حدود تأثير الانتخابات على حسابات السياسة في كوريا الجنوبية

لقاء يون سوك يول وبايدن وكيشيدا في كامب دايفيد اغسطس العام الماضي (أ.ف.ب)
لقاء يون سوك يول وبايدن وكيشيدا في كامب دايفيد اغسطس العام الماضي (أ.ف.ب)
TT

حدود تأثير الانتخابات على حسابات السياسة في كوريا الجنوبية

لقاء يون سوك يول وبايدن وكيشيدا في كامب دايفيد اغسطس العام الماضي (أ.ف.ب)
لقاء يون سوك يول وبايدن وكيشيدا في كامب دايفيد اغسطس العام الماضي (أ.ف.ب)

> تمثلت أولويات الرئيس يون سوك يول في السياسة الخارجية في تعزيز مكانة كوريا الجنوبية على الساحة الدولية، وتحقيق مزيد من التقارب من الولايات المتحدة، واليابان، وردع كوريا الشمالية، وتجنب الاعتماد المفرط على الصين. ويرجح خبراء أن تستمر السياسات الخارجية لإدارة يون بلا تغيير، لا سيما أن الكثير منها لا يحتاج إلى موافقة البرلمان. وهذا، بينما تبقى السياسات الداخلية قيد التساؤلات.

للعلم، دستور كوريا الجنوبية يمنح سلطة حصرية للرئيس في إدارة الشؤون الخارجية، ما يحد من نفوذ البرلمان على هذا الصعيد. وهنا يقول مرجع دبلوماسي إن التأثير الأبرز قد يكون على السياسة تجاه اليابان. ويشار هنا إلى أن التحول الأكثر دراماتيكية في السياسة الخارجية لحكم يون كان بذله جهوداً جادة لتعزيز الثقة الاستراتيجية مع اليابان، وتخفيف حدة المشاعر المناهضة لليابان بين عامة الشعب الكوري. وبالفعل، بدفع من الولايات المتحدة، استجاب رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، بشكل إيجابي، لهذه المساعي. وأثمرت «الثقة الجديدة» بين القيادتين الحاليتين في سيول وطوكيو إلى انعقاد قمة ثلاثية تاريخية بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، استضافها الرئيس جو بايدن في كامب ديفيد في أغسطس (آب) 2023.

بيد أنه من المتوقع أيضاً أن تسعى أحزاب المعارضة الكورية، المدعومة من نحو 60 في المائة من الشعب، لعرقلة التقارب المتزايد مع اليابان، ما يعني أن تحسين العلاقات مع اليابان سيكون التحدي الأكبر على صعيد السياسة الخارجية طيلة الفترة المتبقية من ولاية يون.

أما بالنسبة إلى العلاقات مع الولايات المتحدة، فلقد تبنى يون، منذ تولى منصبه في مايو (أيار) 2022، سياسة خارجية مؤيدة بشدة لواشنطن. وثمة تأييد شعبي قوي للتحالف مع واشنطن في الشارع الكوري الجنوبي تقدر نسبته بنحو 87 في المائة وفق أحد الاستطلاعات. وفي هذا الصدد، استبعد الصحافي والمؤلف الهندي المخضرم براكاش ناندا تبدّل توجه السياسة الخارجية للرئيس يون كثيراً، نظراً لاحتفاظ السلطة التنفيذية بسلطة وضع جدول الأعمال بخصوص معظم هذه الأمور في الأنظمة الرئاسية. غير أن المعارضة قد تقيد السياسة الخارجية للرئيس عبر التدخل التشريعي من خلال التصديق، أو التشريعات التنفيذية المساعدة. وقد تضعف مصداقية حكومته ونفوذها التفاوضي على الساحة الدولية إذا تراجعت عن الإيفاء بالوعود التي قطعتها أمام دول أخرى، جراء القيود السياسية المحلية.

وفيما يخص الصين، كانت العلاقات بين سيول وبكين قد شهدت توتراً منذ ما قبل وصول يون إلى السلطة. وفي استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث في يوليو (تموز) 2023، أعرب 77 في المائة من الكوريين الجنوبيين عن آراء سلبية تجاه الصين. وما زال الشعب الكوري الجنوبي يشعر بقلق عميق بشأن سياسة بكين الخارجية الحازمة، وممارساتها الاقتصادية، ومنها إعاقة بكين السياحة، والترفيه، وغيرهما عام 2016 بعد موافقة سيول على استضافة نظام دفاع صاروخي أميركي. ولكن، رغم ذلك، تبقى الصين أكبر شريك تجاري لكوريا الجنوبية، وقد يحمل الابتعاد عن الصين مخاطر حقيقية على اقتصاد كوريا الجنوبية، بما في ذلك تعطيل سلسلة التوريد. وفعلاً، انتقد قادة المعارضة سياسة يون تجاه بكين التي يرون أنها ألحقت خسائر فادحة باقتصاد كوريا الجنوبية.

وأخيراً، حيال التهديد الذي تمثله كوريا الشمالية، من المرتقب مواصلة يون اتخاذ مواقف أكثر صرامة... بينما لن يكون للغالبية -الأكثر اعتدالاً في البرلمان- نفوذ كبير يسمح بعرقلة أجندته. وهنا لا بد من القول إن تعامل اليمين الكوري المحافظ مع كوريا الشمالية يختلف كثيراً عن «النهج التقدمي» الذي اتبعته الإدارة السابقة، وركز على المفاوضات، والمشاركة.

وبالتالي، خلال الفترة المتبقية من ولاية يون ينتظر منه تعزيز الردع عبر الإعداد لتوجيه ضربات وقائية، وإجراءات انتقامية يمكن أن تشل قيادة بيونغ يانغ حال وقوع هجوم كوري شمالي. وستواصل إدارة يون أيضاً إعطاء الأولوية لتعزيز الردع الأميركي الموسع (أي النووي) تجاه كوريا الشمالية.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
TT

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)

تُعَدُّ الشراكة بين السعودية والصين فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات حيوية عدة. إذ يوفر التعاون في الطاقة النظيفة والابتكار التكنولوجي فرصاً لدعم أهداف السعودية في تحقيق «رؤية 2030» وزيادة استخدام الطاقة المستدامة، كما أن الاستثمار في مشاريع كبرى مثل «نيوم» يفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة ويعزز من النمو المشترك.

في مجالات التكنولوجيا والابتكار، يعزّز التعاون في قطاعي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية من قدرة السعودية على تحقيق أهدافها التكنولوجية، ويقوّي الروابط الاقتصادية بين البلدين، ومن جهة أخرى، يعزز التبادل الثقافي والتعليم من العلاقات الإنسانية ويزيد من التعاون بين الشعبين.

مع هذا، تواجه الشراكة تحدياتٍ قد تؤثر على العلاقات الثنائية، وتشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية الدولية التي تتطلب مزيداً من الحكمة والروية من أجل درء تعارض المصالح، والتقلبات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على حجم التبادل التجاري والاستثمارات. ولا شك أن الاختلافات الثقافية والسياسية تستوجب تعزيز الحوار والتفاهم، كما يتطلب تحقيق التنمية المستدامة التنسيق بين المشاريع المشتركة وضمان توافقها مع معايير البيئة.

مستقبلاً، يتوقع أن يزداد التعاون في الطاقة النظيفة - وتقف مشاريع مثل «نيوم» حافزاً كبيراً لتعزيز الاستثمارات الصينية في المملكة -، كذلك عبر تكثيف الفعاليات الثقافية والتبادلات التعليمية، يؤمل تمتين الروابط بين الشعبين، ويمكن أن يشمل التعاون المستقبلي المجالات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. وحقاً، من شأن دعم السعودية مبادرة «الحزام والطريق»، الإسهام في تعزيز البنية التحتية والنقل بين الصين والشرق الأوسط، مع الأخذ في الحسبان تكيّف الشراكة مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية باعتماد استراتيجيات مرنة.

إن العلاقات السعودية الصينية اليوم نموذج للشراكة الاستراتيجية المتكاملة التي تستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية، ومع مواصلة تطوير هذه الشراكة يتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين مزيداً من النمو في مختلف المجالات؛ ما يخدم مكانتيهما على الساحة الدولية. وأخيراً، إن الشراكة بين السعودية والصين لا تقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تمتد لتسهم في استقرار الاقتصاد العالمي وتنميته بشكل عام. إذ تجسّد هذه الشراكة نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي القائم على تحقيق مصالح مشتركة؛ مما يساهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين. وهنا تبرز خصوصاً الرؤية الاستراتيجية عند البلدين والتزامهما بالابتكار والتعاون ليفتحا أبواباً جديدة للتنمية والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.