تجارة الكوكايين... خطر مُحدق بدول غرب أفريقيا

الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر... والبحث يتركز على آلية محلية لمحاربته

عملية إحراق مخدرات في النيجر (آ ب)
عملية إحراق مخدرات في النيجر (آ ب)
TT

تجارة الكوكايين... خطر مُحدق بدول غرب أفريقيا

عملية إحراق مخدرات في النيجر (آ ب)
عملية إحراق مخدرات في النيجر (آ ب)

تضاعف خلال العقد الأخير، وبشكل لافت، حجم المخدرات التي تعبر من دول غرب أفريقيا، مرسلة من أميركا اللاتينية نحو الأسواق الأوروبية، إذ تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن سلطات دول غرب أفريقيا صادرت 13 كيلوغراماً من الكوكايين سنوياً في الفترة من 2015 إلى 2020، وهو الرقم الذي تضاعف إلى أكثر من مائة مرّة عام 2022. إلا أن ما يثير القلق أكثر هو العلاقة ما بين شبكات تهريب المخدرات والجماعات الإرهابية الموجودة في منطقة الساحل الأفريقي، وكيف تحوّلت هذه التجارة إلى أكبر مصدر لتمويل الإرهاب، حتى إنها غدت البديل المفضل لـ«تجارة» خطف الرهائن الغربيين وطلب فديات لإطلاقهم.

لوسيا بيرد من «المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية»

أصدر «مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة»، أخيراً، تقريره لعام 2023، ودقّ فيه ناقوس خطر تجارة المخدرات على دول غرب أفريقيا. ولقد أفاد التقرير بأن منطقة الساحل وجنوب الصحراء الكبرى أصبحت بؤرة لتهريب المخدرات نحو الدول الأوروبية، وذلك في حين تواجه منطقة الساحل مخاطر الإرهاب والتغير المناخي والهجرة غير الشرعية، كما أنها تعيش موجة انقلابات عسكرية بسبب انعدام الاستقرار السياسي.

شبكة طرق

جدير بالذكر أن دول غرب أفريقيا لطالما شكلت معبراً مهماً لتجار المخدرات الآتية من دول أفريقيا اللاتينية، بسبب موقعها الجغرافي كمحطة مهمة على الطريق نحو أوروبا وإسرائيل. وهكذا لعقود طويلة ظلت هذه الدول محطة عبور للسفن والطائرات المحملة بالمخدّرات، من دون أن تلفت انتباه أي أحد، وهي عمليات كان يتورطُ فيها كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، ويتجاهلها السكان المحليون لأنهم لا يرون فيها أي خطر عليهم ما دامت بلدانهم محطة عبور فقط.

بل، بالعكس، فإنَّ بعض المجتمعات المحلية أضحت تتّخذ من حماية المهرّبين وتقديم الخدمات لهم مصدر دخل معتبر، في ظل غياب الدولة وضعفها وانتشار الفساد في أجهزتها الإدارية، بالإضافة إلى أن المهرّبين يغدقون أموالاً طائلة على مجتمعات فقيرة تعد بمختلف المقاييس محرومة وتعاني التهميش والظلم.

طرق نقل الكوكايين عبر الدول الأفريقية متعددة ومتشعبة، ولكن بعض التقارير تشير إلى أن أبرزها تلك التي تمرّ عبر مراكز على شواطئ غينيا وموريتانيا والسنغال، ثم تنقلُ الكميات المهرّبة براً عبر الصحراء الكبرى (من مالي والنيجر) نحو دول شمال أفريقيا (كالمغرب والجزائر وليبيا)، ومنه تعبر البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا.

بيد أنه مع تطوّر شبكات تهريب المخدرات ونموها، أصبحت الشبكات تستخدم طائرات شحن لنقل الكوكايين من دول في أميركا الجنوبية نحو الصحراء الكبرى، ولعل من أشهر عمليات التهريب العملاقة تلك التي استخدمت فيها طائرة من نوع بوينغ 727 حلقت من فنزويلا عام 2009، حاملة ما بين 7 أطنان إلى 11 طناً من الكوكايين، وحطّت وسط الصحراء في شمال مالي، بين مدينتي غاو وتمبكتو.

الطائرة، التي عرفت آنذاك لدى الإعلام باسم «الخطوط الجوية للكوكايين»، لا تزال بقايا هيكلها ماثلة في المنطقة الصحراوية، بعدما تخلى عنها المهرّبون حين أفرغوا حمولتها وشحنوها على متن سيارات عابرة للصحراء توجّهت على الفور نحو شواطئ البحر الأبيض المتوسط. ومع أن الإعلام اهتم بالطائرة المذكورة كثيراً في أعقاب اكتشاف هيكلها عام 2009، فإن السلطات المالية لم تحرّك في حينه أي ساكنٍ، في ظل تمتع شبكات التهريب بنفوذ واسع.

ومنذ ذلك الوقت جرت مياه كثيرة تحت الجسر، فقد تغيّرت المنطقة وتحوّلت إلى مركز الحرب العالمية ضد الإرهاب، بعدما تمركزت فيها مجموعات مسلحة موالية لتنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما انهارت الأنظمة السياسية والسلطات المركزية على وقع انقلابات عسكرية متلاحقة في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد... وغرقت المنطقة، عموماً، في أزمة متعددة الأبعاد، وغدا مشروع «الدولة الوطنية» فيها أكثر هشاشة من أي وقت مضى، على وقع احتدام الصراع الدولي ما بين الغرب وروسيا على أراضيها.

التهريب مستمر!

وسط الفوضى العارمة التي اجتاحت منطقة الساحل ودول غرب أفريقيا، لم تتوقف شبكات تهريب المخدرات عن النمو والتوسع، إذ لا يكاد يمضي شهر واحد من دون توقيف شحنة جديدة من المخدرات على الحدود بين هذه الدول. وكانت أحدث عملية كبيرة من هذا النوع، قد وقعت منتصف أبريل (نيسان) 2024 في قرية سنغالية صغيرة على الحدود مع مالي. وهناك تمكنت وحدة من الجمارك السنغالي من توقيف شاحنة آتية من مالي أخفي على متنها 1.1 طن من الكوكايين، ما عُد بالتالي أكبر وأخطر كمية مخدرات تصادرها السنغال على أراضيها.

كانت شحنة الكوكايين هذه مخفية في طابق سرّي من شاحنة تبريد، وموزّعة على 984 لوحاً وضعت في أكياس محفوظة بعناية كبيرة، وحسب السلطات السنغالية فإن قيمة الشحنة تصل إلى أكثر من 146 مليون دولار.

هذا الخبرُ حظي بتغطية كبيرة من وسائل الإعلام المحلية في السنغال، وذكرت صحف محلية أن تحقيقاً فتح في القضية، إلا أنه يواجه صعوبات بسبب ضعف التنسيق الأمني مع سلطات مالي، كما أن سائق الشاحنة نجح بالفرار قبل أن تعتقله السلطات السنغالية، ما زادَ من تعقيد الملف، وطرح كثيراً من علامات الاستفهام.

من جهة ثانية، يُذكر أنه في عام 2022 أوقفت السنغال شاحنة مماثلة آتية من مالي أيضاً، كانت على متنها هذه المرة كمية زنتها 300 كيلوغرام من الكوكايين، وعلى الرغم من التحقيق الذي فتحته السلطات، فإنه لم يفض إلى أي نتيجة. ولكن تظل أكبر شحنة كوكايين ضبطتها السلطات السنغالية شحنة زنتها 3 أطنان كانت منقولة على متن سفينة شحن جرى توقيفها قبالة الشواطئ السنغالية خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

أما في موريتانيا، فقد أوقفت سلطاتها الأمنية خلال يوليو (تموز) من العام الماضي (2023) سفينة تحمل 1.2 طن من الكوكايين، في عملية وصفتها السلطات بأنها الكبرى في تاريخ البلد. وهي بالفعل ضخمة جداً بالمقارنة مع عملية تهريب وقعت عام 2007، حين أوقف الأمن الموريتاني طائرة تحملُ 600 كيلوغرام من الكوكايين في مطار نواذيبو، العاصمة الاقتصادية للبلاد وثاني أهم مدن موريتانيا. وكان قد أوقف في طائرة 2007 الشهيرة عدة مهربين أجانب وموريتانيين، من بينهم عسكريون مرموقون، ولكن أفرج عن معظمهم في وقت لاحق، وبعضهم استفاد من عفو رئاسي بعد سنوات قليلة من السجن.

أما سفينة عام 2023 فقد احتفت بها السلطات الموريتانية، وعرضت حمولتها أمام وسائل الإعلام، معلنة أنها تعمل على تفكيك شبكة للتهريب. وبالفعل، أوقفت عدة أشخاص أجانب وموريتانيين، لكن مع ذلك لم تتوقف عمليات التهريب، بل يكفي أن نعرف أنه في عام 2023 وحده أتلفت موريتانيا 2.3 طن من الكوكايين صادرتها من المهربين.

وفي سياق متصل، أشار تقرير «مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة» إلى أنه في عام 2022 صودرت كمية تزن 1.4 طن من الكوكايين في مالي وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر (دول الساحل)، وهذا رقم مرعب بالمقارنة مع 13 كيلوغراماً فقط كانت متوسط الكوكايين المُصادر خلال الفترة من 2013 حتى 2020. وعدّ المكتب الأممي في تقريره أن حوادث ضبط المخدرات صارت شائعة جداً في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وأن الكوكايين هو أكثر أنواع المخدرات التي تُصادرها. وهو ما يعني أن المنطقة تحوّلت حقاً إلى «بؤرة» لا تستغني عنها شبكات التهريب لنقل بضاعتها نحو الأسواق الأوروبية والآسيوية، وإن كان التقرير الأممي يشير أيضاً إلى مخاطر أخرى تواجه منطقة الساحل، فهي لم تعد مجرد منطقة عبور، بل أصبحت سوقاً للاستهلاك أيضاً.

سوق محلية!

«المكتب» كشف أيضاً في تقريره الأخير، أن منطقة الساحل تعيش ما يشبه حالة «الانفجار» في إنتاج واستهلاك الكوكايين والقنب والمواد الأفيونية، الأمر الذي يعني أن سوقاً جديدة بدأت يتشكل، وأن مستهلكين محليين صاروا مستهدفين من طرف تجار المخدرات.

ولفت التقرير إلى «زيادة حادة» في الاتجار بالمواد المخدرة، مع الإنتاج وتوزيع المواد المخدرة للاستهلاك الداخلي. وفي هذا السياق قال فرنسوا باتويل، مدير أبحاث «المكتب» في منطقتي غرب ووسط أفريقيا، إن الإنتاج «أصبحَ محلياً أكثر فأكثر». وأردف المسؤول الأممي أنّ «النيجر، على سبيل المثال، فكّكت مختبرين لمعالجة الكوكايين وتحويله إلى (كراك)... إذ يقوم التجار بزيادة الاستهلاك المحلي؛ لكون (الكراك) أرخص بكثير من الكوكايين. وهذا يسمح للمتاجرين بقطع الكوكايين وبيعه بسعر أرخص بكثير، ولكن لعدد أكبر من الناس بسعر أقل».

في هذا الإطار، بدأت تنمو شبكات تستهدف الأسواق المحلية، تتولى تسويق المخدرات وبيعها، وفق ما أعلنته لوسيا بيرد، مديرة «مرصد غرب أفريقيا للاقتصادات غير المشروعة» في «المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية». إذ قالت بيرد في تصريحات بهذا الشأن «لقد تلقينا تقارير عن ارتفاع استهلاك الكوكايين في أغاديز (شمال النيجر) مدفوعاً بالدفع العيني؛ حيث يتقاضى المهربون الصغار رواتبهم من المخدرات، ويفرغونها في الأسواق المحلية لأنهم لا يملكون اتصالات في وجهات استهلاك أكثر ربحاً».

وأضافت بيرد أن هذا الاقتصاد المحلي القائم على بيع الكوكايين ظهر منذ عام 2020، وصار أكثر شيوعاً «لأنه يتجاوز الحاجة إلى المدفوعات النقدية ويستغل الاختلافات في أسعار المخدرات عبر القارات». وأوضحت أن من شأن هذا النوع من الاقتصاد «أن يزيد كميات المخدرات المهرّبة عبر الطريق البرية، والتي تمر من موانئ غرب أفريقيا عبر بعض المناطق الأكثر تضرراً من النزاع في منطقة الساحل».

انتشار الإدمان!

هذا، ومع ازدهار تسويق الكوكايين ومختلف أنواع المخدرات في دول الساحل وغرب أفريقيا، ارتفعت معدلات الإدمان وخاصة في أوساط الشباب، حسب ما تؤكده مختلف الدراسات التي أجريت في المنطقة، والتي كان من أشهرها دراسة «شبكة غرب أفريقيا للوبائيات المعنية بتعاطي المخدرات» (ويندو). ولقد حاولت هذه الدراسة، التي أجريت بتنسيق مع «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» (إيكواس)، أن تتطرق إلى دراسة تطور تعاطي المخدرات في المنطقة خلال الفترة ما بين 2020 و2022، ومن ثم توصلت إلى وجود أرقام مقلقة لأعداد من يعانون من اضطرابات تعاطي المؤثرات العقلية.

في هذا السياق، قالت فاتو سو سار، مفوضة التنمية البشرية والشؤون الاجتماعية في الـ«إيكواس»، إن «الناشئة الذين تتراوح أعمارهم من 10 سنوات إلى 29 سنة هم أكثر من يتعاطون المخدرات»، لكن سبب الإدمان الأول هو تعاطي الحشيش. كذلك أفادت الدراسة بأن الحشيش يُعد أكثر أنواع المخدرات انتشاراً في السوق المحلية الأفريقية، وازداد انتشاره بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، حين صادرت سلطات المنطقة 139 طناً من الحشيش عام 2020، ولكن هذه الكمية تضاعفت عام 2022 لتتجاوز 631 طناً.

وهنا يرجع المتخصصون انتشار الحشيش في غرب أفريقيا إلى كونه ينمو بسهولة في الظروف المناخية للمنطقة، ولكونه سهل التعاطي (التدخين)، ويتوافر بسهولة، ثم إنه أرخص ثمناً من المخدرات الأخرى، على حد تعبير خبير من كوت ديفوار. لكن يبقى القول، إن تقارير جديدة أشارت إلى أن الكوكايين كان أكثر المخدرات التي تعاطاها المدمنون في السنغال خلال عام 2021، إذ شكل المدمنون عليه نسبة 60 في المائة من المحتجزين في مراكز العلاج من الإدمان، أما في كوت ديفوار فقد ارتفعت هذه النسبة لتصل إلى 80 في المائة، مقابل انخفاضها في نيجيريا إلى 46 في المائة. وسط الفوضى العارمة في منطقة الساحل لم تتوقف شبكات تهريب المخدرات عن النمو والتوسع

وسط الفوضى العارمة في منطقة الساحل لم تتوقف شبكات تهريب المخدرات عن النمو والتوسع

توقيف مهربين مشتبه بهم (أ ف ب)

المخدرات مصدر مهم لتمويل الإرهاب عبر منطقة الساحل

> قبل 10 سنوات كانت الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي تعتمد في تمويلها، بالدرجة الأولى، على اختطاف الرعايا الغربيين، والحصول على فديات من أجل الإفراج عنهم. ولكن بعد التدخل العسكري الفرنسي في الساحل عام 2013، بدأت تجارة الرهائن الغربيين تتراجع أكثر فأكثر. في المقابل كانت المجموعات الإرهابية ترتبط مع شبكات التهريب بعلاقات معقّدة، خصوصاً في شمال مالي، حيث تشير التقارير إلى أن المعادلة التقليدية كانت تقوم على أن شبكات التهريب تستغل ثغرات الحدود البرية والبحرية والجوية لنقل المخدرات، في حين تتولى المجموعات الإرهابية مهمة التأمين عبر الصحراء. بيد أن التقرير الأخير لـ«مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة»، تطرّق إلى تغلغل المجموعات الإرهابية في هذه التجارة، حيث أضحت أكثر حضوراً إلى جانب شبكات تهريب المخدرات التقليدية. وهكذا صار تهريب المخدرات المصدر الأول لتمويل أنشطة المجموعات الإرهابية التي تموّل نفسها بشكل خاص من خلال جباية الضرائب والرسوم الأخرى مقابل الحماية أو المرور الآمن عبر المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون. وأضاف التقرير أن المجموعات الإرهابية، سواء تلك التي تبايع تنظيم «القاعدة» أو تلك التي ترتبط بتنظيم «داعش»، متورّطة في نقل شحنات المخدّرات، بما في ذلك الكوكايين وصمغ القنب. وفي هذا السياق، صرّح فرنسوا باتويل، مدير أبحاث غرب ووسط أفريقيا في «مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة»، بأن الجماعات الإرهابية أصبحت أكبر مستفيد من نشاط تهريب المخدرات. وتابع من ثم «إن هذه التجارة تمكّنهم من شراء الأسلحة، وتوسيع دائرة النفوذ، عن طريق رشوة وكلاء إنفاذ القانون في مناطق معينة أو بعض المسؤولين المنتخبين». وأوضح المسؤول الأممي أنه «في النيجر، بعد ضبط 214 كيلوغراماً من الكوكايين في عام 2022، اعتُقل رئيس بلدية، كان قد جرى تخزين الكوكايين في سيارته». وللعلم، على ضفاف سوق تهريب المخدرات، تنمو راهناً أنشطة مجرّمة أخرى، مثل أنشطة غسل الأموال التي تدرّ عوائد مجزية على شبكات التهريب وعلى المتعاونين معها، والتي يتورط فيها عدد من كبار المسؤولين وقادة المجتمعات المحلية في منطقة الساحل. وهذا ما أشار إليه تقرير الأمم المتحدة الأخير، متناولاً «العلاقة الوطيدة بين نمو شبكات تهريب المخدرات في منطقة الساحل، وانتشار الفساد الإداري والمالي، وتحوّل هذه الدول إلى منصات ضخمة لغسل الأموال وتبييضها». وفي هذا الإطار يقول ليوناردو سانتوس سيماو، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لغرب أفريقيا: «يجب على دول منطقة الساحل، إلى جانب المجتمع الدولي، اتخاذ إجراءات عاجلة ومنسقة وشاملة لتفكيك شبكات الاتجار بالمخدرات».


مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.