تشاد تعبر اختبار «الديمقراطية الشكلية»

وسط مخاوف «المشككين» وهواجسهم

مسؤول فرز الأصوات في أحد مراكز الاقتراع بالعاصمة التشادية ندجامينا (آ ف ب)
مسؤول فرز الأصوات في أحد مراكز الاقتراع بالعاصمة التشادية ندجامينا (آ ف ب)
TT

تشاد تعبر اختبار «الديمقراطية الشكلية»

مسؤول فرز الأصوات في أحد مراكز الاقتراع بالعاصمة التشادية ندجامينا (آ ف ب)
مسؤول فرز الأصوات في أحد مراكز الاقتراع بالعاصمة التشادية ندجامينا (آ ف ب)

خطت تشاد خطوة محفوفة بالمخاوف والحذر، على طريق العودة إلى النظام الدستوري، والممارسة السياسية، وذلك بإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وإعلان فوز رئيس المرحلة الانتقالية، محمد إدريس ديبي، من الجولة الأولى للاقتراع. وتأتي هذه الخطوة التي عدّها بعض المتابعين «شكلية» لتنهي فترة انتقالية استمرت 3 سنوات، قادها مجلس عسكري برئاسة ديبي، إثر مقتل والده الرئيس السابق إدريس ديبي، في عام 2021. في تشاد، مَن ينظر إلى هذا الاستحقاق على أنه عبور إلى «نقطة تحول سلمية» ونجاح في «اختبار الديمقراطية»، ولو نسبياً، في مقابل آخرين يرون أن الأمر لم يخرج عن «ممارسة شكلية، تحكّمت فيها العصبيات، لتمدد لحكم عائلة ديبي» الذي امتد لأكثر من 3 عقود مع ديبي الأب (1990 - 2021). ويقود جبهة المشككين في الاستحقاق الرئاسي التشادي حزب المعارضة زاعماً وجود مخالفات في عمليات الاقتراع.

الرئيس السابق الراحل إدريس ديبي (رويترز)

وسط التوترات السياسية والأمنية على امتداد منطقة الساحل في أفريقيا ودول الجوار، يرى مراقبون أن العودة إلى النظام الدستوري في تشاد تتطلب استقراراً سياسياً حقيقياً في ضوء معطيات تتعلق بالتحديات الداخلية، لا سيما إشكالية الوفاق الوطني التي لم تكتمل والمعضلة الاقتصادية، بجانب تأثيرات المشهد الإقليمي وحالة التنافس الدولي في الساحل الأفريقي.

لقد صادق المجلس الدستوري في تشاد، نهاية الأسبوع الماضي، على نتائج الانتخابات الرئاسية بتأكيد فوز محمد ديبي، حاصلاً على 61.03 في المائة من إجمالي الأصوات، ومتغلباً على أقرب منافسيه ورئيس وزرائه السابق سيكسيه ماسرا، ورئيس الوزراء الأسبق باهيمي باداكي الذي حلّ ثالثاً بأقل من 10 في المائة.

أبرز التحديات أمام الرئيس ديبي الابن، بحسب محللين، كان إضفاء الطابع المدني والدستوري على نظام حكمه مستقبلاً، ولذا خاض الانتخابات ممثلاً ائتلافاً سياسياً مدنياً باسم «تشاد المتحدة»، في مواجهة غير مسبوقة مع رئيس وزرائه ماسرا، الذي ترشح باسم «ائتلاف العدالة والمساواة»، بعدما عاد إلى البلاد قبل 6 أشهر من الانتخابات، بجانب 8 مرشحين آخرين بينهم امرأة، معظمهم ينتمي إلى منطقة جنوب تشاد.

مواجهة التشكيك

مسألة القبول بنتائج الانتخابات الرئاسية تبقى تحدياً حقيقياً لديبي في ظل تشكيك المعارضة التي قاطعت الانتخابات، واعتراض ماسرا على نتائجها، وإعلانه على «فيسبوك» أنه «تقدّم بطلب إلى المجلس الدستوري لإلغاء نتائج الاقتراع في الانتخابات»، كما حث أنصاره على الاحتجاج. غير أن رئيس حزب «حركة الخلاص التشادية» عمر المهدي بشارة، دعا التشاديين إلى «إعلاء المصلحة الوطنية العليا، وتجنيب المصالح الشخصية»، وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «القوى الغربية لن تترك بلاده تنعم بالاستقرار».

في أي حال، لدى النظر إلى تجارب الانتخابات السابقة في تشاد، يتبيّن أن الرئيس الراحل إدريس ديبي نجح في الصمود أمام قوى المعارضة الداخلية بالفوز 6 مرات في استحقاقات انتخابية خلال 3 عقود، مع أن تجربة الممارسة السياسية التشادية تشير إلى ضعف المعارضة السياسية وانقسامها وعجزها عن بلوغ السلطة إلا عبر الصدام المسلح.

وهذه المرة يفاقم مخاوف الاحتجاجات على نتائج الانتخابات، أن 7 مرشحين في هذه الانتخابات ينتسبون إلى الجنوب، وهي من المناطق التي تواجه توترات متصاعدة عمّقت الانقسامات القائمة على أساس الهوية، مع انتشار الجماعات المتمردة.

إذ تنتشر في تشاد جماعات من المعارضة المسلحة، أبرزها جماعة «اتحاد قوى المقاومة» التي سعت مراراً للوصول إلى العاصمة ندجامينا من أجل الإطاحة بالنظام، إلى جانب جبهة «التغيير والوفاق»، ومجلس «القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية» و«اتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية»، وتتباين هذه الجماعات، وفق أهدافها، وعلى أسس عرقية.

الدبلوماسي بوزارة الخارجية التشادية محمد علي، يرى أن محمد ديبي (ديبي «الابن»)، فاز في الانتخابات مدعوماً بتحالف «تشاد المتحدة» الذي ضم نحو 235 حزباً سياسياً و1500 جمعية مدنية. وكان تكلم خلال حملته الانتخابية عن نجاحه في الوفاء بتعهده بإجراء الانتخابات في الأجل المحدّد لها، بعكس بلدان أفريقية أخرى.

المصالحة الداخلية

ورغم ما شهدته الفترة الانتقالية من حملات معارضة ضد المجلس العسكري الانتقالي، يرى البعض أن ديبي «أعاد هندسة الفترة الانتقالية، بطريقة تضمن له أن يظل محوراً لمعادلة الحكم». وفي مقال بعنوان «الفوضى في تشاد» لويزلي ألكسندر هيل، الخبير في شؤون أفريقيا والصين، نُشر بموقع «ناشونال إنتريست» في مارس (آذار) الماضي، اعتبر الخبير أن ما تشهده تشاد من توتر وأحداث عنف منذ الإعلان عن جدول الانتخابات الرئاسية في فبراير (شباط) الماضي، يدخل ضمن ما يُسمى بـ«الانقلاب الذاتي»، حيث يستولي رئيس الدولة على المزيد من السلطة من داخل جهاز الدولة نفسه.

في المقابل، ديبي كان قد أجرى خلال الفترة الانتقالية «حواراً وطنياً» لمعالجة التوترات السياسية الداخلية، عُقدت جولته الأولى في دولة قطر، وانتهت باتفاق سلام مع المعارضة المسلحة في أغسطس (آب) 2022 يقضي بوقف إطلاق النار، وعُقدت الجولة الثانية في ندجامينا خلال أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، وانتهت بـ«خارطة طريق» مهّدت للانتخابات المنقضية.

الدكتور حمدي عبد الرحمن، أستاذ العلوم السياسية في جامعة زايد بالإمارات العربية المتحدة الخبير في الشأن الأفريقي، كان قد قال لـ«الشرق الأوسط» إن المهمة الأساسية أمام الرئيس التشادي الجديد تنطوي على «استكمال المصالحة الوطنية الداخلية، وإنهاء صراعات النخبة الحاكمة، والسيطرة على خلافات القبائل نتيجة لسيطرة إثنية الزغاوة على الحكم لأكثر من 30 سنة».

وللعلم، تتسم التركيبة الديموغرافية لتشاد بالتنوّع القبلي والإثني؛ إذ تضم أكثر من مائتي مجموعة إثنية تمتد جذورها في دول الجوار المحيط بتشاد، أبرزها: السارا، والزغاوة، والتبو، والمساليت، والقبائل العربية. وبينما يرى متابعون أن تشكيك المشككين في الاستحقاق سيظل عائقاً أمام الرئيس الجديد، قلّل المحلل التشادي صالح يونس، من هذه المسألة، معتبراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «ديبي الابن شخصية توافقية، ويدعمه ظهير شعبي مُسلم، والإسلام ديانة معظم التشاديين، فضلاً عن الدعم الغربي له، خصوصاً من فرنسا».

إلا أن الدكتور عبد الرحمن توقف عند ما أسماه «البُعد القبلي الهجيني» للرئيس الجديد؛ فهو ينتمي لقبائل الزغاوة من جهة الأب، ويحمل انتماء لقبائل التبو من جهة الأم؛ الأمر الذي يمكن استثماره على الصعيد الشعبي لتحقيق الوفاق الداخلي.

الجوار المضطرب

من جهة أخرى، يفرض الموقع «الجيوسياسي» لتشاد تحديات أمنية واقتصادية وسياسية، تنعكس اضطراباً يجمع شمالاً تهديدات جماعات المعارضة المسلحة المتمركزة في الجنوب الليبي، وغرباً أعمال جماعة «بوكو حرام» الإرهابية، فضلاً عن حالة انعدام الاستقرار جنوباً بجمهورية أفريقيا الوسطى، وتداعيات الحرب السودانية شرقاً، ومنها فرار مئات الآلاف من السودانيين لأراضيها. ووفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، استقبلت تشاد أكثر من 550 ألف لاجئ سوداني بحلول فبراير (شباط) الماضي، لتتصدر قائمة الدول المستقبلة للاجئين السودانيين الفارين من الحرب السودانية القائمة منذ أكثر من سنة.

محمد ديبي، على ما يبدو، يسعى للسير على نهج والده، بتحويل تلك المخاطر لصالحه، والظهور كلاعب إقليمي يُعتمد عليه في بناء الاستقرار السياسي والأمني في محيط يعج بالأزمات الأمنية والسياسية. وهو هنا أيضا يستند إلى قدرات الجيش التشادي، المصنف من أفضل جيوش منطقة الساحل، ويحتل الترتيب الخامس عشر أفريقياً، وفق تصنيف موقع «غلوبال فاير» العالمي لعام 2023.

وحقاً، لعبت تشاد أدواراً ناشطة في صراعات منطقة الساحل الأفريقي خلال العقد الماضي، عبر مشاركتها عام 2013 في الحرب على الجماعات الإرهابية في شمال مالي مع القوات الفرنسية، وتدخلها في الحرب على «بوكو حرام»، والمشاركة في قوة حفظ السلام الأفريقية بجمهورية أفريقيا الوسطى، ودعوتها لتدخل عسكري دولي في ليبيا.

وهنا، رأى الدبلوماسي التشادي، محمد علي، أن تشاد تقف في مواجهة تأثيرات أزمات جواره (ليبيا والسودان والنيجر)، واستشهد بـ«الأعباء الاقتصادية الكبيرة على بلاده نتيجة استقبال أكثر من نصف مليون لاجئ سوداني خلال الحرب الحالية، بالإضافة لنحو 3 ملايين آخرين كانوا موجودين من قبل».

وفي الوقت عينه يبقى تحدي مكافحة الإرهاب من التحديات الأمنية أمام الرئيس المنتخَب، إذ بات على حكومته خوض المواجهة بمقاربة وطنية، بعد إعلان تشاد وموريتانيا عن حل ائتلاف دول الساحل لمكافحة الإرهاب في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إثر انسحاب مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

الرئيس محمد ديبي (آ ف ب)

التنافس الدولي

في سياق موازٍ، لا يمكن فصل تشاد عن مشهد التنافس الدولي في منطقة الساحل الأفريقي. فخلال الفترة الأخيرة أجبرت سلطات مالي وبوركينا فاسو والنيجر كلاً من فرنسا والولايات المتحدة على سحب قواتها من أراضيها، في مقابل تقارب مع روسيا بهدف محاربة الجماعات الإرهابية على تلك الأراضي. وفي حين لا تزال فرنسا بقواعد عسكرية في تشاد، بنتيجة دعم باريس المستمر للأنظمة التشادية من بعد الاستقلال (1960)، كان لافتاً خلال مظاهرات المعارضة، في مايو (أيار) 2022، التي نظمتها قوى معارضة وطلاب جامعات نددت بالوجود الفرنسي في تشاد، أن المتظاهرين رفعوا العلم الروسي.

ولذا تعتبر القوى الغربية أن فوز ديبي يشكل ركيزة أساسية للحفاظ على وجودها في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً الوجود العسكري الفرنسي، والشيء بالنسبة لأميركا، رغم إعلانها أخيراً سحب قواتها من تشاد والنيجر.

في المقابل، عكست زيارة الرئيس ديبي إلى موسكو، يناير (كانون الثاني) الماضي، حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين، إدراكاً منه لتزايد المشاعر المعادية للوجود الفرنسي في بلاده، خصوصاً مع تأكيده أن مباحثاته مع الرئيس الروسي جاءت «بصفته رئيس دولة مستقلة، ولتعزيز وتقوية العلاقات مع روسيا».

ولكن، بينما يعتبر الدبلوماسي التشادي محمد علي أن «العلاقات مع روسيا لا تعني الانفصال عن الغرب، لاحتفاظ بلاده بمصالح استراتيجية مع القوى الدولية»، توقّع رئيس حزب «حركة الخلاص التشادية» بشارة «صراعاً واسعاً بين الغرب بقيادة أميركا والاتحاد الأوروبي، ودول (بريكس) بقيادة روسيا، في منطقة الساحل الأفريقي بداية من تشاد». ورأى بشارة أن «الصراع الدائر بين الوجود الفرنسي والنفوذ الروسي الصاعد في دول الجوار سيكون له تأثيرات كبيرة في الأزمة السياسية ببلده».

يرى البعض أن ديبي

«أعاد هندسة الفترة الانتقالية

بطريقة تضمن له

أن يظل محوراً

لمعادلة الحكم»

حسين حبري (الشرق الأوسط)

محطات الصراع في تشاد منذ الاستقلال

بعد استقلال تشاد عن الاحتلال الفرنسي في عام 1960 عانت البلاد اضطرابات وصراعات داخلية عديدة، كما واجهت الأنظمة الحاكمة فيها حركات تمرد مسلحة، لعل أشهرها في فترة الرئيس الراحل إدريس ديبي. ولكثرة ما واجهه ديبي «الأب» من حركات تمرد ومحاولات انقلاب، لُقب بـ«الناجي العظيم». وفيما يلي رصد بأهم محطات وفصول الصراع في تشاد منذ استقلاله حتى الآن: - أغسطس (آب) 1960، حصلت تشاد على استقلالها من فرنسا، واختار البرلمان التشادي فرنسوا تومبالباي، أول رئيس للبلاد بعد اعتماد نظام انتخابي جديد. وأجريت انتخابات رئاسية بعدها بسنتين، فاز فيها تومبالباي. - عام 1965، عانت تشاد فترة اضطراب إثر اندلاع حرب أهلية داخلية، وتدخلت قوات عسكرية فرنسية عام 1968، لإخماد التمرد في شمال تشاد. - عام 1973، سيطرت القوات الليبية على إقليم «أوزو» الحدودي في شمال تشاد، واستعادت تشاد هذا الإقليم، عبر التحكيم الدولي، بقرار من المحكمة الدولية في لاهاي (هولندا) قضى بأحقية تشاد في الإقليم عام 1994، وأخْلَت القوات الليبية الإقليم بعدها. - عام 1975، شهدت تشاد انقلاباً عسكرياً انتهى بمقتل الرئيس تومبالباي، ليتولى الجنرال فيليكس مالوم رئاسة البلاد إثر خروجه من السجن. - عام 1979، اندلعت مواجهات عنيفة بين قوات الرئيس مالوم، ورئيس وزرائه حسين حبري، ووصلت المواجهات إلى العاصمة ندجامينا، وانتهت باستقالة مالوم، وتولى محمد شواد من «الحركة الشعبية لتحرير تشاد» رئاسة البلاد. - عام 1980، اندلعت الحرب الأهلية التشادية مرة أخرى، بين قوات حسين حبري مدعوماً من فرنسا، وغوكوني عويدي مدعوماً من ليبيا، وانتهت بسيطرة حبري على رئاسة تشاد، إثر احتلاله العاصمة ندجامينا. - في عام 1989، نظم الجنرال إدريس ديبي عملية انقلابية ضد نظام الرئيس حبري، ونجح في دخول العاصمة والاستيلاء على السلطة. - في عام 1998، واجه الرئيس إدريس ديبي، محاولة تمرد من «الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة». وعام 2008، تكررت محاولة التمرد، ونجح المسلحون في دخول العاصمة واحتلال القصر الرئاسي قبل أن ينسحبوا في أعقاب تدخل الجيش. - في عام 2013، شن نظام إدريس ديبي حملة اعتقالات واسعة في صفوف المعارضة والنخبة السياسية بعد الكشف عن مخطط لاستهداف الرئيس. - في عام 2013، أعلنت القوات التشادية مشاركتها في الحرب على «الجماعات الإرهابية» في شمال مالي. وفي عام 2015، صدَّق البرلمان التشادي على إرسال قوات لمحاربة جماعة «بوكو حرام» في نيجيريا والكاميرون. - في عام 2005، أعلن الرئيس إدريس ديبي دعم «حركة العدل والمساواة» المتمردة في دارفور بالسودان، بحكم الروابط العائلية والقبلية التي تربط الرئيس التشادي وقادة الحركة. - في عام 2021، لقى الرئيس إدريس ديبي حتفه، في أثناء وجوده في ساحة القتال ضد المتمردين الذين اتجهوا من الجنوب الليبي إلى شمال تشاد، وعُيّن محمد ديبي، نجل الرئيس الراحل، رئيساً مؤقتاً على رأس مجلس عسكري انتقالي مكون من 15 جنرالاً. - في عام 2022، بعد الإعلان عن مد الفترة الانتقالية في تشاد، بناءً على مخرجات «الحوار الوطني» في العاصمة القطرية الدوحة، خرجت مظاهرات واحتجاجات من قوى معارضة، أسفرت عن مواجهات أسقطت نحو 50 شخصاً، واعتقال المئات من المحتجين. – في عام 2023، تعرَّضت القوات العسكرية التشادية لهجوم من مجموعة «مجلس القيادة العسكرية لخلاص الجمهورية»، على الشريط الحدودي الشمالي مع ليبيا.


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)
جنود فرنسيون في مالي (سلاح الجو الأميركي)
TT

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)
جنود فرنسيون في مالي (سلاح الجو الأميركي)

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ، بل وإخفاقات وانتكاسات، في خضم صراعات جيوسياسية متحركة وأجواء شديدة التأزم في أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط. ماذا، إذن، حلّ بالسياسة الخارجية الفرنسية التي كانت مشاركتها الفاعلة داخل المجتمع الدولي تعبيراً عن صوت «حر» غير منحاز حتى تتراجع بهذا الشكل؟

جرى الحديث في الأوساط السياسية والإعلامية عن «تقليد للدبلوماسية الفرنسية» هو النهج الذي اختاره قادة فرنسا لإدارة علاقاتهم الخارجية مع دول العالم، ولقد اتسمّ هذا النهج بـ«الاتزان» و«التميز»، وكان بالفعل حاضراً بقوة في المحافل الدولية، وبالأخص، في قضايا الشرق الأوسط والعالم العربي.

نهجا ديغول وميتران

ذلك ما عُرف فيما بعد بـ«سياسة فرنسا العربية» التي رسم الرئيس التاريخي الأسبق الجنرال شارل ديغول ملامحها في خطاب نوفمبر (تشرين الثاني) 1967 في أعقاب نكسة يونيو (حزيران) 1967، ومعها اعتمد ديغول أساساً الانفتاح على العالم العربي وتوطيد العلاقات بينه وبين فرنسا على مختلف الصعد.

في المقابل، منذ تلك الفترة طغى على العلاقات الفرنسية - الإسرائيلية جو من البرود إلى غاية وصول اليسار إلى الحكم في حقبة الثمانينات، فيومذاك أعاد الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران «تفعيل العلاقات» عام 1982، منتهجاً سياسة أكثر انحيازاً لإسرائيل حتى لُقّب بـ«صديق إسرائيل الكبير».

ولاحقاً، كانت حادثة رشق الطلاب الفلسطينيين لرئيس الوزراء الاشتراكي ليونيل جوسبان بالحجارة عام 2000، بعد مشاهد الاستقبال الحار الذي لقيه الرئيس الراحل جاك شيراك في شوارع رام الله عام 1996، تجسيداً قوياً للاعتقاد السائد بأن اليمين الفرنسي أكثر مساندة وتأييد للمواقف العربية من اليسار.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

ضعف الإرادة السياسية

هنا يوضح باسكال بونيفاس، مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس) ومؤلف كتاب «هل يسُمح بانتقاد إسرائيل؟» الأمر، فيقول: «على الرغم مما قيل عن اليسار وزعيمه ميتران، الحقيقة هي أن الإرادة السياسية للتأثير في الأوضاع كانت قوية في تلك الفترة من تاريخ فرنسا». ويضيف: «علينا ألا ننسى أن زعيم الاشتراكيين كان أول من ذكّر في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي عام 1982 بحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة، بالإضافة إلى استقباله الزعيم الراحل ياسر عرفات في باريس عام 1989».

وزيرة الخارجية الأسبق كاترين كولونا

لا فوارق ظاهرة اليوم

بونيفاس يتابع من ثم «اليوم لا نكاد نرى فارقاً بين اليمين التقليدي (الجمهوري أو الديغولي) واليسار الاشتراكي، علاوة على أن ديناميكية السياسة الداخلية تغيّرت بظهور حزب الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يضم عناصر من اليمين واليسار والمجتمع المدني، ومعظمهم يفتقر إلى الخبرة السياسية، ناهيك عن ضعف الروح النقدية، بما في ذلك عند الجهات الفاعلة في الدبلوماسية... التي لم تعد تعبّر كما كان الوضع في الماضي عن مواقف فرنسا باعتبارها امتداداً لقيم التنوير وحقوق الإنسان والحريات».

جدير بالذكر، أن الإعلام الفرنسي كان قد عّلق مطوّلاً على «تواضع الخبرة السياسة» لوزراء خارجية ماكرون، مثل ستيفان سيجورنيه، الذي فضح الإعلام أخطاءه اللغوية الكثيرة وقلة إتقانه اللغة الإنجليزية. وما يتّضح اليوم من خلال تداعيات العدوان على غزة ولبنان هو أن الأصوات التي تناهض العدوان على غزة ولبنان لا تنتمي إلى اليمين الجمهوري، بل إلى أقصى اليسار الذي نظّم حركات احتجاج واسعة في البرلمان والشارع للضغط على الرئيس ماكرون من أجل التدخل.

وزير الخارجية السابق ستيفان سيجورنيه

هذا الأمر أكدّه رونو جيرار، الإعلامي المختص في السياسة الخارجية، الذي ذكّر أن السياسة الخارجية الفرنسية «فقدت استقلاليتها وفرادتها مع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي - وهو آخر من مثّل اليمين الجمهوري في السلطة –». ويشرح: «حصل هذا حين قرّر ساركوزي إعادة فرنسا إلى المنظمة العسكرية المتكاملة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) عام 2009، ثم المشاركة في التدخل العسكري في ليبيا. وكانت هاتان الخطوتان خطيئتين كبريين لأنهما وضعتا حداً للتقليد الديغولي الجمهوري الذي يقضي بأن تحترم فرنسا جميع التحالفات، لكن من دون التماهي مع الولايات المتحدة، ذلك ملخصه في العبارة الشهيرة (حليفة... ولكن غير منحازة)...».

وهنا يضيف الباحث توماس غومارت، مدير معهد العلاقات الدولية (إيفري): «لنكن واقعيين، صوتنا ما عاد مسموعاً كما كان الحال في السابق، والشعور بأن المجتمع الدولي عاجز أمام الهيمنة الأميركية ملأ النخب السياسة بالتشاؤم، وبالتالي غدت سبل الضغط المتاحة لدينا اليوم محدودة».

ماكرون: سياسة خارجية متناقضة...بالنسبة للرئيس ماكرون، فإنه فور وصوله إلى الحكم بدأ في تقديم الخطوط العريضة لسياسته الخارجية والتوجهات الجديدة للدبلوماسية الفرنسية، حين أجرى لقاءً صحافياً مع ثمانٍ من كبريات الجرائد والمجلات الأوروبية («لوفيغارو» الفرنسية، و«لوسوار» البلجيكية، و«لو تون» السويسرية، و«الغارديان» البريطانية، و«سودويتشه تسايتونغ» الألمانية، و«كورييري ديلا سيرا» الإيطالية، و«إل باييس» الإسبانية و«غازيتا فيبورتا» البولندية). وفي هذا اللقاء أكد ماكرون أن أولوية سياسته الخارجية محاربة «الإرهاب الإسلامي»، والتنسيق مع جميع القوى الكبرى من أجل ذلك.

وزير الخارجية الحالي جان نويل بارو

ثم، في جولته الأولى لأفريقيا أعلن في «خطاب واغادوغو» ببوركينا فاسو (مايو/أيار 2017) أن فرنسا ستسعى جاهدة للتعاون مع الدول الأفريقية في إطار شراكة متكافئة، كما ستكون حاضرة للمساهمة في السلام كـ«رمانة» لميزان القوى العالمية؛ ما رفع بعض الآمال في أن تكون الحقبة الرئاسية لماكرون أفضل من غيرها، لا سيما، وأن طبيعة الحكم (الرئاسي) في فرنسا تجعل من الرئيس المسؤول الأول والأخير عن السياسة الخارجية.

وحقاً، كثّف الرئيس الفرنسي من حراكه الدبلوماسي على مسارات عدة، كما ضاعف بكثير من الحماسة المبادرات والتصريحات الطموحة، لكنها بمعظمها كانت متناقضة، وتفتقد المنهجية والرؤية الواضحة... وفق بعض التقارير. جيرار جيرار (الإعلامي في «لوفيغارو») يعيد إلى الأذهان أن ماكرون كان متناقض المواقف في غير مناسبة، منها «حين حاول أولاً التفاوض مع (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين بخصوص الحرب في أوكرانيا، ثم تحوّل متبنياً لهجة عدائية صريحة إلى حد التهديد بإرسال قوات مسلّحة للدفاع عن أوكرانيا... ما أثار حفيظة الفرنسيين والشركاء الأوروبيين». وأردف جيرار: «وكأن هذا لم يكن كافياً، طلب الرئيس ماكرون المشاركة في قمة (بريكس) مع أن الكّل يعلم بأنها فكرة بوتين. فهل كان يعتقد فعلاً أن الدول التي تجمّعت في هذه المنظمة للتحّرر من الهيمنة الغربية تريد أن تلتقي به أو تصغي لما يقوله؟».

سياسة باريس الأفريقية

عودة إلى الشأن الأفريقي، بعد الآمال الكبيرة التي أثارها «خطاب واغادوغو» عام 2017 بتصحيح صورة «فرنسا الاستعمارية» والتعاون مع الأفارقة كشركاء، جاءت خيبات الأمل. ففي المغرب العربي، أولاً، فشلت فرنسا في الحفاظ على علاقات متوازنة بين الرباط والجزائر في سياق جيوسياسي كثير التقلبات. ثم مع باقي الدول فشلت أيضاً في التخلص من «صورة القوة الاستعمارية السابقة» بسبب أخطاء عدّة ارتكبها ماكرون، أولها احتكاره جميع ملفات السياسة الخارجية، وهو ما لخصّته مجلة الـ«موند أفريك» في مقال بعنوان «كاترين كولونا خيبة أمل أفريقية» بالعبارة التالية «للأسف السيدة كولونا ودبلوماسيوها لم يتمكنوا من التأثير بسبب قرارات الإليزيه العديمة المعنى...».

وهنا، كما ذكر أنطوان غلاسير، الباحث المختص في الشؤون الأفريقية، على موقعه على منّصة «يوتيوب»: «حين تولى ماكرون زمام السلطة، وعد الدول الأفريقية بقطيعة نهائية مع الماضي وبتوازن في العلاقات، لكن ما حدث وما قيل أكد استمرار الممارسات القديمة، بدايةً مع المماطلة في سحب الجيوش الفرنسية من مالي، ثم عبر التصريحات الاستفزازية بخصوص الانقلابات العسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وأكثر منها... التلويح باستعمال قوات «الإيكواس/ السيدياو» (المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا) للتدخل في النيجر، ثم التراجع عن تلك التصريحات».

وحسب غلاسير، كان على ماكرون أن يلتزم الصمت: «فبأي صفة يقرّ ما هو شرعي وما هو غير شرعي؟». وكل هذه الأخطاء السياسية كرَّست الانحدار السياسي لماكرون وانكماش الدور الفرنسي في أفريقيا.

الشرق الأوسط: حصيلة هزيلة...

أما في الشرق الأوسط، وخلال ولايتين رئاسيتين وسبع سنوات من تولي ماكرون السلطة، ثمة شبه إجماع على أن الإخفاق كان سيد الموقف في مساعي السلام التي حاولت فرنسا إطلاقها والإشراف عليها.

في لبنان، الذي تجمعه بفرنسا روابط تاريخية وثقافية قوية، لم تكن الإرادة ولا حسن النية هما المشكلة عند ماكرون. إذ كان أول المسؤولين العالميين تحركاً، حين زار لبنان بعد تفجير ميناء بيروت عام 2022، ووعد بإصلاحات سياسية داخلية لإخراج البلاد من الأزمة، لكن وعوده لم تتجسد على أرض الواقع. وفي موضوع بعنوان «ماكرون مسؤول عن تدهور الاوضاع في لبنان» نقلت صحيفة «كورييه أنترناتيول» عن نظيرتها الأميركية «الفورين بوليسي» تحليلاً يقول التالي إن «إحجام فرنسا عن محاسبة النخب السياسية (اللبنانية) بحزم، والاكتفاء بمطالبتهم باتخاذ إجراءات كان تصرفاً ساذجاً بشكل مربك. فبعد أشهر طويلة من التهديد بفرض عقوبات على الشخصيات المسؤولة عن الجمود السياسي، أعلنت باريس أنها ستفرض قيوداً على دخول الأراضي الفرنسية، لكنها كانت خفيفة جداً لدرجة انها لم تؤثر على أحد».

وبالفعل، لم تتمكّن فرنسا - السلطة الانتدابية السابقة في لبنان - من تحقيق أي اختراق على خط أزمات البلد الذي يعاني انقسامات سياسية وطائفية عميقة حالت حتى الآن دون انتخاب رئيس للجمهورية على الرغم من شغور المنصب منذ سنتين.

وللعلم، كانت تقارير إعلامية كثيرة قد نشرت شهادات لمقرّبين من محيط جان إيف لودريان، المبعوث الخاص للبنان، دافعوا فيها عن نشاطه وتنقلاته الستّة إلى بيروت، بحجة «أن الدبلوماسية تتطلب وقتاً»، وأن النتائج كانت ستظهر لولا ظروف الحرب في غزة التي خلطت كل الأوراق. والمصادر ذاتها لم تتردد في توجيه أصابع الاتهام إلى الأطراف اللبنانية، معتبرة أن «الجمود السياسي مسؤولية اللبنانيين».

أيضاً، انتقدت أنياس لوفالوا، الباحثة في معهد الأبحاث والدراسات حول دول المتوسط والشرق الأوسط، «عجز الدبلوماسية الفرنسية عن إسماع صوتها مقابل تنامي النفوذ الأميركي في بلاد الأرز». ورأت أن السبب يعود إلى المنهجية التي يتبعها ماكرون الذي احتكر منذ البداية كل الملفات، ثم ضاع في تفاصيلها بسبب نزعته إلى السيطرة على كل شيء ورفضه الاستعانة بخبرة الدبلوماسيين المحنّكين.

الموقف الفرنسي من العدوان على غزة أيضاً اتسم بالعديد من التناقضات. وبعدما ظّل في حالة جمود لأشهر طويلة رغم مشاهد القتل والدمار، تحرّك في الأسابيع الأخيرة بعد سلسلة من التصريحات أطلقها الرئيس ماكرون نتجت منها مشاحنات كلامية شديدة اللّهجة بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتهت بتحميل ماكرون مسؤولية التصريحات لبعض الوزراء «الذين نقلوا تصريحات مزيفة...» و«لصحافيين كرّروها دون أن يتأكدوا من صحتّها...». هذا الموقف الذي اعتبره البعض تهرّباً من المواجهة يعكس العجز التي يميز حالياً الموقف الفرنسي. وهنا، تمنى السفير السابق جيرار آرو لو أن ماكرون «التزم الصمت... أو التكلم بالتنسيق مع الشركاء الأوربيين كي يكون لمبادرته تأثير أكبر».

«صورة فرنسا»... مشكلة!

في أي حال، يرى رونو جيرار أن صوت فرنسا ما عاد مسموعاً في المحافل الدولية «لأنها لم تعد تثير الإعجاب، ولم تعد ذلك النموذج الذي يعكس الإشعاع الثقافي والتطور الاقتصادي وحقوق الإنسان». ويشرح على صفحات مجلة «كونفلي جيو بوليتك» قائلاً: «عندما تكون فرنسا وراء فكرة معايير ماستريخت بينما تعُد أكثر من 3000 مليار يورو من الديون و5 ملايين عاطل عن العمل، فلن يكون لصوتها تأثير كبير... نحن البلد الأوروبي الذي فيه أعلى نسبة ضرائب حكوماته لم تعد قادرة على توفير الحّد الأدنى لمواطنيها». ثم يذكّر بأن شارل ديغول اهتم أولاً بأوضاع فرنسا الداخلية، وبالأخص الوضع الاقتصادي، قبل أن يبدأ جولته الأولى خارج البلد عام 1964.

أما السفيرة السابقة سيلفي بيرمان، فرأت خلال حوار مع «لو فيغارو»، تحت عنوان «هل ما زالت فرنسا تملك الأدوات لتحقيق طموحها؟»، أن التوتر السياسي الداخلي أثَّر سلباً على صورة فرنسا في العالم. وأعطت الاحتجاجات الشعبية والإضرابات المتواصلة العالم الانطباع بأننا فقدنا السيطرة على الأوضاع، فكيف نقنع غيرنا إن لم نعد نمثل القدوة الحسنة؟ في المغرب العربي فشلت فرنسا في الحفاظ على علاقات متوازنة بين الرباط والجزائر