روسيا تحترم بيرنز... ومواجهة الصين قمة أولوياته

شي جينبينغ (أ ف ب)
شي جينبينغ (أ ف ب)
TT

روسيا تحترم بيرنز... ومواجهة الصين قمة أولوياته

شي جينبينغ (أ ف ب)
شي جينبينغ (أ ف ب)

> خلال جلسة تأكيد تعيين وليام بيرنز أمام مجلس الشيوخ الأميركي، قال بيرنز بصراحة: «إن القيادة الصينية المُعادية والمفترسة تمثل أكبر اختبار جيوسياسي لنا». وأردف أن الصين تعمل على «تعزيز قدراتها بشكل منهجي لسرقة الملكية الفكرية، وقمع شعبها، والتسلط على جيرانها، وتوسيع نطاق انتشارها العالمي، وبناء نفوذها في المجتمع الأميركي».

لكن موقف بيرنز من الصين، الذي عكَس النظرة الاستراتيجية لموقف الولايات المتحدة منها، عزّزه، في وقت لاحق، في مقالة نادرة من رئيس جهاز استخبارات، نشرها في مجلة «فورين أفيرز»، خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، تحدّث فيها عن التحديات التي تواجهها بلاده، إذ قال بيرنز إن «المنافسة مع الصين ستظل هي الأولوية القصوى»؛ لأنها تبقى «المنافس الوحيد الذي لديه النية في إعادة تشكيل النظام الدولي والقوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية للقيام بذلك». وعدّ أن الزعيم الصيني شي جينبينغ «يسعى إلى إعادة كتابة» النظام الدولي، وهو «يميل إلى رؤية الولايات المتحدة قوة تتلاشى».

شي جينبينغ (أ ف ب)

ومع تصاعد التوترات بين الصين والولايات المتحدة، التي ازدادت على أثر فرض واشنطن قيوداً تجارية واقتصادية وتقنية عليها، وقيام رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي بزيارة تايوان، صيف 2022، ثم إسقاط منطاد التجسّس الصيني في بدايات عام 2023 - قبيل زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لبكين ووقف الاتصالات العسكرية بين البلدين - قام بيرنز في مايو (أيار) 2023، بزيارة سرية إلى الصين؛ لتخفيف التوترات مع البلاد.

روسيا تحترمه

على صعيد موازٍ، تدهورت العلاقات الروسية الأميركية في ذلك العام، على خلفية الحرب التي شنتها روسيا على جورجيا لإخماد «ثورتها البرتقالية»، وعلّق أندرو كوتشينز، الباحث السياسي الكبير في عدد من مراكز الأبحاث الأميركية المرموقة، على الفترة التي أمضاها بيرنز في موسكو قائلاً: «لقد كانت فترة تدهورت فيها العلاقات بشكل كبير جداً، لكن السلطات الروسية كانت تحترمه شخصياً بوصفه دبلوماسياً محترفاً ماهراً».

فلاديمير بوتين (آ ف ب)

وحقاً، سلّطت الحرب الروسية الأوكرانية، التي اندلعت في فبراير (شباط) 2022، الضوء بشكل مكثف، على «مهارات» بيرنز السياسية والدبلوماسية، مع محاولته شخصياً «إقناع» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي التقاه مرات عدة، بألا يغزو أوكرانيا.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، أبلغ بيرنز، نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، بأن الولايات المتحدة تعتقد أن بوتين يفكر في غزو واسع النطاق لأوكرانيا، وحذَّره من أنه إذا غزاها، فإن الغرب سيردّ بطريقة ستكون لها عواقب وخيمة على روسيا. وروى جون سوليفان، السفير الأميركي لدى روسيا في ذلك الوقت، أن تحذيرات بيرنز لم تردع باتروشيف. ولدى عودته إلى واشنطن، أبلغ بيرنز بايدن بأن بوتين اتخذ قراره بالاستيلاء على أوكرانيا، وأن الروس لديهم ثقة مطلقة بأن النصر سيأتي بسرعة.

وفي أبريل (نيسان) 2022، وعلى أثر فشل الهجوم الروسي، حذّر بيرنز من أن «يأس» فلاديمير بوتين بشأن إخفاقات روسيا في أوكرانيا يمكن أن يؤدي إلى استخدام أسلحة نووية تكتيكية، أو «أسلحة نووية منخفضة القوة»، وهو ما دأبت روسيا على التلويح به مراراً، كان آخِرها إعلانها بدء تدريبات على استخدام تلك الأسلحة، قبل أيام.

نانسي بيلوسي (آ ب)

يُذكر أنه في أبريل 2021، أعلن بايدن نيته سحب جميع القوات الأميركية من أفغانستان، بحلول سبتمبر (أيلول) 2021. وأخبر بيرنز لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، يوم 14 أبريل 2021، بأن «هناك خطراً كبيراً بمجرد انسحاب الجيش الأميركي والتحالف»، لكنه أضاف أن واشنطن ستحتفظ «بمجموعة من القدرات». وفي يوم 23 أغسطس (آب) 2021، عقد بيرنز اجتماعاً سرياً في العاصمة الأفغانية كابل مع زعيم «طالبان» عبد الغني بارادار، الذي عاد إلى أفغانستان من منفاه في قطر؛ لمناقشة الموعد النهائي في 31 أغسطس، للانسحاب الأميركي من أفغانستان. ويوم 31 يوليو (تموز) 2022، أشرف على عملية قتل زعيم «تنظيم القاعدة» أيمن الظواهري، الذي كان متخفياً في أفغانستان، خلافاً لوعود «طالبان» بعدم إيواء قادة التنظيم.

وفي نوفمبر 2020، عندما ذكرت الصحافة اسم بيرنز بصفته واحداً من عدة مرشحين محتملين للرئيس بايدن لتولي منصب وزير الخارجية، ذكرت صحيفة «كوميرسانت» الروسية، أن مصادرها «في هياكل الدولة» بالاتحاد الروسي وافقت على ترشيحه، قائلة إنه سيكون «الأكثر فائدة لموسكو من بين الخمسة المذكورة أسماؤهم» في وسائل الإعلام الأميركية.

وللعلم في عام 2008، عندما كان بيرنز وكيلاً لوزارة الخارجية للشؤون السياسية، كتب إلى وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس: «إن انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) هو أكثر الخطوط الحمراء وضوحاً للنخبة الروسية، وليس فقط للرئيس بوتين». وأضاف أنه «خلال أكثر من سنتين ونصف السنة من المباحثات مع اللاعبين الروس الأساسيين، وأمام أشد منتقدي بوتين الليبراليين، لم أجد أي شخص ينظر إلى عضوية أوكرانيا في الـ(ناتو) على أنها أي شيء آخر غير التحدي المباشر للمصالح الروسية».


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

 زارا فاغنكنيشت (رويترز)
زارا فاغنكنيشت (رويترز)
TT

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

 زارا فاغنكنيشت (رويترز)
زارا فاغنكنيشت (رويترز)

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في المائة مقابل 33 في المائة للديمقراطيين المسيحيين، و15 في المائة للاشتراكيين، و11 في المائة لحزب «الخضر».

لكن اللافت أن الحزب الديمقراطي الحر الليبرالي لا يحظى حتى الآن بنسبة كافية لدخوله البرلمان الفيدرالي، فتأييده يقف عند 4 في المائة فقط، علماً بأن القانون يشترط الـ5 في المائة حداً أدنى لدخول البرلمان. كذلك سقط حزب «دي لينكا» اليساري المتشدد دون عتبة الـ5 في المائة، إذ يسجل حالياً نسبة تأييد لا تزيد على 3 في المائة بعد انقسامه، وتأسيس زارا فاغنكنيشت حزبها الشعبوي الخاص، الذي لا يبدو أيضاً -حسب الاستطلاعات- أنه سيحصل على نسبة أعلى من 4 في المائة. بالتالي، إذا صدقت هذه الاستطلاعات، فإن أربعة أحزاب فقط ستدخل البرلمان المقبل من أصل سبعة ممثَّلة فيه اليوم. وسيقلص هذا الاحتمال الخليط المحتمل للمشاركة في الحكومة الائتلافية القادمة، بسبب رفض كل الأحزاب التحالف مع حزب «البديل لألمانيا» رغم النسبة المرتفعة من الأصوات التي يحظى بها. وعليه، قد يُضطر الديمقراطيون المسيحيون إلى الدخول في ائتلاف مع الاشتراكيين و«الخضر» مع أنهم يفضلون أصلاً التحالف مع الليبراليين الأقرب إليهم آيديولوجياً.