«حزب مانديلا» مضطر لتقاسم السلطة للمرة الأولى في تاريخه

«المؤتمر الوطني الأفريقي» يسعى لائتلاف حكومي إثر نكسته الانتخابية

لافتات انتخابية من مختلف الأنواع في الشوارع (آ ب)
لافتات انتخابية من مختلف الأنواع في الشوارع (آ ب)
TT

«حزب مانديلا» مضطر لتقاسم السلطة للمرة الأولى في تاريخه

لافتات انتخابية من مختلف الأنواع في الشوارع (آ ب)
لافتات انتخابية من مختلف الأنواع في الشوارع (آ ب)

بعد 30 سنة من احتكار الحكم في جنوب أفريقيا بات حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي» مضطراً إلى تقاسم السلطة مع حزب أو أكثر من أحزاب المعارضة، إثر انتخابات تشريعية أفقدته الأغلبية المطلقة في البرلمان للمرة الأولى في تاريخه؛ ما يثير مخاوف بشأن إمكانية حدوث اضطرابات سياسية «غير مسبوقة» في الأشهر المقبلة، إثر تحول سياسي وصفه مراقبون بأنه «الأكثر دراماتيكية» في تاريخ البلاد منذ القضاء على الفصل العنصري. إذ أعلنت اللجنة الانتخابية النتائج الرسمية، الأحد الماضي، حصول «المؤتمر الوطني الأفريقي» على 159 مقعداً فقط من أصل 400؛ ما يُشكل تراجعاً قاسياً للحزب الذي كان يمتلك 230 مقعداً في البرلمان المنتهية ولايته، لا سيما وأن الحزب اعتاد حصد الغالبية المطلقة منذ انتخابات عام 1994، التي كتبت نهاية الفصل العنصري، ودفعت بزعيمه التاريخي نيلسون مانديلا لرئاسة البلاد.

فاز حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، في الانتخابات العامة الأخيرة بجنوب أفريقيا، بنحو 42 في المائة من مقاعد البرلمان، متراجعاً عن نسبة الـ57.5 في المائة التي حازها في انتخابات عام 2019. ولقد احتفظ حزب المعارضة الرئيس «التحالف الديمقراطي» اليميني المؤيد لقطاع الأعمال، بالمركز الثاني بـ21.6 في المائة – مترجماً بـ87 مقعداً. حل ثالثاً حزب «أومكونتو وي سيزوي» (إم كيه) - أو «رمح الأمة» - الذي انتزع نسبة 14.7 في المائة (49 مقعداً) في مفاجأة لكثيرين كونه حزباً جديداً شكّله الرئيس السابق جاكوب زوما، وجاء رابعاً حزب «مناضلون من أجل الحرية الاقتصادية» الماركسي بنحو 9 في المائة من مقاعد البرلمان.

في ضوء هذا النتيجة، سيضطر «المؤتمر الوطني الأفريقي» إلى تشكيل حكومة ائتلافية؛ كون النتائج لا تؤهله منفرداً لذلك، رغم تصدّره عدد المقاعد في البرلمان. ولذا؛ دعا الرئيس الجنوب الأفريقي سيريل رامافوزا، عقب إعلان النتائج، جميع القوى السياسية إلى «العمل معاً»، كما أكّد «المؤتمر»، الذي يتزعمه رامافوزا «اعتزامه إجراء مناقشات مع أحزاب سياسية أخرى بهدف تشكيل حكومة ائتلافية».

ناخبة تدلي بصوتها في أحد مراكز الاقتراع (آ ب)

ظروف غير مواتية

النتيجة النهائية التي شكّلت منعطفاً سياسياً في تاريخ البلاد السياسي، جاءت في الواقع متماشية مع استطلاعات الرأي العام؛ إذ شهدت الأسابيع الأخيرة السابقة على إجرائها تحذيرات من احتمال فقدان الحزب الحاكم غالبيته البرلمانية.

لقد شكّلت الانتخابات، وفق حمدي عبد الرحمن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد في دولة الإمارات العربية المتحدة، «نقطة تحوّل في تاريخ جنوب أفريقيا منذ نهاية الفصل العنصري». وأوضح عبد الرحمن في تقرير نشره أخيراً «مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة»، أن الأمر «يرتبط في أحد جوانبه بأنها تصادف الذكرى الثلاثين لأول انتخابات تُجرى بعد سقوط نظام الفصل العنصري عام 1994»، وأن هذه الانتخابات كانت «الأكثر تنافسية منذ تولي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي السلطة».

وبدورها، قالت الدكتورة نرمين توفيق، الباحثة في الشأن الأفريقي والمنسق العام في مركز «فاروس» للاستشارات والدراسات الاستراتيجية في مصر، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، إن الانتخابات «أُجريت وسط زخم على المستوى الداخلي في جنوب أفريقيا أو على مستوى تحركاتها الدولية في دعم فلسطين».

وحقاً، تزامنت الانتخابات الجنوب أفريقية هذه المرة مع ظروف «غير مواتية» للحزب الحاكم، بحسب الباحث المصري في الشؤون الأفريقية الدكتور عطية عيسوي، الذي أشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى «تراجع شعبية المؤتمر الوطني الأفريقي؛ نظراً لعجزه عن تحقيق آمال الشعب وتطلعاته، لا سيما مع تفاقم مشاكل المياه والكهرباء والمساكن، وارتفاع معدلات الجريمة، وكذلك ارتفاع معدل البطالة إلى ما بين 32 و46 في المائة في بعض المناطق».

وفي حين أذكر عيسوي أن «النتائج جاءت كما كان متوقعاً»، فهو استدرك قائلاً إنه «لم يكن يتوقع هبوط شعبية المؤتمر الوطني بهذا القدر الكبير، وحصول حزب (جاكوب) زوما على نحو 15 في المائة من الأصوات، وانخفاض نسبة تأييد حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية إلى 9 في المائة فقط».

أزمات وتحديات

في الواقع، تسود حالة من الإحباط وخيبة الأمل الشارع الجنوب أفريقي، بسبب تضاؤل قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية، بحسب مراقبين يلقون باللوم على «الفساد»، كسبب رئيسي لـ«التدهور السريع» في البنية التحتية. ويُظهِر استطلاع أجرته أخيراً مؤسسة «أفروباروميتر» أن «ثلاثة أرباع المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و20 سنة متشائمون بشأن مستقبل بلادهم، بسبب الفساد والبطالة».

هذا، وأصبحت موجة الاستياء من أداء «المؤتمر الوطني الأفريقي» واضحة، خصوصاً بين سكان المدن عام 2021، عندما أظهرت استطلاعات الرأي الحكومية المحلية عام 2021 أن الحزب يخسر غالبيته في العديد من البلديات الكبيرة.

في المقابل، ترى بولين باكس، نائب مدير برنامج أفريقيا في «مجموعة الأزمات الدولية»، أن أداء الحزب ليس «قاتماً في المطلق»، بحسب تقرير للبرنامج نشره موقع المجموعة أخيراً. وهو يلفت إلى «نجاح حزب المؤتمر في اعتماد نظام رعاية اجتماعية واسع النطاق، وحصده دعماً شعبياً على جبهة السياسة الخارجية».

انتصار للديمقراطية

وفي الاتجاه الإيجابي ذاته، اعتبر إبراهيم إدريس، الباحث المتخصص في الشأن الأفريقي المقيم في الولايات المتحدة، نتائج الانتخابات «انعكاساً للديمقراطية في جنوب أفريقيا». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على الرغم من خسارة الحزب الحاكم غالبيته المطلقة، تُعدّ النتائج انتصاراً للديمقراطية تؤهل الحزب لتصحيح مساره». وتتفق نرمين توفيق، هنا، في أن «الانتخابات عكست مستوى ديمقراطية مرتفعاً يُسجّل لرامافوزا». وما يُذكر، أن الرئيس رامافوزا، كان قد وعد بانتخابات «حرة وعادلة وذات مصداقية وسلمية». وعلّق بعد إعلان النتائج «لقد تكلّم شعبنا، وسواءً أحببنا ذلك أم لا، علينا أن نحترم اختياراته».

وما يستحق التنويه، وكما سبق القول، أنه رغم الخسارة لا يزال «المؤتمر» أكبر حزب في البرلمان الجديد، الذي سيكون عليه انتخاب الرئيس المقبل خلال يونيو (حزيران) الحالي.

الرئيس سيريل رامافوزا (آ ف ب)

«سيناريوهات» التحالف

بموجب النتائج؛ على «المؤتمر» بناء تحالفات تتيح له تشكيل الحكومة، وهنا يرى الدكتور عيسوي أنها «ستتحقق مقابل تنازلات مؤلمة ومساومات قبل التشكيل وبعده؛ إذ سيبقى سيف المتحالفين معه مسلطاً على رقبة حزب المؤتمر إن قاوم التنازلات مستقبلاً؛ ما سيعرّض الحكومة للانهيار».

وحذّر الباحث المصري من «احتمال هدر معظم الوقت في الخلافات بين الأحزاب ومحاولات تسويتها، لتبقى القضايا الملحّة بلا حلّ». وأردف: «تشكيل حكومة ائتلافية لن يكون أمراً سهلاً ما يجعل المؤتمر مضطراً إلى تقديم تنازلات كبيرة قد تصل إلى الإحجام عن إعادة ترشيح رامافوزا للرئاسة حال تحالفه مع حزب زوما». وسبق لحزب زوما الإعلان أنه لن يتفاوض مع المؤتمر طالما بقي رامافوزا رئيساً له. لكن الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني فيكيل مبالولا قال: «لن يُملي علينا أي حزب سياسي شروطاً كهذه».

وبدوره، أكد اتحاد النقابات العمالية، والمتحالف مع «المؤتمر الوطني الأفريقي» - وهو الاتحاد الأكبر نفوذاً في جنوب أفريقيا - أن أي ائتلاف سيُشكَّل من جانب الحزب يجب أن يضمن احتفاظ الرئيس رامافوزا بمنصبه. وبينما يحذّر إدريس من «تأثير حدة الصراع الشخصي بين رامافوزا وزوما»، فهو يلفت إلى «ضغوط عدة تدفع لإتمام التحالف بينهما، خاصةً، وأن مشاركة حزب التحالف الديمقراطي اليميني (بغالبيته البيضاء) في الحكومة قد يشكّل خطراً على البلاد، وكذلك الأمر بالنسبة لحزب مناضلون من أجل الحرية الاقتصادية اليساري».

في هذه الأثناء، يأمل مجتمع الأعمال والمستثمرين، طبعاً، بتحالف بين المؤتمر الوطني الأفريقي والتحالف الديمقراطي؛ كون مثل هذا الاتفاق من شأنه أن «يعني الاستقرار والمسؤولية المالية والتحوّل إلى ما هو أبعد من إرث الفصل العنصري»، وفق تقرير نشره مركز «تشاتام هاوس» البريطاني للباحث في الشؤون الأفريقية كريستوفر فاندوم. لكن فاندوم يقول إنه «بينما يشكل الاتفاق مع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي فرصة للتحالف الديمقراطي لدخول الحكومة، فهو في الوقت عينه يتناقض مع مبادئ الحزب، الذي قام أساساً على الدعوة للتخلص من المؤتمر الوطني لا دعم بقائه في السلطة».

من ناحية أخرى، في رسمه لسيناريوهات التحالف قال حمدي عبد الرحمن، الأستاذ بجامعة زايد، إن «التعاون مع التحالف الديمقراطي وحزب زوما، قد يؤدي إلى توترات داخل الحزب الحاكم يمكن أن تعمّق حالة اللايقين السياسي... أما الحلف مع حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية، فقد يدفع البلاد للابتعاد عن اتجاهات رامافوزا المؤيدة للأعمال التجارية وتشجيع القطاع الخاص؛ ما يهدّد بإثارة أزمة اقتصادية حادة في المدى المتوسط».

وفي هذا الصدد، رأى عطية عيسوي «احتمال اتفاق المؤتمر الوطني مع حزب التحالف الديمقراطي، الأقرب له في السياسات؛ كونه لا ينتهج سياسيات درامية كحزب مناضلون من أجل الحرية الاقتصادية».

تراجع «حزب مانديلا» من 57.5% في عام 2019 إلى 42% في الانتخابات العامة الأخيرة

رامافوزا باقٍ

حيال مصير رئاسة سيريل رامافوزا، فإن خسارة «المؤتمر الوطني الأفريقي» غالبيته البرلمانية لا تعني بالضرورة خسارته مقعد الرئيس، وهنا يرجح عيسوي «استمرار رامافوزا كونه المرشح المفضل من القليلين الباقين من القيادات التي كافحت الفصل العنصري، وهو شخص هادئ ومتواضع ويعرف كيف يخاطب الداخل والخارج».

لكن صحيفة «النيويورك تايمز» الأميركية اعتبرت أن «رامافوزا يواجه تهديداً خطيراً لطموحه بتولي فترة ولاية ثانية... ومن المتوقع أن يلقي المنتقدون باللوم في التعثر الأخير على رامافوزا، كما قد يحاولون تغييره، لا سيما أنه من دون الغالبية البرلمانية المطلقة لن يستطيع المؤتمر بمفرده اختيار الرئيس».

وعليه، تثير النتائج مخاوف من اندلاع أعمال عنف في الفترة المقبلة، بل رجّحت باكس، من مجموعة الأزمات الدولية، «اندلاع أعمال عنف خلال الأسبوعين التاليين للانتخابات بالتوازي مع محاولات تشكيل ائتلاف حكومي».

في مطلق الأحوال، بحسب مراقبين، قد تدفع الانتخابات الأخيرة إلى تحول سياسي في جنوب أفريقيا يسير نحو اعتماد نظام التعددية الحزبية بدلاً من نموذج «الحزب المهيمن»، وأن الفترة المقبلة ستشهد «اختباراً لقدرة البلاد على استخدام الديمقراطية في تشكيل تحالفات محلية ومعالجة الأزمات».

 

جاكوب زوما (آ ب)

أبرز الأحزاب السياسية في جنوب أفريقيا

> في ظل انتخابات عامة وُصفت بأنها «الأكثر خطورة وسخونة» في جنوب أفريقيا منذ سنوات، برزت قوى سياسية فاعلة على السطح. ونافست هذه القوى الحزب الحاكم وقوّضت هيمنته المستمرة منذ 30 سنة. ولقد شهدت الانتخابات تنافس أعضاء من 52 حزباً على 400 مقعد في البرلمان، من بينهم أربع قوى رئيسية، هي:- حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي»الحزب الحاكم بزعامة الرئيس سيريل رامافوزا. أُسّس عام 1912 باسم «المؤتمر الوطني الأصلي لجنوب أفريقيا»، قبل أن يتغير اسمه إلى الاسم الحالي عام 1923. بدأ كحركة تحرّر وطني إبّان حقبة الفصل العنصري، وحشد الحزب الرأي العام الدولي بموازاة العمل المسلح. وانتُخب زعيمه نيلسون مانديلا رئيساً للبلاد عام 1994 في أول انتخابات ديمقراطية حصل فيها الحزب على 60 في المائة من الأصوات.ولكن، منذ عام 2009، تراجعت شعبية الحزب تدريجياً بسبب فضائح الفساد، ونكوصه بوعوده بشأن تحسين الأوضاع الاقتصادية. وشهد الحزب أيضاً انقسامات داخلية دفعت لتشكيل أحزاب جديدة، مثل «حزب مؤتمر الشعب» عام 2008، و«المناضلون من أجل الحرية الاقتصادية» عام 2013، وأخيراً حزب زعيمه السابق جاكوب زوما في نهاية نهاية العام الماضي.- التحالف الديمقراطيأُسّس عام 2000، ويتزعمه جون ستينهوزن. وكان قد احتل المركز الثاني في الانتخابات التي أُجريت أعوام 2004 و2009 و2014 و2019.تعود جذور هذا الحزب إلى الحزب الديمقراطي الذي أُسّس عام 1989، وعارض الفصل العنصري. وهو يُعد حزباً ليبرالياً للسكان البيض، لكنه الآن يضم أعضاء من أعراق مختلفة. وكان قد رفع خلال الانتخابات الأخيرة شعار «أنقذوا جنوب أفريقيا»، وتضمن برنامجه مكافحة الفساد والجريمة، وتحسين الرعاية الصحية، والتعليم، وتوصيل الكهرباء والمياه النظيفة.- المناضلون من أجل الحرية الاقتصاديةأُسّس عام 2013، ويتزعمه يوليوس ماليما. احتل المركز الثالث في انتخابات 2014 و2019.كان ماليما، عضواً قيادياً ورئيساً لرابطة شباب «لمؤتمر الوطني الأفريقي»، لكنه طُرد من «المؤتمر» عام 2012 بسبب تصريحات أثارت جدلاَ وقتها. هذا، ويرتدي نواب الحزب المناضلون في البرلمان زياً أحمر للتعبير عن تعاطفهم مع محنة الطبقة العاملة. وهو يتبنى نهجاً يسارياً يدعو إلى تأميم المناجم والبنوك ومصادرة الأراضي لإعادة توزيعها.- حزب «أومكونتو وي سيزوي» (أم كي)أُسّس هذا الحزب رئيس جنوب أفريقيا السابق جاكوب زوما يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) 2023. وأطلق عليه نفس اسم الجناح العسكري لـ«المؤتمر الوطني الأفريقي»، أي «رمح الأمة».يتبنى الحزب خطاباً تحريضياً مشوباً بالتطرف الشعبوي. ويتكلم عن إبدال النظام الدستوري الحالي بالنظام البرلماني غير المقيد؛ الأمر الذي يثير مخاوف بشأن مستقبل الديمقراطية الدستورية في البلاد. وللعلم، ينظر كثيرون لحزب زوما على أنه فصيل سياسي لـ«المؤتمر الوطني الأفريقي»، ويرى آخرون أنه ربما يكون حيلة من جانب زوما لتفادي التُّهم الموجهة إليه، والتي قد تدفع به إلى السجن مرة أخرى.


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.