> تمثلت أولويات الرئيس يون سوك يول في السياسة الخارجية في تعزيز مكانة كوريا الجنوبية على الساحة الدولية، وتحقيق مزيد من التقارب من الولايات المتحدة، واليابان، وردع كوريا الشمالية، وتجنب الاعتماد المفرط على الصين. ويرجح خبراء أن تستمر السياسات الخارجية لإدارة يون بلا تغيير، لا سيما أن الكثير منها لا يحتاج إلى موافقة البرلمان. وهذا، بينما تبقى السياسات الداخلية قيد التساؤلات.
للعلم، دستور كوريا الجنوبية يمنح سلطة حصرية للرئيس في إدارة الشؤون الخارجية، ما يحد من نفوذ البرلمان على هذا الصعيد. وهنا يقول مرجع دبلوماسي إن التأثير الأبرز قد يكون على السياسة تجاه اليابان. ويشار هنا إلى أن التحول الأكثر دراماتيكية في السياسة الخارجية لحكم يون كان بذله جهوداً جادة لتعزيز الثقة الاستراتيجية مع اليابان، وتخفيف حدة المشاعر المناهضة لليابان بين عامة الشعب الكوري. وبالفعل، بدفع من الولايات المتحدة، استجاب رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، بشكل إيجابي، لهذه المساعي. وأثمرت «الثقة الجديدة» بين القيادتين الحاليتين في سيول وطوكيو إلى انعقاد قمة ثلاثية تاريخية بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، استضافها الرئيس جو بايدن في كامب ديفيد في أغسطس (آب) 2023.
بيد أنه من المتوقع أيضاً أن تسعى أحزاب المعارضة الكورية، المدعومة من نحو 60 في المائة من الشعب، لعرقلة التقارب المتزايد مع اليابان، ما يعني أن تحسين العلاقات مع اليابان سيكون التحدي الأكبر على صعيد السياسة الخارجية طيلة الفترة المتبقية من ولاية يون.
أما بالنسبة إلى العلاقات مع الولايات المتحدة، فلقد تبنى يون، منذ تولى منصبه في مايو (أيار) 2022، سياسة خارجية مؤيدة بشدة لواشنطن. وثمة تأييد شعبي قوي للتحالف مع واشنطن في الشارع الكوري الجنوبي تقدر نسبته بنحو 87 في المائة وفق أحد الاستطلاعات. وفي هذا الصدد، استبعد الصحافي والمؤلف الهندي المخضرم براكاش ناندا تبدّل توجه السياسة الخارجية للرئيس يون كثيراً، نظراً لاحتفاظ السلطة التنفيذية بسلطة وضع جدول الأعمال بخصوص معظم هذه الأمور في الأنظمة الرئاسية. غير أن المعارضة قد تقيد السياسة الخارجية للرئيس عبر التدخل التشريعي من خلال التصديق، أو التشريعات التنفيذية المساعدة. وقد تضعف مصداقية حكومته ونفوذها التفاوضي على الساحة الدولية إذا تراجعت عن الإيفاء بالوعود التي قطعتها أمام دول أخرى، جراء القيود السياسية المحلية.
وفيما يخص الصين، كانت العلاقات بين سيول وبكين قد شهدت توتراً منذ ما قبل وصول يون إلى السلطة. وفي استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث في يوليو (تموز) 2023، أعرب 77 في المائة من الكوريين الجنوبيين عن آراء سلبية تجاه الصين. وما زال الشعب الكوري الجنوبي يشعر بقلق عميق بشأن سياسة بكين الخارجية الحازمة، وممارساتها الاقتصادية، ومنها إعاقة بكين السياحة، والترفيه، وغيرهما عام 2016 بعد موافقة سيول على استضافة نظام دفاع صاروخي أميركي. ولكن، رغم ذلك، تبقى الصين أكبر شريك تجاري لكوريا الجنوبية، وقد يحمل الابتعاد عن الصين مخاطر حقيقية على اقتصاد كوريا الجنوبية، بما في ذلك تعطيل سلسلة التوريد. وفعلاً، انتقد قادة المعارضة سياسة يون تجاه بكين التي يرون أنها ألحقت خسائر فادحة باقتصاد كوريا الجنوبية.
وأخيراً، حيال التهديد الذي تمثله كوريا الشمالية، من المرتقب مواصلة يون اتخاذ مواقف أكثر صرامة... بينما لن يكون للغالبية -الأكثر اعتدالاً في البرلمان- نفوذ كبير يسمح بعرقلة أجندته. وهنا لا بد من القول إن تعامل اليمين الكوري المحافظ مع كوريا الشمالية يختلف كثيراً عن «النهج التقدمي» الذي اتبعته الإدارة السابقة، وركز على المفاوضات، والمشاركة.
وبالتالي، خلال الفترة المتبقية من ولاية يون ينتظر منه تعزيز الردع عبر الإعداد لتوجيه ضربات وقائية، وإجراءات انتقامية يمكن أن تشل قيادة بيونغ يانغ حال وقوع هجوم كوري شمالي. وستواصل إدارة يون أيضاً إعطاء الأولوية لتعزيز الردع الأميركي الموسع (أي النووي) تجاه كوريا الشمالية.