بسيرو ديوماي فاي «صديق عثمان سونكو»... الذي يسعى إلى تغيير وجه السنغال

تحوّلات دراماتيكية حملته من السجن إلى قصر الرئاسة

بسيرو ديوماي فاي «صديق عثمان سونكو»... الذي يسعى إلى تغيير وجه السنغال
TT

بسيرو ديوماي فاي «صديق عثمان سونكو»... الذي يسعى إلى تغيير وجه السنغال

بسيرو ديوماي فاي «صديق عثمان سونكو»... الذي يسعى إلى تغيير وجه السنغال

عندما وقف السياسي الشاب بسيرو (بشير) ديوماي فاي، ليؤدي اليمين الدستورية رئيساً جديداً للسنغال مطلع الشهر الحالي، لم يكن يتصور أنه قبل سنة واحدة فقط كان يقف في مكان وظروف مختلفة تماماً، ففي أبريل (نيسان) من العام الماضي لم يكن فاي سوى سجين متهم بالتشهير والقيام بأعمال من شأنها «تعريض السلام العام للخطر». ولكن ما بين أبريل 2023، وأبريل 2024 جرت في نهر الحياة السياسية السنغالية مياه كثيرة، قادت سفينة مفتش الضرائب السابق، الآتي من إحدى القرى النائية بريف السنغال، إلى قصر الرئاسة، لتدور حياة فاي في بضعة أيام دورة كاملة.

قبل 10 أيام فقط من انطلاق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية السنغالية لم يكن ذلك، بسيرو (بشير) ديوماي فاي، السياسي ابن الـ44 سنة، سوى سجين يترقب مصيره خلف الأسوار، فإذا به يخرج من السجن ليتصدر قائمة المرشحين، ويحظى بفوز حاسم من الجولة الأولى في مواجهة مرشح الائتلاف الحاكم. ولقد جاء هذا الفوز بمثابة لحظة فارقة في تاريخ السنغال، ليس بوصول أصغر رئيس في تاريخ البلاد إلى القصر الرئاسي فقط، أو لأنه آتٍ من صفوف المعارضة، بل باعتبار ما حدث تحولاً جوهرياً للإرث السياسي للبلاد الذي استقر طيلة 6 عقود.

فاي عام 1980 في قرية ندياجانياو، وهي قرية زراعية صغيرة في غرب السنغال، تتبع إقليم تييس، ثاني أكبر أقاليم البلاد، وموطن رئيسها الأول ليوبولد سيدار سونغور، في هذه المنطقة الفقيرة، عاش جزءاً من طفولته ومراهقته، قبل أن يحصل على الثانوية العامة (البكالوريا) عام 2000، بعد صعوبات تعليمية ومجموع متوسط مكّنه من الالتحاق بـ«المدرسة الوطنية للإدارة» في جامعة الشيخ أنتا جوب بالعاصمة داكار، حيث تخرّج عام 2007، حاصلاً على «المتريز» (الإجازة) في القانون. بعدها انضم إلى الإدارة العامة للضرائب والممتلكات، وعمل مفتشاً للضرائب. غير أن تلك الوظيفة شكّلت نقطة تحول حقيقية في حياة ذلك الشاب الذي لم يكن حتى تلك اللحظة لديه طموحات سياسية كبيرة، بل ربما اقتصر الأمر على رغبته في الترقي المهني.

التعرّف إلى سونكو

تمثلت نقطة التحوّل في لقاء فاي بشاب يكبره بـ5 سنوات، لكنه كان شغوفاً بالسياسة، ومفعماً بأحلام التغيير، وسيصبح لاحقاً صديق عمره وقائده في دروب العمل السياسي. ذلك الشاب هو عثمان سونكو، الذي كان يتردد على النادي الرياضي نفسه الذي كان يتردد عليه فاي. وكذلك، عمل أيضاً مفتشاً للضرائب في تلك الفترة.

وهكذا، انطلقت رحلة صعود الصديقين، سونكو وفاي، من رحم المعاناة المهنية. إذ سعى الأول إلى تأسيس نقابة للوكلاء الضريبيين والماليين، لينضم إليه الأخير ويتشاركا العمل على كشف التجاوزات وسوء الإدارة في كثير من مجالات العمل الحكومي بالبلاد. لكن يبدو أن العمل في الضرائب ما كان كافياً لإشباع تطلّعات الشابين الطامحين للتغيير، فخلال عام 2014 شارك فاي رفيق رحلة الكفاح سونكو في تأسيس «حزب الوطنيين الأفارقة السنغاليين من أجل العمل والأخلاق والأخوة» - أو «الحزب الوطني السنغالي» - في قاعة صغيرة بجامعة داكار، وهو الحزب الذي ترأسه عثمان سونكو، وأصبح فاي أمينه العام في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2022.

برزت قدرات فاي في إطار التنظيم الحزبي الجديد، عندما تحوّل إلى «العقل المدبّر» لتوسع الحزب في الخارج، ولا سيما أوروبا. في حين صار سونكو، بخطابه الراديكالي، مصدر إزعاج للسلطات الحاكمة، التي لم تحاول فقط تقليص نشاط السياسي الشاب، عبر سجنه، بل سعت إلى حرمانه من المنصة السياسية التي ينطلق منها، أي الحزب الذي يتزعمه. وهكذا، جاء قرار حلّ الحزب في يوليو (تموز) 2023 تالياً لاعتقال عدد من قياداته، ومنهم فاي يوم 14 أبريل من العام ذاته بتهم الإساءة إلى قاضٍ، والتشهير، وارتكاب أعمال من شأنها تعريض السلام العام للخطر. كل هذا، لانتقاده عبر منشور على صفحته بموقع «فيسبوك» طريقة تعامل القضاء مع قضية عثمان سونكو الذي سبقه إلى السجن، ومُنع من الترشح لانتخابات الرئاسة، فاختار فاي بديلاً له ليخوض الانتخابات التي كادت تتحول إلى نهاية للديمقراطية السنغالية.

من السجن إلى القصر

لقد تضاعفت المخاوف من أن تنجرف السنغال إلى المسار «الانقلابي» عندما أعلن الرئيس المنتهية ولايته ماكي سال، يوم 3 فبراير (شباط) الماضي، تأجيل الانتخابات التي كانت مقرّرة في 25 من الشهر ذاته. إذ انفجر الشارع السنغالي غضباً، ووقعت صدامات في الشارع راح ضحيتها قتلى ومصابون، وقاطع معظم الأحزاب السياسية والمرشحون الـ19 لتلك الانتخابات دعوات الرئيس سال للحوار.

عندها، تراجع الرئيس رغم موافقة البرلمان الذي تسيطر عليه غالبية من الائتلاف الحاكم على قرار التأجيل، لكن «المجلس الدستوري» (أعلى سلطة قانونية في السنغال) أبطل تلك القرارات، ودعا إلى إجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن، وهنا أيضاً اضطر الرئيس سال إلى إعلان إجراء الانتخابات في 24 مارس (آذار) الماضي.

في هذه الأثناء، كان الصديقان سونكو وفاي لا يزالان خلف أسوار السجن، وإن بدا الأخير في وضع أفضل نسبياً. إذ غاب اسم رئيس الحزب السجين عثمان سونكو عن قائمة مرشحي الرئاسة التي أعلنها «المجلس الدستوري» يوم 13 يناير (كانون الثاني) الماضي، رغم كل التقديرات التي كانت تشير إلى أنه أبرز المرشحين المؤهلين لمنافسة أمادو با، المرشح المدعوم من الرئيس ماكي سال، بينما استطاع فاي دخول القائمة، كمرشح بديل. أما السبب فهو أن سونكو المحكوم قضائياً بالسجن لمدة سنتين لا يحق له خوض الانتخابات، في حين لم يخضع فاي للمحاكمة، وبالتالي، لم يصدر ضده أي حكم قضائي.

لعبت الأقدار إذاً لعبتها، وأصبح فاي مرشحاً للانتخابات الرئاسية رغم كونه موقوفاً في سجن كاب مانويل، بضواحي العاصمة داكار، من دون محاكمة. وللعلم، لم تكن أكثر التوقعات تفاؤلاً ترشّحه للفوز من الجولة الأولى، لكن قبل 10 أيام من الانتخابات الرئاسية تبدّلت الأمور، وأطلق سراح كل من فاي وسونكو بموجب قانون عفو.

لم يكن أمام الصديقين فسحة من الوقت لتنظيم حملة انتخابية بالمعايير المعتادة، لمنافسة مرشحين ينتمون إلى أحزاب معارضة أخرى، وفي مواجهة قوى الائتلاف الحاكم، التي كان يمثلها المرشح الذي اختاره الرئيس سال ليخلفه، أي أمادو با، الذي شغل كثيراً من المناصب الوزارية ويتمتع بخبرة طويلة في دهاليز السياسة والحكم.

استفاد فاي من حالة التعاطف الشعبي التي تسببت فيها فترة سجنه لمدة سنة من دون محاكمة، إضافة إلى تركيز خطاباته على مشكلات الطبقات الهشة والمهمشة

توظيف الغضب

استعان تحالف سونكو وفاي، بما برع فيه الصديقان منذ دخولهما عالم السياسة، وهو اللعب على مشاعر الغضب والإحباط المتراكمة لدى قطاعات واسعة من الشباب السنغالي، كما استطاعا توظيف غضب المجتمع السنغالي جراء ارتفاع الأسعار، وتدني فرص التشغيل، واختلال سياسات التوازن الاقتصادي.

أيضاً، استفاد فاي من حالة التعاطف الشعبي التي تسببت فيها فترة سجنه لمدة سنة من دون محاكمة، إضافة إلى تركيز خطاباته على مشكلات الطبقات الهشة والمهمشة. ومن ناحية أخرى، استفاد من دعم المرشح المُستبعد كريم واد، نجل الرئيس السنغالي الأسبق عبد الله واد، المدعوم من عدد من الأحزاب السياسية. وبالنهاية، استطاع الشاب الذي لم يتولّ أي منصب رسمي في البلاد، الفوز في الانتخابات حاصلاً على أكثر من 54 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، مقابل 35 في المائة لمرشح الائتلاف الحاكم أمادو با ، ليغدو الرئيس الخامس في سلسلة رؤساء السنغال منذ الاستقلال، والأصغر سناً على الإطلاق.

ما يعرف عن الرئيس الجديد أنه لا يفصح بشكل علني عن تبنيه آيديولوجيا سياسية محددة، بل يركز في معظم خطبه على قضايا اجتماعية ورغبة عميقة في تأكيد الاستقلال عن الهيمنة الفرنسية، بجانب التركيز على قضايا الإصلاح والحريات. إلا أن كثيراً من التقارير تشير إلى أنه كان مقرباً خلال دراسته الجامعية من الحركات الطلابية ذات النزعة الإسلاموية والمرتبطة بجماعة «عباد الرحمن»، وهي حركة سنغالية تتبنى فكر تنظيم «الإخوان المسلمين»، وأسست في أواخر سبعينات القرن الماضي. ولعل ذلك ما دفع صحيفة «لوموند» الفرنسية إلى نشر تقرير عن «فاي» ادعت فيه أنه «امتداد لـ(الإخوان المسلمين)، وسيشكل قطيعة مع ما درج عليه النظام السياسي في السنغال». ومع أن الرئيس الجديد لم يُبد انحيازاً واضحاً لتيار سياسي محدد، نجد أن كثيرين من المراقبين يرون أن عثمان سونكو «جزء من الظاهرة الإسلاموية» التي تتمدد في السنغال.

 

وعود بإدارة «أخلاقية»

في أي حال، يراهن فاي على أنه سيقدم وجها مختلفاً للحاكم القادم من مقاعد المعارضة، إذ تعهد عقب إعلان فوزه بأن «السنغال ستكون بلد الأمل والسلام، مع نظام قضائي مستقل وديمقراطية أقوى»، كما وعد بإدارة الأمور بـ«طريقة أخلاقية» وبناء الاقتصاد.

وخلال حملته الانتخابية قال فاي أنه «مرشح تغيير النظام» و«الوحدة الإفريقية»، ووعد بمكافحة الفساد وتوزيع الثروات بصورة أفضل ومعاودة التفاوض بشأن اتفاقات المناجم والغاز والنفط المبرمة مع الشركات الأجنبية. وأيضاً، تعهد بـ«تطهير الطبقة السياسية من خلال إبعاد المفسدين من السلطة واستعادة سيادة السنغال»، وفق تعبيره.

طموحات فاي تبدو عالية السقف، فهي تتراوح من مراجعة اتفاقيات الصيد مع الدول المجاورة، حيث تتضاءل الموارد السمكية التي تدعم نحو 600 ألف أسرة سنغالية، لتصل إلى مراجعة اتفاقيات الدفاع مع فرنسا بهدف «استعادة السيادة»، وهو التعبير الذي استخدمه ما لا يقل عن 18 مرة في خطاب الفوز بالانتخابات. لكن هذه الوعود الصاخبة التي قد تستهوي الناخبين وتجتذب الأصوات، غالباً ما تخبو عندما تصطدم بحقائق الواقع، فضلاً عما يمكن أن تثيره من مخاوف ما يسمى بمؤسسات «الدولة العميقة» التي غالباً ما تنظر بقلق إلى شعارات كـ«التطهير» و«إعادة بناء المؤسسات».

ثم إن التحديات التي سيواجهها الرئيس السنغالي الجديد لا تقتصر على الإصلاح السياسي فقط. إذ إن النمو السكاني السريع في السنغال يشكل تحدياً كبيراً للحكومة، فنحو 20 في المائة من الشباب عاطلون عن العمل، ويشكل الفقر نسبة 36.6 في المائة من إجمالي تعداد السكان البالغ 18 مليون نسمة. ومع أن السنغال تمتلك أراضي زراعية شاسعة، فإنها تستورد 70 في المائة من احتياجاتها الغذائية، ولا تزال الزراعة تعتمد على الطرق البدائية، وبحسب «الأمم المتحدة»، تصنف البلاد كواحدة من أقل الدول نمواً، رغم الخطوات التي قامت بها لتحقيق التنمية الاقتصادية. وبالتالي، سيكون على فاي أن يتعامل مع تحديات اقتصادية متراكمة مع تجاوز حجم الدين الخارجي للسنغال 13.5 مليار دولار، وذهاب 36 في المائة من صادرات البلاد لسداد الديون. وأيضاً، هناك واقع اعتماد الدولة السنغالية على القروض والمنح، ما يبقيها رهينة لضغوط قوية من الشركاء الخارجيين، وقد تجد صعوبات في تمويل الوعود الانتخابية الطموحة التي أطلقها فاي خلال حملته الرئاسية.

تحديات... بالجملة

الواقع أن التحديات لا تقتصر على الداخل السنغالي، بل تمتد إلى خارج الحدود. فعدد من مواقف فاي وتصريحاته لا تبدو ودية تجاه فرنسا، المستعمر القديم للبلاد، وصاحبة النفوذ التاريخي في منطقة الغرب الأفريقي، وتعهده بإصدار عملة وطنية للبلاد بديلاً عن «الفرنك الأفريقي» لن يكون موضع ترحيب من جانب باريس، التي يتهاوى نفوذها في المنطقة، نتيجة صعود نخب شابة إلى الحكم في كثير من مستعمرات فرنسا القديمة.

ورغم اختلاف مسارات وصول «الحكام الجدد» إلى السلطة، سواء عبر انقلابات عسكرية - كحال كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وغينيا والغابون - أو من خلال صناديق الاقتراع كالسنغال، فإن النخب الجديدة تتشارك عداءً واضحاً تجاه الهيمنة الفرنسية.

ولن تكون فرنسا وحدها من يترقب سياسات الرئيس السنغالي الجديد، بل سيكون على الجيران في موريتانيا أيضاً متابعة نيات فاي، وبخاصة ما يتعلق بمراجعة اتفاقيات الغاز المشترك بين البلدين، وهو المطلب الذي طالما كرّره عثمان سونكو، الذي يرى أن رؤساء السنغال تنازلوا لموريتانيا عن أراضٍ ومصالح سنغالية متعددة. هذا الأمر يثير مخاوف عميقة في نواكشوط، خاصة أن الجارين اختبرا على مدى عقود تقلبات العلاقة من الحرب إلى السلام ومن التوتر إلى التقارب، كما توجد في موريتانيا جالية سنغالية كبيرة، معظم أبنائها من الصيادين والعمال اليدويين. ولقد تسجّل 27 ألف ناخب سنغالي في نواكشوط عام 2024... صوّت منهم قرابة 10 آلاف شخص، وحصد منها فاي نسبة 55 في المائة.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.