«حزب مانديلا» مضطر لتقاسم السلطة للمرة الأولى في تاريخه

«المؤتمر الوطني الأفريقي» يسعى لائتلاف حكومي إثر نكسته الانتخابية

لافتات انتخابية من مختلف الأنواع في الشوارع (آ ب)
لافتات انتخابية من مختلف الأنواع في الشوارع (آ ب)
TT

«حزب مانديلا» مضطر لتقاسم السلطة للمرة الأولى في تاريخه

لافتات انتخابية من مختلف الأنواع في الشوارع (آ ب)
لافتات انتخابية من مختلف الأنواع في الشوارع (آ ب)

بعد 30 سنة من احتكار الحكم في جنوب أفريقيا بات حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي» مضطراً إلى تقاسم السلطة مع حزب أو أكثر من أحزاب المعارضة، إثر انتخابات تشريعية أفقدته الأغلبية المطلقة في البرلمان للمرة الأولى في تاريخه؛ ما يثير مخاوف بشأن إمكانية حدوث اضطرابات سياسية «غير مسبوقة» في الأشهر المقبلة، إثر تحول سياسي وصفه مراقبون بأنه «الأكثر دراماتيكية» في تاريخ البلاد منذ القضاء على الفصل العنصري. إذ أعلنت اللجنة الانتخابية النتائج الرسمية، الأحد الماضي، حصول «المؤتمر الوطني الأفريقي» على 159 مقعداً فقط من أصل 400؛ ما يُشكل تراجعاً قاسياً للحزب الذي كان يمتلك 230 مقعداً في البرلمان المنتهية ولايته، لا سيما وأن الحزب اعتاد حصد الغالبية المطلقة منذ انتخابات عام 1994، التي كتبت نهاية الفصل العنصري، ودفعت بزعيمه التاريخي نيلسون مانديلا لرئاسة البلاد.

فاز حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، في الانتخابات العامة الأخيرة بجنوب أفريقيا، بنحو 42 في المائة من مقاعد البرلمان، متراجعاً عن نسبة الـ57.5 في المائة التي حازها في انتخابات عام 2019. ولقد احتفظ حزب المعارضة الرئيس «التحالف الديمقراطي» اليميني المؤيد لقطاع الأعمال، بالمركز الثاني بـ21.6 في المائة – مترجماً بـ87 مقعداً. حل ثالثاً حزب «أومكونتو وي سيزوي» (إم كيه) - أو «رمح الأمة» - الذي انتزع نسبة 14.7 في المائة (49 مقعداً) في مفاجأة لكثيرين كونه حزباً جديداً شكّله الرئيس السابق جاكوب زوما، وجاء رابعاً حزب «مناضلون من أجل الحرية الاقتصادية» الماركسي بنحو 9 في المائة من مقاعد البرلمان.

في ضوء هذا النتيجة، سيضطر «المؤتمر الوطني الأفريقي» إلى تشكيل حكومة ائتلافية؛ كون النتائج لا تؤهله منفرداً لذلك، رغم تصدّره عدد المقاعد في البرلمان. ولذا؛ دعا الرئيس الجنوب الأفريقي سيريل رامافوزا، عقب إعلان النتائج، جميع القوى السياسية إلى «العمل معاً»، كما أكّد «المؤتمر»، الذي يتزعمه رامافوزا «اعتزامه إجراء مناقشات مع أحزاب سياسية أخرى بهدف تشكيل حكومة ائتلافية».

ناخبة تدلي بصوتها في أحد مراكز الاقتراع (آ ب)

ظروف غير مواتية

النتيجة النهائية التي شكّلت منعطفاً سياسياً في تاريخ البلاد السياسي، جاءت في الواقع متماشية مع استطلاعات الرأي العام؛ إذ شهدت الأسابيع الأخيرة السابقة على إجرائها تحذيرات من احتمال فقدان الحزب الحاكم غالبيته البرلمانية.

لقد شكّلت الانتخابات، وفق حمدي عبد الرحمن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد في دولة الإمارات العربية المتحدة، «نقطة تحوّل في تاريخ جنوب أفريقيا منذ نهاية الفصل العنصري». وأوضح عبد الرحمن في تقرير نشره أخيراً «مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة»، أن الأمر «يرتبط في أحد جوانبه بأنها تصادف الذكرى الثلاثين لأول انتخابات تُجرى بعد سقوط نظام الفصل العنصري عام 1994»، وأن هذه الانتخابات كانت «الأكثر تنافسية منذ تولي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي السلطة».

وبدورها، قالت الدكتورة نرمين توفيق، الباحثة في الشأن الأفريقي والمنسق العام في مركز «فاروس» للاستشارات والدراسات الاستراتيجية في مصر، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، إن الانتخابات «أُجريت وسط زخم على المستوى الداخلي في جنوب أفريقيا أو على مستوى تحركاتها الدولية في دعم فلسطين».

وحقاً، تزامنت الانتخابات الجنوب أفريقية هذه المرة مع ظروف «غير مواتية» للحزب الحاكم، بحسب الباحث المصري في الشؤون الأفريقية الدكتور عطية عيسوي، الذي أشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى «تراجع شعبية المؤتمر الوطني الأفريقي؛ نظراً لعجزه عن تحقيق آمال الشعب وتطلعاته، لا سيما مع تفاقم مشاكل المياه والكهرباء والمساكن، وارتفاع معدلات الجريمة، وكذلك ارتفاع معدل البطالة إلى ما بين 32 و46 في المائة في بعض المناطق».

وفي حين أذكر عيسوي أن «النتائج جاءت كما كان متوقعاً»، فهو استدرك قائلاً إنه «لم يكن يتوقع هبوط شعبية المؤتمر الوطني بهذا القدر الكبير، وحصول حزب (جاكوب) زوما على نحو 15 في المائة من الأصوات، وانخفاض نسبة تأييد حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية إلى 9 في المائة فقط».

أزمات وتحديات

في الواقع، تسود حالة من الإحباط وخيبة الأمل الشارع الجنوب أفريقي، بسبب تضاؤل قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية، بحسب مراقبين يلقون باللوم على «الفساد»، كسبب رئيسي لـ«التدهور السريع» في البنية التحتية. ويُظهِر استطلاع أجرته أخيراً مؤسسة «أفروباروميتر» أن «ثلاثة أرباع المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و20 سنة متشائمون بشأن مستقبل بلادهم، بسبب الفساد والبطالة».

هذا، وأصبحت موجة الاستياء من أداء «المؤتمر الوطني الأفريقي» واضحة، خصوصاً بين سكان المدن عام 2021، عندما أظهرت استطلاعات الرأي الحكومية المحلية عام 2021 أن الحزب يخسر غالبيته في العديد من البلديات الكبيرة.

في المقابل، ترى بولين باكس، نائب مدير برنامج أفريقيا في «مجموعة الأزمات الدولية»، أن أداء الحزب ليس «قاتماً في المطلق»، بحسب تقرير للبرنامج نشره موقع المجموعة أخيراً. وهو يلفت إلى «نجاح حزب المؤتمر في اعتماد نظام رعاية اجتماعية واسع النطاق، وحصده دعماً شعبياً على جبهة السياسة الخارجية».

انتصار للديمقراطية

وفي الاتجاه الإيجابي ذاته، اعتبر إبراهيم إدريس، الباحث المتخصص في الشأن الأفريقي المقيم في الولايات المتحدة، نتائج الانتخابات «انعكاساً للديمقراطية في جنوب أفريقيا». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على الرغم من خسارة الحزب الحاكم غالبيته المطلقة، تُعدّ النتائج انتصاراً للديمقراطية تؤهل الحزب لتصحيح مساره». وتتفق نرمين توفيق، هنا، في أن «الانتخابات عكست مستوى ديمقراطية مرتفعاً يُسجّل لرامافوزا». وما يُذكر، أن الرئيس رامافوزا، كان قد وعد بانتخابات «حرة وعادلة وذات مصداقية وسلمية». وعلّق بعد إعلان النتائج «لقد تكلّم شعبنا، وسواءً أحببنا ذلك أم لا، علينا أن نحترم اختياراته».

وما يستحق التنويه، وكما سبق القول، أنه رغم الخسارة لا يزال «المؤتمر» أكبر حزب في البرلمان الجديد، الذي سيكون عليه انتخاب الرئيس المقبل خلال يونيو (حزيران) الحالي.

الرئيس سيريل رامافوزا (آ ف ب)

«سيناريوهات» التحالف

بموجب النتائج؛ على «المؤتمر» بناء تحالفات تتيح له تشكيل الحكومة، وهنا يرى الدكتور عيسوي أنها «ستتحقق مقابل تنازلات مؤلمة ومساومات قبل التشكيل وبعده؛ إذ سيبقى سيف المتحالفين معه مسلطاً على رقبة حزب المؤتمر إن قاوم التنازلات مستقبلاً؛ ما سيعرّض الحكومة للانهيار».

وحذّر الباحث المصري من «احتمال هدر معظم الوقت في الخلافات بين الأحزاب ومحاولات تسويتها، لتبقى القضايا الملحّة بلا حلّ». وأردف: «تشكيل حكومة ائتلافية لن يكون أمراً سهلاً ما يجعل المؤتمر مضطراً إلى تقديم تنازلات كبيرة قد تصل إلى الإحجام عن إعادة ترشيح رامافوزا للرئاسة حال تحالفه مع حزب زوما». وسبق لحزب زوما الإعلان أنه لن يتفاوض مع المؤتمر طالما بقي رامافوزا رئيساً له. لكن الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني فيكيل مبالولا قال: «لن يُملي علينا أي حزب سياسي شروطاً كهذه».

وبدوره، أكد اتحاد النقابات العمالية، والمتحالف مع «المؤتمر الوطني الأفريقي» - وهو الاتحاد الأكبر نفوذاً في جنوب أفريقيا - أن أي ائتلاف سيُشكَّل من جانب الحزب يجب أن يضمن احتفاظ الرئيس رامافوزا بمنصبه. وبينما يحذّر إدريس من «تأثير حدة الصراع الشخصي بين رامافوزا وزوما»، فهو يلفت إلى «ضغوط عدة تدفع لإتمام التحالف بينهما، خاصةً، وأن مشاركة حزب التحالف الديمقراطي اليميني (بغالبيته البيضاء) في الحكومة قد يشكّل خطراً على البلاد، وكذلك الأمر بالنسبة لحزب مناضلون من أجل الحرية الاقتصادية اليساري».

في هذه الأثناء، يأمل مجتمع الأعمال والمستثمرين، طبعاً، بتحالف بين المؤتمر الوطني الأفريقي والتحالف الديمقراطي؛ كون مثل هذا الاتفاق من شأنه أن «يعني الاستقرار والمسؤولية المالية والتحوّل إلى ما هو أبعد من إرث الفصل العنصري»، وفق تقرير نشره مركز «تشاتام هاوس» البريطاني للباحث في الشؤون الأفريقية كريستوفر فاندوم. لكن فاندوم يقول إنه «بينما يشكل الاتفاق مع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي فرصة للتحالف الديمقراطي لدخول الحكومة، فهو في الوقت عينه يتناقض مع مبادئ الحزب، الذي قام أساساً على الدعوة للتخلص من المؤتمر الوطني لا دعم بقائه في السلطة».

من ناحية أخرى، في رسمه لسيناريوهات التحالف قال حمدي عبد الرحمن، الأستاذ بجامعة زايد، إن «التعاون مع التحالف الديمقراطي وحزب زوما، قد يؤدي إلى توترات داخل الحزب الحاكم يمكن أن تعمّق حالة اللايقين السياسي... أما الحلف مع حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية، فقد يدفع البلاد للابتعاد عن اتجاهات رامافوزا المؤيدة للأعمال التجارية وتشجيع القطاع الخاص؛ ما يهدّد بإثارة أزمة اقتصادية حادة في المدى المتوسط».

وفي هذا الصدد، رأى عطية عيسوي «احتمال اتفاق المؤتمر الوطني مع حزب التحالف الديمقراطي، الأقرب له في السياسات؛ كونه لا ينتهج سياسيات درامية كحزب مناضلون من أجل الحرية الاقتصادية».

تراجع «حزب مانديلا» من 57.5% في عام 2019 إلى 42% في الانتخابات العامة الأخيرة

رامافوزا باقٍ

حيال مصير رئاسة سيريل رامافوزا، فإن خسارة «المؤتمر الوطني الأفريقي» غالبيته البرلمانية لا تعني بالضرورة خسارته مقعد الرئيس، وهنا يرجح عيسوي «استمرار رامافوزا كونه المرشح المفضل من القليلين الباقين من القيادات التي كافحت الفصل العنصري، وهو شخص هادئ ومتواضع ويعرف كيف يخاطب الداخل والخارج».

لكن صحيفة «النيويورك تايمز» الأميركية اعتبرت أن «رامافوزا يواجه تهديداً خطيراً لطموحه بتولي فترة ولاية ثانية... ومن المتوقع أن يلقي المنتقدون باللوم في التعثر الأخير على رامافوزا، كما قد يحاولون تغييره، لا سيما أنه من دون الغالبية البرلمانية المطلقة لن يستطيع المؤتمر بمفرده اختيار الرئيس».

وعليه، تثير النتائج مخاوف من اندلاع أعمال عنف في الفترة المقبلة، بل رجّحت باكس، من مجموعة الأزمات الدولية، «اندلاع أعمال عنف خلال الأسبوعين التاليين للانتخابات بالتوازي مع محاولات تشكيل ائتلاف حكومي».

في مطلق الأحوال، بحسب مراقبين، قد تدفع الانتخابات الأخيرة إلى تحول سياسي في جنوب أفريقيا يسير نحو اعتماد نظام التعددية الحزبية بدلاً من نموذج «الحزب المهيمن»، وأن الفترة المقبلة ستشهد «اختباراً لقدرة البلاد على استخدام الديمقراطية في تشكيل تحالفات محلية ومعالجة الأزمات».

 

جاكوب زوما (آ ب)

أبرز الأحزاب السياسية في جنوب أفريقيا

> في ظل انتخابات عامة وُصفت بأنها «الأكثر خطورة وسخونة» في جنوب أفريقيا منذ سنوات، برزت قوى سياسية فاعلة على السطح. ونافست هذه القوى الحزب الحاكم وقوّضت هيمنته المستمرة منذ 30 سنة. ولقد شهدت الانتخابات تنافس أعضاء من 52 حزباً على 400 مقعد في البرلمان، من بينهم أربع قوى رئيسية، هي:- حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي»الحزب الحاكم بزعامة الرئيس سيريل رامافوزا. أُسّس عام 1912 باسم «المؤتمر الوطني الأصلي لجنوب أفريقيا»، قبل أن يتغير اسمه إلى الاسم الحالي عام 1923. بدأ كحركة تحرّر وطني إبّان حقبة الفصل العنصري، وحشد الحزب الرأي العام الدولي بموازاة العمل المسلح. وانتُخب زعيمه نيلسون مانديلا رئيساً للبلاد عام 1994 في أول انتخابات ديمقراطية حصل فيها الحزب على 60 في المائة من الأصوات.ولكن، منذ عام 2009، تراجعت شعبية الحزب تدريجياً بسبب فضائح الفساد، ونكوصه بوعوده بشأن تحسين الأوضاع الاقتصادية. وشهد الحزب أيضاً انقسامات داخلية دفعت لتشكيل أحزاب جديدة، مثل «حزب مؤتمر الشعب» عام 2008، و«المناضلون من أجل الحرية الاقتصادية» عام 2013، وأخيراً حزب زعيمه السابق جاكوب زوما في نهاية نهاية العام الماضي.- التحالف الديمقراطيأُسّس عام 2000، ويتزعمه جون ستينهوزن. وكان قد احتل المركز الثاني في الانتخابات التي أُجريت أعوام 2004 و2009 و2014 و2019.تعود جذور هذا الحزب إلى الحزب الديمقراطي الذي أُسّس عام 1989، وعارض الفصل العنصري. وهو يُعد حزباً ليبرالياً للسكان البيض، لكنه الآن يضم أعضاء من أعراق مختلفة. وكان قد رفع خلال الانتخابات الأخيرة شعار «أنقذوا جنوب أفريقيا»، وتضمن برنامجه مكافحة الفساد والجريمة، وتحسين الرعاية الصحية، والتعليم، وتوصيل الكهرباء والمياه النظيفة.- المناضلون من أجل الحرية الاقتصاديةأُسّس عام 2013، ويتزعمه يوليوس ماليما. احتل المركز الثالث في انتخابات 2014 و2019.كان ماليما، عضواً قيادياً ورئيساً لرابطة شباب «لمؤتمر الوطني الأفريقي»، لكنه طُرد من «المؤتمر» عام 2012 بسبب تصريحات أثارت جدلاَ وقتها. هذا، ويرتدي نواب الحزب المناضلون في البرلمان زياً أحمر للتعبير عن تعاطفهم مع محنة الطبقة العاملة. وهو يتبنى نهجاً يسارياً يدعو إلى تأميم المناجم والبنوك ومصادرة الأراضي لإعادة توزيعها.- حزب «أومكونتو وي سيزوي» (أم كي)أُسّس هذا الحزب رئيس جنوب أفريقيا السابق جاكوب زوما يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) 2023. وأطلق عليه نفس اسم الجناح العسكري لـ«المؤتمر الوطني الأفريقي»، أي «رمح الأمة».يتبنى الحزب خطاباً تحريضياً مشوباً بالتطرف الشعبوي. ويتكلم عن إبدال النظام الدستوري الحالي بالنظام البرلماني غير المقيد؛ الأمر الذي يثير مخاوف بشأن مستقبل الديمقراطية الدستورية في البلاد. وللعلم، ينظر كثيرون لحزب زوما على أنه فصيل سياسي لـ«المؤتمر الوطني الأفريقي»، ويرى آخرون أنه ربما يكون حيلة من جانب زوما لتفادي التُّهم الموجهة إليه، والتي قد تدفع به إلى السجن مرة أخرى.


مقالات ذات صلة

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

حصاد الأسبوع لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية،

ميشال أبونجم (باريس)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)
حصاد الأسبوع الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

يتوجه الجزائريون اليوم إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيس جديد. وهذه هي ثاني استحقاقات رئاسية بعد الحراك الذي طال سنتين تقريباً، وشهد خروج ملايين الجزائريين إلى

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع  تأتي رئاسة تراوري في فترةٍ تواجه خلالها بوركينا فاسو تحديات أمنية وإقليمية بعدما فقدت السيطرة على نحو 40 في المائة من مساحتها، للجماعات المسلّحة

إبراهيم تراوري... رئيس بوركينا فاسو وقائد حربها الشرسة ضد «الإرهاب»

رغم تعهّد النقيب إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو، بألا يبقى في السلطة، فإنه مدّد فترة الحكم الانتقالي خمس سنوات إضافية، راهناً إجراء الانتخابات التي كان من

فتحية الدخاخني (القاهرة)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)
الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط (آ فب)
TT

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)
الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط (آ فب)

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19 سنة إلى السواحل الإسبانية على متن زورق صغير، ضمن مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين، ومن أم كانت غادرت مسقط رأسها في غينيا الاستوائية بعده بسنة واحدة. وكان النجم الآخر نيكولاس وليامز، الذي سجّل أول هدفي النصر الحاسم في المباراة النهائية من أبوين مهاجرين من غانا، وكلاهما شابان في مقتبل العمر. وفي أواخر الشهر الماضي، وفي ختام جولة أفريقية هدفت إلى تفعيل برامج التعاون والمساعدة التي أطلقتها إسبانيا مع عدد من البلدان «المصدّرة» للهجرة وتلك التي يعبرها المهاجرون في اتجاه أوروبا، قال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز في العاصمة السنغالية داكار: «إن معالجة الهجرة في إسبانيا مسألة مبادئ أخلاقية، وتضامن وكرامة، لكنها أيضاً مسألة تعقّل ومنطق». وأضاف: «إن المهاجرين يساهمون بشكل أساسي في الاقتصاد الوطني وفي دعم نظام الضمان الاجتماعي، والهجرة بالنسبة لإسبانيا هي ثروة وتنمية ورفاه».

المشهد غير المألوف في تاريخ الرياضة الإسبانية، كما هذا التحول العميق في العلاقات الإسبانية الأفريقية، انعكاس مباشر لما تؤكده الأرقام والإحصاءات التي باتت تفرض على الخطاب السياسي والاجتماعي الاعتراف بأن السكان الذين يتحدّرون من أصول أجنبية باتوا يشكلون جزءاً أساسياً من الهوية الوطنية.

الحكومة الإسبانية تفاخر راهناً، بعكس معظم حكومات البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بالنتائج التي حقّقتها سياسة استيعاب المهاجرين ودمجهم في المجتمع الإسباني: 12 في المائة من المنتسبين إلى نظام الضمان الاجتماعي هم من الأجانب، وتتراوح أعمار 60 في المائة منهم بين 18 و23 سنة، وهي نسبة أعلى كثيراً من نسبة الإسبان أنفسهم. ومنذ عام 2021 تمكّن 300 ألف مهاجر غير شرعي من تسوية أوضاعهم القانونية، لأن غالبية الذين دخلوا إسبانيا في السنوات الأخيرة المنصرمة فعلوا ذلك عبر الطرق الشرعية بسبب عدم وجود قنوات قانونية لدخولهم، أو لكثرة العراقيل والتعقيدات التي تحول دون ذلك.

إسبانيا في الصدارة

ثم إنه خلال العام الماضي، تصدّرت إسبانيا ترتيب بلدان الاتحاد الأوروبي من حيث نسبة ارتفاع عدد المهاجرين غير الشرعيين الوافدين إليها، التي بلغت 126 في المائة، وذلك نظراً لتزايد إقبال المهاجرين على سلوك «المسار الأطلسي»، رغم خطورته، نتيجة الاضطرابات التي تشهدها دول منطقة الساحل منذ سنوات. وهذه الاضطرابات تدفع بالآلاف للعبور إلى موريتانيا التي تنطلق من شواطئها موجات المهاجرين باتجاه الجزر الكنارية. وللمرة الأولى منذ بداية أزمة الهجرة الشرعية، صار المهاجرون من مالي هم الأكثر عدداً بين الذين يصلون بطريقة غير شرعية إلى الشواطئ الإسبانية، ما يدلّ على أن الحروب الحالية هي التي تتولّد منها تدفقات المهاجرين اليائسين.

أما اللافت فهو أن نسبة عالية من المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى إسبانيا منذ سنوات هم من القاصرين، الأمر الذي جعل أمر استيعابهم وتوزيعهم على مختلف المناطق تحدياً لوجستياً كبيراً بالنسبة للسلطات المحلية، ناهيك أنه يؤجّج الخطاب السياسي الذي صار شعار القوى والأحزاب اليمينية المتطرفة التي تشهد شعبيتها ارتفاعاً مطرداً منذ سنوات.

قواارب طالبي لجوء وهجرة راسية في جزر الكناري (رويترز)

التعددية العرقية تتزايد

لكن رغم المشاهد المأساوية التي ترافق عادة رحلات العبور على الطرق الخطرة التي يسلكها المهاجرون غير الشرعيين، لا تزال نسبة هؤلاء أقل كثيراً من نسبة المهاجرين الذين يدخلون إسبانيا بطريقة شرعية، والذين جعلوا من إسبانيا بلداً تتزايد فيه تعدّدية الأعراق، حيث إن 18 في المائة من سكانها اليوم أبصروا النور خارج حدودها.

وتفيد أحدث الدراسات أن هذا الازدياد في عدد المهاجرين هو الذي حال دون تراجع العدد الإجمالي للسكان في إسبانيا، خلافاً لمعظم الدول الأوروبية التي ينخفض فيها التعداد السكاني منذ سنوات، علماً بأن 23 في المائة من القاصرين اليوم هم من آباء أو أمهات أجانب. أيضاً، يشكّل المهاجرون حالياً قوة عاملة يستحيل على السوق الإسبانية الاستغناء عنها، إذ بلغت نسبة فرص العمل التي تولّاها الأجانب في النصف الأول من هذه السنة 40 في المائة، استناداً إلى سجلات وزارة العمل، في حين يشكّل المهاجرون 13.6 في المائة من القوة العاملة.

كذلك، تفيد دراسة أعدّها المصرف المركزي الإسباني أن نسبة نشاط المهاجرين هي الأعلى في بلدان الاتحاد الأوروبي، إذ بلغت 78 في المائة في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، ويؤكد الخبراء أن الاقتصاد الإسباني معرّض للانهيار من غير مساهمة المهاجرين. وتبيّن هذا الدراسة، بالأرقام، أن المهاجرين كانوا عنصراً اساسياً للوصول إلى مستوى الرفاه الذي بلغته البلاد خلال العقدين المنصرمين، وأن بقاءهم ضروري للحفاظ على هذا المستوى. وأيضاً ظهر أن ضمان استمرار المعادلة الراهنة بين عدد العاملين والمتقاعدين في عام 2053 يقتضي وجود 24 مليون مهاجر، وأن تجاهل هذه الحقائق ضربٌ من العبث وانعدام المسؤولية تجاه الأجيال القادمة.

تلاقي مصالح بين اليسار واليمين

ليس مستغرباً في ضوء هذا الواقع أن مواقف منظمة أصحاب العمل الإسبانية، المعروفة بميولها اليمينية والمحافظة تقليدياً، تدعم سياسة الحكومة الاشتراكية التي تنهال عليها نيران المعارضة المحافظة واليمينية المتطرفة. وهذا ما دفع رئيس الحكومة الاشتراكي بيدرو سانتشيز للقيام بجولته الأفريقية الثانية في أقل من 6 أشهر، إذ زار كلاً من موريتانيا وغامبيا والسنغال، ووقّع هناك اتفاقات ضمن استراتيجية «الهجرة الدائرية» التي أطلقها، والتي تشمل برامج تأهيل مهني في بلدان المصدر لمواطنيها، تمكّنهم من العمل في إسبانيا بصورة مؤقتة، وخاصة القطاع الزراعي، الذي يعتمد بنسبة عالية على اليد العاملة الأجنبية الرخيصة كالحال في إيطاليا وفرنسا.

وتفيد بيانات وزارة الضمان الاجتماعي الإسبانية أن ما يزيد عن 20 ألف مهاجر تمكّنوا من العمل في البلاد تحت مظلة هذه البرامج، علماً أن معظمهم من التابعية المغربية أو الأميركية اللاتينية. وينصّ البيان المشترك، الذي صَدر عن المباحثات التي أجراها سانتشيز مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، أن الهدف من هذه البرامج هو أن تكون الهجرة آمنة ومنظمة وشرعية بين بلديهما، ضمن إطار الهجرة الدائرية الرائدة في أوروبا، مع التركيز بشكل خاص على الشباب والنساء.

غير أن المسؤولين الإسبان يعترفون، في المقابل، بأن هذه البرامج تحتاج إلى بعض الوقت قبل تنفيذها مشفوعة بدورات تأهيلية وعروض للعمل. وبالتالي، سيكون من الصعب جداً أن تتمكن من احتواء المدّ المتوقع للقوارب الحاملة مهاجرين غير شرعيين هذا الخريف عندما تتحسّن ظروف البحر قبالة سواحل جزر الكناري. وهنا، تجدر الإشارة إلى أنه منذ مطلع هذا العام حتى منتصف الشهر الماضي، وصل إلى تلك السواحل ما يزيد عن 22 ألف مهاجر غير شرعي، أي أكثر من ضعف الذين وصلوا خلال الفترة نفسها من العام الفائت. وللعلم، فإن المسارات الجديدة للهجرة الشرعية لن تكون كافية لتغطية احتياجات السوق الإسبانية التي تقدّرها المصادر الحكومة بما يزيد عن ربع مليون عامل سنوياً.

الهجرة غير الشرعية

من جهة ثانية، إلى جانب استراتيجية الهجرة الدائرية، تسعى إسبانيا أيضاً إلى التصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية التي باتت تشكل الطبق الرئيس على مائدة النقاش السياسي في معظم بلدان الاتحاد الأوروبي، والعامل الأساسي الذي سيحدّد معالم المشهد السياسي في السنوات المقبلة. وراهناً، تسعى مدريد إلى دفع عجلة التنمية الاقتصادية في «بلدان المصدر والعبور»، عن طريق برامج طموحة، مثل الذي وُقّعت في فبراير (شباط) الماضي بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، أثناء الزيارة التي قام بها سانتشيز إلى موريتانيا، رفقة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان دير لاين، وتتضمن مساعدات بقيمة نصف مليار دولار أميركي. ومن المقرر أن يساهم البنك الدولي في برنامج آخر للتنمية الاقتصادية في السنغال، إلى جانب المفوضية الأوروبية والحكومة الإسبانية.

وبعد حزمة الاتفاقات الثنائية الموقعة بين إسبانيا والمغرب لوقف تدفقات الهجرة غير الشرعية، تسعى مدريد أن تكون موريتانيا المنصة الأساسية التي تنطلق منها هذه الاستراتيجية الجديدة في العمق الأفريقي، خاصة في بلدان الساحل التي تحولت إلى مصدر رئيسي لهذه الهجرة بعد الاضطرابات السياسية والأمنية التي شهدتها منطقة الساحل في السنوات الأخيرة، وانكفاء الدول الغربية عنها في أعقاب الانقلابات التي توالت عليها وفتحت الباب أمام التغلغل العسكري الروسي وتزايد العمليات الإرهابية فيها. وبالفعل، سبّبت هذه الاضطرابات أزمة إنسانية كبيرة في موريتانيا، التي تضم حالياً زهاء 200 ألف لاجئ على حدودها مع مالي، وفقاً لبيانات منظمة الهجرة العالمية.

الواقع أن موريتانيا هي الآن إحدى «واحات» الاستقرار القليلة في وسط ضخامة «صحراء» الاهتزازات السياسية والأمنية. وهذا العامل جعل موريتانيا شريكاً مميزاً للاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي الذي قرر خلال قمته الأخيرة في واشنطن رصد مساعدات مالية لتجهيز القوات المسلحة الموريتانية وتدريبها على مواجهة الحركات المتطرفة والإرهابية الناشطة في البلدان المجاورة. وتقول الأوساط الحكومية، التي حاورتها «الشرق الأوسط»، إن مقاربة سياسة الهجرة والمعضلات الناشئة عنها من القضايا الحيوية التي ينبغي التوافق حولها بين جميع المكونات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ثم إن ظاهرة الهجرة «واقعٌ ينبغي التعاطي معه بعقلانية، وليس مشكلة تتنافس الأحزاب السياسية على كيفية حلها أو معالجتها». وتضيف هذه الأوساط: «إن الخطاب السياسي، الذي يطرح حلولاً أو علاجات لظاهرة الهجرة، يغفل حقيقة أن السكان الأجانب باتوا جزءاً لا يتجزأ من المجتمع والاقتصاد والثقافة في إسبانيا، وأنهم يشكّلون مصدراً هاماً للمواهب والمعارف واليد العاملة».وختاماً، تقرّ إيلما سايز، وزيرة الضمان الاجتماعي الإسبانية، بأن الهجرة غدت تحدياً مشتركاً لجميع البلدان المتطورة، وأحد العوامل التي ستحدد معالم مجتمعات هذه الدول في السنوات المقبلة. وتتابع: «التصدي لظاهرة الهجرة كان المحور الرئيس الذي دارت حوله معظم الحملات الانتخابية أخيراً في بلدان الاتحاد، بما فيها حملة انتخابات البرلمان الأوروبي... لكن جميع المجتمعات التي تسعى منذ سنوات لإيجاد حل شامل ونهائي لها فشلت في مساعيها، وهو ما يدلّ على أنه لا حل لها. وعليه، لا بد من التعايش معها باستيعابها والاستفادة منها».

نسبة عالية من المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى إسبانيا من القاصرين

الامين جمال (رويترز)

الهجرة منبر مزايدات... ومصنع لليمين المتطرف

على الرغم من كل الدلائل والقرائن والدراسات الكثيرة التي وضعتها المؤسسات الأوروبية، منذ سنوات، للدفع باتجاه تبريد النقاش السياسي حول ظاهرة الهجرة وسحبها من «بازار» المزايدات والاتهامات، يبدو أنها ستبقى تشكّل الحلبة الرئيسية للمواجهة السياسية بين الحكومات والمعارضات بشقّيها المعتدل والمتطرف.ومن الأدلّة البيّنة على ذلك أن أحزاب المعارضة في إسبانيا رفضت التجاوب مع دعوة رئيس الحكومة بيدرو سانتشيز الأخيرة إلى مقاربة ملف الهجرة خارج الإطار الديماغوجي المعتاد في النقاش السياسي، بل التصدي لها عبر التوافق حول سياسات واقعية طويلة الأمد، والاقتداء بالخطوط العريضة التي وضعتها المفوضية الأوروبية. هذه الخطوط العريضة التي بدأت بتطبيقها بعض الدول الأعضاء كإيطاليا وبلجيكا وهولندا، هدفها تسهيل مسارات الهجرة الشرعية وتنظيمها من بلدان المنشأ إلى الدول الأعضاء التي تستضيف لاحقاً المهاجرين في مختلف القطاعات الاقتصادية. في مطلع العام الحالي، كانت الهجرة تحتل المرتبة التاسعة بين شواغل الإسبان، وفقاً لاستطلاع مركز البحوث الاجتماعية. لكن في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، قفزت إلى المرتبة الرابعة بين مباعث القلق عند المواطن الإسباني، نتيجة متابعته احتدام النقاش السياسي خلال حملة الانتخابات الأوروبية التي كانت الأحزاب اليمينية المتطرفة تنفخ في نيرانها. وبينما يواصل حزب «فوكس» اليميني المتطرف صعوده مدفوعاً بخطاب عنصري ضد المهاجرين، ظهر في المشهد السياسي الإسباني أخيراً «مخلوق» جديد، نما في مستنقع التطرّف على وسائل التواصل الاجتماعي، اسمه آلفيسي بيريز، الذي حصد في الانتخابات الأوروبية الأخيرة 800 ألف صوت، ومقعداً في البرلمان الأوروبي. ولا شك أن مثل هذه التطورات ستدفع الحزب الشعبي المحافظ إلى الجنوح نحو مزيد من التشدد، وربما التطرف، في مواقفه من الهجرة، كما حصل بالنسبة لكثير من الأحزاب المحافظة التقليدية في أوروبا، بل بعض الأحزاب اليسارية في البلدان الاسكندنافية.