشابهار أمام أفغانستان إمكانية التنويع وتقليل الاعتماد على باكستان، ولا سيما في ضوء العلاقات المتوترة راهناً بين أفغانستان وباكستان. والملاحظ هنا أنه في الأشهر القليلة الماضية، ازداد تقارب نيودلهي من حركة «طالبان» بالتزامن مع تدهور العلاقات بين كابُل وإسلام آباد، وأيضاً اضطراب العلاقات بين طهران وإسلام آباد. وخلال الاجتماع الذي عُقد في مارس (آذار) 2024، بين أمير خان متقّي، وزير خارجية «طالبان»، والدبلوماسي الهندي جيه. بي. سينغ، تطرقت وزارة خارجية «طالبان»، تحديداً، عن «دعم الهند لتعزيز التجارة بين البلدين، عبر تشابهار». وأعلنت «طالبان» خطتها لاستثمار نحو 35 مليون دولار في الميناء.

ومن ثم، يمكن اليوم تصوّر حرص نيودلهي وطهران وكابُل على تنفيذ خطة تنمية تشابهار... وإذا استلزم الأمر المضي قُدماً من دون موافقة صريحة من واشنطن.

ممرّ بين الشمال والجنوب

في سياق متّصل، وسط التنافس الجيوسياسي العالمي والقلق المتزايد في البحر الأحمر، يرى مراقبون أن تشابهار قد يحقّق تكاملاً مع «ممرّ النقل الدولي» بين الشمال والجنوب - أي «طريق النقل المتعدد الوسائط» - الذي يربط المحيط الهندي والخليج العربي ببحر قزوين عبر إيران، ثم إلى شمال أوروبا عبر سانت بطرسبرغ في روسيا. ويتضمن هذا «الممرّ» تعاوناً بين الهند وروسيا وإيران ودول أخرى، منها أذربيجان، وأرمينيا، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركيا، وأوكرانيا، وسوريا، وبيلاروسيا وعُمان.

ويجمع هذا «الممّر» أيضاً النقل بالسكك الحديدية والنقل البحري؛ ما يشكّل بديلاً لمبادرة «الحزام والطريق» الصينية و«الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني». وهنا يعلّق المسؤول السابق بالبحرية الهندية والمحلل الجيوسياسي، القائد داوان، بأن «الصين ستبذل قصارى جهدها لتخريب أي مشروع يهدد استثماراتها. وأعتقد أنا وكثرة من الخبراء أن الفوضى السائدة في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط لها هدف ثانوي يرتبط بهذه الاستراتيجية الكبرى. ومن ناحيتها، تدرك واشنطن تماماً أن الهند الدولة الوحيدة القادرة على مواجهة الصين في عموم منطقة المحيطين الهندي والهادي، لكن نيودلهي ستفعل ذلك بشروطها. ولذا؛ على واشنطن أن تدرك أنه إذا ما تخلّت الهند عن ميناء تشابهار، فإنه سيقع بقبضة الصين». ثم يتابع: «مع أن طهران حليف وثيق لبكين، فإنها ليست حمقاء. لذا؛ فهي لا ترغب في وضع البيض كله في سلة واحدة، ونيودلهي، من جهتها، تؤمّن لها هذه الفرصة».

نفوذ وثقل استراتيجيان

من جهة ثانية، يتجلّى السباق الاستراتيجي بين الهند والصين، في جهود تطوير ميناءي تشابهار (الإيراني) وغوادار (الباكستاني)، وربطهما بطرق التجارة المؤدية إلى آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وصولاً إلى أوروبا وروسيا. والميناءان مهمان جداً بفضل موقعيهما الجغرافيين باعتبارهما «ميناءي مياه دافئة عميقين» مطلين على بحر العرب يخدمان القوتين الصاعدتين: الهند والصين. ولقد عبّر محللون عن اعتقادهم بأن النهج الاستباقي الذي تتبعه نيودلهي تجاه تشابهار، يعكس تحرّكاً محسوباً لتأكيد وجودها الإقليمي، والعمل بمثابة ثقل استراتيجي موازن أمام النفوذ الصيني.

ومن جانبها، استثمرت الصين المليارات في مشاريع البنية التحتية لطرق التجارة المعروفة باسم «الممرّ الاقتصادي الصيني - الباكستاني». وفي إطار مبادرة «الحزام والطريق»، تستثمر الصين في ميناء غوادار ليغدو «بوابة بكين» إلى أسواق العالم عبر المحيط الهندي. ولكن بسبب الصراع الطويل بين الهند وباكستان، واجهت الهند صعوبة في إنشاء طريق عبور آمنة إلى الأسواق في إيران وأفغانستان وآسيا الوسطى ومنطقة الخليج. وبالمقابل، وقّعت باكستان والصين اتفاقاً عام 2002 لبناء ميناء عميق في غوادار، وأبرمتا اتفاقاً للسيطرة التشغيلية على مينائها لمدة 40 سنة.

وهنا، يرى أنيل تريجونايات، الدبلوماسي السابق والكاتب المهتم بالشأن العالمي، «أن تشابهار أكثر عن مجرّد ميناء... إنه خطوة مضادّة من جانب الهند لصدّ التقدّم البحري الصيني في غوادار الباكستانية. وعبر الالتفاف على باكستان، التي فرضت تاريخياً قيوداً على تجارة الهند مع أفغانستان وآسيا الوسطى، يعمل ميناء تشابهار على تنويع طرق التجارة أمام الهند. ويقلل ذلك من اعتماد الهند على ممر واحد، ويعزز مرونتها التجارية. كما أنه يتصدّى لمحاولات الصين توسيع نفوذها في المحيط الهندي».

ميناء غوادار الباكستاني ضمن اهتمامات الصين (رويترز)

حسابات الجغرافيا والطاقة

من ناحية ثانية، يحمل تطوير تشابهار أهمية بالغة لضمان استقرار إمدادات الطاقة إلى الهند. فقبل إعادة فرض العقوبات الأميركية عام 2018، كانت إيران مصدراً رئيسياً للنفط الخام للهند. وراهناً تواصل نيودلهي الامتناع عن استيراد النفط الإيراني، امتثالاً لعقوبات واشنطن. ومع ذلك، فإن ميناء تشابهار يؤمّن للهند طريقاً بحرية مباشرة من إيران لاستيراد النفط والغاز، والالتفاف على مضيق هرمز المضطرب سياسياً، والذي يشكل نقطة مرور بالغة الأهمية لإمدادات النفط العالمية. بجانب ذلك، قد يمهّد تطوير تشابهار الطريق لمشاريع خطوط الأنابيب المستقبلية، كخط الأنابيب البحري المقترح بين إيران والهند، الذي سيمكن الأخيرة من الحصول على الغاز الطبيعي مباشرة من إيران وآسيا الوسطى. وأيضاً يمكن أن يلعب ميناء تشابهار دوراً مفيداً في الشحن البحري إلى القارة الأفريقية - الشريك الطبيعي للهند، وتسهم كل هذه العوامل في تعزيز البعد الاستراتيجي للميناء.

هاجس العقوبات الأميركية

توازياً، في ظل العقوبات الأميركية والتحديات الاقتصادية التي تواجهها إيران على المشهد العام، قد يعيد مصير تشابهار تشكيل الديناميكيات الإقليمية. وفي ردّها على الاتفاق، أطلقت واشنطن طلقة تحذير، مهددة بأن الشركة الهندية «آي بي جي إل» عُرضة للعقوبات إذا مضت قدماً في المشروع. وهنا يقول الصحافي الهندي راجا موهان: «لقد تغيرت الاعتبارات الأميركية بشأن تشابهار منذ انسحاب واشنطن من أفغانستان في أغسطس (آب) 2021... ولكن تظل نيودلهي شريكاً مهماً لواشنطن، في خضم التنافس الأميركي - الصيني المحتدم». ويضيف: «على ما يبدو، ستتجنب واشنطن اتخاذ إجراءات قاسية، خاصة في سنة انتخابات. والأهم، أنه في وقت تغيّر الولاءات والتحالفات الإقليمية، على نيودلهي وواشنطن اجتياز تضاريس إقليمية معقدة وصعبة، بينما يتطلعان نحو سبل بناء شراكة استراتيجية أقوى بينهما. فعلى واشنطن أن تعي أن العقوبات محدودة التأثير، كما أن العقوبات المفروضة على الشركاء الاستراتيجيين مثل الهند تشكل عامل تثبيط أكبر، وتدفع الدولة الصديقة بعيداً عن واشنطن. وبالفعل، لعقود تسبب سيف العقوبات في إقصاء الشركات والبنوك الهندية عن تشابهار؛ ما حرمه من تحقيق إمكاناته الكاملة».

من جهتها، نقلت صحيفة «إنديان إكسبريس» عن علي أوميدي وجوري نولكار أوك، من جامعة أصفهان الإيرانية، ما ورد في ورقة بحثية لهما بعنوان «الأهمية الجيوسياسية لميناء تشابهار لإيران والهند وأفغانستان»، من أن «مشروع تشابهار لا يخلو من تحديات، على رأسها التعرض لعقوبات وضغوط أميركية، والتقلبات والشكوك المستمرة في أفغانستان، والتنافر الظاهري مع مبادرة الحزام والطريق. ومع ذلك، عبر الدبلوماسية النشطة والحكيمة والتنفيذ الفعال وعمليات المشروع، يمكن لإيران والهند التغلب على هذه التحديات، وينبغي لهما الحفاظ على مشروع جابهار كمركز عبور ورابط قابل للحياة».

حكاية ميناءين... وصراع القوى

يقع ميناء المياه العميقة تشابهار الإيراني (المؤهل للتعامل مع السفن الضخمة وذات الحمولات الثقيلة) على ساحل إقليم مكران في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية. وهو يُطل عملياً على خليج عُمان، وتحديداً عند مدخل مضيق هرمز، وهو طريق ملاحية حيوية تربط الشرق الأوسط بالأسواق في آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية. وبجانب ذلك، فإن تشابهار يُعد الميناء الإيراني الوحيد الذي يحظى بإمكانية الوصول المباشر إلى المحيط الهندي. وهنا نشير إلى أن المسافة بين الميناء الإيراني وميناء كندلا في ولاية غُجرات الهندية أقصر من المسافة بين مدينتي نيودلهي ومُومباي الهنديتين.في المقابل، يقع ميناء غوادار الباكستاني، حيث استثمرت الصين بكثافة، على مسافة 170 كيلومتراً فقط شرقي تشابهار. ومعلوم أنه يخالج الهند شعور بالقلق إزاء مبادرة «الحزام والطريق»، التي أعلنت عنها بكين عام 2013. وتعني هذه «المبادرة» التي شاركت فيها أكثر من 100 دولة، تشييد مشاريع كبرى في دول مجاورة للهند، مثل باكستان، وسريلانكا، وبنغلاديش وجزر المالديف.ولذا؛ تحتاج الهند - المعادية تقليدياً لباكستان والصين - إلى مواصلة الترويج لتشابهار من منطلق أنه يحقّق سهولة التجارة، ويلبي أيضاً «احتياجات الهند الأمنية» إقليمياً. إذ تعتبر نيودلهي موقعه الاستراتيجي - إلى الغرب من حدود إيران مع باكستان، وعلى مقربة من ميناء غوادار الباكستاني المنافس - ذا ثقل استراتيجي موازٍ للنفوذ الصيني في جنوب آسيا ومنطقة المحيط الهندي، الذي تخدمه الاستثمارات الصينية ضمن «الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني» كجزء من مبادرة «الحزام والطريق».


مقالات ذات صلة

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)
حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».