محطات في تاريخ الخلافات الإسرائيلية ـــ الأميركية

شارون كان يقول: «نحن نحكم في واشنطن»

اجتماع لحكومة شارون... ويبدو فيها نتنياهو في أقصى يمين الصورة (غيتي)
اجتماع لحكومة شارون... ويبدو فيها نتنياهو في أقصى يمين الصورة (غيتي)
TT

محطات في تاريخ الخلافات الإسرائيلية ـــ الأميركية

اجتماع لحكومة شارون... ويبدو فيها نتنياهو في أقصى يمين الصورة (غيتي)
اجتماع لحكومة شارون... ويبدو فيها نتنياهو في أقصى يمين الصورة (غيتي)

شهد تاريخ العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية عديداً من حالات التوتر، التي بلغت حدوداً أكبر من الخلاف الحالي الناجم عن اجتياح رفح. إلا أن الحليفين عرفا دائماً «التنازل» لحلّ الإشكال. وغالباً ما كان هذا «المتنازل» هو الجانب الإسرائيلي. ومع أن بعض المراقبين عدّوا قرار الرئيس جو بايدن تجميد إرسال واحدة من شحنات الأسلحة والذخيرة إلى إسرائيل «زلزالاً سياسياً»، فإن مصادر في الجانبين تكلمت عن أنه - كالعادة - تُبذل جهود وراء الكواليس لتصحيح العلاقات بشكل فوري «كي لا يجني قادة حماس، ومن ورائهم قادة إيران وحزب الله، ربحاً سياسياً ومعنوياً». ويتضح من مسح للعلاقات بين البلدين عبر 76 سنة لإسرائيل انفجار خلافات عدة، لكن 14 منها بلغت حد الأزمة، كما هي الحال اليوم.

آثار استهداف المدمرة "ي إس إس ليبرتي" (صور سلاح البحرية الأميركي)

وقع أول خلاف كبير بين تل أبيب وواشنطن عام 1949، عندما سيطرت إسرائيل على أراضٍ مصرية بعد أشهر طويلة من وقف إطلاق النار. وحينذاك، سُوّيّ الخلافُ عندما وافقت حكومة إسرائيل برئاسة دافيد بن غوريون على الدخول في «مفاوضات رودس» لترسيم حدود وقف إطلاق النار - عبر إنشاء ما عُرف بـ«الخط الأخضر» - وهي التي أصبحت حدود إسرائيل غير الرسمية، قبل «حرب يونيو (حزيران) 1967».

ثم وقع الخلاف الثاني الكبير عام 1957، في أعقاب «حرب السويس» التي وقعت عام 1956 وعُرفت في حينه باسم «العدوان الثلاثي» على مصر. وفي حينه أطلقت إسرائيل عمليات لتثبيت احتلالها لسيناء وقطاع غزة، وبدأت تخطط للاستيطان اليهودي هناك. لكن الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور طالبها بالانسحاب فوراً، وهدد بقطع المساعدات الاقتصادية (إذ لم تكن هناك مساعدات عسكرية ذات شأن)، وفعلاً، انسحب بن غوريون وتجنب الصدام.

ديمونة... و«ليبرتي

»خلال الفترة بين 1960 و1964، نشبت أزمة على خلفية بناء المفاعل النووي الإسرائيلي في منطقة ديمونة (شمال صحراء النقب وجنوب شرقي مدينة بئر السبع) بمساعدة فرنسية. فقد فوجئت الولايات المتحدة بهذا المشروع، وطالبت إسرائيل بإخضاعه للرقابة الدولية أو الأميركية. لكن إسرائيل لم تتراجع هذه المرة، وتمسّكت برفضها أمام الرئيس آيزنهاور، ثم أمام خلفه الرئيس جون كيندي، الذي اتخذ موقفاً سلبياً أشد من حكومة إسرائيل. ثم جاء الرئيس ليندون جونسون (الذي تولّى الرئاسة إثر اغتيال كيندي) 1963، ليبدأ في إحداث انعطاف في العلاقات. وحقاً، عام 1964، وافقت إسرائيل على رقابة جزئية وسطحية ووافق جونسون على إنهاء الأزمة. وهكذا استمر عمل المفاعل النووي.حرب 1967... والسفينة «ليبرتي»

ثم في عام 1967، وقعت أزمة جديدة بين واشنطن وتل أبيب عندما أقدمت طائرات وسفن حربية إسرائيلية على قصف قطعة بحرية حربية أميركية يوم 8 يونيو 1967، وهو اليوم الثالث في «حرب يونيو».

في ذلك اليوم كانت المدمّرة الأميركية «يو إس إس ليبرتي» تبحر على بعد 13 ميلاً بحرياً قبالة العريش خارج المياه الإقليمية المصريّة بشمال شبه جزيرة سيناء. وأدى القصف الإسرائيلي إلى مقتل 34 من البحارة و171 إصابة.

الجاسوس جوناثان بولارد (رويترز)

حرب أكتوبر

عام 1973، في الأيام الأخيرة من «حرب أكتوبر (تشرين الأول)»، اخترقت إسرائيل خطوط قوات الهجوم المصرية - التي كانت قد حرّرت قسماً كبيراً من غرب سيناء - وتحقق لإسرائيل ذلك بعدما قدّمت الولايات المتحدة دعماً غير مسبوق للجيش الإسرائيلي بلغ حد إرسال طائرات حربية أميركية دخلت إلى المعركة وقادها طيارون أميركيون.

يومذاك، طوّقت القوات الإسرائيلية، المدعومة أميركياً، «الجيش الثالث» المصري وفرضت عليه حصاراً. وعندما طلب الرئيس ريتشارد نيكسون من إسرائيل فك الحصار وبدء مفاوضات لفك الاشتباك، رفضت رئيسة الحكومة الإسرائيلية غولدا مائير، الانصياع في البداية وهددت واشنطن بقطع الدعمَين السياسي والعسكري. إلا أنها تراجعت لاحقاً، وفكت الحصار وبدأت المفاوضات.

ثم في مطلع عام 1975 طلب الرئيس جيرالد فورد من رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، تحويل «اتفاق فصل القوات» مع مصر إلى «اتفاق لوقف النار»، ويومها وافق رابين بشرط أن توافق مصر على إنهاء حالة الحرب. لكن الرئيس المصري أنور السادات اشترط لإنهاء حالة الحرب انسحاباً إسرائيلياً من كامل أراضي سيناء. وعلى الأثر أجرى هنري كيسنجر (وزير الخارجية الأميركي) سلسلة جولات مكّوكية. ولما فشل حمّل تل أبيب مسؤولية الفشل، وبدأت واشنطن تعاقب إسرائيل. إذ أعلن الرئيس فورد عن «إعادة تقييم العلاقات الأميركية - الإسرائيلية»، وقرّر تجميد التوقيع على صفقات أسلحة جديدة، بل، وباشر مسؤولون أميركيون رسميون عقد لقاءات مع ممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية... ولم تعد الإدارة الأميركية تنسّق مع إسرائيل التحضير لمؤتمر جنيف للسلام في الشرق الأوسط (لم ينعقد بالتالي).

ولقد استمرت هذه الحال، حتى رضخ رابين. وفي أغسطس (آب) استأنف كيسنجر جولاته المكّوكية لأسبوعين، وأسفرت عن اتفاق جديد بين مصر إسرائيل، يؤكد أن البلدين يحرصان على تسوية الصراع بالطرق السلمية. وانسحبت إسرائيل إلى خط العريش - رأس محمد.

المصاحة التاريخية في كامب ديفيد بين السادات وبيغن برعاية كارتر (غيتي)

«كامب ديفيد»

في عام 1978، بدأ الرئيس جيمي كارتر محاولاته للسلام بين مصر وإسرائيل. إلا أنه قبل «مؤتمر كامب ديفيد» اصطدم برفض إسرائيلي مطلبين مصريَّين: الأول إنشاء مكتب ارتباط مصري في قطاع غزة تمهيداً لإنهاء الاحتلال. والثاني بدء مشروع استخراج النفط مقابل سيناء.

عندها حضر كارتر إلى القدس واجتمع بالحكومة الإسرائيلية، وراح يهدّد: «لقد وعدت السادات بأن توافقوا ولن أسمح لكم بتخييب أملي»... بيد أن هذا الضغط لم ينجح. وفي كامب ديفيد جدّد كارتر تهديده لرئيس الحكومة الإسرائيلي مناحم بيغن بـ«إعادة النظر في العلاقات بين البلدين». ومع أن الخلافات طويت إثر نجاح المؤتمر، ذكر باحثون أن كارتر «تكلم مع قادة إسرائيل بعدائية وفوقية واضحة»... و«أنه لو فشلت المفاوضات لكانت فعلاً بداية أزمة تاريخية». ولقد نُشرت اقتباسات من بيغن بلغت حد اعتبار كارتر «معادياً للسامية»، واقتباسات من كارتر تعدّ بيغن «كذاباً محترفاً ومتغطرساً».

ولاحقاً، وقفت غالبية اليهود الأميركيين ضد إعادة انتخاب كارتر لفترة رئاسية ثانية - إذ هبط تصويت اليهود له من 71 في المائة عام 1976 إلى 45 في المائة عام 1980 -. إلا أن الرئيس رونالد ريغان الذي حظي عام 1980 بتأييد الغالبية اليهودية، وبشكل خاص حكومة بيغن، دخل في صدامات عدة مع إسرائيل. ذلك أنه، عام 1981 قرّر ريغان إبرام صفقة لبيع طائرات «آواكس» للمملكة العربية السعودية، واعترضت إسرائيل بحجة أن الصفقة تمس بأمنها، وجنّدت عدداً من «اللوبيات» لمحاربتها، ومع أنها أغضبت ريغان، فإن ضغوطها فشلت... ونُفّذت الصفقة.

وعام 1981 أيضاً، دمّرت إسرائيل المفاعل النووي العراقي قرب بغداد، من دون التنسيق مع واشنطن. ومجدداً غضب ريغان وقرّر تجميد قرار تسليم إسرائيل طائرات «إف 16». وفقط بعد 6 أشهر حصل تفاهم بينهما أعاد تسليم أول دفعة من الطائرات.

لكن ريغان عاد فاضطر إلى تجميد القسم الثاني من صفقة الطائرات عام 1982، عندما رفض بيغن خطة السلام التي اقترحها لتسوية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. فقد تضمّنت الخطة الانسحاب الإسرائيلي من معظم الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 وإنشاء كيان فلسطيني مستقل فيها. لكن غضب ريغن استغرق 3 أشهر، وطوى خطته وأعاد التفاهم مع بيغن.

الجاسوس بولارد

عام 1985 نشبت أزمة جديدة في العلاقات عندما أُلقي القبض على جوناثان بولارد، وهو محلل استخبارات مدني في القوات البحرية الأميركية، بتهمة التجسس واستغلال منصبه لتسريب معلومات لصالح إسرائيل. ولقد تنازل بولارد عن الحق في المحاكمة مقابل القيود المفروضة على الحكم، وأقرّ بأنه مذنب، فأدين لكونه جاسوساً لحساب إسرائيل، ثم حُكم عليه بالسجن مدى الحياة في عام 1986، بينما نفت إسرائيل حتى عام 1998 أن يكون بولارد جاسوساً لحسابها.

مشروعات شمير الاستيطانية

عام 1991 كان «بطل تأزم العلاقات» رئيس الوزراء إسحق شمير، الذي عُدّ أسوأ رئيس حكومة في التاريخ الإسرائيلي (بعد بنيامين نتنياهو). إذ أعلن شمير مشروعات عدة لتوسيع الاستيطان وقت التحضير لـ«مؤتمر مدريد للسلام»، ما أثار غضب الرئيس جورج بوش «الأب». لكن شمير استرضاه، بأن حضر بنفسه المؤتمر الذي عُقد على مستوى وزراء الخارجية، وكان برفقته نتنياهو، الذي كان نائباً لوزير الخارجية وناطقاً بلسان الوفد الإسرائيلي.

مع هذا، ضُبِط شمير وهو يروي لمسؤولين أنه إنما وافق على خوض مسار مدريد كي يماطل في المفاوضات إلى أبد الآبدين. عندها فقط أدركت واشنطن أن شمير يجهض المشروع، فقرّر بوش سلسلة عقوبات أقساها القرار بإلغاء الضمانات الأميركية لإسرائيل بقيمة 10 مليارات دولار. وأحدث هذا القرار «زلزالاً» في إسرائيل يُعزى إليه سقوط شمير في الانتخابات اللاحقة وانتخاب إسحق رابين مكانه.

نحن نسيطر على أميركا

بعدها، في ظل حكم أرئيل شارون، أيضاً بدأت العلاقات بشكل سلبي، لكنها تحسّنت بعد قبوله بالانسحاب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية وفق خطة الانفصال. ومن الدلائل على الخلافات، روى المؤرخ توم سيجف أنه، يوم 3 أكتوبر 2001، دعا شارون المجلس الوزاريّ - الأمنيّ المُصغّر في حكومته إلى اجتماع لتدارس الدعوة الأميركيّة لإسرائيل بوقف إطلاق النار في الضفّة الغربيّة المُحتلّة. وخلال النقاش اعترض شمعون بيريس، على اتخاذ أي إجراء يستفزّ الحلفاء في واشنطن، إلا أن شارون ردّ عليه «لا تقلق يا عزيزي بشأن الضغط الأميركيّ، نحن الشعب اليهوديّ نُسيطر على أميركا، والأميركيون يعرفون ذلك. القدس: نظير مجلي

نتنياهو (آ ف ب/غيتي)

عهد بنيامين نتنياهو... شهد أسوأ فترات عاشتها العلاقات

يبقى أن أسوأ فترة مرَّت فيها علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل هي فترة - أو فترات - حكم بنيامين نتنياهو. والواقع أنه من أول أيام انتخاب نتنياهو لرئاسة الوزراء، في أول مرة، بعد اغتيال إسحق رابين، وهو يخوض معارك ابتزازية متتالية مع الإدارات الأميركية. وبدأ ذلك المسلسل عام 1996، عندما انتخب وحاول التلاعب في تنفيذ «اتفاقيات أوسلو». وللعلم، في تلك الفترة كان نتنياهو يتصرف كرئيس حكومة قوي، لم تكن قد أُعدت ضده لوائح اتهام بالفساد وخيانة الأمانة وتلقي الرشى، ولم يكن يخشى كما هو اليوم الحكم عليه بالسجن. فقبل بدء محاكمته (عام 2020)، كان نتنياهو شخصية مختلفة. لقد تطاول نتنياهو على واشنطن، وأخذ صوته يرتفع ويشتد بالتدريج، لكن الأميركيين في عام 1996 أوقفوه عند حده، وأخذوا يُسمِعونه تهديدات بوقف المساعدات، فألقى خطاباً قال فيه إنه ينوي التنازل عن هذه المساعدات، وإن وضع إسرائيل الاقتصادي جيد ولا تحتاج إليها. بيد أن الرئيس بيل كلينتون ردَّ عليه بإرسال وفد رفيع ليفاوض على إنهاء هذه المساعدات... ووصل الوفد فعلاً، فتراجع نتنياهو. مع هذا أصر الأميركيون على إلغاء المساعدات المالية، وتحوّلت المساعدات إلى عسكرية. وهكذا عاد نتنياهو وسار بتنفيذ قسم من «اتفاقيات أوسلو»، خصوصاً بعد «حرب النفق» تحت المسجد الأقصى، في سبتمبر (أيلول) 1997، التي استمرت 3 أيام، وقُتِل فيها 100 جندي فلسطيني و17 جندياً إسرائيلياً. وحينذاك دعا كلينتون كلاً من نتنياهو والرئيس ياسر عرفات إلى واشنطن، بمشاركة الملك حسين، وجرى التوقيع على «اتفاقية الخليل» (انسحبت إسرائيل من مساحة 85 في المائة من مدينة الخليل)، ولاحقاً انسحبت من 13 في المائة من الضفة الغربية. في عام 2010، تفجر خلاف جديد في عهد نتنياهو، إذ بدا يخطط لشن حرب على إيران ووقفت واشنطن ضده. لكن نتنياهو خاض معركة خاسرة من البداية لأن جميع قادة أجهزة الأمن الإسرائيلية عارضوه (الجيش والموساد وأمان والشاباك). واكتشف عندها وجود مفاوضات سرية بين واشنطن وطهران لتوقيع «الاتفاق النووي». وعندها راح يحارب «الاتفاق» سياسياً، ودخل في صدام مباشر مع الرئيس باراك أوباما، لدرجة التدخل في انتخابات الرئاسة لإسقاط أوباما. كذلك ألقى خطاباً ضد «الاتفاق النووي» في الكونغرس عام 2015 من دون ترتيب مع البيت الأبيض. وتعمق الخلاف لدرجة أن أوباما لم يستخدم «الفيتو» في قرار مجلس الأمن الدولي ضد الاستيطان. ولكن عندما فاز دونالد ترمب بالحكم، ازدهرت العلاقات الثنائية، وحقق نتنياهو إنجازات لسياسة اليمين، كالاعتراف بضم الجولان السوري لإسرائيل، وإعلان «صفقة القرن»، ومعاقبة رفض الفلسطينيين لها بالاعتراف بضم القدس لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وإغلاق القنصلية الأميركية التي تخدم الفلسطينيين، وإغلاق مكاتب منظمة التحرير في واشنطن. ومع سقوط ترمب، عادت العلاقات إلى التوتر، بسبب إجهاض نتنياهو كل المحاولات للعودة إلى المسار السياسي. هذه المرة، وقف الرئيس جو بايدن ضد نتنياهو، بسبب خطته الانقلابية على منظومة الحكم، ورفض استقبال نتنياهو في البيت الأبيض، بل ودعم علناً حملة الاحتجاج ضد الحكومة وخطتها الانقلابية. وبحسب قادة حملة الاحتجاج، فإن تلك «المعركة» اقتربت من نهايتها، وكادت تسقط حكم نتنياهو، لولا هجوم «حماس»، في أكتوبر (تشرين الأول). هنا حاول بايدن إظهار الدعم المطلق لإسرائيل رغم خلافاته مع نتنياهو، قائلاً إنه يفرق بين حكومة إسرائيل وشعب إسرائيل. وظل الدعم مطلقاً، رغم أن الرد الإسرائيلي على هجوم «حماس» كان مرعباً، واستخدمت فيه أدوات تدمير وقتل وحشية، غالبيتها من صنع أميركي. وأيضاً حضر بايدن لإسرائيل ليعلن مدى انتمائه إلى الصهيونية، ونظم جسراً جوياً وآخر بحرياً شمل 130 شحنة أسلحة وذخيرة، وبينها أسلحة تُستخدم للمرة الأولى. وقدم دعماً بقيمة 14.3 مليار دولار ليصبح مجموع ما قدمته واشنطن لإسرائيل منذ قيامها نحو 170 مليار دولار، بجانب منح إسرائيل غطاءً سياسياً وإعلامياً واستخبارياً وقضائياً. لكن نتنياهو ووزراءه من اليمين المتطرف لم يرضوا ولم يشبعوا. ولم يتردد بعضهم في اتهام بايدن وأركان فريقه بدعم وتشجيع «حماس». واليوم، يقود نتنياهو حملة للتصوير إسرائيل «وحيدة بلا أصدقاء»... لكنه قادر على قيادتها في معركة الاعتماد على الذات، أي من دون واشنطن.


مقالات ذات صلة

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

حصاد الأسبوع تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

بعد عِقد من الزمن، توافد الناخبون بإقليم جامو وكشمير، ذي الغالبية المسلمة والخاضع للإدارة الهندية، بأعداد قياسية للتصويت للحكومة المحلية في إطار انتخابات...

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع طابور اقتراع في كشمير (رويترز)

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

برز إلغاء المادة 370 وتأسيس دولة مستقلة في جامو وكشمير قضيتَين رئيسيتين في هذه الانتخابات، بينما تشكّل البطالة مصدر قلق مزمن كبير. الصحافي زاهور مالك قال: «ثمة…

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية،

ميشال أبونجم (باريس)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)

مسعود بزشكيان جرّاح القلب البراغماتي... يجد نفسه معالجاً لأزمات إيران المزمنة

بزشكيان
بزشكيان
TT

مسعود بزشكيان جرّاح القلب البراغماتي... يجد نفسه معالجاً لأزمات إيران المزمنة

بزشكيان
بزشكيان

لا يُعد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الذي سيبلغ السبعين من العمر الأحد المقبل، من ساسة الرعيل الأول الذين شاركوا في ثورة الخميني عام 1979 أو قادة الأحزاب السياسية، بما في ذلك التيار الإصلاحي، الذي ينتمي إليه. ثم إنه ليس من المحسوبين على الجهازين الأمني والعسكري، رغم حضوره في المشهد السياسي الإيراني، وتدرجه البطيء في المناصب على مدى العقود الثلاثة الأخيرة. وكان بزشكيان، الذي أطل على العالم بالأمس من منبر «الأمم المتحدة»، قد فاز في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية المبكرة مدعوماً من الإصلاحيين، وفيها تغلب على المرشح المحافظ المتشدد سعيد جليلي، وحصل على أقل عدد من أصوات الناخبين بعد ثورة 1979، نظراً للمقاطعة التي وصلت إلى مستويات قياسية rnغير مسبوقة.

ولد مسعود بزشكيان في أكتوبر (تشرين الأول) 1954، لأب آذري تركي وأم كردية في مدينة مهاباد، بمحافظة أذربيجان الغربية، ثم انتقل إلى مدينة أورمية حيث أكمل دراسته الثانوية. والتحق بالتجنيد الإلزامي وأمضى سنتين في محافظة بلوشستان بجنوب شرقي البلاد، قبل أن ينتقل إلى طهران لدراسة الطب، وهناك توقفت دراسته في السنة الأولى بسبب أحداث الثورة التي أطاحت بنظام الشاه. وخلال سنتين من تعطل الجامعات الإيرانية بسبب ما يعرف بـ«الثورة الثقافية»، تزوّج بزشكيان ورزق بـ4 أبناء، لكنه فقد زوجته وأحد أبنائه في حادث سير مؤلم في 1993، ورفض الزواج ثانية.

الحرب العراقية الإيرانية

تزامنت عودة بزشكيان للدراسة في السنة الجامعية الثانية مع بداية الحرب الإيرانية - العراقية، وكذلك المعارك بين «الحرس الثوري» والأحزاب الكردية المعارضة. وانضم إلى الطاقم الطبي في جبهات الحرب، بمحافظة كردستان، قبل أن يتوجه جنوباً إلى مدينة عبادان التي شهدت معارك شرسة وأصبح مسؤولاً عن الفرق الطبية في جبهات الحرب. وبعد سنوات قليلة، عاد لإكمال دراسته في 1985.

ساهم سجلّ الرجل في جبهات الحرب بتسهيل مشواره العلمي، مستفيداً من الامتيازات الخاصة التي تمنحها السلطات للعسكريين في الحرب. وبالفعل، حصل عام 1990 على شهادة الاختصاص في الجراحة العامة، واستغرق الأمر 3 سنوات لحصوله على الاختصاص في جراحة القلب. ومن ثم، التحق بمستشفى أمراض القلب في مدينة تبريز، وأصبح رئيساً له، وصار أستاذاً جامعياً بقسم القلب والشرايين في جامعة تبريز للعلوم الطبية، لكنه لم يُقبل في المجمع الطبي الإيراني إلا عام 2010.

المسار السياسي

أداء بزشكيان المهني، وخصوصاً رئاسة جامعة العلوم الطبية في تبريز، أسهم بشقّ طريق جراح القلب الناجح، نحو المناصب السياسية، فصار نائباً لوزير الصحة في حكومة الإصلاحي محمد خاتمي الأولى. وبعد فوز خاتمي، بفترة رئاسية ثانية عام 2001، تولى منصب وزير الصحة وبقي في المنصب لنهاية فترة خاتمي عام 2005.

خاتمي وصف بزشكيان عندما قدّمه إلى البرلمان بأنه «قوي التصميم وعلمي وحازم» وأن «اختياره جاء بسبب التزامه وإيمانه وإدارته المقبولة خلال السنوات الماضية». ومنذ دخوله الوزارة كان من صفاته البارزة أنه «عفوي وصادق، ويتحلى بالتواضع وروح الخدمة»، لكن بعد سنتين كاد يفقد منصبه، إثر استجوابه في البرلمان بسبب زياراته الخارجية وقفزة أسعار الخدمات الطبية والأدوية، وهي من المشاكل التي رآها الإصلاحيون متجذرة في المؤسسة الطبية الإيرانية. كذلك، اهتزت صورته وزيراً بعض الشيء بعد قضية المصوّرة الصحافية الكندية - الإيرانية زهراء كاظمي، التي توفيت في ظروف غامضة داخل سجن إيفين عام 2003 بعد 17 يوماً من اعتقالها، وذلك بسبب تقرير قدّمه عن أسباب الوفاة.

تجربة برلمانية غنية

بزشكيان ترشّح للانتخابات البرلمانية عن مدينة تبريز (كبرى المدن الآذرية في إيران) بعد سنتين من انتهاء مهمته الوزارية، وفاز ليغدو نائباً في البرلمان الثامن. وأعيد انتخابه في البرلمانات التاسع والعاشر والحادي عشر. ثم ترشح للمرة الخامسة في الانتخابات البرلمانية، قبل أن يترشح للرئاسة في الانتخابات المبكرة إثر مقتل الرئيس المتشدّد إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة خلال مايو (أيار) الماضي.

هذا، ورغم اعتباره نائباً إصلاحياً عبر 5 دورات برلمانية، نأى بزشكيان بنفسه عن المواجهات الحادة بين الإصلاحيين والسلطة، وخصوصاً بعد الصدام الكبير في أعقاب إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد في 2009، ورفض المرشحين الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي الاعتراف بنتائج الانتخابات. وباستثناء حالات نادرة، فإن مواقفه لم تتعارض كثيراً مع النواب المعروفين بولائهم الشديد للمرشد الإيراني علي خامنئي، ومن ثم تحوّل تدريجياً إلى أحد النواب الأكثر نفوذاً في البرلمان.

الاتفاق النووي

تزامن إعادة انتخاب بزشكيان في البرلمان العاشر، مع حكومة حسن روحاني والتوصّل للاتفاق النووي. ويومذاك حصد الإصلاحيون غالبية المقاعد في العاصمة طهران وشكّلوا كتلة باسم «الأمل»، وحصل بزشكيان على الأصوات المطلوبة لتولي منصب نائب الرئيس الأول، لمدة 3 سنوات متتالية. وكان رئيس كتلة، نائبه الأول حالياً، محمد رضا عارف.

إجمالاً، دعم الرجل الاتفاق النووي قبل وبعد توقيعه في 2015، وأيضاً بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق، وعدّه السبيل الضروري لحل مشاكل إيران الاقتصادية والسياسية الناتجة عن العقوبات والعزلة الدولية، وآمن بأن الاتفاق «فرصة تاريخية» للعودة إلى الاقتصاد الدولي. كذلك أيّد بقوة قبول إيران قواعد «قوة مهمات العمل المالي» (فاتف)، المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وحينها، اقترح أن يقصر «الحرس الثوري» أنشطته المالية مع بنوك تابعة له للالتفاف على قوانين «فاتف»، منتقداً تدخل «الحرس» في بعض المجالات الاقتصادية. وفي المقابل، أشاد أكثر من مرة بدور الجهاز العسكري في الأمن الإيراني، ورأى أن البلاد لا يمكن أن تستمر من دون «الحرس الثوري»، ودعا إلى التركيز على هذا الدور، وارتدى الزي الرسمي لـ«الحرس الثوري» كغيره من النواب بعدما صنّفت الولايات المتحدة «الحرس» منظمة إرهابية. وبخلاف بعض النواب الإصلاحيين، كان بزشكيان من المؤيدين للتعاون العسكري الإيراني - الروسي في سوريا.

مع الإصغاء للناسإبان الاحتجاجات التي هزّت إيران أعوام 2017، و2019، و2021، كان بزشكيان جريئاً في طرح المشاكل، منتقداً تجاهل مطالب الشعب، خصوصاً حل الأزمة المعيشية. وأكد على ضرورة الاستماع إلى صوت الناس والاستجابة لاحتياجاتهم. ورأى أن قمع الاحتجاجات وحده ليس الحل، بل يجب معالجة الأسباب الجذرية للاستياء العام، بما في ذلك القضايا الاقتصادية والبطالة والتمييز. وأشار مراراً إلى أن الفساد الإداري على مختلف المستويات قد فاقم الأزمات.

وبشكل عام، يؤمن بزشكيان بالحوار الوطني والإصلاحات التدريجية من خلال الآليات القانونية والسياسية، ومع التأكيد على احترام الحقوق المدنية، فإنه يسعى إلى إيجاد حلول سلمية للأزمات الداخلية. وحقاً، انتقد عدة مرات غياب لغة الحوار في الداخل الإيراني، لكنه نأى بنفسه عن الدعوات الإصلاحية لإجراء استفتاء لحل القضايا العالقة، ولا سيما السياسة الخارجية، ومنها تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة.

رئاسته وتحدياته

مواقف وقاموس بزشكيان النائب لا تختلف اليوم عن تطلعات بزشكيان الرئيس بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، مع استبعاد أن يؤدي انتخابه إلى تغيير في موازين القوى بإيران. ويُذكر أن انتخابه أتى بعد 3 سنوات من رفض طلبه الترشّح للانتخابات الرئاسية في 2021، «لعدم أهليته السياسية» حسب «مجلس صيانة الدستور» حينذاك.

هذا، وكان قد ترشح لأول مرة لانتخابات الرئاسة عام 2013، لكنه انسحب لصالح حسن روحاني. ولكن في المرة الأخيرة، حصل على موافقة «مجلس صيانة الدستور»، في خطوة مفاجئة. وأدى القسم الدستورية يوم 27 مايو بعد أسبوع من مقتل رئيسي. وبعد 63 يوماً، وقف أمام البرلمان (30 يوليو - تموز) لأداء القسم رئيساً للجمهورية.

التوازن بين الولاء والإصلاح

حاول بزشكيان سواء في الانتخابات الرئاسية أو بعد تشكيل الحكومة، تقديم نفسه على أنه يؤمن بالحوار الداخلي، ويدافع عن حقوق المرأة، وعبّر عن انتقاد واضح للتدخلات الحكومية في الحياة الشخصية، والسياسات القمعية، مع التركيز على العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. وتعهّد أيضاً بإخراج إيران من العزلة الدولية، ورفع العقوبات عبر حلّ الأزمة النووية مع الغرب، كما تعهد بإصلاحات هيكلية في الاقتصاد، وإعادة انخراط شبكة البنوك الإيرانية بالأسواق المالية العالمية، عبر قبول قواعد «فاتف». وأظهرت مواقفه أنه يتبنى نهجاً متوازناً يعتمد على الدبلوماسية لتحقيق التنمية الاقتصادية ورفع العقوبات. وفي المقابل، دأب على انتقاد السياسات القائمة على الشعارات التي لا تقدم حلولاً عملية.

لكن بزشكيان واجه انتقادات بأنه لم يقدم حتى الآن أي برنامج أو حلول للقضايا التي أثارها في الانتخابات الرئاسية. ورداً على الانتقادات، تعهد بتعزيز موقع الخبراء في فريقه التنفيذي، وأن يكون أداء حكومته متماشياً مع رؤية خطة التنمية السابعة، وهو برنامج لـ5 سنوات يغطي المجالات كافة، أقرّه البرلمان العام الماضي.

من جهة ثانية، خلال حملته الانتخابية وبعد انتخابه، حرص بزشكيان على إظهار تواضع كبير، سواء في مظهره أو خطابه المعتدل. وحاول تعزيز صورته رئيساً من خلال تبنيه للبساطة والابتعاد عن المغالاة في وعوده، ما يجعل أسلوبه مختلفاً عن كثير من السياسيين الإيرانيين الذين يفضلون التوجهات النخبوية أو الثورية.

أيضاً، اتخذ بزشكيان من «الوفاق الوطني» شعاراً لحكومته، وحذّر من خلافات داخلية تعرقل التآزر الوطني، حتى بعد انتخابه واصل التحذير من عواقب الخلافات على الاستقرار الداخلي، إذ يرى أن الصراعات الداخلية ستقود البلاد إلى مزيد من الفقر والمعاناة تحت العقوبات.

في أي حال، يواجه بزشكيان تحديات داخلية كبيرة، لأن المعسكر الإصلاحي المهمش يسعى لاستعادة تأثيره في الحياة السياسية، رغم خيبة الأمل الشعبية من الإصلاحيين بعد فترات حكمهم السابقة. وهو حتى الآن يدفع باتجاه التوازن بين الولاء الشديد للمرشد علي خامنئي ودعواته للتغيير والإصلاح. وبينما يظهر تمسكاً شديداً بمسار المؤسسة الحاكمة، ويؤكد أهمية المرشد ودوره، يزعم تبني أجندة إصلاحية تهدف إلى معالجة الفجوة بين الشعب والحكام، ما يعكس رغبته في التغيير ضمن إطار النظام الحالي، لا عبر مواجهته المباشرة.

هذه الازدواجية من رئيس يدرك حدود صلاحيات الرئاسة، تحت حكم المرشد، تعكس استراتيجيته للبقاء في المشهد السياسي الإيراني. ومن ثم إحداث تغييرات تدريجية، من دون التعرض للمصالح الاستراتيجية الأساسية التي تسيطر عليها السلطة العليا في إيران.