الدين... العامل المهيمن على الاستقطاب السياسي الأميركي

الإيفانجيليون تمسّكوا بـ«الرئيس القوي»... من ريغان إلى ترمب

فرانكلن روزفلت (غيتي)
فرانكلن روزفلت (غيتي)
TT

الدين... العامل المهيمن على الاستقطاب السياسي الأميركي

فرانكلن روزفلت (غيتي)
فرانكلن روزفلت (غيتي)

بعدما حسم السباق الرئاسي الأميركي لهذا العام بأنه سيكون نسخة معادة لانتخابات 2020، بين الرئيس الديمقراطي جو بايدن ومنافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب، طرح مجدداً التساؤل عن عناصر القوة السياسية والحزبية والجماهيرية التي يراهن عليها الطرفان لتحقيق الفوز في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وفي حين يظل الاستقطاب الحزبي العامل المهيمن - الذي يبدو غير قابل للتغيير في السياسة الأميركية - تشير معظم التحليلات والإحصاءات إلى أن الديمقراطيين والجمهوريين أصبحوا، في المتوسط، متباعدين آيديولوجياً اليوم أكثر من أي وقت مضى في السنوات الخمسين الماضية. وهم حين يتفقون، فغالباً ما يكون ذلك نتيجة للاعتقاد المشترك بأن ليس لديهم سوى القليل من القواسم المشتركة. وكذلك، مع أن الفجوة التي تفصل بينهما تحجب في بعض الأحيان الانقسامات وتنوّع وجهات النظر الموجودة داخل الائتلافين الحزبيين، فإن تلك الفجوة تعود إلى تاريخ يحفر بعيداً منذ بدايات تشكل «الدولة - الأمة»، خلال نقاشات الأميركيين لمسألة دور الدين في سياسة الدولة وهويتها، وعن «التحالف المقدّس» بين الدين والسياسة في أميركا.

منذ الأيام الأولى لقيام الولايات المتحدة، وحتى اليوم، يستمر النقاش حول مسألة دور الدين والجماعات الدينية في سياسة الدولة. ففي عام 1789؛ أي بعد تسلم الرئيس المؤسس جورج واشنطن منصب الرئاسة، أعلن واشنطن تكريس يوم خاص لتقديم الشكر والصلاة؛ «لأن الله أنعم على الولايات المتحدة بحكومة جمهورية»، وهو ما يتطلب من الأمة التعبير عن امتنانها. ولكن، بعد 12 سنة، جاء الرئيس الثالث توماس جفرسون ليلغي هذا الاحتفال، مستنداً إلى التعديل الدستوري الأول الذي عدّه جفرسون «جداراً فاصلاً بين الكنيسة والدولة».

مع هذا، لا يوجد تقريباً اليوم أي مظهر من مظاهر الحياة السياسية إلا ويكاد يتأثر بالدين، وبأن «الله موجود في كل مكان». ذلك أن الشعار الرسمي للدولة هو «نضع ثقتنا في الله»، وجرى طبع هذه العبارة على العملة الورقية الرسمية للبلاد، كما أنها مثبتة خلف منصة رئيس مجلس النواب الأميركي، ومحفورة أيضاً فوق مدخل مبنى مجلس الشيوخ.

أيضاً، لا يزال قَسَمُ الولاء الرسمي أن البلاد هي «في عهدة الله»، لا بل أعيد إحياء «اليوم الوطني للصلاة» مع كل أول يوم خميس من شهر مايو (أيار)، بالإضافة إلى إقامة «صلاة الإفطار الوطنية»، عند كل أول يوم خميس من شهر فبراير (شباط). ثم إنه مع كل خطاب موجه إلى الشعب الأميركي يختتمه رئيس البلاد عادة بالطلب من الله إغداق بركته على أميركا. وعلى الرغم من محاولات إظهار الطابع العلماني، فهذه التقوى ليست كلها مسكونية تماماً؛ إذ أن الغالبية من الأميركيين ما زالوا يرون أن الولايات المتحدة «دولة مسيحية».

توماس جفرسون (غيتي)

سر التقوى الدينية

من جهة ثانية، بمعزل عن توجّه الشعب الأميركي اليوم، من المؤكد أنه لم يكن في نيّة مؤسسي أميركا الأوائل قيام دولة دينية، وكانوا على اتفاق مع اقتناع جفرسون الذي فصل بين الكنيسة والدولة. لكن ما الذي يفسّر كل هذه التقوى الدينية في السياسة الأميركية التي تهيمن راهناً على الحزبين الجمهوري والديمقراطي؟

إذا دققنا في فترات تاريخية طويلة فسنجد أن الدين يكرّر تأثيره على المشهد السياسي الأميركي عن طريق ثلاث خطوات مهمّة:

- الأولى، عندما بادر «المبشّرون» إلى استنكار وشجب ظاهرة اتساع موجة العلمانية والديانات المزيفة، بالإضافة إلى سياسات الحكومة المشجعة لها، وهو ما تسرّب أيضاً إلى التيار السائد في الثقافة العامة والإعلام والتي تنذر الشعب الأميركي بأن عليه أن يغير سلوكه وإلا فسيدفع الثمن في الجحيم.

- الثانية، حين يبادر سياسي متنفذ كالرئيس الأميركي، على سبيل المثال، إلى تلبية الدعوة الدينية والاندفاع نحو قيادة حملة «تبشير» بأفكار المصلحين الدينيين داخل كتلته السياسية. ورغم رؤية كثيرين أن القادة السياسيين نماذج أخلاقية لا يمكن التعويل عليها أو الاعتماد على مصداقيتها، تضطر الكنائس للعودة إلى القول إن الحياة الدينية المكرّسة من أجل المبادئ الأساسية تقبع اليوم في محيط غير ملائم من عالم السلطة والقوة، وتهيمن عليه النفعية السياسية.

- الخطوة الثالثة، تأتي بعد إنجاز بعض الأهداف والإخفاق في تحقيق بعضها الآخر، أو حتى إهمالها، لتبدأ الحركة الدينية الطابع في التفكك، كما هو الحال مع كل ائتلاف. هذا ما جرى مع تكتل «حفلة الشاي» الذي عُد في العقدين الماضيين، الممثل الرسمي للتيار اليميني المتشدّد الذي مهد الطريق للشعبوية المزدهرة في هذه الأيام.

دور الإيفانجيليين

هنا يبرز دور الإيفانجيليين البروتستانت، أكبر جماعة دينية وأكثرها تأثيراً في السياسة الأميركية، الذين جاؤوا إلى «الأرض الجديدة» هرباً من الاضطهاد الديني والمذهبي الذي عانوا منه في دولهم الأوروبية الأصلية.

أساساً «الإنجيلية» في الديانة المسيحية تعني «تعليم الإنجيل ونشره». إلا أنها كلمة باتت في مصطلحها «الإيفانجيلي» الحالي تعبر عن طائفة لها معتقدات وتفسيرات دينية خاصة، ظهرت خلال القرن الثامن عشر، بعد انتشار تبنّي بعض الكنائس والحركات البروتستانتية هذا الاسم لتمييزها بالتزمت الديني عن غيرها. وحقاً، تتمتع هذه الكنائس اليوم بانتشار واسع في الولايات المتحدة، إذ ينتمي إليها أكثر من ربع الأميركيين (80 مليون شخص تقريباً). ومنذ عقود، يدعم الإيفانجيليون عموماً، مرشحي الحزب الجمهوري؛ لكونهم «ملتزمين أكثر دينياً»، وفق الاعتقاد السائد. ووفق مركز «بيو» للأبحاث ظهر هذا جلياً في الدعم الكبير الذي حظي به الرئيس السابق دونالد ترمب في انتخابات عامي 2016 و2020، ويتوقع أن يستمر لصالح الجمهوريين في انتخابات هذا العام أيضاً. وللعلم، بينما حصل الرئيس الأسبق جورج بوش «الابن» على 78 في المائة من أصوات أتباع الطائفة في انتخابات عام 2004، وجون ماكين على 74 في المائة في انتخابات 2008، وميت رومني على 78 في المائة في 2012، حصل ترمب على 81 في المائة.

سر التمسك بترمب

إلا أن أحد أكثر الأشياء الاستثنائية حول السياسة الأميركية الحالية، وأكثر التطورات اللافتة في التاريخ السياسي الحديث، هو التمسك المخلص للمحافظين الدينيين بدونالد ترمب، الذي فاز بأربع أخماس أصوات المسيحيين الإيفانجيليين البيض، بحسب «بيو».

ومع أن خلفية ترمب ومعتقداته هي أبعد من أن تتناسب أو تتفق مع النماذج المسيحية التقليدية للحياة وتأدية الدور القيادي فيها، (إذ كان يؤيد فيما مضى حق المرأة في الإجهاض الجزئي، ويتفاخر بالتحرّش بالنساء، ويواجه اليوم 91 تهمة قضائية في أربع قضايا جنائية)، يتمسك الإيفانجيليون بتأييده بوصفه «رئيساً قوياً» يستطيع تحقيق أهدافهم.

ولقد وجد زعماء الجماعة المتحالفون معه «باباً مفتوحاً» في البيت الأبيض، حيث يحتشدون للدفاع عنه في ظل تزايد دور الجماعات اليمينية المتشددة ضمن التحالف المهيمن على الحزب الجمهوري، وتصاعد المخاوف من تراجع حصة البيض من غالبية السكان.

التحولات الآيديولوجية حدثت مع التحولات الجغرافية والديموغرافية

دونالد ترمب... وسط مناصريه من اليمين المسيحي المتشدد (غيتي)

الائتلاف الجمهوري المحافظ

مركز «بيو» يشرح أن المجموعات الأربع التي تشكّل ما يسمى بـ«الائتلاف الجمهوري» تضم ثلاث مجموعات متشددة من المحافظين هي: محافظو الإيمان والعَلَم، والمحافظون الملتزمون، واليمين الشعبوي، في حين يشكل ما يسمى اليمين المتناقض مجموعة أصغر وأقل محافظة.

المجموعة الأولى - أي محافظو الإيمان والعَلَم - محافظة بشدة في جميع المجالات، وتؤمن بأن على السياسات الحكومية دعم القيَم الدينية، وأن التسوية في السياسة مجرد «بيع ما تؤمن به». أما المجموعة الثانية فتعبّر عن وجهات نظر محافظة في جميع المجالات، ولكنها أقل تشدداً إلى حد ما فيما يتعلق بقضايا الهجرة ومكانة أميركا في العالم. ومن جانبها، تتكون المجموعة الثالثة من اليمينيين الشعبويين التي يعد أفرادها وأتباعها من بين الأقل تعليماً والأكثر احتمالاً للعيش في المناطق الريفية، وهي تنتقد بشدة كل من المهاجرين والشركات الأميركية الكبرى.

بعد هؤلاء، تأتي المجموعة الرابعة - أي ما يسمى اليمين المتناقض - وهذه رغم أن لديها آراء محافظة حول حجم الحكومة والنظام الاقتصادي وقضايا العرق والجنس، فهي أقل محافظة وتشدداً؛ إذ تفضل غالبية فيها الإجهاض القانوني، وتقول إن الماريغوانا يجب أن تكون قانونية للاستخدام الترفيهي والطبي. كذلك، فهي مختلفة أيضاً في وجهة نظرها إزاء دونالد ترمب؛ إذ في حين صوتّت غالبيتها لصالحه في عام 2020، يقول معظم ناخبيها الآن إنهم يفضلون ألا يستمر في كونه شخصية سياسية رئيسة.

في المقابل، ترى غالبية 63 في المائة من المجموعات الثلاث المتشددة أن على الحزب الجمهوري ألا يقبل بالمسؤولين المنتخبين الذين ينتقدون ترمب علانية. كذلك يقول 6 من كل 10 منهم إنهم يحبّون القادة السياسيين الذين يؤكدون أن ترمب هو الفائز الشرعي في انتخابات عام 2020. واليوم، تهيمن هذه المجموعات المتشددة الثلاث على 85 في المائة من البيض غير اللاتينيين، وما يقرب من 6 من كل 10 هم من الرجال، وهم أيضاً من بين الأشخاص الأكثر احتمالاً للعيش في المجتمعات الريفية. ثم إنه قال ما يقرب من 4 من كل 10 منهم إنهم لم يحصلوا على لقاح «كوفيد - 19». وأفادت غالبية كبيرة من هذه المجموعة (74 في المائة) بأنها تحصل على الأخبار السياسية من قناة «فوكس نيوز»، وغيرها من وسائل الإعلام اليمينية.

 

قواسم مشتركة

مما سبق ذكره، يتّضح أن المجموعات الأربع مع الجمهوريين في التصنيف السياسي، من خلال تفضيلات مشتركة لدور أصغر للحكومة الفيدرالية (خفض الإنفاق الحكومي)، وجيش أميركي قوي، ورفض الرأي القائل بأن البلاد بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لمعالجة اللا مساواة العرقية. ولكن عندما يتعلق الأمر بالعديد من القضايا الأخرى، وخاصة وجهات النظر المتعلقة بالعدالة الاقتصادية والهجرة والسياسة الخارجية، توجد اختلافات صارخة بينها. ومع أن هذه المجموعات متفقة عموماً على أهمية تأمين حدود الولايات المتحدة، تبقى لديها وجهات نظر مختلفة تماماً حول مدى عمق مشكلة الهجرة غير الشرعية في البلاد، وكذلك حول نهج البلاد تجاه الهجرة القانونية.

وبالتالي، مع أن الإيفانجيليين يشكلون القوة الرئيسة لهذا الائتلاف، يصح التساؤل... عن كيف تحوّل هؤلاء من جماعة كان لها اعتبارها النسبي وحركتها المؤثرة، إلى مجموعة تسعى إلى الحماية السياسية تحت جناح رئيس غير تقليدي عبر تاريخ الذاكرة الحية مثل ترمب؟

 

تحالف رجال الأعمال ورجال الدين

يقول كيفين كروس، مؤلف كتاب «كيف اخترعت الشركات المساهمة أميركا المسيحية؟»، إن جذور هذه المسألة تعود إلى ثلاثينات القرن الماضي؛ إذ واجه قادة رجال الأعمال المحافظون صعوبة في الرد على برنامج «العقد الجديد» (أو الصفقة الجديدة) الذي وضعه الرئيس الأميركي فرانكلن روزفلت، لمواجهة أسوأ تدهور اقتصادي كانت تمرّ به الولايات المتحدة في تاريخها. وتضمن ذلك البرنامج إنشاء مؤسسات من قبل الحكومة الفيدرالية مهمتها الرعاية الاجتماعية، وتقديم المعونة إلى المحتاجين وكبار السن. يومذاك، وجد أولئك المحافظون اليمينيون أن القضايا الأخلاقية هي أكثر إثارة لحماسة الجماهير من القضايا الاقتصادية. وتضافرت جهود رجال الأعمال مع رجال الدين اليمينيين واتفقوا على مخطط «الإحياء الروحي» الذي يهدف إلى «تحرير» الأميركيين من زحف مبدأ «مصلحة الجماعة تتقدم على مصلحة الفرد».

وبالفعل، صبّت هذه الجهود في خانة الدفاع عن أرباب العمل معادة أي توجه يدافع عن العدالة الاجتماعية، وأيضاً عملت على «تسييس» الديانة المسيحية أو وضع المؤسسة الدينية في خانة الدفاع عن المؤسسة السياسية.

هذا ما حصل بعد انتخاب الرئيس دوايت أيزنهاور عام 1952، مع أن أيزنهاور أعاد ترتيب هذه الحركة بصيغة مسكونية عالمية تستجيب لإجماع أميركي وتوحيد الأمة إبان «الحرب الباردة» في صراعها مع الاتحاد السوفياتي «الكافر». وكان أيزنهاور هو الذي دفع بالعديد من الرموز المألوفة التي عبّرت عن مثل هذا التوجه الديني في الدولة، مثل التشريعات الملزمة، التي توجب ذكر كلمة الله.

 

أميركا لم تتخل عن الدين

من جانب آخر، على الرغم من تحول معظم البلدان الغنية منذ زمن بعيد من دول متدينة في غالبيتها إلى دول علمانية، لا يزال 40 في المائة من الأميركيين يتوجهون إلى الكنائس أسبوعياً، و70 في المائة منهم يزورون الكنائس عدة مرات في السنة الواحدة. وهذا واقع يظهر مدى الحيوية التي تتمتع بها «السوق الدينية» في الولايات المتحدة. وبعكس البلدان التي توجد فيها كنائس رسمية مدعومة مالياً من قبل دافعي الضرائب، فإن المشهد الديني الأميركي كان دائماً على استعداد لاستقبال أي شخص يمكنه أن يجذب ويحشد جماعة من المصلين القادرين على المساهمة بتبرعاتهم المالية السخيّة. وهو ما حوّل البلاد إلى ساحة مزدحمة بالجماعات الدينية، مع أن دستورها لا يقرّ بوجود أي دين رسمي.

واليوم، يعكس الدين في الولايات المتحدة حالة استقطاب أكثر مما يعكس حالة إجماع. وعلى سبيل المثال، تجد كنائس الأميركيين التي هي من أصول أفريقية، ومعظمها تدعم الحزب الديمقراطي، تنظّم نقل رعاياها بالحافلات إلى مراكز الاقتراع، بينما يحذر المبشرون الإنجيليون البيض رعاياهم من أنهم سيسقطون في الخطيئة حين يعارضون القدرة الإلهية، إذا هم أعطوا أصواتهم لصالح الديمقراطيين.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

 

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،