«حزب مانديلا» مضطر لتقاسم السلطة للمرة الأولى في تاريخه

«المؤتمر الوطني الأفريقي» يسعى لائتلاف حكومي إثر نكسته الانتخابية

لافتات انتخابية من مختلف الأنواع في الشوارع (آ ب)
لافتات انتخابية من مختلف الأنواع في الشوارع (آ ب)
TT

«حزب مانديلا» مضطر لتقاسم السلطة للمرة الأولى في تاريخه

لافتات انتخابية من مختلف الأنواع في الشوارع (آ ب)
لافتات انتخابية من مختلف الأنواع في الشوارع (آ ب)

بعد 30 سنة من احتكار الحكم في جنوب أفريقيا بات حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي» مضطراً إلى تقاسم السلطة مع حزب أو أكثر من أحزاب المعارضة، إثر انتخابات تشريعية أفقدته الأغلبية المطلقة في البرلمان للمرة الأولى في تاريخه؛ ما يثير مخاوف بشأن إمكانية حدوث اضطرابات سياسية «غير مسبوقة» في الأشهر المقبلة، إثر تحول سياسي وصفه مراقبون بأنه «الأكثر دراماتيكية» في تاريخ البلاد منذ القضاء على الفصل العنصري. إذ أعلنت اللجنة الانتخابية النتائج الرسمية، الأحد الماضي، حصول «المؤتمر الوطني الأفريقي» على 159 مقعداً فقط من أصل 400؛ ما يُشكل تراجعاً قاسياً للحزب الذي كان يمتلك 230 مقعداً في البرلمان المنتهية ولايته، لا سيما وأن الحزب اعتاد حصد الغالبية المطلقة منذ انتخابات عام 1994، التي كتبت نهاية الفصل العنصري، ودفعت بزعيمه التاريخي نيلسون مانديلا لرئاسة البلاد.

فاز حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، في الانتخابات العامة الأخيرة بجنوب أفريقيا، بنحو 42 في المائة من مقاعد البرلمان، متراجعاً عن نسبة الـ57.5 في المائة التي حازها في انتخابات عام 2019. ولقد احتفظ حزب المعارضة الرئيس «التحالف الديمقراطي» اليميني المؤيد لقطاع الأعمال، بالمركز الثاني بـ21.6 في المائة – مترجماً بـ87 مقعداً. حل ثالثاً حزب «أومكونتو وي سيزوي» (إم كيه) - أو «رمح الأمة» - الذي انتزع نسبة 14.7 في المائة (49 مقعداً) في مفاجأة لكثيرين كونه حزباً جديداً شكّله الرئيس السابق جاكوب زوما، وجاء رابعاً حزب «مناضلون من أجل الحرية الاقتصادية» الماركسي بنحو 9 في المائة من مقاعد البرلمان.

في ضوء هذا النتيجة، سيضطر «المؤتمر الوطني الأفريقي» إلى تشكيل حكومة ائتلافية؛ كون النتائج لا تؤهله منفرداً لذلك، رغم تصدّره عدد المقاعد في البرلمان. ولذا؛ دعا الرئيس الجنوب الأفريقي سيريل رامافوزا، عقب إعلان النتائج، جميع القوى السياسية إلى «العمل معاً»، كما أكّد «المؤتمر»، الذي يتزعمه رامافوزا «اعتزامه إجراء مناقشات مع أحزاب سياسية أخرى بهدف تشكيل حكومة ائتلافية».

ناخبة تدلي بصوتها في أحد مراكز الاقتراع (آ ب)

ظروف غير مواتية

النتيجة النهائية التي شكّلت منعطفاً سياسياً في تاريخ البلاد السياسي، جاءت في الواقع متماشية مع استطلاعات الرأي العام؛ إذ شهدت الأسابيع الأخيرة السابقة على إجرائها تحذيرات من احتمال فقدان الحزب الحاكم غالبيته البرلمانية.

لقد شكّلت الانتخابات، وفق حمدي عبد الرحمن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد في دولة الإمارات العربية المتحدة، «نقطة تحوّل في تاريخ جنوب أفريقيا منذ نهاية الفصل العنصري». وأوضح عبد الرحمن في تقرير نشره أخيراً «مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة»، أن الأمر «يرتبط في أحد جوانبه بأنها تصادف الذكرى الثلاثين لأول انتخابات تُجرى بعد سقوط نظام الفصل العنصري عام 1994»، وأن هذه الانتخابات كانت «الأكثر تنافسية منذ تولي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي السلطة».

وبدورها، قالت الدكتورة نرمين توفيق، الباحثة في الشأن الأفريقي والمنسق العام في مركز «فاروس» للاستشارات والدراسات الاستراتيجية في مصر، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، إن الانتخابات «أُجريت وسط زخم على المستوى الداخلي في جنوب أفريقيا أو على مستوى تحركاتها الدولية في دعم فلسطين».

وحقاً، تزامنت الانتخابات الجنوب أفريقية هذه المرة مع ظروف «غير مواتية» للحزب الحاكم، بحسب الباحث المصري في الشؤون الأفريقية الدكتور عطية عيسوي، الذي أشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى «تراجع شعبية المؤتمر الوطني الأفريقي؛ نظراً لعجزه عن تحقيق آمال الشعب وتطلعاته، لا سيما مع تفاقم مشاكل المياه والكهرباء والمساكن، وارتفاع معدلات الجريمة، وكذلك ارتفاع معدل البطالة إلى ما بين 32 و46 في المائة في بعض المناطق».

وفي حين أذكر عيسوي أن «النتائج جاءت كما كان متوقعاً»، فهو استدرك قائلاً إنه «لم يكن يتوقع هبوط شعبية المؤتمر الوطني بهذا القدر الكبير، وحصول حزب (جاكوب) زوما على نحو 15 في المائة من الأصوات، وانخفاض نسبة تأييد حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية إلى 9 في المائة فقط».

أزمات وتحديات

في الواقع، تسود حالة من الإحباط وخيبة الأمل الشارع الجنوب أفريقي، بسبب تضاؤل قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية، بحسب مراقبين يلقون باللوم على «الفساد»، كسبب رئيسي لـ«التدهور السريع» في البنية التحتية. ويُظهِر استطلاع أجرته أخيراً مؤسسة «أفروباروميتر» أن «ثلاثة أرباع المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و20 سنة متشائمون بشأن مستقبل بلادهم، بسبب الفساد والبطالة».

هذا، وأصبحت موجة الاستياء من أداء «المؤتمر الوطني الأفريقي» واضحة، خصوصاً بين سكان المدن عام 2021، عندما أظهرت استطلاعات الرأي الحكومية المحلية عام 2021 أن الحزب يخسر غالبيته في العديد من البلديات الكبيرة.

في المقابل، ترى بولين باكس، نائب مدير برنامج أفريقيا في «مجموعة الأزمات الدولية»، أن أداء الحزب ليس «قاتماً في المطلق»، بحسب تقرير للبرنامج نشره موقع المجموعة أخيراً. وهو يلفت إلى «نجاح حزب المؤتمر في اعتماد نظام رعاية اجتماعية واسع النطاق، وحصده دعماً شعبياً على جبهة السياسة الخارجية».

انتصار للديمقراطية

وفي الاتجاه الإيجابي ذاته، اعتبر إبراهيم إدريس، الباحث المتخصص في الشأن الأفريقي المقيم في الولايات المتحدة، نتائج الانتخابات «انعكاساً للديمقراطية في جنوب أفريقيا». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على الرغم من خسارة الحزب الحاكم غالبيته المطلقة، تُعدّ النتائج انتصاراً للديمقراطية تؤهل الحزب لتصحيح مساره». وتتفق نرمين توفيق، هنا، في أن «الانتخابات عكست مستوى ديمقراطية مرتفعاً يُسجّل لرامافوزا». وما يُذكر، أن الرئيس رامافوزا، كان قد وعد بانتخابات «حرة وعادلة وذات مصداقية وسلمية». وعلّق بعد إعلان النتائج «لقد تكلّم شعبنا، وسواءً أحببنا ذلك أم لا، علينا أن نحترم اختياراته».

وما يستحق التنويه، وكما سبق القول، أنه رغم الخسارة لا يزال «المؤتمر» أكبر حزب في البرلمان الجديد، الذي سيكون عليه انتخاب الرئيس المقبل خلال يونيو (حزيران) الحالي.

الرئيس سيريل رامافوزا (آ ف ب)

«سيناريوهات» التحالف

بموجب النتائج؛ على «المؤتمر» بناء تحالفات تتيح له تشكيل الحكومة، وهنا يرى الدكتور عيسوي أنها «ستتحقق مقابل تنازلات مؤلمة ومساومات قبل التشكيل وبعده؛ إذ سيبقى سيف المتحالفين معه مسلطاً على رقبة حزب المؤتمر إن قاوم التنازلات مستقبلاً؛ ما سيعرّض الحكومة للانهيار».

وحذّر الباحث المصري من «احتمال هدر معظم الوقت في الخلافات بين الأحزاب ومحاولات تسويتها، لتبقى القضايا الملحّة بلا حلّ». وأردف: «تشكيل حكومة ائتلافية لن يكون أمراً سهلاً ما يجعل المؤتمر مضطراً إلى تقديم تنازلات كبيرة قد تصل إلى الإحجام عن إعادة ترشيح رامافوزا للرئاسة حال تحالفه مع حزب زوما». وسبق لحزب زوما الإعلان أنه لن يتفاوض مع المؤتمر طالما بقي رامافوزا رئيساً له. لكن الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني فيكيل مبالولا قال: «لن يُملي علينا أي حزب سياسي شروطاً كهذه».

وبدوره، أكد اتحاد النقابات العمالية، والمتحالف مع «المؤتمر الوطني الأفريقي» - وهو الاتحاد الأكبر نفوذاً في جنوب أفريقيا - أن أي ائتلاف سيُشكَّل من جانب الحزب يجب أن يضمن احتفاظ الرئيس رامافوزا بمنصبه. وبينما يحذّر إدريس من «تأثير حدة الصراع الشخصي بين رامافوزا وزوما»، فهو يلفت إلى «ضغوط عدة تدفع لإتمام التحالف بينهما، خاصةً، وأن مشاركة حزب التحالف الديمقراطي اليميني (بغالبيته البيضاء) في الحكومة قد يشكّل خطراً على البلاد، وكذلك الأمر بالنسبة لحزب مناضلون من أجل الحرية الاقتصادية اليساري».

في هذه الأثناء، يأمل مجتمع الأعمال والمستثمرين، طبعاً، بتحالف بين المؤتمر الوطني الأفريقي والتحالف الديمقراطي؛ كون مثل هذا الاتفاق من شأنه أن «يعني الاستقرار والمسؤولية المالية والتحوّل إلى ما هو أبعد من إرث الفصل العنصري»، وفق تقرير نشره مركز «تشاتام هاوس» البريطاني للباحث في الشؤون الأفريقية كريستوفر فاندوم. لكن فاندوم يقول إنه «بينما يشكل الاتفاق مع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي فرصة للتحالف الديمقراطي لدخول الحكومة، فهو في الوقت عينه يتناقض مع مبادئ الحزب، الذي قام أساساً على الدعوة للتخلص من المؤتمر الوطني لا دعم بقائه في السلطة».

من ناحية أخرى، في رسمه لسيناريوهات التحالف قال حمدي عبد الرحمن، الأستاذ بجامعة زايد، إن «التعاون مع التحالف الديمقراطي وحزب زوما، قد يؤدي إلى توترات داخل الحزب الحاكم يمكن أن تعمّق حالة اللايقين السياسي... أما الحلف مع حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية، فقد يدفع البلاد للابتعاد عن اتجاهات رامافوزا المؤيدة للأعمال التجارية وتشجيع القطاع الخاص؛ ما يهدّد بإثارة أزمة اقتصادية حادة في المدى المتوسط».

وفي هذا الصدد، رأى عطية عيسوي «احتمال اتفاق المؤتمر الوطني مع حزب التحالف الديمقراطي، الأقرب له في السياسات؛ كونه لا ينتهج سياسيات درامية كحزب مناضلون من أجل الحرية الاقتصادية».

تراجع «حزب مانديلا» من 57.5% في عام 2019 إلى 42% في الانتخابات العامة الأخيرة

رامافوزا باقٍ

حيال مصير رئاسة سيريل رامافوزا، فإن خسارة «المؤتمر الوطني الأفريقي» غالبيته البرلمانية لا تعني بالضرورة خسارته مقعد الرئيس، وهنا يرجح عيسوي «استمرار رامافوزا كونه المرشح المفضل من القليلين الباقين من القيادات التي كافحت الفصل العنصري، وهو شخص هادئ ومتواضع ويعرف كيف يخاطب الداخل والخارج».

لكن صحيفة «النيويورك تايمز» الأميركية اعتبرت أن «رامافوزا يواجه تهديداً خطيراً لطموحه بتولي فترة ولاية ثانية... ومن المتوقع أن يلقي المنتقدون باللوم في التعثر الأخير على رامافوزا، كما قد يحاولون تغييره، لا سيما أنه من دون الغالبية البرلمانية المطلقة لن يستطيع المؤتمر بمفرده اختيار الرئيس».

وعليه، تثير النتائج مخاوف من اندلاع أعمال عنف في الفترة المقبلة، بل رجّحت باكس، من مجموعة الأزمات الدولية، «اندلاع أعمال عنف خلال الأسبوعين التاليين للانتخابات بالتوازي مع محاولات تشكيل ائتلاف حكومي».

في مطلق الأحوال، بحسب مراقبين، قد تدفع الانتخابات الأخيرة إلى تحول سياسي في جنوب أفريقيا يسير نحو اعتماد نظام التعددية الحزبية بدلاً من نموذج «الحزب المهيمن»، وأن الفترة المقبلة ستشهد «اختباراً لقدرة البلاد على استخدام الديمقراطية في تشكيل تحالفات محلية ومعالجة الأزمات».

 

جاكوب زوما (آ ب)

أبرز الأحزاب السياسية في جنوب أفريقيا

> في ظل انتخابات عامة وُصفت بأنها «الأكثر خطورة وسخونة» في جنوب أفريقيا منذ سنوات، برزت قوى سياسية فاعلة على السطح. ونافست هذه القوى الحزب الحاكم وقوّضت هيمنته المستمرة منذ 30 سنة. ولقد شهدت الانتخابات تنافس أعضاء من 52 حزباً على 400 مقعد في البرلمان، من بينهم أربع قوى رئيسية، هي:- حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي»الحزب الحاكم بزعامة الرئيس سيريل رامافوزا. أُسّس عام 1912 باسم «المؤتمر الوطني الأصلي لجنوب أفريقيا»، قبل أن يتغير اسمه إلى الاسم الحالي عام 1923. بدأ كحركة تحرّر وطني إبّان حقبة الفصل العنصري، وحشد الحزب الرأي العام الدولي بموازاة العمل المسلح. وانتُخب زعيمه نيلسون مانديلا رئيساً للبلاد عام 1994 في أول انتخابات ديمقراطية حصل فيها الحزب على 60 في المائة من الأصوات.ولكن، منذ عام 2009، تراجعت شعبية الحزب تدريجياً بسبب فضائح الفساد، ونكوصه بوعوده بشأن تحسين الأوضاع الاقتصادية. وشهد الحزب أيضاً انقسامات داخلية دفعت لتشكيل أحزاب جديدة، مثل «حزب مؤتمر الشعب» عام 2008، و«المناضلون من أجل الحرية الاقتصادية» عام 2013، وأخيراً حزب زعيمه السابق جاكوب زوما في نهاية نهاية العام الماضي.- التحالف الديمقراطيأُسّس عام 2000، ويتزعمه جون ستينهوزن. وكان قد احتل المركز الثاني في الانتخابات التي أُجريت أعوام 2004 و2009 و2014 و2019.تعود جذور هذا الحزب إلى الحزب الديمقراطي الذي أُسّس عام 1989، وعارض الفصل العنصري. وهو يُعد حزباً ليبرالياً للسكان البيض، لكنه الآن يضم أعضاء من أعراق مختلفة. وكان قد رفع خلال الانتخابات الأخيرة شعار «أنقذوا جنوب أفريقيا»، وتضمن برنامجه مكافحة الفساد والجريمة، وتحسين الرعاية الصحية، والتعليم، وتوصيل الكهرباء والمياه النظيفة.- المناضلون من أجل الحرية الاقتصاديةأُسّس عام 2013، ويتزعمه يوليوس ماليما. احتل المركز الثالث في انتخابات 2014 و2019.كان ماليما، عضواً قيادياً ورئيساً لرابطة شباب «لمؤتمر الوطني الأفريقي»، لكنه طُرد من «المؤتمر» عام 2012 بسبب تصريحات أثارت جدلاَ وقتها. هذا، ويرتدي نواب الحزب المناضلون في البرلمان زياً أحمر للتعبير عن تعاطفهم مع محنة الطبقة العاملة. وهو يتبنى نهجاً يسارياً يدعو إلى تأميم المناجم والبنوك ومصادرة الأراضي لإعادة توزيعها.- حزب «أومكونتو وي سيزوي» (أم كي)أُسّس هذا الحزب رئيس جنوب أفريقيا السابق جاكوب زوما يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) 2023. وأطلق عليه نفس اسم الجناح العسكري لـ«المؤتمر الوطني الأفريقي»، أي «رمح الأمة».يتبنى الحزب خطاباً تحريضياً مشوباً بالتطرف الشعبوي. ويتكلم عن إبدال النظام الدستوري الحالي بالنظام البرلماني غير المقيد؛ الأمر الذي يثير مخاوف بشأن مستقبل الديمقراطية الدستورية في البلاد. وللعلم، ينظر كثيرون لحزب زوما على أنه فصيل سياسي لـ«المؤتمر الوطني الأفريقي»، ويرى آخرون أنه ربما يكون حيلة من جانب زوما لتفادي التُّهم الموجهة إليه، والتي قد تدفع به إلى السجن مرة أخرى.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».