لوران غباغبو... رئيس كوت ديفوار السابق الطامح للعودة إلى الأضواء

يسعى مجدداً للسلطة رغم «عدم أهليته» قانونياً

عام 2002 اتُّهم أنصار غباغبو بتنفيذ هجمات معادية للأجانب في المناطق التي يسيطرون عليها وكذلك ضد أولئك الذين يتحدرون من الشمال ذي الغالبية المسلمة
عام 2002 اتُّهم أنصار غباغبو بتنفيذ هجمات معادية للأجانب في المناطق التي يسيطرون عليها وكذلك ضد أولئك الذين يتحدرون من الشمال ذي الغالبية المسلمة
TT

لوران غباغبو... رئيس كوت ديفوار السابق الطامح للعودة إلى الأضواء

عام 2002 اتُّهم أنصار غباغبو بتنفيذ هجمات معادية للأجانب في المناطق التي يسيطرون عليها وكذلك ضد أولئك الذين يتحدرون من الشمال ذي الغالبية المسلمة
عام 2002 اتُّهم أنصار غباغبو بتنفيذ هجمات معادية للأجانب في المناطق التي يسيطرون عليها وكذلك ضد أولئك الذين يتحدرون من الشمال ذي الغالبية المسلمة

طامحاً في العودة إلى الأضواء بعد سنوات السجن، يسعى رئيس كوت ديفوار السابق لوران غباغبو إلى الترشح لرئاسة البلاد في الانتخابات المقرر عقدها العام المقبل، وهذا رغم «لا أهليته» كونه سبق الحكم عليه بالسجن في اتهامات بـ«السرقة». ويسعى الرئيس السابق (79 سنة) إلى الصعود مرة أخرى إلى قمة السلطة في البلد الواقع غرب أفريقيا، بعد مراحل هبوط وصعود وسمت حياته السياسية، وحولته من معارض إلى رئيس ومن ثم إلى سجين. وفي العاشر من مارس (آذار) الحالي، أعلن حزب «الشعوب الأفريقية - ساحل العاج» المعارض، موافقة غباغبو على الترشح في الانتخابات الرئاسية المتوقع إجراؤها في أكتوبر (تشرين الأول) 2025، ما أثار تساؤلات حول إمكانية تحقيق ذلك قانونياً، وما إذا كان الرئيس السابق الذي لم يتمكن من الإدلاء بصوته في الانتخابات المحلية التي جرت في سبتمبر (أيلول) الماضي، قادراً بالفعل على المنافسة على كرسي الحكم، لا سيما أن حزبه فشل في الفوز في الانتخابات المحلية وطعن في نتائجها.

على الرغم من أن لوران غباغبو، الذي حكم كوت ديفوار في الفترة من عام 2000 وحتى عام 2011، برأته المحكمة الجنائية الدولية عام 2019، من اتهامات بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية» إبان أحداث العنف الدموية التي أعقبت الانتخابات في 2010 و2011، فإنه أدين في بلده عام 2018، بتهمة «سرقة» البنك المركزي لدول غرب أفريقيا عام 2011، وحكم عليه بالسجن لمدة عشرين سنة.

بيد أن غباغبو لم ينفذ العقوبة، وذلك لكون الرئيس الحالي لكوت ديفوار الحسن واتارا أصدر عام 2022 قراراً بالصفح عنه، الأمر الذي جنبه السجن لكنه لم يلغ العقوبة.

جدير بالذكر، أنه بموجب القانون في كوت ديفوار «لا يحق لأي شخص محكوم أن يترشح للانتخابات». لكن على ما يبدو، فإن لدى حزب الرئيس السابق، «حزب الشعوب الأفريقية - ساحل العاج»، رأياً آخر؛ إذ أعلن عزمه عقد «مؤتمر استثنائي لتسمية غباغبو مرشحاً رسمياً». وعدّ الانتخابات الرئاسية والاستحقاقات الانتخابية الأخرى خلال عام 2025 «أولوية».

ليس هذا فحسب، بل أشار الحزب أيضاً إلى أنه «سيسعى إلى إعادة تسجيل اسم غباغبو على لائحة الانتخابات»، بعدما جرده الحكم الصادر في 2018 من حقوقه المدنية والسياسية، وبالتالي شطب اسمه من اللوائح الانتخابية.

خلفية شخصية

ولد لوران غباغبو يوم 31 مايو (أيار) 1945، لعائلة كاثوليكية كانت تعيش في قرية ماما، القريبة من بلدة غانيوا بوسط غرب كوت ديفوار. وهي منطقة اشتهرت بزراعة الكاكاو.

بعدها تلقى تعليماً كلاسيكياً واختار المجال الأكاديمي لا سيما، بحصوله على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة باريس - السوربون، حيث كان أقرانه يلقبونه بـ«شيشرون»، (الفيلسوف والخطيب الروماني)، بسبب حبه للغة اللاتينية إبان فترة دراسته. وبالفعل، بدأ حياته المهنية محاضراً جامعياً، وسُجن لمدة سنتين في عام 1971 بتهمة «التدريس الهدام». وكان اسمه الحركي، وقتها، «الأخ الأصغر». أما على الصعيد العائلي، فغباغبو أب لابنتين من زوجته سيمون، وابن من زواج أول بسيدة فرنسية، اسمه ميشال هو كاتب ونائب عن «الجبهة الشعبية لساحل العاج».

نقابات ويسار

عبر الحركة النقابيّة خطا غباغبو أولى خطواته السياسية، مكرّساً اسمه بوصفه معارضاً سياسياً يسارياً دخل في مواجهات مع السلطة أدت إلى سجنه.

وفي الثمانينات من القرن الماضي، شارك في النشاط النقابي بين الأكاديميين. وكان من أوائل الذين تحدّوا الرئيس المؤسس لساحل العاج «أبو الأمة» فيليكس هوفويت بوانيي، من خلال تأسيسه سراً حزب «الجبهة الشعبية» في نظام دولة الحزب الواحد التي يرأسها بوانيي، ما أدى إلى سجنه ثم نفيه إلى فرنسا عام 1982.

بعد ست سنوات عاد غباغبو إلى كوت ديفوار، وعام 1990 بدأ العمل السياسي علناً، مع ظهور نظام التعددية الحزبية الذي حارب من أجله، ودشن حزب «الجبهة الشعبية الإيفوارية». وفي حينه، واجه بوانيي في أول انتخابات تعدّدية عرفتها البلاد عام 1990، إلا أنه خسر.

المعارض رئيساً

ولكن، بعد 20 سنة أمضاها في مقعد المعارضة، وصل لوران غباغبو إلى السلطة، مع انتخابه رئيساً يوم 26 أكتوبر (تشرين الأول) 2000. ولقد جاء فوزه في ظل ظروف «كارثية» باعترافه؛ إذ ملأت الاحتجاجات شوارع أبيدجان، في أعقاب فوزه على الجنرال روبير غيي، الذي قاد انقلاباً عسكرياً في ديسمبر (كانون الأول) 1999، ورفض أن يعترف بهزيمته في الانتخابات الرئاسية.

وهكذا، دخلت كوت ديفوار في مرحلة من العنف السياسي عقبت تلك الانتخابات، التي استُبعد منها الرئيس الحالي (الذي كان وقتها رئيساً للوزراء) الحسن واتارا، كما استبعد الرئيس الأسبق للبلاد هنري كونان بيدييه، الذي أطاح به الجنرال غيي.

استمرّت أحداث العنف، وفي سبتمبر عام 2002، شهدت كوت ديفوار حركة «تمرد» للإطاحة بغباغبو، لكنها فشلت في تحقيق هدفها، وإن استطاعت فرض سيطرتها على شمال البلاد.

يومذاك، كان غباغبو يرى أن «واتارا يقف خلف ذلك التمرد». وفي مواجهة المتمردين، اعتمد غباغبو على جماعة «الوطنيين الشباب»، الذين أشعلوا النار في الشوارع.

ومن ثم، بعد انتخابه رئيساً، قال غباغبو إنه سيكسر تقليد «عبادة الحاكم»، مشدداً على أنه «لم يعد من الضروري وضع صور الرئيس في الأماكن العامة والمكاتب». وأضاف أن «وسائل الإعلام الوطنية لن تضطر بعد الآن إلى ذكر الرئيس في جميع البرامج الإخبارية».

غير أن العكس حدث، ففي أثناء وجود غباغبو في السلطة، سلطت معظم نشرات الأخبار الضوء على الأنشطة اليومية التي يمارسها الرئيس.

من جهة ثانية، خلال تاريخه السياسي اتخذ غباغبو موقفاً قومياً معادياً للأجانب، حتى اتُّهم بـ«ركوب موجة كراهية الأجانب» التي اجتاحت البلاد إبان حكم الرئيس الأسبق كونان بيدي، الذي أعلى من مفهوم «الإيفواريين»، لمنع واتارا - وهو مسلم له روابط عائلية وإثنية مع بوركينا فاسو المجاورة - من الترشح للانتخابات الرئاسية في التسعينات من القرن الماضي.

الحرب الأهلية الثانية

وعندما اندلعت أحداث العنف في كوت ديفوار، أو ما يعرف بـ«الحرب الأهلية الثانية»، عام 2002، اتُّهم أنصار غباغبو بتنفيذ هجمات معادية للأجانب في المناطق التي يسيطرون عليها، وكذلك ضد أولئك الذين يتحدرون من الشمال ذي الغالبية المسلمة، والمهاجرين من الدول الأفريقية المجاورة والغربيين.

في حينه قسم التمرد كوت ديفوار إلى نصفين مع سيطرة المتمردين على شمال البلاد، مع العلم أن قوات غباغبو لم تتمكن قط من استعادة السيطرة على الشمال. وهكذا، عام 2007، وقّع غباغبو اتفاق سلام مع المتمردين.

من الرئاسة إلى السجن

وكما رفض الجنرال غيي من قبل الاعتراف بخسارته الانتخابات أمام غباغبو، فعل الأخير الشيء نفسه، عندما رفض الاعتراف بفوز الحسن واتارا في الانتخابات الرئاسية عام 2010. غير أن واتارا، الذي كان يُنظر إليه دولياً على أنه الفائز في الانتخابات التي أجريت قبل خمسة أشهر، استطاع بدعم حلفائه المتمردين وبمساندة فرنسا، إجبار غباغبو في أبريل (نيسان) 2011، على التنحي عن منصبه، بل أُلقى القبض عليه في مخبأ بالقصر الرئاسي عبر قوات الأمم المتحدة والقوات المدعومة من فرنسا.

أدى الصراع على السلطة في ذلك الوقت إلى مقتل نحو 3000 شخص. وللعلم، كان غباغبو يزعم أن «النزاع حول رئاسة البلاد هو في الأصل صراع من أجل السيادة الإيفوارية والأفريقية». ومن ثم اتهم فرنسا والولايات المتحدة بالوقوف ضده. وكان يقول إن «كوت ديفوار أمة باركها الله، وإن المستعمرين الجدد يريدون السيطرة عليها بسبب حقول الكاكاو والنفط».

في أي حال، سجن غباغبو في كورهوغو (شمال كوت ديفوار) أولاً، ثم نقل إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا، حيث أصبح أول رئيس دولة سابق يحاكم هناك.

وخلال المحاكمة سعى إلى التأكيد على «نزاهته»، دافعاً بـ«مؤامرة» أدت إلى اعتقاله من قصر الرئاسة، تقف خلفها فرنسا، الدولة التي استعمرت كوت ديفوار سنوات حتى استقلالها عام 1960.

لكن حجة المؤامرة لم تفلح، وأيّد الاتحاد الأفريقي النتيجة التي توصلت إليها الأمم المتحدة بأن غباغبو خسر الانتخابات وعليه أن يتنحى.

وعام 2013، في أول تصريحات له عقب تنحيه عن السلطة، ادعى غباغبو، أمام المحكمة الجنائية الدولية أنه كان دائماً «يناضل من أجل الديمقراطية». ووفق الـ«بي بي سي» تكلم الرئيس السابق لنحو 15 دقيقة، وبدا «سياسياً واثقاً من نفسه، وليس شخصاً يواجه تهماً خطيرة». وكان أنصاره يتابعونه وينظرون إليه بإعجاب شديد خلال حديثه مع القضاة.

ومما قاله غباغبو للمحكمة إنه لم يكن الشخص الأكثر ثراء أو الأكثر موهبة، وإنه دخل عالم السياسة «لتكريس حياته للدفاع عن الديمقراطية».

بعد ذلك، عانى غباغبو من اضطرابات ما بعد الصدمة في السجن، لكن القضاة رفضوا في عام 2015 طلبه بالحصول على إفراج مؤقت لأسباب صحية. وظل في السجن إلى أن برأته المحكمة عام 2019. وهنا نشير إلى زوجة غباغبو، سيمون، سياسية أيضاً، ورآها كثيرون القوة المتشددة الحقيقية وراء زوجها، والسبب المباشر وراء منع زوجها من التخلي عن منصبه.

وحقاً، كانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت مذكرة اعتقال بحق سيمون أيضاً، لكن حكومة كوت ديفوار رفضت تنفيذها، مكتفية بإصدار حكم محلي عليها بالسجن 20 سنة؛ لدورها في أعمال العنف التي أعقبت انتخابات 2010.

ولاحقاً، في أغسطس (آب) 2018، أصدر الرئيس واتارا عفواً رئاسياً عن سيمون، في خطوة قيل إنها استهدفت «تعزيز المصالحة».

عودة لملعب السياسة

إبان فترة السجن خسر لوران غباغبو قيادة حزب «الجبهة الشعبية الإيفوارية» الذي أسسه سابقاً أمام حليف سابق له، لكنه «ظل يحتفظ بقاعدة كبيرة من المؤيدين». وحسب معلقين، «يجسد غباغبو القطيعة مع الإرث الاستعماري الفرنسي»، ما يجعله «يحظى بشعبية لدى الأجيال الشابة». كذلك ارتبطت شعبيته بمواقفه الصاخبة وشخصيته الخطابية.

وهذه الشعبية بدت واضحة في الاستقبال الحافل الذي حظي به عقب عودته إلى البلاد عام 2021، بعد غياب استمرّ عشر سنوات، لا سيما في قريته ماما، وفي أحياء الطبقة العاملة في أبيدجان، كبرى مدن البلاد وقاعدتها الكبرى، بما فيها معقله يوبوغون.

وإثر العودة دشن السياسي المخضرم، فور عودته إلى كوت ديفوار، «حزب الشعوب الأفريقية - ساحل العاج». وأبدى رغبته في المشاركة في الحياة السياسية، ما عُدّ إشارة إلى أنه «لا يرغب في الانتقام»، بل بالعكس يسعى لـ«المصالحة الوطنية» في بلد لا يزال يمزقه العنف السياسي العرقي الذي صبغ تاريخه في السنوات الـ20 الماضية.

على المستوى الشخصي عرف غباغبو بأنه «سريع الغضب»، ولا سيما ضد من كان يصفهم بـ«الصحافيين المتغطرسين»، لكنه في المقابل اشتهر بابتسامة عريضة وضحكة سهلة عفوية، وقدرة على التواصل الفطريّ مع الناس، كما عرف بمصافحاته القوية. ومن جوانب شخصيته أنه يعشق الموسيقى والطعام الجيد. ما لقب في قريته بـ«أسد أفريقيا»، و«وودي ماما»، وهي عبارة تعني «رجلاً حقيقياً» بلغة مجموعته العرقية «البيتي».

اليوم، يعود غباغبو، الذي خاض من قبل حملته الانتخابية تحت شعار «إما ننتصر وإما ننتصر»، إلى الساحة السياسية لاعباً عنيداً، يطرح نفسه «مدافعاً عن المظلومين»، و«اشتراكياً مسالماً»، لكن خصومه يتهمونه بأن له «صلات بجماعات عنف مسلح»، وأنه زعيم كان مستعداً لتدمير بلاده من خلال رفض قبول الهزيمة في صناديق الاقتراع.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».