كوريا الجنوبية: فوز المعارضة بالبرلمان يعزّز فرص لي عام 2027

خسارة الرئيس وحزبه السيطرة على «الجمعية الوطنية» قد لا تعني الكثير خارجياً

طابور الناخبين خلال الانتخابات الأخيرة (رويترز)
طابور الناخبين خلال الانتخابات الأخيرة (رويترز)
TT

كوريا الجنوبية: فوز المعارضة بالبرلمان يعزّز فرص لي عام 2027

طابور الناخبين خلال الانتخابات الأخيرة (رويترز)
طابور الناخبين خلال الانتخابات الأخيرة (رويترز)

عانى المشهد السياسي بكوريا الجنوبية حالة من الجمود السياسي، بعدما وجه الناخبون صفعة للرئيس يون سوك يول، مع تعرّض حزبه، حزب «سلطة الشعب»، المحافظ لهزيمة كارثية في الانتخابات البرلمانية، الأسبوع الماضي. إذ أحرز الحزب «الديمقراطي الليبرالي»، القوة المعارضة الرئيسية والقوى الأصغر المتحالفة معه، فوزاً ساحقاً بحصوله على 189 مقعداً في الجمعية الوطنية (البرلمان) المؤلفة من 300 مقعد، في حين حصل الحزب الحاكم بزعامة يون على 108 مقاعد فقط. وفق الأرقام المعلنة، أدلى حوالي 29.66 مليون شخص، أو 67 في المائة من الناخبين بأصواتهم، ما يمثل أعلى نسبة مشاركة في انتخابات الجمعية الوطنية منذ عام 1992. وما يستحق الذكر أنه منذ استعادة الديمقراطية في كوريا الجنوبية عام 1987، لم يحصل أي رئيس على نسبة رضا شعبي منخفضة عن أدائه على امتداد فترة طويلة مثلما حدث مع يون - التي تراوحت بين 35 في المائة و40 في المائة منذ مايو 2022 - بأول سنتين من رئاسته.

تجري إدارة الشأن السياسي في كوريا الجنوبية في إطار جمهورية ديمقراطية تمثيلية رئاسية، حيث يمثل الرئيس رأس الدولة، وتقوم الدولة على نظام متعدد الأحزاب. ولضمان الفصل بين السلطات، يتألف كيان الدولة من ثلاث سلطات: تشريعية وتنفيذية وقضائية. وتتولى الحكومة السلطة التنفيذية، بينما تتشارك الحكومة والجمعية الوطنية (البرلمان) في السلطة التشريعية. ومنذ عام 1948، خضع الدستور لخمس مراجعات أساسية، كل منها تدشن جمهورية جديدة. وبدأت «الجمهورية السادسة» الحالية مع آخر تعديل دستوري كبير دخل حيز التنفيذ عام 1988، وبموجب الدستور يتولى الرئيس منصبه لولاية واحدة فقط مدتها خمس سنوات. أما مدة ولاية البرلمان فتبلغ أربع سنوات.

اختبار حقيقي ليون

جاءت الانتخابات التي شهدت منافسة حامية الوطيس بمثابة اختبار حقيقي لشعبية يون (63 سنة)، مع بلوغه منتصف فترة ولايته الممتدة لخمس سنوات. وعدّ بعض المحللين الانتخابات الأخيرة بمثابة استفتاء على شعبيته التي تضررت في خضم أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة وسلسلة من الفضائح السياسية.

الواقع أنه منذ وصول يون إلى سدة الرئاسة بأغلبية ضئيلة بلغت 0.8 في المائة فقط عام 2022، جابه قيوداً من قبل الهيئة التشريعية التي يسيطر عليها «الحزب الديمقراطي». ولقد نال في المعركة الرئاسية يون خلال مارس (آذار) 2022 48.56 في المائة من الأصوات، مقابل 47.83 في المائة لمنافسه من «الحزب الديمقراطي».

ومن ناحية ثانية، لا يحق ليون التجديد، بل من المقرر أن يغادر منصبه عام 2027، بعدما تحوّل إلى «بطة عرجاء» على صعيد السياسة الداخلية طوال فترة رئاسته. ولكن مع ذلك، ظل محظوظاً لأن المعارضة لم تفز بغالبية ساحقة تبلغ مائتي مقعد، ما كان سيتيح لها تجاوز «حق النقض» الذي يتمتع به الرئيس، أو تعديل الدستور، أو حتى عزله.

في أي حال، فإن نتائج الانتخابات ستحافظ على الديناميكية الأساسية ذاتها التي كانت قائمة قبل الانتخابات. أي أن قوى المعارضة يمكن أن تواصل عرقلة برنامج سياسات يون، الذي أمضى سنتين من الفترة الرئاسية البالغة مدتها خمس سنوات. وما يذكر أنه عندما تولّى يون منصبه في مايو (أيار) 2022، ورث برلماناً منقسماً، بسبب حصول الحزب الديمقراطي المعارض على الغالبية وكانت النتيجة حالة من الجمود التشريعي. والآن بعد الهزيمة الأخير، يصبح يون أول رئيس كوري جنوبي يواجه برلماناً معادياً له طوال فترة ولايته التي تنتهي في مايو 2027.

سكاند تايال، سفير الهند السابق لدى كوريا الجنوبية، علّق على الوضع الراهن بقوله: «أساساً تفسّر هذه الانتخابات بوصفها استفتاء على الإدارة الحالية. وتبعاً لمدى نجاح أحزاب المعارضة في العمل معاً لإبقاء أجندة الرئيس يون تحت السيطرة، من المحتمل أن تتقيد قدرة الإدارة الحالية على المضي قدماً في أجندتها الإصلاحية. ولكن لا يعني هذا بالضرورة أن الرئيس غدا عاجزاً سياسياً خلال الفترة المتبقية من ولايته. بل لقد حقق بعض النجاح في إقرار تشريعات مهمة عبر الجمعية الوطنية خلال العام الماضي، عندما كان يحظى بعدد أقل بكثير من أصوات الحزب الحاكم داخل البرلمان. وأياً كان المسؤول، سيتعيّن على يون التوصل إلى طريقة للعمل مع المعارضة إذا كان يرغب في تمرير المزيد من عناصر أجندته السياسية. وبخلاف ذلك، قد لا يتمكن من تحقيق الكثير في السنوات الثلاث المقبلة».

هنا، يعتقد مراقبون أن بون قد يمضي قدماً في تنفيذ أجندته من جانب واحد، معتمداً على حق النقض والأوامر الرئاسية. وحقاً، سبق له استخدام حق النقض لرفض مشاريع القوانين التي لا تتفق مع إدارته وسياسة حزبه.

لقد استخدم الرئيس «حق النقض»، حتى الآن، ضد تسعة مشاريع قوانين ـ وهو الأكبر من أي رئيس منذ عزّزت كوريا الجنوبية ديمقراطيتها عام 1987، إذ أصدر أوامر تنفيذية، واستخدم «حق النقض» ضد مشاريع قوانين أقرها البرلمان بينها مشروع يدعو إلى إجراء تحقيق خاص في مزاعم الفساد المحيطة بزوجته كيم كيون هي (51 سنة).

لي جاي ميونغ... زعيم المعارضة المنتصر (آ ب)

أين أخطأ الرئيس؟

من ناحية ثانية، تراجعت معدلات الدعم الشعبي للرئيس والحزب الحاكم بشكل خاص، على مدار الأشهر التي سبقت الانتخابات، وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانكماش الاقتصاد واشتعال أزمة طبية على امتداد فترة طويلة. وللعلم، دخلت المستشفيات الكبرى في حالة طوارئ منذ أواخر فبراير(شباط) الماضي، وترك الأطباء الشباب وظائفهم بسبب خطة الحكومة لزيادة معدلات الالتحاق بكليات الطب.

كذلك، تعرّض يون لانتقادات بسبب فضائح تتعلق بعائلته، واتهمه منتقدوه بتقويض حرية التعبير. فقد جابه يون مأزقاً كبيراً بعدما تسببت فضيحة تتعلق بزوجته في حالة من الفوضى. وفي حينه واجهت كيون هي، سيدة كوريا الجنوبية الأولى، اتهامات بقبول هدية ثمينة جداً من القس الأميركي ـ الكوري، أبراهام تشوي، ما يشكل خرقاً لقانون مكافحة الرشوة... وتفجّرت القضية على منصة عامة، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عندما بثت قناة خاصة على «يوتيوب» مقطع فيديو سجّله القسّ سراً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن في كوريا الجنوبية قانوناً صارماً للغاية لمكافحة الرشوة. وهو لا يجيز قبول هدايا بقيمة 750 دولاراً أميركياً دفعة واحدة، أو 2200 دولار أميركي سنوياً.

وكما هو متوقع، سرعان ما احتلت هذه القصة عناوين الصحف الوطنية، وأضرت بشعبية الرئيس. ثم إنه بسبب رد فعل الضعيف من الرئيس تجاه فضائح زوجته، تراجعت شعبيته، وخاصة عندما سحق مشروع قانون يسعى إلى إجراء تحقيق خاص حول تورّط زوجته كيم في قضية أخرى تتعلق بتلاعب مزعوم في أسعار الأسهم.

نقاد سياسيون يرون أن الاستقطاب المتزايد بين الرجال والنساء داخل المجتمع الكوري كان بمثابة «خط صدع» في السياسة الكورية، وكان الرئيس يون يعد أن الحركة النسوية «تمادت كثيراً». وإبّان حملته الرئاسية، قدّم اقتراحاً مثيراً للجدل لإلغاء «وزارة المساواة بين النوعين وشؤون الأسرة»، بحجة أن «التمييز البنيوي ضد المرأة ما عاد موجوداً».

وحسب الدكتور لاخفيندر سينغ، مدير دراسات السلام والأمن في معهد آسيا بالعاصمة الكورية سيول، فإن موقف يون تجاه القضايا الجنسانية أفقده تأييد النساء، مع أنه أكسبه في المقابل أصوات الشباب في الانتخابات الرئاسية. هذا، وحذر الكثير من الناشطات الكوريات من أن الرئيس وحزبه يدمران سنوات من التقدم في مجال حقوق المرأة، وبدا أن الكوريات عبرن عن هذه المخاوف بتصويتهن الكثيف في الانتخابات بكثافة لصالح المعارضة وأحزاب أخرى. وعليه، ربما يجد يون صعوبة الآن في إلغاء «وزارة المساواة بين النوعين».

«تراجع الدعم الشعبي للرئيس وحزبه على مدار الأشهر التي سبقت الانتخابات»

«التقدمي» لي... زعيم المعارضة

في المقابل، بفضل تصدّر حزب المعارضة الأساسي في كوريا الجنوبية الانتخابات الأخيرة، صار زعيمه لي جاي ميونغ من أبرز المرشحين للرئاسة عام 2027. ويُعد هذا تحوّلاً مهماً لسياسي خسر السباق الرئاسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2022 أمام منافسه اللدود بالفارق الأقل في تاريخ البلاد، مع أنه آنذاك كان متهماً بمجموعة متنوعة من تهم الرشوة والإخلال بالواجب.

لي، الذي كان عاملاً في مصنع، قبل أن يصبح محامياً في مجال الحقوق المدنية، دخل المعترك السياسي منذ أكثر من 15 سنة بوصفه ناشطاً في المعسكر التقدمي. وتولّى لي منصب حاكم مقاطعة غيونغي، القريبة من سيول، عام 2018. ومن ثم سعى أن تغدو كوريا أول دولة في آسيا تنضم إلى المعسكر التقدمي العالمي، وضغط من أجل إقرار الدخل الأساسي الشامل. ولكن في الوقت ذاته، يعدُّ لي من أكثر الشخصيات السياسية استقطاباً في البلاد، ذلك أنه يتمتع بقاعدة متحمّسة من المؤيدين اليساريين... وتعاديه كتلة كبيرة من المعارضين في المعسكر المحافظ.

الرئيس يون سوك يول يدلي بصوته (رويترز)

عودة إلى الأضواء

رغم علامات الاستفهامومثل غريمه الرئيس بون، خيّمت على حياة لي سحابة فضائح على المستوى الشخصي، وخضع لتحقيق في مضاربات على أراض في مدينة سيونغنام، التي كان عمدة لها. فقد وجهت إليه النيابة في مارس 2023 اتهامات بالفساد زعمت فيها تلقيه رشى تتعلق بخطة تطوير عقاري تقدر قيمتها 1.5 مليار دولار عندما كان عمدة سيونغنام. غير أن لي نفى ارتكاب أي مخالفات، ووصف الإجراءات القانونية ضده بأنها ذات دوافع سياسية. كذلك تعافى لي، الذي تعرّض للطعن في رقبته خلال يناير (كانون الثاني) على يد رجل تظاهر بأنه من مؤيديه، من خسارته في انتخابات 2022 الرئاسية ليقود «الحزب الديمقراطي»، متعهداً «بمعاقبة» يون عبر صناديق الاقتراع.

ولسنوات، سعى لي إلى تأكيد التناقض الصارخ بين قصة حياته وقصة يون... ابن الأسرة الثرية. وأثناء ترشحه للرئاسة، نشرت حملته صورتين: إحداهما تظهر الشاب لي وهو يرتدي بدلة غير مناسبة، والثانية يظهر فيها المراهق يون بربطة عنق أنيقة.

أمر آخر لافت، هو أن لي كان قد واجه دعوات داخل حزبه تطالبه بالتنحي، لكنه بعد إنجازه الانتخابي يتوقع أن يتمكن من إسكات المعارضين داخل حزبه. ذلك أنه نجح في جعل «الحزب الديمقراطي» حصناً له، وعزز قبضته على السلطة داخل الحزب، كما احتضن المعتدلين. وحول هذا الجانب كتب شين يول، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ميونغجي الكورية، معلقاً على ذلك بقوله: «بهذه النتيجة، أصبح لي أقوى سياسي في البرلمان». إلا أن لي، مع ذلك، ما زال يواجه عقبات وتحديات، على رأسها المحاكمات المستمرة التي يخضع لها، بناءً على اتهامات متعددة - يصر على براءته منها - وُجهت إليه على مدى السنوات الكثيرة الماضية.

عودة إلى الرئيس يون، فإنه أعلن في خطاب تلفزيوني، بعد إقراره بهزيمته: «سأحترم بكل تواضع إرادة الشعب التي جرى التعبير عنها في الانتخابات العامة، وسأعمل على إصلاح شؤون الدولة، وأبذل قصارى جهدي لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد ومعيشة الناس». أما رئيس الوزراء هان داك سو ومجموعة من كبار المساعدين فقد عرضوا أن يتقدموا باستقالاتهم.

وفي اتجاه حلحلة المشاكل المطلبية والمعيشية، تعرّض يون لضغوط كي يتواصل مع زعيم المعارضة لي من أجل إجراء مباحثات غير مسبوقة لمناقشة أزمة إضراب الأطباء المستمر، وسبل تحسين سبل عيش الناس. كان يون قد رفض من قبل عقد أي لقاء مع لي، مبرراً ذلك بالتهم الجنائية الموجهة إلى الأخير، بما في ذلك الفساد المزعوم.


مقالات ذات صلة

ليبيا: الصراع على المصرف المركزي يعمّق الأزمة السياسية

حصاد الأسبوع مصفاة راس لانوف على الساحل الليبي (آ ف ب)

ليبيا: الصراع على المصرف المركزي يعمّق الأزمة السياسية

بات «قوت الشعب» الليبي ومقدراته ورقة ضغط سياسي في لعبة الصراع على السلطة والنفوذ والمال بين «حكومتي» شرق ليبيا وغربها، وسط معركة تدور رحاها ظاهرياً حول شخص

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع عندما اختاره الرئيس سعيّد وزيراً للشؤون الاجتماعية، ثم رئيساً للحكومة يوم 7 أغسطس، أخذ في الحساب خلفيته الإدارية وخبرته الطويلة في الملفات النقابية والسياسية

كمال المدّوري... رئيس حكومة تونس الجديد أكاديمي مستقل أولويته «الأمن الاجتماعي»

فاجأ الرئيس التونسي قيس سعيّد المراقبين السياسيين داخل البلاد وخارجها، الذين كانوا يتابعون «مستجدات ملفات الانتخابات الرئاسية»، فأعلن قبل أسابيع من الموعد

حصاد الأسبوع الحبيب الصيد (الشرق الاوسط)

معظم رؤساء الحكومات التونسية ولدوا في منطقة «الساحل»

يتحدّر أغلب رؤساء الحكومات في تونس منذ أواسط خمسينات القرن الماضي من منطقة «الساحل» (وسط الشاطئ الشرقي لتونس)، موطن الرئيسين الأسبقين الحبيب بورقيبة

«الشرق الأوسط» (تونس)
حصاد الأسبوع مودي يصافح زيلينسكي إبان زيارته التاريخية لأوكرانيا (رويترز)

هل تتوسّط الهند لإحلال السلام بين أوكرانيا وروسيا؟

هل يسعى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للجلوس على طاولة المباحثات؟ بعد الزيارة

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

في محاولة لسد الفراغ القيادي في بنغلاديش، ولو بصفة مؤقتة، عُيّنَ محمد يونس الحائز على «جائزة نوبل» والخبير الاقتصادي، كبير مستشاري الحكومة المؤقتة المدعومة من

براكريتي غوبتا (نيودلهي)

معظم رؤساء الحكومات التونسية ولدوا في منطقة «الساحل»

الحبيب الصيد (الشرق الاوسط)
الحبيب الصيد (الشرق الاوسط)
TT

معظم رؤساء الحكومات التونسية ولدوا في منطقة «الساحل»

الحبيب الصيد (الشرق الاوسط)
الحبيب الصيد (الشرق الاوسط)

يتحدّر أغلب رؤساء الحكومات في تونس منذ أواسط خمسينات القرن الماضي من منطقة «الساحل» (وسط الشاطئ الشرقي لتونس)، موطن الرئيسين الأسبقين الحبيب بورقيبة (1957 - 1987) وزين العابدين بن علي (1987 - 2011) وكبار المسؤولين في الدولة. وفي المقابل، جاء 3 منهم فقط من مواليد العاصمة تونس، هم الباجي قائد السبسي ويوسف الشاهد وإلياس الفخفاخ.

الرئيس السابق الراحل الباجي قائد السبسي، سياسي مخضرم تولّى رئاسة الحكومة عام 2011 في عهد «الرئيس المؤقت» رئيس البرلمان السابق فؤاد المبزّع ثم انتخب رئيساً للجمهورية لمرحلة ما بين 2014 و2019. وفي حين ترأس يوسف الشاهد الحكومة من صيف 2016 إلى أوائل 2020، تولّى إلياس الفخفاخ المنصب عندما ترأس الحكومة الأولى في عهد قيس سعيّد لمدة 6 أشهر في 2020، وهو بالمناسبة، وإن كان من مواليد تونس العاصمة فإنه أصلاً من صفاقس، العاصمة الصناعية والتجارية في الساحل الشرقي الجنوبي للبلاد.

محمد الغنوشي (آ ف ب)

هيمنة «الساحل»

بما يخصّ منطقة «الساحل» الواقعة على بعد 150 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة، وكبرى مدنها مدينة سوسة، فقد تعاقب منها على رئاسة الحكومة نخبة من كبار رجال السياسة في البلاد، هم على التوالي:

الحبيب بورقيبة، من مدينة المنستير (1955 - 1957)، وتولّى عملياً رئاسة الحكومة حتى 1969. وللعلم، رسمياً كان المنصب شاغراً (بين 25 يوليو - تموز 1957 و7 نوفمبر - تشرين الثاني 1969)، إذ في مطلع النظام الجمهوري تولى الرئيس إدارة الحكومة، وبعدها تعاقب «فعلياً» على المنصب كل من:

الباهي الأدغم، بلدة منزل النور المجاورة لمدينة المنستير، (1969 - 1970)

أحمد بن صالح، مدينة المكنين، (1960 - 1970)

الهادي نويرة، المنستير، (1970 - 1980) – أول رئيس حكومة يحمل المسمّى رسمياً.

محمد مزالي، المنستير، (1980 - 1986)

رشيد صفر، من المهدية، (1986 - 1987)

زين العابدين بن علي، مدينة حمام سوسة، (1987)

الهادي البكّوش، حمام سوسة، (1987 - 1989)

حامد القَروي، مدينة سوسة، ( 1989 - 1999 )

محمد الغنّوشي، سوسة، (1999 - 2011)

حمّادي الجبالي، سوسة، (2012 - 2013)

المهدي جمعة، المهدية، (2014)

الحبيب الصيد، سوسة، (2015 - 2016).

حامد القروي (الشرق الاوسط)

في المقابل، من خارج منطقة «الساحل» وتونس العاصمة، تولّى المهندس علي العريّض، القيادي السابق في حزب حركة النهضة رئاسة الحكومة في عام 2013، فكان السياسي الوحيد الذي يصل إلى هذا المنصب من «الجهات المهمشة» في أقصى الجنوب الشرقي الصحراوي، وهو من مواليد مدينة مدنين.

كذلك، تولّى وزير الداخلية السابق هشام المشيشي رئاسة الحكومة بين سبتمبر (أيلول) 2020 و25 يوليو 2021، فكان أول رئيس للحكومة من مدينة بوسالم في محافظة جندوبة في الشمال الغربي الزراعي و«المهمّش».

وبين 2021 و2023 صارت الدكتورة نجلاء بودن، من مواليد مدينة القيروان، أول سيدة تشغل منصب رئاسة الحكومة في تونس.

أخيراً، ما يستحق الذكر أن الدكتور محمد المنصف المرزوقي، ابن الجنوب الصحراوي التونسي، صار بين عامي 2012 و2014 الشخصية الوحيدة التي تولت رئاسة الدولة (رئاسة الجمهورية) من غير أبناء «الساحل» وتونس العاصمة.