سانتياغو آباسكال... وجه إسبانيا ضمن كوكبة غلاة التطرف اليميني الأوروبي الصاعد

زعيم حزب «فوكس»... مستضيف «منتداهم» التحضيري للمستقبل

برنامج آباسكال السياسي لا يختلف كثيراً عن برنامج دونالد ترمب أو مارين لوبان: «إسبانيا للإسبان» و«المهاجرون أساس كل المشاكل»!
برنامج آباسكال السياسي لا يختلف كثيراً عن برنامج دونالد ترمب أو مارين لوبان: «إسبانيا للإسبان» و«المهاجرون أساس كل المشاكل»!
TT

سانتياغو آباسكال... وجه إسبانيا ضمن كوكبة غلاة التطرف اليميني الأوروبي الصاعد

برنامج آباسكال السياسي لا يختلف كثيراً عن برنامج دونالد ترمب أو مارين لوبان: «إسبانيا للإسبان» و«المهاجرون أساس كل المشاكل»!
برنامج آباسكال السياسي لا يختلف كثيراً عن برنامج دونالد ترمب أو مارين لوبان: «إسبانيا للإسبان» و«المهاجرون أساس كل المشاكل»!

في العام 2018 افتتح ستيف بانون، «منظّر» التيّار اليميني المتطرّف في الولايات المتحدة، مقرّ الجامعة الشعبوية المخصّصة لتأهيل القيادات والكوادر الأوروبية لهذا التيّار في دير قديم من مطالع القرن الثالث عشر على بعد ساعة من العاصمة الإيطالية روما. ومع أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب كان قد أبعد المنظّر المتطرف عن دائرة مساعديه الضيّقة بعدما كان المخطط الرئيسي لحملته الانتخابية وذراعه اليمنى في الأشهر الأولى من ولايته الرئاسية، قال بانون يومها إن الهدف من تلك الجامعة هو «تقديم الدعم والخبرة لاستراتيجية بعيدة المدى» ترمي إلى نشر «الترمبية» في أوروبا عبر حركة شعبوية دولية تنطلق من بروكسل، حيث مقرّ مؤسسة The Movement التي تدير أنشطتها وتنسّقها. يومذاك، كان بانون محاطاً بالرموز الصاعدة والواعدة لمجموعة من الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، يتقدّمها زعيم «الرابطة» الإيطالية ماتّيو سالفيني ومؤسسة حزب الفاشيين الجدد «إخوان إيطاليا» جيورجيا ميلوني وزعيم حزب «فوكس» Vox الإسباني سانتياغو آباسكال الذي كان قد انشقّ حديثاً عن الحزب الشعبي المحافظ. وحقاً، بعد سنوات على ذلك اللقاء، الذي رعاه التيّار المعارض للبابا فرنسيس داخل الفاتيكان، والتيّار الكاثوليكي اليميني في الكنيسة الأميركية، أصبحت ميلوني أول امرأة ترأس الحكومة الإيطالية في ائتلاف يضمّ سالفيني وحزبه. ودخل اليمين المتطرّف البرلمان الإسباني للمرة الأولى منذ وفاة الجنرال فرانشيسكو فرنكو ليغدو القوة السياسية الثالثة في إسبانيا بعد الانتخابات الاشتراعية الأخيرة... التي شهدت أيضاً اختراقه المعاقل القومية في كاتالونيا (قطالونية) وبلاد الباسك المعروفة بكونها عصيّة على الأحزاب اليمينية.

في المهرجان السنوي الذي ينظمّه حزب «إخوان إيطاليا» (الفاشي الجديد) لحركته الشبابية في معقله الرئيس بالعاصمة الإيطالية روما، والذي احتفل مطلع هذا الربيع بتتويج ميلوني اول زعيمة لحزب يميني متطرّف يرأس حكومة دولة كبرى في الاتحاد الأوروبي، كان سانتياغو آباسكال «ضيف الشرف» إلى جانب رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك والملياردير الأميركي إيلون ماسك، نصير الشعبوية اليمينية في العالم وصاحب منصة «إكس».

في نهاية ذلك المهرجان ألقى آباسكال الكلمة الختامية، بعدما قدّمه ماسك الذي استحضر تصريحات سابقة لبانون قال فيها إن زعيم «فوكس» سيكون، إلى جانب ميلوني وسالفيني «رأس حربة استعادة أوروبا هويتها القومية وحرّية قرارها السياسي».

بالمناسبة، لم تكن مشاركة آباسكال في ذلك المهرجان موضع ترحيب إجماعي بين مضيفيه الطليان بعد التصريحات التي كان أدلى بها قبل ذلك بأسابيع وتوقّع فيها أن يوماً سيأتي يعلّق فيه الإسبان رئيس حكومتهم الاشتراكي بيدرو سانتشيز من رجليه في الشوارع. لكن اعتراض البعض على مشاركته لم يأتِ من دعوته إلى العنف ضد رئيس منتخب ديمقراطياً، بل لأن تلك التصريحات - التي لا تخرج عن الأسلوب المألوف لدى آباسكال خاصة عندما يتوجّه إلى سانتشيز - أعادت إلى أذهان الفاشيين الطليان الجدد مقتل مؤسس الحركة الفاشية الإيطالية بنيتو موسوليني عام 1945 ثم عرضه على الجماهير معلّقاً من رجليه في أحد ميادين مدينة ميلانو.

آباسكال توعّد في ذلك المهرجان بأن أوروبا بعد الانتخابات المقبلة للبرلمان الأوروبي «لن تكون كما هي اليوم». وقال: «إن مسار استعادة السيادة أصبح موجاً هادراً لن يقوىَ أحد على الوقوف بوجهه». ثم دعا إلى رصّ الصفوف لتشكيل جبهة واحدة ضد الشيوعيين والاشتراكيين في أوروبا. وبالفعل، جاءت الانتخابات الإقليمية في كاتالونيا وبلاد الباسك لتؤكد توقعات رسوخ صعود «فوكس»، وتنذر بعاصفة يمينية متطرفة قد لا تقلب المعادلات السياسية القائمة حالياً في الاتحاد الأوروبي، لكنها قطعاً ستمهّد لمرحلة جديدة وتوازنات مختلفة لن تكون ركائز المشروع الأوروبي في منأى عن تداعياتها.

النشأة... والمشوار

أبصر آباسكال النور في بلاد الباسك عام 1967، وصادف مولده يوم الاحتفال بإعلان الجمهورية التي اندلعت الحرب الأهلية الإسبانية للإطاحة بها. ولاحقاً - تخرّج في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة بلباو. وهو أب لأربعة أولاد من زوجته الأولى، أما زوجته الثانية فهي ناشطة علـى وسائل التواصل؛ إذ يزيد عدد متابعيها على ربع مليون. عائلياً أيضاً، كان جدّه رئيس بلدية عن الحزب الشعبي اليميني، الذي صار والده أحد قادته في بلاد الباسك، وانضمّ هو إليه عند بلوغه الثامنة عشرة. وكغيره من أنصار هذا الحزب اليميني المحافظ في إقليم الباسك، عانى من الاضطهاد والتهديد على يد أنصار الأحزاب القومية الانفصالية المؤيدة لمنظمة «ايتا» التي كانت ترى في هذا الحزب امتداداً للنظام الفرنكي الذي قمع الحركة الانفصالية طيلة عقود بيد من حديد، ولاحق قياداتها وزجّ العديد منهم في السجون. وبعد خمس سنوات على انضمام آباسكال إلى الحزب الشعبي انتُخب عضواً في المجلس البلدي لمدينة آلافا، حيث اضطر إلى حمل السلاح دفاعاً عن نفسه من التهديدات التي كان يتعرّض لها، وما زال إلى اليوم يحمل مسدساً بعدما تخلّى عن حراسه المرافقين.

تلك المرحلة كان لها تأثير عميق في بلورة مسار الرجل السياسي؛ إذ كان يعتبر دائماً أن المحافظين يخشون كثيراً مواجهة التحدي الانفصالي؛ ما دفعه إلى الاستقالة من الحزب الشعبي احتجاجاً على ما وصفه بأنه «ميوعة» من الحكومة التي كان يرأسها ماريانو راخوي تجاه الأحزاب القومية في كاتالونيا وبلاد الباسك. ثم أن تلك السنوات أثّرت أيضاً في صياغة خطابه السياسي القاسي اللهجة حيال الأحزاب والقوى الانفصالية، وخاصة حيال رئيس الوزراء بيدرو سانتشيز الذي يتهمه بخيانة الدستور والتنازل عن المحرّمات الوطنية لهذه القوى من أجل الوصول إلى السلطة والبقاء فيها بأي ثمن.

تأسيس «فوكس»

عندما أسّس آباسكال حزبه عام 2014، كان يواظب على حضور مهرجانات زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف مارين لوبان، التي كان يعتبرها المرآة التي يجب أن تنعكس فيها السياسة الأوروبية الجديدة. يومها كانت شعبية «فوكس» لا تتعدّى 2 في المائة في أفضل التقديرات، إلا أن الحركة الانفصالية الكاتالونية التي اندلعت عام 2017 وفّرت له منصة الانطلاق السريع الذي كان قد بدأ مع ركوبه الموجة المعادية للهجرة. وجاءت الانتخابات الأوروبية لتعطيه منبراً على مستوى الاتحاد، ثم الانتخابات الإقليمية في إقليم الأندلس - معقل الاشتراكيين وخزانهم الانتخابي بامتياز - التي أدخلته الحكومة المحلية بالتحالف مع الحزب الشعبي الذي ينافسه على القاعدة الشعبية اليمينية ذاتها.

برنامج آباسكال السياسي لا يختلف كثيراً عن برنامج دونالد ترمب أو مارين لوبان: «إسبانيا للإسبان»، و«المهاجرون أساس كل المشاكل»، خاصة إذا كانوا من البلدان المسلمة. لكن خطابه فج ومباشر أكثر، ويلامس التحريض على العنف في معظم الأحيان. وليس من باب المصادفة أن الأمين العام للحزب عضو سابق في «القوات الإسبانية الخاصة» المعروفة بولائها التاريخي للجنرال فرنكو، وأن رئيسة الحزب في مدريد من أتباع تيّار كاثوليكي متشدد يدعو إلى النقاء الديني للمجتمع الإسباني، وشعاره الصليب لردع «الاجتياح» المسلم، تماهياً وتيّار أوربان في المجر أو دودا في بولندا، وشعاره المعلن «الله - الوطن - العائلة».

يردّد آباسكال في خطبه الجماهيرية شعارات موروثة من النظام الفرنكي مثل «إسبانيا واحدة، عظمى وحرة». ولا يتردد في الإعراب عن إعجابه الشديد بالرئيس الأرجنتيني اليميني المتطرّف خافيير ميلي الذي دعاه كـ«ضيف شرف» في حفل تنصيبه، وكان نجم اللقاء الواسع للأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا الذي استضافه «فوكس» نهاية الأسبوع الماضي في العاصمة الإسبانية.

آباسكال هو الشخصية المحوَرية في الحزب منذ تأسيسه رغم وجود تيارات معارضة حاولت إزاحته غير مرة. بيد أن النتائج التي حققها في الانتخابات الأخيرة، وصعوده بين نظرائه الأوروبيين من زعماء الأحزاب اليمينية المتطرفة، رسّخت زعامته التي أصبحت مطلقة في الفترة الأخيرة بعدما أعيد انتخابه رئيساً للحزب حتـي العام 2028.

يرفض زعيم «فوكس» وضع حزبه في خانة اليمين المتطرّف، فيقول: «رغم شيوع هذه التسمية، نحن لا نعتبر اليمين المتطرّف هويّتنا، بل إن ما نطرحه هو عين المنطق وضرورة حيوية لمجتمعاتنا». وهو يدعو الاتحاد الأوروبي إلى «تغيير» حدوده، وأن يكون أكثر احتراماً «لسيادة» الدول، ويجاهر بتفضيله العلاقات الثنائية على النظام المتعدّد الأطراف، ويسعى إلى تشكيل تحالف أوروبي يجمع كل القوى والأحزاب المناهضة للشيوعية والاشتراكية.

كذلك يتعهد الزعيم اليميني المتطرف في برنامجه السياسي خفض الصلاحيات الإقليمية، والاستعاضة عن أجهزة الشرطة الإقليمية بالحرس المدني الذي كان عماد نظام فرنكو - ومنه الضابط الذي قام بمحاولة الانقلاب الفاشلة على النظام الديمقراطي اليافع العام 1981 -، ويطالب بعقوبات قاسية ضد مرتكبي الجرائم الجنسية ضد الأطفال، وإلغاء قوانين المساواة بين الأجناس.

ولكن يظل في طليعة شعاراته الأساسية محاربة الهجرة من «بلاد المسلمين»، والاتجاه نحو البلدان الأميركية اللاتينية «لأنهم يتكلمون لغتنا ويشاطروننا النظرة ذاتها إلى العالم... ويتعايشون معنا بسهولة».


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو
TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.