سايمون هاريس... أصغر زعيم في تاريخ آيرلندا...أحد الثلاثي الأوروبي الداعم لقيام دولة فلسطين

سياسي بالفطرة... ومتعاطف مع المظلومين وذوي الحاجات الخاصة

في عام 2011 انتُخب هاريس وهو لا يزال في الرابعة والعشرين من العمر نائباً في البرلمان، وكان يومذاك أصغر النواب سناً
في عام 2011 انتُخب هاريس وهو لا يزال في الرابعة والعشرين من العمر نائباً في البرلمان، وكان يومذاك أصغر النواب سناً
TT

سايمون هاريس... أصغر زعيم في تاريخ آيرلندا...أحد الثلاثي الأوروبي الداعم لقيام دولة فلسطين

في عام 2011 انتُخب هاريس وهو لا يزال في الرابعة والعشرين من العمر نائباً في البرلمان، وكان يومذاك أصغر النواب سناً
في عام 2011 انتُخب هاريس وهو لا يزال في الرابعة والعشرين من العمر نائباً في البرلمان، وكان يومذاك أصغر النواب سناً

طرح الإعلان «الثلاثي» من حكومات النرويج وإسبانيا وجمهورية آيرلندا عن قرارها كل على حدة بالاعتراف رسمياً بدولة فلسطين علامات استفهام في الأوساط السياسية الداعمة لإسرائيل والمناوئة للقضية الفلسطينية إلا أنه حظي بترحيب واسع في الضفة المقابلة والواقع أن هذا الموقف جاء مبنياً على سلسلة مواقف اعتراضية اتخذتها تباعاً بصورة تصعيدية الدول الأوروبية الثلاث منذ حوّلت «حكومة الحرب» الإسرائيلية «الردّ» على عملية «طوفان الأقصى» التي شنّتها حركة «حماس» على غلاف قطاع غزة إلى حرب تهجير وتدمير مفتوحة راح ضحيتها أكثر من 35 ألف قتيل ومئات ألوف المصابين ناهيك من تحويل مدن القطاع ومؤسساته إلى أنقاض

في ما يخصّ مواقف جمهورية آيرلندا من حرب تهجير قطاع غزة، صدر أول موقف من رئيس الحكومة السابق الدكتور ليو فارادكار في ديسمبر (كانون الأول) الماضي خلال قمة الاتحاد الأوروبي، عندما طالب زملاءه القادة الأوروبيين بتبني موقف حازم باتجاه فرض وقف حرب غزة.

وأضاف فارادكار أن الاتحاد «فقد صدقيته بسبب عجزه عن أخذ موقف أكثر قوة وحدّة» إزاء ما يحدث في غزة. وغمز من قناة «ازدواجية المعايير»، قبل أن تتضامن آيرلندا مع إسبانيا وبلجيكا ومالطا في المطالبة بمناقشة جدية للأمر في ظل تفاقم الوضع الإنساني في القطاع.

بعد ذلك، في مارس (آذار) الماضي، صعّد فارادكار مواقفه في مستهل جولته الأميركية، عندما قال: «إن قتل أعداد هائلة من أطفال غزة سيقضّ مضاجع العالم إذا ظل صامتاً في وجه العقاب الجماعي المستمر الذي تمارسه إسرائيل». واستنكر بشدة في كلمة له بمدينة بوسطن قائلاً: «حياة الطفل هي أكبر النعم على الإطلاق. الطفولة يجب أن تكون نعمة. لكن اليوم في غزة بالنسبة لكثيرين نراها حكم إعدام ونقمة». ثم كرّر مواقفه المطالبة بوقف كامل وفوري للحرب بعد أيام قليلة خلال لقائه بالرئيس جو بايدن في البيت الأبيض.

إلا أن فارادكار استقال من منصبه خلال فترة قصيرة من عودته إلى بلاده لـ«أسباب خاصة» أثير حولها لغط. وعلى الإثر، انتخب حزب «فين غايل» الحاكم النائب والوزير الشاب سايمون هاريس خلفاً له في قيادة الحزب ورئاسة الحكومة.

هاريس (37 سنة) قُيض له بالأمس أن يكمِل ما مهّد له سلفه، وأن يكون الزعيم الآيرلندي الذي يعلن اعترف بلاده رسمياً بدولة فلسطين.

من هو هاريس؟

ولد سايمون هاريس يوم 17 أكتوبر (تشرين الأول) 1986 في بلدة غرايستونز، وهي منتجع على الساحل الشرقي للجزيرة الآيرلندية، في مقاطعة ويكلو، الواقعة إلى الجنوب من العاصمة دبلن. وبهذه المقاطعة ارتبطت حياته السياسية منذ شقّ طريقه في عالم السياسة عام 2009.

سايمون هو الابن الأكبر بين 3 أولاد (صبيان وبنت) لعائلة بارت وماري هاريس. ولقد تلقى تعليمه في إحدى مدارس غرايستونز الثانوية، وفيها لمع في التمثيل، وأعد مسرحية وهو ابن 13 سنة. وحين بدأ شغفه بالسياسة في سن الـ15 سنة، تواءم هذا الشغف مع تعاطفه مع ذوي الحاجات الخاصة عندما أسس رابطة تهدف لمساعدة أهالي الأطفال المُعانين من إعاقتي التوحّد ونقص التركيز، وللعلم فإن شقيقه هو ممّن يعانون من التوحّد. وكذلك كان من اهتمامات تلك الرابطة التواصل مع الشخصيات السياسة ودفعها إلى دعم هؤلاء المعانين والمحرومين وتأمين تعليم الأطفال منهم.

وبما يخص حياة هاريس الأسرية، فإنه متزوّج من كوفه ويد، وهي ممرضة في قسم أمراض القلب، ولديهما صبي وبنت. وعلى الصعيد الشخصي، فإنه يعاني من «مرض كرون» (الالتهاب المزمن في الجهاز الهضمي).

التعليم... والانطلاقة السياسية

أما بالنسبة لدراسته الجامعية، فإنه بدأ في تخصص الصحافة والأدب الفرنسي في معهد دبلن للتكنولوجيا، غير أنه لم يتابع، بل غادر الدراسة في السنة الثانية، ليركّز مسيرته على السياسة. وبالفعل، في انتخابات عام 2002، نشط سايمون هاريس ضمن صفوف حزب «فيانا فويل» (قومي على يمين الوسط)، إلا أنه انتقل خلال سنة واحدة إلى حزب «فيني غايل» (يمين ليبرالي) وانتخب في تنظيمه الشبابي.

وفي حزبه الجديد، بدأ عام 2008 رحلته مساعداً لزميلته الوزيرة المستقبلية فرانسيس فيتزجيرالد عندما كانت عضواً في مجلس الشيوخ (أحد مجلسي البرلمان). وفي العام التالي، خلال الانتخابات المحلية، انتخب عضواً في المجلس المحلي لمقاطعة ويكلو، وكان لافتاً أنه حصل على أعلى نسبة تأييد بين كل أعضاء المجالس المنتخبة على امتداد آيرلندا، كما انتخب عضواً في بلدية غرايستونز.

من البرلمان إلى الوزارة

عام 2011، انتخب هاريس، وهو لا يزال في الرابعة والعشرين من العمر نائباً في مجلس النواب الآيرلندي عن ويكلو... وكان يومذاك أصغر نواب البرلمان سناً. وفي مجلس النواب صقل خبراته عبر شغله مهاماً في بعض اللجان البرلمانية المتخصصة، ومنها الاقتصاد والصحة.

وفي عام 2014، خطا هاريس خطوة كبيرة أخرى عندما عيّن وزير دولة في وزارة المالية. وتسارع الصعود عندما رقّي عام 2016، في أعقاب تشكيل حزب «فيني غايل» حكومة أقلية، ليصبح وزيراً للصحة، ولاحقاً، مع تشكيل الحكومة الائتلافية عام 2020 انتقل من وزارة الصحة ليتولى وزارة التعليم الإضافي والعالي والبحث والابتكار والعلوم. ومن ثم تولى أيضاً بصفة مؤقتة حقيبة وزارة العدل بين ديسمبر 2022 ويونيو (حزيران) 2023 عندما حصلت زميلته الوزيرة هيلين ماكينتي على إجازة أمومة.

رئيساً في سن الـ37

وأخيراً، بعد الاستقالة المفاجئة لفارادكار يوم 20 مارس الماضي، دُعي حزبه «فيني غايل»، وفق التدابير المألوفة والمتبعة لانتخاب زعيم جديد، مع العلم أن الزعيم المستقيل تعهّد بالتخلي عن رئاسة الحكومة فور انتخاب خلف له على قمة الحزب. وفي اليوم التالي، فتح باب الترشيح إلا أنه بحلول بعد ظهر ذلك اليوم كان أكثر من نصف عدد أعضاء الكتلة البرلمانية للحزب قد أعلنوا تأييدهم لاختيار سايمون هاريس، وأبعد كل وزراء الحزب أنفسهم عن المنافسة. وهكذا صار هاريس المرشح الوحيد، وبالتالي الزعيم الفعلي بالتزكية، يوم 24 مارس الذي كان قد حُدد كمهلة أخيرة لقبول الترشيحات، خلال اجتماع رسمي للقيادة الحزبية في اليوم ذاته، عقد بمدينة آثلون بشمال وسط البلاد. ومن ثم يوم 9 أبريل (نيسان) بعد عطلة عيد الفصح الماضي، عيّن رسمياً بصفته زعيم الحزب الحاكم رئيساً جديداً للحكومة وهو لا يزال في السابعة والثلاثين من العمر... وبذا بات رئيس الحكومة الأصغر سناً في تاريخ البلاد.

حزب «فيني غايل» في سطور

> حزب «فيني غايل» (أي العشيرة أو الأمة الآيرلندية) حزب يميني ليبرالي مسيحي التوجهات، يمتلك اليوم ثالث أكبر عدد من المقاعد داخل مجلس النواب الآيرلندي وأكبر تمثيل نيابي آيرلندي في البرلمان الأوروبي.

> أسس يوم 8 سبتمبر (أيلول) 1933 من اندماج 3 جماعات نشطت إبان النضال الاستقلالي عن بريطانيا، أيّد أعضاؤها «الاتفاقية الأنجلو آيرلندية» إبان النزاع الأهلي الآيرلندي بين الاستقلاليين المعتدلين والمتشددين، وعدّ هؤلاء أنفسهم مناصرين للزعيم الراحل المعتدل مايكل كولينز الذي اغتاله رافضو «الاتفاقية».

> بعد الاستقلال تناوب الحزب مع حزب «فيانا فويل» الأكثر تشدداً قومياً، والذي انشق مثله، تحت قيادة زعيمه البارز إيمون دي فاليرا، عن حزب «شين فين» أقدم القوى الاستقلالية.

> اضطر للتحالف غير مرة مع حزب العمال الآيرلندي (يسار الوسط) في ائتلافات حكومية ضد «فيانا فويل»، وخرج منهم زعماء بارزون، من أهمهم ليام كوسغريف (ابن وليم توماس كوسغريف أول رئيس للمجلس التنفيذي لدولة آيرلندا الحرة)، وجون كوستيللو، والدكتور غاريث فيتزجيرالد، والدكتور ليو فارادكار، أول رئيس من أصل هندي يتولى السلطة في آيرلندا.


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».