الأردن يدرس «سيناريوهات» متعددة للتعامل مع الاستحقاقات الدستورية

أمام حسابات المشهد المحلي وتطوّرات غزة والضفة

مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
TT

الأردن يدرس «سيناريوهات» متعددة للتعامل مع الاستحقاقات الدستورية

مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)

تتباين تحليلات النخب السياسية الأردنية حيال المشهد السياسي المحلي في ظل التوقعات بقرب رحيل الحكومة وموعد حل البرلمان تمهيداً لإجراء الانتخابات النيابية المقررة يوم 10 سبتمبر (أيلول) المقبل وفق أحكام قانون جديد من شأنه إعادة تشكيل الخريطة السياسية في الأردن وللعلم يتحكم العامل الزمني الدستوري بمصير حكومة الدكتور بشر الخصاونة إذ يقف تاريخ 15 يوليو (تموز) المقبل كفاصل مهم في المشهد السياسي الأردني فإذا تقرّر حل مجلس النواب الحالي قبل هذا الموعد فسيتوجّب على الحكومة تقديم استقالتها التزاماً بالنص الدستوري القاضي بتزامن رحيل السلطتين، أما إذا كان حلّ المجلس بعد هذا التاريخ، فإن الحكومة تبقى في موضع آمن دستوري إذ تدخل الشهور الأربعة التي تسبق انتهاء عُمر المجلس النيابي التي حددها الدستور كضمانة للتوازن السياسي في البلاد.

تظاهرات في عمّان تضامناً مع غزة (آ ف ب)

أجريت الانتخابات النيابية السابقة في الأردن يوم 10 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2020، وأعلنت النتائج النهائية في الجريدة الرسمية يوم 15 من الشهر والسنة نفسيهما. وهذا الواقع يعني أن التواريخ أصبحت متحكمة بقدَر الحكومة الحالية التي يترأسها الدكتور بشر الخصاونة الذي كان قد كُلّف بتشكيلها يوم 12 أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2020.«السيناريوهات» الواردةالأخبار المسرّبة عن مقربين من دوائر القرار السياسي الأردني تتكلم عن وضع «سيناريوهات» محدّدة تتحكم بطبيعة التعامل مع المرحلة المقبلة، في ظل التزام المملكة بالمواقيت الدستورية المتعلقة بإجراء الانتخابات النيابية، وفق أحكام قانون جديدة خصّصت 41 مقعداً للقوى الحزبية المترشحة للانتخابات المقبلة، إذ تتعامل مراكز النفوذ مع احتمالات متعددة قد تفرضها ظروف المنطقة والجوار. ومن «السيناريوهات» المطروحة تأجيل حل مجلس النواب إلى النصف الثاني من يوليو (تموز) المقبل للاحتفاظ بالحكومة إلى الانتخابات النيابية المقبلة وما بعدها، وهذا يُرشح حكومة الخصاونة للبقاء والتعرّف على مجلس نواب جديد في سياق حقبة برلمانية جديدة ومختلفة عن سابقتها. وبالمناسبة، يحمل الخصاونة اليوم لقب «أطول رؤساء الحكومات الأردنية بقاءً في عهد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني»، إذ تجاوز في المنصب نظيريه د. عبد الله النسور وعلي أبو الراغب.

ومع أن «سيناريو» التأجيل غير مطروح على نطاق واسع داخل الأروقة السياسية، وليس مؤيداً من تيار عريض داخل الدولة لدواعٍ سياسية وتاريخية. سياسياً، يتعلق الأمر بالتحديث الذي شهدته المملكة، ويحتاج إلى تجديد الأدوات كافة في المرحلة الجديدة. وتاريخياً، يرتبط بالذاكرة الوطنية التي رسمت العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وعملية تعاقب الحكومات والمجالس النيابية في تاريخ الدولة الأردنية. ولكن في حال تحقق التأجيل، فإنه سيشكل سابقة في تاريخ المملكة السياسي (الحديث على الأقل)، ذلك أن أطول حكومة عمراً مكثت في الدوار الرابع بعهد الملك عبد الله الثاني (حكومة عبد الله النسور) غادرت مع رحيل البرلمان، وتحت وطأة النص الدستوري.

في المقابل، ثمة «سيناريو» آخر يقوم على حسم مصير الحكومة ومجلس النواب قبل منتصف يوليو المقبل ليُحل مجلس النواب، وترحل الحكومة، على أن يعقبه تكليف رئيس حكومة جديد تكون مهمته تسيير الأعمال إلى حين موعد الانتخابات النيابية. وهذا قد يسمح باستمرار الحكومة الجديدة في حال استطاعت أن تنال ثقة الملك والبرلمان على رأس مرحلة التحديث السياسي والإداري والاقتصادي الذي سبق اعتماد استراتيجيات لها كخطة عمل مُلزمة للحكومات المُقبلة. ثم إن هناك «سيناريو» مستقلاً جارية دراسته، وهو يقضي بحلّ مجلس النواب قبل نهاية يونيو (حزيران) المقبل، وبالتالي، التزام الحكومة بتقديم استقالتها وفق أحكام الدستور. ويرى مؤيدو هذا الخيار أن مغادرة الحكومة والنواب مبكراً ستعطي العملية السياسية زخماً، وستلفت انتباه الرأي العام تجاه التفاعل مع طبيعة المرحلة المقبلة التي قد تؤسّس لحضور برلمانات حزبية قوية في مواجهة حكومات سياسية... وليس حكومة تكنوقراط فقط. وحقاً، ويرى مؤيدو هذا الخيار أنه سيساهم بشكل فاعل في الترويج للمشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة، ومنح الأولوية للحراك الحزبي بحرية لاستقطاب قواعد انتخابية، لا سيما أن مراكز القرار ما زالت تبحث أسباب انخفاض نسب المشاركة، وسط غمز من إرث سابق خلفه إجراء بعض العمليات الانتخابية التي شابها لغط في الأوساط السياسية الأردنية. وبالفعل، تزامناً مع انطلاق الربيع الأردني ارتفعت أصوات المطالبين بإنشاء هيئة مستقلة للإشراف والإدارة على أي انتخابات عامة. وهو ما رعاه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ودعا لجنة من كبار رجالات الدولة لتعديل الدستور، وإقرار الهيئة كمؤسسة دستورية مستقلة، إلى جانب تعديلات أخرى وصفت بالجوهرية حينها.

مشروع التحديث السياسي

جدير بالذكر، أنه في منتصف العام 2021 وجَّه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى تشكيل لجنة تمثل جميع الأطياف السياسية والاجتماعية في البلاد، بهدف التوافق على صياغة قانون أحزاب وقانون انتخاب جديدين، حتى يتسنى ضخ دماء جديدة في عروق الحياة السياسية مع مطلع المئوية الثانية من عمر المملكة. وخلال 6 أشهر أقرت اللجنة توصيات تتعلق بقانون الأحزاب، ووضع حد أدنى من المؤسسين من المرأة والشباب، وقانون انتخاب نص لأول مرة في تاريخ البلاد بتخصيص 41 مقعداً للأحزاب التي تتجاوز درجة الحسم (العتبة) بنسبة 2.5 في المائة، والتزمت الحكومة بإقرار التوصيات، وأحالتها لمجلس النواب الذي أقرها كما وردت، مع إجراء بعض التعديلات.

قانون الانتخاب الذي أُقر مطلع العام 2022 لم يكتفِ بتخصيص 41 مقعداً للأحزاب في مجلس النواب المقبل (المجلس العشرون) من أصل 138 مقعداً هو كامل عدد أعضاء المجلس، بل نص أيضاً على أن تمثل مقاعد الأحزاب ما نسبته 50 في المائة من مقاعد مجلس النواب الذي يليه (المجلس الـ21)، لتقفز تلك النسبة إلى 65 في المائة في المجلس الذي يليه؛ إذ يُعتقد أن ذلك المجلس قد يشهد ولادة أولى الحكومات البرلمانية بنسختها الحديثة، بعد فشل تجربة العام 1956 التي انتهت باستقالة حكومة سليمان النابلسي، وحل مجلس النواب آنذاك. ولكن لا يمكن حسم «تقدمية» الفكرة، في ظل احتمال أن يتوزّع عدد المقاعد الحزبية على أحزاب متعارضة في برامجها وأفكارها، إلا إذا نجحت فكرة التحالفات بينها، وتشكيل حكومات ائتلافية من بعد الحصول على ثقة مجلس النواب. لكن هذا الشرط يتطلب ضمان استمرارية التجربة قبل الحكم المُبكر على مخرجات النسخة الأولى في الانتخابات النيابية المقبلة يوم 10 سبتمبر (أيلول) المقبل.

تطورات الجوار

بطبيعة الحال، لم يسقط من الحسابات السياسية لدى مركز القرار، التداعيات المحتملة لاستمرار حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي؛ إذ إن هذه التداعيات تظل هاجساً في عقل القرار السياسي خوفاً من انسحاب الفوضى إلى الضفة الغربية والقدس، وهناك ستكون الساحة الأردنية هي الأقرب إلى الحدث والتأثر به.

وفي التاريخ الحديث، أجّلت الانتخابات النيابية الأولى في عهد الملك عبد الله الثاني، الذي كان قد تسلم حديثاً سلطاته الدستورية، فحُل مجلس النواب الثالث عشر في العام 2001، وعلق إجراء الانتخابات إلى العام 2003. وكان سبب التأجيل والفراغ التشريعي تداعيات «الانتفاضة الفلسطينية الثانية» التي انطلقت بعد دخول رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون للمسجد الأقصى.

وهكذا، للتداعيات على الساحة الفلسطينية صدى واسع بلا شك على الداخل الأردني؛ وذلك نظراً للاتصال الجغرافي والديموغرافي والروابط المشتركة، وسرعة تأثر الشارع الأردني الذي يرفع الحراك فيه شعارات تطالب الحكومة بإلغاء «معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية» الموقّعة عام 1994، وتصدر الحركة الإسلامية الاحتجاجات الشعبية... وكل هذه عوامل قد تؤثر في القرار.

الحركة الإسلامية الأردنية

في التزامن بين أي انتخابات عامة وتفاعلات القضية الفلسطينية، تتقدّم مخاوف مراكز القرار من نيل الحركة الإسلامية في الأردن (أي جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة في البلاد) وذراعها السياسية حزب «جبهة العمل الإسلامي»، حصصاً مضاعفة من المقاعد في أي انتخابات؛ إذ لم تأتِ التجربة الحزبية بنسختها الجديدة في الأردن بألوان حزبية غير تقليدية من شأنها أن تكون نظيراً مكافئاً للحركة الإسلامية ومواجهتها في الشارع. وحتى بعد ولادة 37 حزباً آخر ما زالت الأحزاب الجديدة تهرول خلف القواعد الشعبية التي ما فتئت متخوّفة من التجربة ومخرجاتها. وهنا، قد تكون حسابات مراكز القرار صحيحة، وبخاصة، بعدما منحت الهيئة الناخبة في انتخابات اتحاد طلبة الجامعة الأردنية - أكبر جامعات المملكة وأقدمها - التي أجريت الأسبوع الماضي ما يقرب من الـ50 في المائة من مقاعد الاتحاد لطلاب الحركة الإسلامية. بل، لقد فاز أحد طلبة الحركة وهو في السجن، وبعد صدور قرارات بأثر رجعي قضت بعقوبات بالفصل المؤقت لهم على خلفية شكاوى طلابية ومن أعضاء هيئة التدريس.

تلك مثلت فيها الانتخابات «مناورة بالذخيرة الحية» لاختبار وزن القوى الحزبية الجديدة. وبالتوازي، دفعت التجربة الطلابية بمخاوف من انعكاس آثارها على المشهد الانتخابي المرتقب بعد إعلان حزب «جبهة العمل الإسلامي» مشاركته في الانتخابات النيابية المقبلة، ومباشرته درس الخريطة الانتخابية تمهيداً لتوزيع مرشحيه على المنافسات في 18 دائرة انتخابية محلية، ودائرة عامة على مستوى الوطن خصّصت مقاعدها للأحزاب.

ما يستحق الإشارة، في هذا الإطار، هو أن المرحلة الماضية شهدت تصعيداً من قبل الحركة الإسلامية التي نفّذت احتجاجات أمام السفارة الإسرائيلية في عمّان، في سياق محاولة الضغط على الحكومة باتجاه تصعيد الموقف من إسرائيل، استجابة لنداءات قادة حركة «حماس» في خروج الشارع الأردني لنصرة غزة. وفي هذه الأثناء يتمسك الأردن الرسمي بموقفه الداعم لجهود إغاثة المدنيين في القطاع بعد تنفيذ القوات المسلحة الأردنية، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع أكثر من 100 إنزال جوي، و256 إنزالاً جوياً بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة. ويضاف إلى ما سبق، الجهود الدبلوماسية التي أسفرت عن إدخال آلاف الأطنان من المساعدات من خلال معبر كرم أبو سالم، ليكسر الأردن الحصار البري والبحري على قطاع غزة، إلى جانب ما خاضه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني من حملة دولية ساهمت في تعرية الموقف الإسرائيلي خلال الحرب، وتراجع الدعم الدولي لإسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها على المدنيين، وهي الحرب التي راح ضحيتها حتى الآن أكثر من 36 ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، في وقت جرى فيه تدمير البنى التحتية في القطاع، وتشريح مئات الآلاف من بيوتهم.

في أي حال، تعبّر الأزمة بين السلطة و«الإخوان» في الأردن، عن حالة استعصاء واضحة، وبالأخص، بعد رصد مكالمات لقادة الحركة الإسلامية في الأردن المحسوبين على جناح «حماس»، وهم يتلقون تعليمات من الخارج تطالب بتأجيج الشارع الأردني، والضغط على الموقف الرسمي، بهدف فتح جبهة جديدة في دول جوار فلسطين. وهذا الأمر يتقاطع مع رغبات إيرانية تبحث عن الفوضى في الداخل الأردني، وتلك مساعٍ إيرانية أيدتها المعلومات الخاصة بالأجهزة الأردنية، وتدعمها محاولات مستمرة من فصائل إيرانية متمركزة في الجنوب السوري، تريد إغراق السوق الأردنية بالسلاح والمخدرات، وإثارة القلق على الحدود مع سوريا. لم يسقط من الحسابات الأردنية التداعيات المحتملة لاستمرار حرب غزة

د بشر الخصاونة (غيتي)

رؤساء الحكومات الأردنية منذ عام 2000

- عبد الرؤوف الروابدة (الحكومة الـ84): 4 مارس (آذار) 1999 إلى 19 يونيو (حزيران) 2000.

- علي أبو الراغب (الحكومات 85 و86 و87): 19 يونيو 2000 إلى 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2003.

- د.فيصل الفايز (الحكومة الـ88): 25 أكتوبر 2003 إلى 5 أبريل (نيسان) 2005.

- د.عدنان بدران (الحكومة الـ89): 6 أبريل 2005 إلى 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2005.

- د.معروف البخيت (الحكومتان الـ90 والـ94): 27 نوفمبر 2005 إلى 25 نوفمبر 2007، و9 فبراير (شباط) و17 أكتوبر 2011.

- نادر الذهبي (الحكومة الـ91): 25 نوفمبر 2007 إلى 9 ديسمبر (كانون الأول) 2009.

- سمير زيد الرفاعي (الحكومتان الـ92 والـ93): 14 ديسمبر 2009 إلى 22 نوفمبر 2010، و24 نوفمبر 2010 إلى 1 يناير (كانون الثاني) 2011.

- عون الخصاونة (الحكومة الـ95): 17 أكتوبر 2011 إلى 26 أبريل 2012.

- د.فايز الطراونة (الحكومة الـ96، وسبق له ترؤس الحكومة الـ93 بين 1996 و1999): 2 مايو (أيار) 2012 إلى 3 أكتوبر 2012.

- د.عبد الله النسور (الحكومتان الـ97 والـ98): 10 أكتوبر 2012 إلى 29 مايو 2016.

- د.هاني المُلقي (الحكومتان الـ99 والـ100): 29 مايو 2016 إلى 4 يونيو 2018.

- د.عمر الرزّاز (الحكومة الـ101): 4 يونيو 2018 إلى 3 أكتوبر 2020.

- د.بشر الخصاونة (الحكومة الـ102): 12 أكتوبر 2020 ... حتى الآن.


مقالات ذات صلة

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

حصاد الأسبوع لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية،

ميشال أبونجم (باريس)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)
حصاد الأسبوع الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

يتوجه الجزائريون اليوم إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيس جديد. وهذه هي ثاني استحقاقات رئاسية بعد الحراك الذي طال سنتين تقريباً، وشهد خروج ملايين الجزائريين إلى

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع  تأتي رئاسة تراوري في فترةٍ تواجه خلالها بوركينا فاسو تحديات أمنية وإقليمية بعدما فقدت السيطرة على نحو 40 في المائة من مساحتها، للجماعات المسلّحة

إبراهيم تراوري... رئيس بوركينا فاسو وقائد حربها الشرسة ضد «الإرهاب»

رغم تعهّد النقيب إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو، بألا يبقى في السلطة، فإنه مدّد فترة الحكم الانتقالي خمس سنوات إضافية، راهناً إجراء الانتخابات التي كان من

فتحية الدخاخني (القاهرة)

ألينا حبّة محامية ترمب ومستشارة حملته الأولى ... هل ستساهم في جَسر هوّته مع الناخبات؟

ألينا حبّة
ألينا حبّة
TT

ألينا حبّة محامية ترمب ومستشارة حملته الأولى ... هل ستساهم في جَسر هوّته مع الناخبات؟

ألينا حبّة
ألينا حبّة

منذ قرّر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب منتصف عام 2015 الترشّح للمرة الأولى في سباق الرئاسة الأميركية، كان يؤخذ عليه تعامله مع النساء، ولم يتوانَ عن توجيه النقد لهنّ، وبالأخص، اللاتي اتهمنه بالاعتداء الجنسي. ورغم محاولات ترمب تصوير الاتهامات التي وُجّهت وتوجّه إليه، بأنها «اضطهاد سياسي»، لم يستطع التخلي عن أسلوبه الخاص في تقريع منافسيه، حتى ولو أفقده ذلك ميزات لا يزال الناخبون الأميركيون - ولا سيما قاعدته الشعبية - يرون أنها قد تكون كافية لتمكينه من العودة إلى البيت الأبيض. وهو بدلاً من التطرق إلى المواضيع التي يقول الناخبون إنهم يهتمون بها كثيراً، فإنه غالباً ما كان - ولا يزال - يتورّط في مواجهات بدت خياراً استراتيجياً، وسط خوضه سباقاً محتدماً مع نائبة الرئيس كمالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي، ويواجه ما يمكن أن يكون فجوة تاريخية مع النساء، وسط سعيه لجذب الناخبات في نوفمبر (تشرين الثاني).

مع تسلّم كمالا هاريس لواء ترشيح الحزب الديمقراطي، وقولها إنها عملت في وقت ما في سلسلة «ماكدونالد» للوجبات السريعة، ثم إعلانها أنها تخاطب النساء مع جيل من أقرانها جئن من بيئات اجتماعية وسياسية «متواضعة»، بدأ السباق على كسب أصوات الناخبات، وكأنه مواجهة مع فئة أخرى من النساء... يسعى ترمب من خلالهن إلى تغيير الصورة النمطية التي وسمت علاقته بهنّ.

هكذا، صعدت سارة ساندرز هاكابي، حاكمة ولاية أركنسو والناطقة السابقة باسم البيت الأبيض، ولورا لومر، مناصرة «نظريات المؤامرة» اليمينية المتطرفة، والمحامية ألينا حبّة. والثلاث آتيات من أصول «أرقى» اجتماعياً إلى دائرة الضوء، في مسعى من الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي للحزب الجمهوري، لجَسر الهوة التي يعانيها ترمب مع الناخبات، عبر الدفع بهن إلى مواقع متقدمة في حملته الانتخابية.

قبل نحو 3 أشهر، أعلنت حملة ترمب أن ألينا حبّة، المحامية والناطقة القانونية باسمه، باتت مسؤولة عن دور رئيسي جديد، سيكون محوَرياً في إعادة الرئيس السابق إلى البيت الأبيض. وراهناً، تعمل حبّة «مستشارة أولى» لحملة إعادة انتخاب ترمب، وهذه ترقية تأتي بعد حصولها على اعتراف وطني بدورها القانوني في فريقه على مدى السنوات القليلة الماضية. وبالتالي، غدت حبّة من العناصر الرئيسية في فريق الرئيس السابق، وقد تلعب دوراً محورياً في حال عودته رئيساً للولايات المتحدة، مرّة أخرى.

إلا أن صعود ألينا حبّة، المحامية الأميركية ذات الأصول العراقية، يسلّط الضوء على كثرة من الأميركيين ذوي الأصول العربية المهاجرة ومسيراتهم، الذين انحازوا إلى الخطاب الشعبوي المناهض للهجرة.

عن ألينا حبّة؟ولدت ألينا سعد حبة عام 1984 في مدينة ساميت بولاية نيوجيرسي، لوالدين من الكاثوليك الكلدانيين الذين فرّوا من العراق في أوائل الثمانينات، أما والدها فهو الدكتور سعد حبّة، الطبيب المتخصص بأمراض الجهاز الهضمي.

تخرّجت ألينا في مدرسة كينت بليس الخاصة في نيوجيرسي عام 2002. ثم التحقت بجامعة ليهاي المرموقة، في ولاية بنسلفانيا، وتخرّجت فيها عام 2005 بدرجة البكالوريوس في العلوم السياسية.

وبعد التخرج، عملت بين عامي 2005 و2007، في صناعة الأزياء وإنتاج الإكسسوارات والتسويق مع شركة «مارك جاكوبس» إحدى العلامات التجارية الرائدة في أميركا. وقالت في تصريح لها، إنها على الرغم من استمتاعها بصناعة الأزياء، قررت مواصلة تعليمها العالي، والالتحاق بكلية الحقوق، لأسباب مالية. وبالفعل، حصلت على إجازة في القانون جامعة وايدنر، القريبة من مدينة فيلادلفيا، عام 2010. ومن ثم، عملت لفترة وجيزة كاتبةً قانونية لدى قاضي المحكمة العليا في نيوجيرسي آنذاك، يوجين كودي الابن، ثم رئيسة للمحكمة المدنية العليا في مقاطعة إسكس بنيوجيرسي، من عام 2010 إلى عام 2011.

بدأت حبّة عملها الخاص محاميةً في نهاية 2011، عندما انضمت مساعدةً في شركة «تومبكن ماغواير»، حتى بداية 2013. وبعدها التحقت بشركة محاماة أسسها زوجها السابق حتى عام 2020، قبل أن تغادرها وتؤسس شركتها الخاصة. ووفقاً لموقعها الإلكتروني، تشغل حبّة حالياً منصب الشريك الإداري لشركة «حبّة مادايو وشركاؤهم» القانونية، وتتمتع بخبرة في التقاضي وتأسيس الشركات، والعقارات التجارية، وقانون الأسرة، وصناعة الخدمات المالية والقضايا المتعلقة بالبناء.

وفي سياق متّصل، حصلت ألينا حبّة على رخصة لممارسة المحاماة في ولايات نيويورك ونيوجيرسي وكونكيتيكت. وعملت محاميةً رئيسية في ثلاث قضايا، منها دعوى جماعية فيدرالية ضد دار رعاية في نيوجيرسي متهمة بارتكاب العديد من مخالفات الإهمال وانتهاكات الاحتيال على المستهلك. وشغلت أيضاً منصب المستشار العام لشركة تدير مرائب السيارات مملوكة من زوجها الثاني غريغ روبن.

التقرّب من ترمبسياسياً، يرى البعض أن ميول حبّة سرعان ما برزت عبر محاولتها التقرّب من الرئيس السابق. وكانت قد انضمت عام 2019 إلى نادي ترمب الوطني للغولف بيدمينستر في نيوجيرسي، وتعرّفت عليه هناك.

غير أنها لم تتولَ أي عمل قانوني لصالح ترمب عندما عيّنها، خلال سبتمبر (أيلول) 2021، ضمن فريقه القانوني لتحلّ محل العديد من المحامين المعروفين الذين عملوا لدى ترمب لسنوات عديدة، قبل انسحابهم من خدمته، ومنهم مارك كاسويتز، وتشارلز هاردر، وجوانا هندون، ومارك موكاسي، وجاي سيكولو ولورانس روزين.

وبعد فترة وجيزة، رفعت حبّة دعوى قضائية بقيمة 100 مليون دولار نيابةً عن ترمب ضد صحيفة «النيويورك تايمز»، وثلاثة مراسلين للصحيفة، وابنة أخت ترمب، ماري ترمب. إلا أن القاضي ردّ الدعوى. ثم عملت حبّة لصالح ترمب في القضية التي كانت رفعتها سومر زيرفوس ضده عام 2017 بتهمة التشهير. وفي ذلك العام رمى ترمب زيرفوس بـ«الكذب»، بعدما اتهمته بتقبيلها وملامستها من دون موافقتها، عندما كانت متسابقة في برنامجه التلفزيوني الشهير «ذي أبرينتيس».

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2021، رفعت حبّة دعوى مضادة ضد زيرفوس؛ بحجة أنها كانت تحاول خنق حق ترمب في حرية التعبير، لكن القضية أوقفت بعدما سحبت زيرفوس دعوتها.

محامية ترمب الأولىوهكذا، حظيت حبّة بثقة ترمب، بعدما ساعدته ومثّلته في دعاوى قضائية عدة، بينها قضية التصريح الكاذب لقيمة أصوله التي طلبت منه البنوك تقديمها سنوياً للتأكد من أن لديه الأموال الكافية لسداد قروضها. واستأنفت دون نجاح أمر محكمة يطلب من ترمب وأبنائه الإدلاء بشهادة تحت القسم حول التقييمات التي وقّعوا عليها عند تقديم تلك الإقرارات. وبعدما استجوبت ليتيشيا جيمس، المدعية العامة لنيويورك، ترمب في أغسطس (آب) 2022، قادت حبّة الدفاع عنه، لينقل عنها لاحقاً إدلاؤها بتعليقات عنصرية ضد جيمس، واصفة إياها بـ«العاهرة السوداء»، وأنها «شخص مريض».

بعدها، في سبتمبر 2022، رفض قاضي المحكمة الجزئية الأميركية دعوى رفعتها حبّة لمصلحة ترمب ضد هيلاري كلينتون وجون بوديستا (الرئيس السابق للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي) وجايك سوليفان (مستشار الأمن القومي الحالي)، وديبي واسرمان شولتز، والعديد من المسؤولين الديمقراطيين، للمطالبة بتعويضات عن أدوارهم المزعومة في التخريب على حملته الرئاسية عام 2016.

وخلص القاضي إلى أن شكوى ترمب لم تكن كافية من جميع النواحي، محتفظاً بالحق في فرض عقوبات على محامي ترمب. وهو ما حصل بعد شهرين، حين فرض غرامات عليهم، من بينهم ألينا حبّة، ومايكل ماديو، وبيتر تيكتين وجيمي آلان ساسون. وفي يناير (كانون الثاني) 2023، أمر القاضي كلاً من ترمب وحبّة وشركتها بدفع 938 ألف دولار تكاليف قانونية لـ31 متهماً، بينهم اللجنة الوطنية الديمقراطية وهيلاري كلينتون ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي. هذا، وكانت حبّة، أحد أعضاء فريق الدفاع عن ترمب في قضية «شراء الصمت» التي رفعتها ضده وربحتها ممثلة أفلام إباحية، وغرّم عليها بقيمة 83.3 مليون دولار.

أبواب الشهرة والثروة... فُتحتلا شك في أن تعيين ترمب ألينا حبّة محامية له، فتح أمامها أبواب الشهرة والثروة، لتبرز على الساحة العامة باعتبارها، أبرز الناطقين باسمه والمدافعين عنه. وهي الآن مستشارة أولى للجنة العمل السياسي في حركة «ماغا» (لنعيد أميركا عظيمة) الناشطة لدعم إعادة انتخابه، الأمر الذي رفع ثروتها الشخصية؛ إذ تجاوز دخلها السنوي 200 ألف دولار، وحصلت على أكثر من 3.5 مليون دولار مقابل عملها مستشارةً، وفقاً لشبكة «إيه بي سي نيوز».

أيضاً، منذ أصبحت حبّة مساعدة قانونية رئيسة لترمب، انجذبت أكثر فأكثر إلى دائرته، وصارت من الشخصيات التي يتكرر ظهورها في نواديه، بنيوجيرسي وفلوريدا. وفي عيد ميلادها خلال فبراير (شباط)، نشرت صورة لها جالسة إلى جانبه.

وبعد كلمة حبّة في الليلة الأخيرة من مؤتمر الحزب الجمهوري، يوم 15 يوليو (تموز)، وإثر تعرّض ترمب لمحاولة الاغتيال الأولى، قالت لشبكة «فوكس نيوز» عندما سُئلت عن شعورها إزاء الضمادة التي وضعها على أذنه المصابة ودخل قاعة المؤتمر وسط هتافات مؤيديه وتصفيقهم: «أعتقد أن أفضل كلمة لوصف ذلك هي تأثّرت... أعتقد أن أميركا يمكن أن ترى أن الرئيس ترمب مختلف اليوم». وتابعت: «لم أظن قَطّ في حياتي أنني سأعيش ذلك، ناهيك بأن أعيشه وأقول هذا صديقي... كان ذلك صعباً جداً بالنسبة لي. إنه أمرٌ مؤلم، لكنني فخورة به».

صوت ترمب في المستقبلعدّت حبّة ترقيتها إلى «مستشارة أولى» لحملة إعادة انتخاب ترمب بأنها «شرف عظيم»، وتعهّدت بأنها ستوفر لها، كأم، الفرصة لمناقشة القضايا المهمة للنساء في جميع أنحاء البلاد. كما أعلنت استعدادها لمواصلة دورها محاميةً له، في القضايا الجارية التي تشارك فيها، لكنها تخطط أيضاً لأن تصبح الآن «صوتاً للرئيس ترمب» من أجل التكلّم عن مجموعة واسعة من القضايا.

يبقى القول، أن حبّة تصف نفسها، كاثوليكيةً، بأنها «متدينة للغاية»؛ ما يجعل رسالتها المحافظة قريبة من اتجاهات كثيرين من المسيحيين العرب الأميركيين، الذين يعتبرون ترمب ممثلاُ لهم في هذا المجال. وهي، رغم تمكّنها من الحفاظ على خصوصية حياتها العائلية حتى الآن، فقد قالت في نوفمبر الماضي لصحيفة «النيويورك بوست» اليمينية إن لديها ثلاثة أطفال، مراهق يبلغ من العمر 14 سنة، وابن يبلغ من العمر تسع سنوات، وابنة تبلغ سبع سنوات من زوجها الأول ماثيو آيت، الذي تطلقت منه عام 2019. وفي عام 2020 تزوّجت من غريغ روبن، زوجها الثاني، ويعيشون في برناردزفيل بنيوجيرسي. وذكرت وسائل إعلام أميركية أن حبّة تعتبر صديقة مقربة من إريك نجل دونالد ترمب. وظهرت مع كيمبرلي غيلفويل، خطيبة دونالد ترمب «الابن» في العديد من المناسبات.