الأردن يدرس «سيناريوهات» متعددة للتعامل مع الاستحقاقات الدستورية

أمام حسابات المشهد المحلي وتطوّرات غزة والضفة

مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
TT

الأردن يدرس «سيناريوهات» متعددة للتعامل مع الاستحقاقات الدستورية

مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)

تتباين تحليلات النخب السياسية الأردنية حيال المشهد السياسي المحلي في ظل التوقعات بقرب رحيل الحكومة وموعد حل البرلمان تمهيداً لإجراء الانتخابات النيابية المقررة يوم 10 سبتمبر (أيلول) المقبل وفق أحكام قانون جديد من شأنه إعادة تشكيل الخريطة السياسية في الأردن وللعلم يتحكم العامل الزمني الدستوري بمصير حكومة الدكتور بشر الخصاونة إذ يقف تاريخ 15 يوليو (تموز) المقبل كفاصل مهم في المشهد السياسي الأردني فإذا تقرّر حل مجلس النواب الحالي قبل هذا الموعد فسيتوجّب على الحكومة تقديم استقالتها التزاماً بالنص الدستوري القاضي بتزامن رحيل السلطتين، أما إذا كان حلّ المجلس بعد هذا التاريخ، فإن الحكومة تبقى في موضع آمن دستوري إذ تدخل الشهور الأربعة التي تسبق انتهاء عُمر المجلس النيابي التي حددها الدستور كضمانة للتوازن السياسي في البلاد.

تظاهرات في عمّان تضامناً مع غزة (آ ف ب)

أجريت الانتخابات النيابية السابقة في الأردن يوم 10 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2020، وأعلنت النتائج النهائية في الجريدة الرسمية يوم 15 من الشهر والسنة نفسيهما. وهذا الواقع يعني أن التواريخ أصبحت متحكمة بقدَر الحكومة الحالية التي يترأسها الدكتور بشر الخصاونة الذي كان قد كُلّف بتشكيلها يوم 12 أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2020.«السيناريوهات» الواردةالأخبار المسرّبة عن مقربين من دوائر القرار السياسي الأردني تتكلم عن وضع «سيناريوهات» محدّدة تتحكم بطبيعة التعامل مع المرحلة المقبلة، في ظل التزام المملكة بالمواقيت الدستورية المتعلقة بإجراء الانتخابات النيابية، وفق أحكام قانون جديدة خصّصت 41 مقعداً للقوى الحزبية المترشحة للانتخابات المقبلة، إذ تتعامل مراكز النفوذ مع احتمالات متعددة قد تفرضها ظروف المنطقة والجوار. ومن «السيناريوهات» المطروحة تأجيل حل مجلس النواب إلى النصف الثاني من يوليو (تموز) المقبل للاحتفاظ بالحكومة إلى الانتخابات النيابية المقبلة وما بعدها، وهذا يُرشح حكومة الخصاونة للبقاء والتعرّف على مجلس نواب جديد في سياق حقبة برلمانية جديدة ومختلفة عن سابقتها. وبالمناسبة، يحمل الخصاونة اليوم لقب «أطول رؤساء الحكومات الأردنية بقاءً في عهد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني»، إذ تجاوز في المنصب نظيريه د. عبد الله النسور وعلي أبو الراغب.

ومع أن «سيناريو» التأجيل غير مطروح على نطاق واسع داخل الأروقة السياسية، وليس مؤيداً من تيار عريض داخل الدولة لدواعٍ سياسية وتاريخية. سياسياً، يتعلق الأمر بالتحديث الذي شهدته المملكة، ويحتاج إلى تجديد الأدوات كافة في المرحلة الجديدة. وتاريخياً، يرتبط بالذاكرة الوطنية التي رسمت العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وعملية تعاقب الحكومات والمجالس النيابية في تاريخ الدولة الأردنية. ولكن في حال تحقق التأجيل، فإنه سيشكل سابقة في تاريخ المملكة السياسي (الحديث على الأقل)، ذلك أن أطول حكومة عمراً مكثت في الدوار الرابع بعهد الملك عبد الله الثاني (حكومة عبد الله النسور) غادرت مع رحيل البرلمان، وتحت وطأة النص الدستوري.

في المقابل، ثمة «سيناريو» آخر يقوم على حسم مصير الحكومة ومجلس النواب قبل منتصف يوليو المقبل ليُحل مجلس النواب، وترحل الحكومة، على أن يعقبه تكليف رئيس حكومة جديد تكون مهمته تسيير الأعمال إلى حين موعد الانتخابات النيابية. وهذا قد يسمح باستمرار الحكومة الجديدة في حال استطاعت أن تنال ثقة الملك والبرلمان على رأس مرحلة التحديث السياسي والإداري والاقتصادي الذي سبق اعتماد استراتيجيات لها كخطة عمل مُلزمة للحكومات المُقبلة. ثم إن هناك «سيناريو» مستقلاً جارية دراسته، وهو يقضي بحلّ مجلس النواب قبل نهاية يونيو (حزيران) المقبل، وبالتالي، التزام الحكومة بتقديم استقالتها وفق أحكام الدستور. ويرى مؤيدو هذا الخيار أن مغادرة الحكومة والنواب مبكراً ستعطي العملية السياسية زخماً، وستلفت انتباه الرأي العام تجاه التفاعل مع طبيعة المرحلة المقبلة التي قد تؤسّس لحضور برلمانات حزبية قوية في مواجهة حكومات سياسية... وليس حكومة تكنوقراط فقط. وحقاً، ويرى مؤيدو هذا الخيار أنه سيساهم بشكل فاعل في الترويج للمشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة، ومنح الأولوية للحراك الحزبي بحرية لاستقطاب قواعد انتخابية، لا سيما أن مراكز القرار ما زالت تبحث أسباب انخفاض نسب المشاركة، وسط غمز من إرث سابق خلفه إجراء بعض العمليات الانتخابية التي شابها لغط في الأوساط السياسية الأردنية. وبالفعل، تزامناً مع انطلاق الربيع الأردني ارتفعت أصوات المطالبين بإنشاء هيئة مستقلة للإشراف والإدارة على أي انتخابات عامة. وهو ما رعاه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ودعا لجنة من كبار رجالات الدولة لتعديل الدستور، وإقرار الهيئة كمؤسسة دستورية مستقلة، إلى جانب تعديلات أخرى وصفت بالجوهرية حينها.

مشروع التحديث السياسي

جدير بالذكر، أنه في منتصف العام 2021 وجَّه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى تشكيل لجنة تمثل جميع الأطياف السياسية والاجتماعية في البلاد، بهدف التوافق على صياغة قانون أحزاب وقانون انتخاب جديدين، حتى يتسنى ضخ دماء جديدة في عروق الحياة السياسية مع مطلع المئوية الثانية من عمر المملكة. وخلال 6 أشهر أقرت اللجنة توصيات تتعلق بقانون الأحزاب، ووضع حد أدنى من المؤسسين من المرأة والشباب، وقانون انتخاب نص لأول مرة في تاريخ البلاد بتخصيص 41 مقعداً للأحزاب التي تتجاوز درجة الحسم (العتبة) بنسبة 2.5 في المائة، والتزمت الحكومة بإقرار التوصيات، وأحالتها لمجلس النواب الذي أقرها كما وردت، مع إجراء بعض التعديلات.

قانون الانتخاب الذي أُقر مطلع العام 2022 لم يكتفِ بتخصيص 41 مقعداً للأحزاب في مجلس النواب المقبل (المجلس العشرون) من أصل 138 مقعداً هو كامل عدد أعضاء المجلس، بل نص أيضاً على أن تمثل مقاعد الأحزاب ما نسبته 50 في المائة من مقاعد مجلس النواب الذي يليه (المجلس الـ21)، لتقفز تلك النسبة إلى 65 في المائة في المجلس الذي يليه؛ إذ يُعتقد أن ذلك المجلس قد يشهد ولادة أولى الحكومات البرلمانية بنسختها الحديثة، بعد فشل تجربة العام 1956 التي انتهت باستقالة حكومة سليمان النابلسي، وحل مجلس النواب آنذاك. ولكن لا يمكن حسم «تقدمية» الفكرة، في ظل احتمال أن يتوزّع عدد المقاعد الحزبية على أحزاب متعارضة في برامجها وأفكارها، إلا إذا نجحت فكرة التحالفات بينها، وتشكيل حكومات ائتلافية من بعد الحصول على ثقة مجلس النواب. لكن هذا الشرط يتطلب ضمان استمرارية التجربة قبل الحكم المُبكر على مخرجات النسخة الأولى في الانتخابات النيابية المقبلة يوم 10 سبتمبر (أيلول) المقبل.

تطورات الجوار

بطبيعة الحال، لم يسقط من الحسابات السياسية لدى مركز القرار، التداعيات المحتملة لاستمرار حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي؛ إذ إن هذه التداعيات تظل هاجساً في عقل القرار السياسي خوفاً من انسحاب الفوضى إلى الضفة الغربية والقدس، وهناك ستكون الساحة الأردنية هي الأقرب إلى الحدث والتأثر به.

وفي التاريخ الحديث، أجّلت الانتخابات النيابية الأولى في عهد الملك عبد الله الثاني، الذي كان قد تسلم حديثاً سلطاته الدستورية، فحُل مجلس النواب الثالث عشر في العام 2001، وعلق إجراء الانتخابات إلى العام 2003. وكان سبب التأجيل والفراغ التشريعي تداعيات «الانتفاضة الفلسطينية الثانية» التي انطلقت بعد دخول رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون للمسجد الأقصى.

وهكذا، للتداعيات على الساحة الفلسطينية صدى واسع بلا شك على الداخل الأردني؛ وذلك نظراً للاتصال الجغرافي والديموغرافي والروابط المشتركة، وسرعة تأثر الشارع الأردني الذي يرفع الحراك فيه شعارات تطالب الحكومة بإلغاء «معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية» الموقّعة عام 1994، وتصدر الحركة الإسلامية الاحتجاجات الشعبية... وكل هذه عوامل قد تؤثر في القرار.

الحركة الإسلامية الأردنية

في التزامن بين أي انتخابات عامة وتفاعلات القضية الفلسطينية، تتقدّم مخاوف مراكز القرار من نيل الحركة الإسلامية في الأردن (أي جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة في البلاد) وذراعها السياسية حزب «جبهة العمل الإسلامي»، حصصاً مضاعفة من المقاعد في أي انتخابات؛ إذ لم تأتِ التجربة الحزبية بنسختها الجديدة في الأردن بألوان حزبية غير تقليدية من شأنها أن تكون نظيراً مكافئاً للحركة الإسلامية ومواجهتها في الشارع. وحتى بعد ولادة 37 حزباً آخر ما زالت الأحزاب الجديدة تهرول خلف القواعد الشعبية التي ما فتئت متخوّفة من التجربة ومخرجاتها. وهنا، قد تكون حسابات مراكز القرار صحيحة، وبخاصة، بعدما منحت الهيئة الناخبة في انتخابات اتحاد طلبة الجامعة الأردنية - أكبر جامعات المملكة وأقدمها - التي أجريت الأسبوع الماضي ما يقرب من الـ50 في المائة من مقاعد الاتحاد لطلاب الحركة الإسلامية. بل، لقد فاز أحد طلبة الحركة وهو في السجن، وبعد صدور قرارات بأثر رجعي قضت بعقوبات بالفصل المؤقت لهم على خلفية شكاوى طلابية ومن أعضاء هيئة التدريس.

تلك مثلت فيها الانتخابات «مناورة بالذخيرة الحية» لاختبار وزن القوى الحزبية الجديدة. وبالتوازي، دفعت التجربة الطلابية بمخاوف من انعكاس آثارها على المشهد الانتخابي المرتقب بعد إعلان حزب «جبهة العمل الإسلامي» مشاركته في الانتخابات النيابية المقبلة، ومباشرته درس الخريطة الانتخابية تمهيداً لتوزيع مرشحيه على المنافسات في 18 دائرة انتخابية محلية، ودائرة عامة على مستوى الوطن خصّصت مقاعدها للأحزاب.

ما يستحق الإشارة، في هذا الإطار، هو أن المرحلة الماضية شهدت تصعيداً من قبل الحركة الإسلامية التي نفّذت احتجاجات أمام السفارة الإسرائيلية في عمّان، في سياق محاولة الضغط على الحكومة باتجاه تصعيد الموقف من إسرائيل، استجابة لنداءات قادة حركة «حماس» في خروج الشارع الأردني لنصرة غزة. وفي هذه الأثناء يتمسك الأردن الرسمي بموقفه الداعم لجهود إغاثة المدنيين في القطاع بعد تنفيذ القوات المسلحة الأردنية، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع أكثر من 100 إنزال جوي، و256 إنزالاً جوياً بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة. ويضاف إلى ما سبق، الجهود الدبلوماسية التي أسفرت عن إدخال آلاف الأطنان من المساعدات من خلال معبر كرم أبو سالم، ليكسر الأردن الحصار البري والبحري على قطاع غزة، إلى جانب ما خاضه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني من حملة دولية ساهمت في تعرية الموقف الإسرائيلي خلال الحرب، وتراجع الدعم الدولي لإسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها على المدنيين، وهي الحرب التي راح ضحيتها حتى الآن أكثر من 36 ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، في وقت جرى فيه تدمير البنى التحتية في القطاع، وتشريح مئات الآلاف من بيوتهم.

في أي حال، تعبّر الأزمة بين السلطة و«الإخوان» في الأردن، عن حالة استعصاء واضحة، وبالأخص، بعد رصد مكالمات لقادة الحركة الإسلامية في الأردن المحسوبين على جناح «حماس»، وهم يتلقون تعليمات من الخارج تطالب بتأجيج الشارع الأردني، والضغط على الموقف الرسمي، بهدف فتح جبهة جديدة في دول جوار فلسطين. وهذا الأمر يتقاطع مع رغبات إيرانية تبحث عن الفوضى في الداخل الأردني، وتلك مساعٍ إيرانية أيدتها المعلومات الخاصة بالأجهزة الأردنية، وتدعمها محاولات مستمرة من فصائل إيرانية متمركزة في الجنوب السوري، تريد إغراق السوق الأردنية بالسلاح والمخدرات، وإثارة القلق على الحدود مع سوريا. لم يسقط من الحسابات الأردنية التداعيات المحتملة لاستمرار حرب غزة

د بشر الخصاونة (غيتي)

رؤساء الحكومات الأردنية منذ عام 2000

- عبد الرؤوف الروابدة (الحكومة الـ84): 4 مارس (آذار) 1999 إلى 19 يونيو (حزيران) 2000.

- علي أبو الراغب (الحكومات 85 و86 و87): 19 يونيو 2000 إلى 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2003.

- د.فيصل الفايز (الحكومة الـ88): 25 أكتوبر 2003 إلى 5 أبريل (نيسان) 2005.

- د.عدنان بدران (الحكومة الـ89): 6 أبريل 2005 إلى 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2005.

- د.معروف البخيت (الحكومتان الـ90 والـ94): 27 نوفمبر 2005 إلى 25 نوفمبر 2007، و9 فبراير (شباط) و17 أكتوبر 2011.

- نادر الذهبي (الحكومة الـ91): 25 نوفمبر 2007 إلى 9 ديسمبر (كانون الأول) 2009.

- سمير زيد الرفاعي (الحكومتان الـ92 والـ93): 14 ديسمبر 2009 إلى 22 نوفمبر 2010، و24 نوفمبر 2010 إلى 1 يناير (كانون الثاني) 2011.

- عون الخصاونة (الحكومة الـ95): 17 أكتوبر 2011 إلى 26 أبريل 2012.

- د.فايز الطراونة (الحكومة الـ96، وسبق له ترؤس الحكومة الـ93 بين 1996 و1999): 2 مايو (أيار) 2012 إلى 3 أكتوبر 2012.

- د.عبد الله النسور (الحكومتان الـ97 والـ98): 10 أكتوبر 2012 إلى 29 مايو 2016.

- د.هاني المُلقي (الحكومتان الـ99 والـ100): 29 مايو 2016 إلى 4 يونيو 2018.

- د.عمر الرزّاز (الحكومة الـ101): 4 يونيو 2018 إلى 3 أكتوبر 2020.

- د.بشر الخصاونة (الحكومة الـ102): 12 أكتوبر 2020 ... حتى الآن.


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».