تشاد تعبر اختبار «الديمقراطية الشكلية»

وسط مخاوف «المشككين» وهواجسهم

مسؤول فرز الأصوات في أحد مراكز الاقتراع بالعاصمة التشادية ندجامينا (آ ف ب)
مسؤول فرز الأصوات في أحد مراكز الاقتراع بالعاصمة التشادية ندجامينا (آ ف ب)
TT

تشاد تعبر اختبار «الديمقراطية الشكلية»

مسؤول فرز الأصوات في أحد مراكز الاقتراع بالعاصمة التشادية ندجامينا (آ ف ب)
مسؤول فرز الأصوات في أحد مراكز الاقتراع بالعاصمة التشادية ندجامينا (آ ف ب)

خطت تشاد خطوة محفوفة بالمخاوف والحذر، على طريق العودة إلى النظام الدستوري، والممارسة السياسية، وذلك بإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وإعلان فوز رئيس المرحلة الانتقالية، محمد إدريس ديبي، من الجولة الأولى للاقتراع. وتأتي هذه الخطوة التي عدّها بعض المتابعين «شكلية» لتنهي فترة انتقالية استمرت 3 سنوات، قادها مجلس عسكري برئاسة ديبي، إثر مقتل والده الرئيس السابق إدريس ديبي، في عام 2021. في تشاد، مَن ينظر إلى هذا الاستحقاق على أنه عبور إلى «نقطة تحول سلمية» ونجاح في «اختبار الديمقراطية»، ولو نسبياً، في مقابل آخرين يرون أن الأمر لم يخرج عن «ممارسة شكلية، تحكّمت فيها العصبيات، لتمدد لحكم عائلة ديبي» الذي امتد لأكثر من 3 عقود مع ديبي الأب (1990 - 2021). ويقود جبهة المشككين في الاستحقاق الرئاسي التشادي حزب المعارضة زاعماً وجود مخالفات في عمليات الاقتراع.

الرئيس السابق الراحل إدريس ديبي (رويترز)

وسط التوترات السياسية والأمنية على امتداد منطقة الساحل في أفريقيا ودول الجوار، يرى مراقبون أن العودة إلى النظام الدستوري في تشاد تتطلب استقراراً سياسياً حقيقياً في ضوء معطيات تتعلق بالتحديات الداخلية، لا سيما إشكالية الوفاق الوطني التي لم تكتمل والمعضلة الاقتصادية، بجانب تأثيرات المشهد الإقليمي وحالة التنافس الدولي في الساحل الأفريقي.

لقد صادق المجلس الدستوري في تشاد، نهاية الأسبوع الماضي، على نتائج الانتخابات الرئاسية بتأكيد فوز محمد ديبي، حاصلاً على 61.03 في المائة من إجمالي الأصوات، ومتغلباً على أقرب منافسيه ورئيس وزرائه السابق سيكسيه ماسرا، ورئيس الوزراء الأسبق باهيمي باداكي الذي حلّ ثالثاً بأقل من 10 في المائة.

أبرز التحديات أمام الرئيس ديبي الابن، بحسب محللين، كان إضفاء الطابع المدني والدستوري على نظام حكمه مستقبلاً، ولذا خاض الانتخابات ممثلاً ائتلافاً سياسياً مدنياً باسم «تشاد المتحدة»، في مواجهة غير مسبوقة مع رئيس وزرائه ماسرا، الذي ترشح باسم «ائتلاف العدالة والمساواة»، بعدما عاد إلى البلاد قبل 6 أشهر من الانتخابات، بجانب 8 مرشحين آخرين بينهم امرأة، معظمهم ينتمي إلى منطقة جنوب تشاد.

مواجهة التشكيك

مسألة القبول بنتائج الانتخابات الرئاسية تبقى تحدياً حقيقياً لديبي في ظل تشكيك المعارضة التي قاطعت الانتخابات، واعتراض ماسرا على نتائجها، وإعلانه على «فيسبوك» أنه «تقدّم بطلب إلى المجلس الدستوري لإلغاء نتائج الاقتراع في الانتخابات»، كما حث أنصاره على الاحتجاج. غير أن رئيس حزب «حركة الخلاص التشادية» عمر المهدي بشارة، دعا التشاديين إلى «إعلاء المصلحة الوطنية العليا، وتجنيب المصالح الشخصية»، وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «القوى الغربية لن تترك بلاده تنعم بالاستقرار».

في أي حال، لدى النظر إلى تجارب الانتخابات السابقة في تشاد، يتبيّن أن الرئيس الراحل إدريس ديبي نجح في الصمود أمام قوى المعارضة الداخلية بالفوز 6 مرات في استحقاقات انتخابية خلال 3 عقود، مع أن تجربة الممارسة السياسية التشادية تشير إلى ضعف المعارضة السياسية وانقسامها وعجزها عن بلوغ السلطة إلا عبر الصدام المسلح.

وهذه المرة يفاقم مخاوف الاحتجاجات على نتائج الانتخابات، أن 7 مرشحين في هذه الانتخابات ينتسبون إلى الجنوب، وهي من المناطق التي تواجه توترات متصاعدة عمّقت الانقسامات القائمة على أساس الهوية، مع انتشار الجماعات المتمردة.

إذ تنتشر في تشاد جماعات من المعارضة المسلحة، أبرزها جماعة «اتحاد قوى المقاومة» التي سعت مراراً للوصول إلى العاصمة ندجامينا من أجل الإطاحة بالنظام، إلى جانب جبهة «التغيير والوفاق»، ومجلس «القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية» و«اتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية»، وتتباين هذه الجماعات، وفق أهدافها، وعلى أسس عرقية.

الدبلوماسي بوزارة الخارجية التشادية محمد علي، يرى أن محمد ديبي (ديبي «الابن»)، فاز في الانتخابات مدعوماً بتحالف «تشاد المتحدة» الذي ضم نحو 235 حزباً سياسياً و1500 جمعية مدنية. وكان تكلم خلال حملته الانتخابية عن نجاحه في الوفاء بتعهده بإجراء الانتخابات في الأجل المحدّد لها، بعكس بلدان أفريقية أخرى.

المصالحة الداخلية

ورغم ما شهدته الفترة الانتقالية من حملات معارضة ضد المجلس العسكري الانتقالي، يرى البعض أن ديبي «أعاد هندسة الفترة الانتقالية، بطريقة تضمن له أن يظل محوراً لمعادلة الحكم». وفي مقال بعنوان «الفوضى في تشاد» لويزلي ألكسندر هيل، الخبير في شؤون أفريقيا والصين، نُشر بموقع «ناشونال إنتريست» في مارس (آذار) الماضي، اعتبر الخبير أن ما تشهده تشاد من توتر وأحداث عنف منذ الإعلان عن جدول الانتخابات الرئاسية في فبراير (شباط) الماضي، يدخل ضمن ما يُسمى بـ«الانقلاب الذاتي»، حيث يستولي رئيس الدولة على المزيد من السلطة من داخل جهاز الدولة نفسه.

في المقابل، ديبي كان قد أجرى خلال الفترة الانتقالية «حواراً وطنياً» لمعالجة التوترات السياسية الداخلية، عُقدت جولته الأولى في دولة قطر، وانتهت باتفاق سلام مع المعارضة المسلحة في أغسطس (آب) 2022 يقضي بوقف إطلاق النار، وعُقدت الجولة الثانية في ندجامينا خلال أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، وانتهت بـ«خارطة طريق» مهّدت للانتخابات المنقضية.

الدكتور حمدي عبد الرحمن، أستاذ العلوم السياسية في جامعة زايد بالإمارات العربية المتحدة الخبير في الشأن الأفريقي، كان قد قال لـ«الشرق الأوسط» إن المهمة الأساسية أمام الرئيس التشادي الجديد تنطوي على «استكمال المصالحة الوطنية الداخلية، وإنهاء صراعات النخبة الحاكمة، والسيطرة على خلافات القبائل نتيجة لسيطرة إثنية الزغاوة على الحكم لأكثر من 30 سنة».

وللعلم، تتسم التركيبة الديموغرافية لتشاد بالتنوّع القبلي والإثني؛ إذ تضم أكثر من مائتي مجموعة إثنية تمتد جذورها في دول الجوار المحيط بتشاد، أبرزها: السارا، والزغاوة، والتبو، والمساليت، والقبائل العربية. وبينما يرى متابعون أن تشكيك المشككين في الاستحقاق سيظل عائقاً أمام الرئيس الجديد، قلّل المحلل التشادي صالح يونس، من هذه المسألة، معتبراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «ديبي الابن شخصية توافقية، ويدعمه ظهير شعبي مُسلم، والإسلام ديانة معظم التشاديين، فضلاً عن الدعم الغربي له، خصوصاً من فرنسا».

إلا أن الدكتور عبد الرحمن توقف عند ما أسماه «البُعد القبلي الهجيني» للرئيس الجديد؛ فهو ينتمي لقبائل الزغاوة من جهة الأب، ويحمل انتماء لقبائل التبو من جهة الأم؛ الأمر الذي يمكن استثماره على الصعيد الشعبي لتحقيق الوفاق الداخلي.

الجوار المضطرب

من جهة أخرى، يفرض الموقع «الجيوسياسي» لتشاد تحديات أمنية واقتصادية وسياسية، تنعكس اضطراباً يجمع شمالاً تهديدات جماعات المعارضة المسلحة المتمركزة في الجنوب الليبي، وغرباً أعمال جماعة «بوكو حرام» الإرهابية، فضلاً عن حالة انعدام الاستقرار جنوباً بجمهورية أفريقيا الوسطى، وتداعيات الحرب السودانية شرقاً، ومنها فرار مئات الآلاف من السودانيين لأراضيها. ووفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، استقبلت تشاد أكثر من 550 ألف لاجئ سوداني بحلول فبراير (شباط) الماضي، لتتصدر قائمة الدول المستقبلة للاجئين السودانيين الفارين من الحرب السودانية القائمة منذ أكثر من سنة.

محمد ديبي، على ما يبدو، يسعى للسير على نهج والده، بتحويل تلك المخاطر لصالحه، والظهور كلاعب إقليمي يُعتمد عليه في بناء الاستقرار السياسي والأمني في محيط يعج بالأزمات الأمنية والسياسية. وهو هنا أيضا يستند إلى قدرات الجيش التشادي، المصنف من أفضل جيوش منطقة الساحل، ويحتل الترتيب الخامس عشر أفريقياً، وفق تصنيف موقع «غلوبال فاير» العالمي لعام 2023.

وحقاً، لعبت تشاد أدواراً ناشطة في صراعات منطقة الساحل الأفريقي خلال العقد الماضي، عبر مشاركتها عام 2013 في الحرب على الجماعات الإرهابية في شمال مالي مع القوات الفرنسية، وتدخلها في الحرب على «بوكو حرام»، والمشاركة في قوة حفظ السلام الأفريقية بجمهورية أفريقيا الوسطى، ودعوتها لتدخل عسكري دولي في ليبيا.

وهنا، رأى الدبلوماسي التشادي، محمد علي، أن تشاد تقف في مواجهة تأثيرات أزمات جواره (ليبيا والسودان والنيجر)، واستشهد بـ«الأعباء الاقتصادية الكبيرة على بلاده نتيجة استقبال أكثر من نصف مليون لاجئ سوداني خلال الحرب الحالية، بالإضافة لنحو 3 ملايين آخرين كانوا موجودين من قبل».

وفي الوقت عينه يبقى تحدي مكافحة الإرهاب من التحديات الأمنية أمام الرئيس المنتخَب، إذ بات على حكومته خوض المواجهة بمقاربة وطنية، بعد إعلان تشاد وموريتانيا عن حل ائتلاف دول الساحل لمكافحة الإرهاب في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إثر انسحاب مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

الرئيس محمد ديبي (آ ف ب)

التنافس الدولي

في سياق موازٍ، لا يمكن فصل تشاد عن مشهد التنافس الدولي في منطقة الساحل الأفريقي. فخلال الفترة الأخيرة أجبرت سلطات مالي وبوركينا فاسو والنيجر كلاً من فرنسا والولايات المتحدة على سحب قواتها من أراضيها، في مقابل تقارب مع روسيا بهدف محاربة الجماعات الإرهابية على تلك الأراضي. وفي حين لا تزال فرنسا بقواعد عسكرية في تشاد، بنتيجة دعم باريس المستمر للأنظمة التشادية من بعد الاستقلال (1960)، كان لافتاً خلال مظاهرات المعارضة، في مايو (أيار) 2022، التي نظمتها قوى معارضة وطلاب جامعات نددت بالوجود الفرنسي في تشاد، أن المتظاهرين رفعوا العلم الروسي.

ولذا تعتبر القوى الغربية أن فوز ديبي يشكل ركيزة أساسية للحفاظ على وجودها في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً الوجود العسكري الفرنسي، والشيء بالنسبة لأميركا، رغم إعلانها أخيراً سحب قواتها من تشاد والنيجر.

في المقابل، عكست زيارة الرئيس ديبي إلى موسكو، يناير (كانون الثاني) الماضي، حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين، إدراكاً منه لتزايد المشاعر المعادية للوجود الفرنسي في بلاده، خصوصاً مع تأكيده أن مباحثاته مع الرئيس الروسي جاءت «بصفته رئيس دولة مستقلة، ولتعزيز وتقوية العلاقات مع روسيا».

ولكن، بينما يعتبر الدبلوماسي التشادي محمد علي أن «العلاقات مع روسيا لا تعني الانفصال عن الغرب، لاحتفاظ بلاده بمصالح استراتيجية مع القوى الدولية»، توقّع رئيس حزب «حركة الخلاص التشادية» بشارة «صراعاً واسعاً بين الغرب بقيادة أميركا والاتحاد الأوروبي، ودول (بريكس) بقيادة روسيا، في منطقة الساحل الأفريقي بداية من تشاد». ورأى بشارة أن «الصراع الدائر بين الوجود الفرنسي والنفوذ الروسي الصاعد في دول الجوار سيكون له تأثيرات كبيرة في الأزمة السياسية ببلده».

يرى البعض أن ديبي

«أعاد هندسة الفترة الانتقالية

بطريقة تضمن له

أن يظل محوراً

لمعادلة الحكم»

حسين حبري (الشرق الأوسط)

محطات الصراع في تشاد منذ الاستقلال

بعد استقلال تشاد عن الاحتلال الفرنسي في عام 1960 عانت البلاد اضطرابات وصراعات داخلية عديدة، كما واجهت الأنظمة الحاكمة فيها حركات تمرد مسلحة، لعل أشهرها في فترة الرئيس الراحل إدريس ديبي. ولكثرة ما واجهه ديبي «الأب» من حركات تمرد ومحاولات انقلاب، لُقب بـ«الناجي العظيم». وفيما يلي رصد بأهم محطات وفصول الصراع في تشاد منذ استقلاله حتى الآن: - أغسطس (آب) 1960، حصلت تشاد على استقلالها من فرنسا، واختار البرلمان التشادي فرنسوا تومبالباي، أول رئيس للبلاد بعد اعتماد نظام انتخابي جديد. وأجريت انتخابات رئاسية بعدها بسنتين، فاز فيها تومبالباي. - عام 1965، عانت تشاد فترة اضطراب إثر اندلاع حرب أهلية داخلية، وتدخلت قوات عسكرية فرنسية عام 1968، لإخماد التمرد في شمال تشاد. - عام 1973، سيطرت القوات الليبية على إقليم «أوزو» الحدودي في شمال تشاد، واستعادت تشاد هذا الإقليم، عبر التحكيم الدولي، بقرار من المحكمة الدولية في لاهاي (هولندا) قضى بأحقية تشاد في الإقليم عام 1994، وأخْلَت القوات الليبية الإقليم بعدها. - عام 1975، شهدت تشاد انقلاباً عسكرياً انتهى بمقتل الرئيس تومبالباي، ليتولى الجنرال فيليكس مالوم رئاسة البلاد إثر خروجه من السجن. - عام 1979، اندلعت مواجهات عنيفة بين قوات الرئيس مالوم، ورئيس وزرائه حسين حبري، ووصلت المواجهات إلى العاصمة ندجامينا، وانتهت باستقالة مالوم، وتولى محمد شواد من «الحركة الشعبية لتحرير تشاد» رئاسة البلاد. - عام 1980، اندلعت الحرب الأهلية التشادية مرة أخرى، بين قوات حسين حبري مدعوماً من فرنسا، وغوكوني عويدي مدعوماً من ليبيا، وانتهت بسيطرة حبري على رئاسة تشاد، إثر احتلاله العاصمة ندجامينا. - في عام 1989، نظم الجنرال إدريس ديبي عملية انقلابية ضد نظام الرئيس حبري، ونجح في دخول العاصمة والاستيلاء على السلطة. - في عام 1998، واجه الرئيس إدريس ديبي، محاولة تمرد من «الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة». وعام 2008، تكررت محاولة التمرد، ونجح المسلحون في دخول العاصمة واحتلال القصر الرئاسي قبل أن ينسحبوا في أعقاب تدخل الجيش. - في عام 2013، شن نظام إدريس ديبي حملة اعتقالات واسعة في صفوف المعارضة والنخبة السياسية بعد الكشف عن مخطط لاستهداف الرئيس. - في عام 2013، أعلنت القوات التشادية مشاركتها في الحرب على «الجماعات الإرهابية» في شمال مالي. وفي عام 2015، صدَّق البرلمان التشادي على إرسال قوات لمحاربة جماعة «بوكو حرام» في نيجيريا والكاميرون. - في عام 2005، أعلن الرئيس إدريس ديبي دعم «حركة العدل والمساواة» المتمردة في دارفور بالسودان، بحكم الروابط العائلية والقبلية التي تربط الرئيس التشادي وقادة الحركة. - في عام 2021، لقى الرئيس إدريس ديبي حتفه، في أثناء وجوده في ساحة القتال ضد المتمردين الذين اتجهوا من الجنوب الليبي إلى شمال تشاد، وعُيّن محمد ديبي، نجل الرئيس الراحل، رئيساً مؤقتاً على رأس مجلس عسكري انتقالي مكون من 15 جنرالاً. - في عام 2022، بعد الإعلان عن مد الفترة الانتقالية في تشاد، بناءً على مخرجات «الحوار الوطني» في العاصمة القطرية الدوحة، خرجت مظاهرات واحتجاجات من قوى معارضة، أسفرت عن مواجهات أسقطت نحو 50 شخصاً، واعتقال المئات من المحتجين. – في عام 2023، تعرَّضت القوات العسكرية التشادية لهجوم من مجموعة «مجلس القيادة العسكرية لخلاص الجمهورية»، على الشريط الحدودي الشمالي مع ليبيا.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.