جهود الأردن لإغاثة قطاع غزة في مرمى «القصف» والتشكيك

حملات خارجية «موجّهة» بتهمة إطالة أمد الحصار البرّي

مواد إغاثية منقولة جواً (الشرق الأوسط)
مواد إغاثية منقولة جواً (الشرق الأوسط)
TT

جهود الأردن لإغاثة قطاع غزة في مرمى «القصف» والتشكيك

مواد إغاثية منقولة جواً (الشرق الأوسط)
مواد إغاثية منقولة جواً (الشرق الأوسط)

لم يشفع للأردن تحرّكه المبكّر ومواقفه السياسية والدبلوماسية والإغاثية الحثيثة لمواجهة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي بدأ منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وخلّف للآن حصيلة غير مسبوقة من الضحايا في تاريخ الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، لتواجه هذه التحركات والجهود بحملات «موجّهة» عبر وسائل التواصل الاجتماعي «مشككة» بسلامة نية الدوافع وراء مد جسر جوي إغاثي، دشّنه سلاح الجو الأردني الملكي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لكسر الحصار عن القطاع. التشكيك لم يقتصر على جهود مد الجسر الجوي الذي دفع بدول عربية وأجنبية للمشاركة فيه، بل شملت حملات «التشكيك والشيطنة»، مختلف المواقف الدبلوماسية والسياسية، رغم المحاولات الرسمية الكبيرة لإعادة مسار القضية الفلسطينية السلمي. ولم يكن ظهور زوجة العاهل الأردني، الملكة رانيا العبد الله، في مقابلة ثالثة لها قبل أيام عبر شبكة «سي إن إن» CNN، من قلب قاعدة الملك عبد الله الجوية التي تُعدّ مركزاً لانطلاق عمليات الإنزال الجوية للمساعدات إلى غزة، سوى محطة جديدة للمشككين، حيث تحدثت الملكة بصراحة عن أولوية وقف إطلاق النار، وأن عمليات الإنزال «هي إجراءات يائسة لمعالجة الوضع البائس» في القطاع الذي يضربه الموت جوعاً.

العاهل الأردني عبدالله الثاني يشرف على عمليات إنزال الإغاثة (الشرق الأوسط)

تدرك السلطات الأردنية الحاجة المضاعفة إلى تكثيف الجهود الإغاثية للقطاع لإنقاذ أكثر من 2.5 مليون مواطن غزّي يتعرضون لحرب الجوع والقنابل، وسط تمسك مسؤوليها بتقديم المتاح على الأرض للقطاع وعبر مختلف الوسائل براً وجواً. وبعيداً عن استعراض المواقف، تصرّ عمّان على كسر حصار غزة، وإضعاف التعنت اليميني المتطرف الحاكم في تل أبيب، على ما أفادت مصادر محلية علّقت على «رمزية ما يفعله الأردن، رغم محدوديته».

وحقاً، حمل الأردن الرسمي خلال أشهر الحرب الخمسة على عاتقه مسؤولية البحث عن ثغرات لإيصال المساعدات الإغاثية إلى غزة. وكسر الحصار الجوي على القطاع بطائرات محمّلة بالأدوية والغذاء التي أنزلها بالمظلات، لتقف إلى جانب هذه الجهود دول عربية وأوروبية، قبل أن تلتحق الولايات المتحدة بسلاسل التزويد بالإغاثة عبر إنزالات جوية؛ معلنة يأسها من القدرة في تحقيق وقف فوري للنار، بحسب ما يرى مراقبون.

وفي سياق ما تسعى له عمّان، نقلت مصادر مطلعة إلى «الشرق الأوسط» عن اجتماعات برئاسة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وحجم انفعاله من إحباط جميع محاولات إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، و«خيبة أمله» من ضعف جهود واشنطن في الضغط على حكومة الحرب الإسرائيلية، سواء لجهة الوقف الفوري لإطلاق النار، أو لصالح ضمان وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين في قطاع غزة، بشكل مستدام.

ولعل المصادر ذاتها، أوضحت لـ«الشرق الأوسط» مسوّغات عدم شمول الأردن بزيارة الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة، في زيارته السادسة والأخيرة إلى الشرق الأوسط قبل نحو شهر. وتحدثت المصادر أيضاً، عن لهجة رسمية حادة استخدمها عبد الله الثاني خلال لقاءاته مع قيادات أميركية رفيعة المستوى في زيارته الأخيرة إلى واشنطن، وحديثه مع قيادات في الكونغرس، حيث قال أحدهم عن ما صرّح به الملك عبد الله إنه «يتحدث بكلام لا نريد سماعه، لكنه يصارحنا في حديثه عن الواقع كما هو».

حملات تشكيك وإساءة

ولكن، على الرغم، توالي الجهود الأردنية على صعيد تقديم المساعدات العاجلة والفورية للمدنيين في قطاع غزة، قوبلت الجهود بحملات «تشكيك وإساءة» أطلقت عبر منصات التواصل الاجتماعي. وكان منها اتهامات ومزاعم ضد الأردن عن سعيه «لخلق مبررات للاحتلال الإسرائيلي بإدامة الحرب»، وإيصال مساعدات لا تكفي للقطاع».

وتشير عمليات الرصد من جهات مختلفة، إلى أن هذه الحملات «منظمة صادرة من حسابات خارج الأردن». لكنها باتت «مقلقة ومثيرة للفتن» - بحسب مصادر أردنية - من شأنها «إشاعة البلبلة» والتأثير على الجبهة الداخلية في ظل وجود أكثر من مليونَي لاجئ فلسطيني يقيمون في البلاد؛ الأمر الذي «يعدّ» مصلحة إسرائيلية ترى في إيقاف الجهود الدبلوماسية الأردنية هدفاً استراتيجياً، وتخفيفاً من حملات التحريض ضدها.

في المقابل، تتمسك القيادة الأردنية باستمرار هذه الجهود في ظل انعدام وسائل الحياة في قطاع غزة، في وقت تعرّي هذه الجهود «سوأة الاحتلال وهمجيته» المغرق في عمليات التجويع الممنهج والقتل البطيء بالتزامن مع عمليات القصف والاغتيالات للمدنيين العزّل.

الملكة رانيا على شاشة "السي إن إن" ("السي إن إن")

حسابات وهمية إسرائيلية

!وفي هذا الصدد، تحدثت هنا مصادر متطابقة لـ«الشرق الأوسط»، بأن حسابات «وهمية بمرجعية إسرائيلية» تخوض معركة إثارة الفتنة، وثمة حسابات أخرى «بمرجعية إيرانية» تؤدي الدور عينه. هذا يعني تقاطع مصالح العدوين (إسرائيل وإيران) في استهداف استقرار المملكة، وتسلّل الفوضى التي تعيد ترتيب أولويات مراكز القرار محلياً، والتركيز فقط على الملفات الداخلية، حيث «تستفيد طهران من (تكذيب) الموقف الرسمي الأردني أمام الشارع»، كما تستفيد تل أبيب من «تخفيف حدة هجوم عمّان الدبلوماسي»، وفقاً للمصادر. إلا أن «تحييد الثابت في العلاقة بين عمّان وتل أبيب من بوابة التنسيق الأمني الوثيق بينها» غير ممكن وفقاً للمصادر أيضاً، لتظل متمسكة بموقفها من قطع الاتصال سياسياً مع حكومة اليمين المتطرف.

وحقاً، لدى الجهات المسؤولة الأردنية اطلاع واسع على مصادر الحملات الإلكترونية ضدها، لكنها «تتغاضى مرحلياً» عن تسمية الأطراف التي ترعاها بحسب ما علمت «الشرق الأوسط». بيد أنها في الوقت ذاته، بحسب مراقبين، لا تواجه هذه الحملات بشكل فاعل ومؤثر، في حين يقرّ مسؤولون أردنيون «بضعف» ردود الفعل في مواجهة الحملات المنظمة للتغريدات والمنشورات المسممة الآتية من منصات التواصل الاجتماعي. وهي تزعم وتروّج «لتناقض المواقف الأردنية»، بحجة استمرار تصدير البضائع التجارية عبر الحدود البرية من الأردن إلى إسرائيل، عبر تجار أردنيين أو شركات أخرى، محمّلة الحكومة الأردنية مسؤوليتها عن ذلك.

وتؤكد مصادر مطلعة، أن كل المحاولات «لن تعرقل الجهد الأردني عما يقوم به تجاه الأشقاء»، حيث يتركز «الهجوم المنظم»، وفق تأكيدات رسمية لـ«الشرق الأوسط»، بالحسابات الخارجية وأخرى داخلية في منصتَي التواصل الاجتماعي الأشهر «فيسبوك» و«إكس». وتتزامن هذه الحملات مع مسيرات تُنظم كل يوم جمعة، تطالب بوقف خطوط التجارة مع دولة الاحتلال، على الرغم من تأكيد وزراء عاملين بأن التجارة مع إسرائيل مرتبطة بعقود مع تجار أردنيين، وليس مع الحكومة، وأن مطالب المسيرات يجب أن توجه للتجار وليس للدولة.

الحركة الإسلامية... وبرزت احتجاجات عدة تطالب الحكومة الأردنية بـ«إغلاق «الجسر البري» - وفق تسمية نشطاء وقوى إسلامية - ونظّمت «الحركة الإسلامية» في الأردن وقفات واحتجاجات في مناطق مختلفة من المملكة منددة بالسياسة الرسمية. وأعلنت «الحركة» تنظيم حراك يومي عقب صلاة العشاء في ساحة الجامع الكالوتي، بمنطقة الرابية العمانية، حيث يقع مقر السفارة الإسرائيلية.

وبحسب مصادر أردنية مطلعّة، فإن «الحركة الإسلامية» التي «تشاغب» على الموقف الرسمي، «تبالغ بمديح حلفاء لها لم يقدّموا أي فعل حقيقي لصالح وقف الحرب على غزة سوى الاستعراض»، في حين «أوقفت» السلطات الأردنية عدداً من النشطاء، وفقاً لتقرير لمنظمة العفو الدولية صدر الشهر الماضي؛ بسبب دعواتهم إلى تنفيذ احتجاجات عامة أو إضرابات أو بسبب مواقف منددة بالاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل.

"حسابات وهمية بمرجعيات إسرائيلية وإيرانية تخوض معركة إثارة الفتنة"

جهود إغاثية...أرقام وإحصاءات

مدّ الأردن منذ بداية العدوان على غزة جسوراً جوية وبرية. وكانت أول طائرة تابعة لسلاح الجو الملكي كسرت الحصار في 6 نوفمبر الماضي، واستطاعت إنزال مواد إغاثية عاجلة للمستشفى الميداني العسكري الأردني في شمال غزة.

تلك الطائرة حملت معها دلالة عسكرية استثنائية، عندما قادها رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء الطيار يوسف الحنيطي، وقد وُصفت تلك الرحلة حينها «بالمغامرة الخطرة». وتبع ذلك إنزال جوي على كنيسة القديس بروفوريس عشية عيد الميلاد المجيد.

وقبل أن تصبح طائرات الإغاثة مهمة أردنية يومية، وخبراً دائماً على شاشات التلفزيونات، كان قد شارك في تنفيذ الإنزالات الإغاثية على غزة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، رغم مخالفة ذلك ضمانات استقرار النظام السياسي وأمنه على حساب رحلة محفوفة بالمخاطر، على الرغم من إبلاغ الجانب الإسرائيلي بالأمر. وكذلك شاركت الأميرة سلمى بنت عبد الله الثاني في واحدة من تلك الرحلات، ليحمل ولي العهد الأردني الأمير الحسين مستلزمات المستشفى العسكري الثاني في غزة وفي منطقة خان يونس، ويطير بها إلى مطار العريش مشرفاً على إدخال معدات المستشفى عبر معبر رفح.

لقد دفعت خطوة الملك الأردني، في إنزال المواد الطبية على المستشفى العسكري الأردني بشمال غزة في بداية الحرب على تطوير هذا الجهد، لتصبح عمليات إنزال المساعدات الإنسانية والإغاثية بالمظلات، مشهداً يومياً. وهذا رغم تعقيدات المهمة من النواحي العسكرية والأمنية، حيث عكفت القوات المسلحة الأردنية (الجيش العربي) وسلاح الجو على فتح الباب أمام الطواقم الصحفية بمرافقة طواقمها في عمليات الإنزال للتوثيق، ونقل وقائع وتحديات عمليات الإنزال من شمال القطاع إلى جنوبه، وعلى ارتفاعات متباينة.

إحصائياً، تفيد أرقام العمليات البرية والجوية في إيصال المساعدات إلى أهالي قطاع غزة عبر سلاح الجو الملكي، بأن 44 إنزالاً جوياً أردنياً بالمساعدات نُفّذ حتى يوم الخميس الماضي على قطاع غزة، ونُفذ 59 إنزالاً جوياً بالتعاون مع دول صديقة وشقيقة، وفق بيان صدر عن القوات المسلحة الأردنية. في حين أن 472 شاحنة دخلت إلى غزة آتية من الأردن عبر جسر كرم أبو سالم البري محملة بمواد إغاثية يبلغ وزنها (4812 طناً)، بدعم من الأردن ومؤسسات إغاثة دولية ودول صديقة وشقيقة.

مقال غاضب لمستشار الملك السابق

وأمام هذه الجهود، وتكرار «حملات التشكيك والافتراء» هذه كما تصفه مراكز القرار الرسمي، كتب فهد الخيطان، الخارج لتوه من موقعه مديراً لإعلام القصر ومستشاراً لمطبخ القرار، مقالاً رد فيه بغضب على حملات «التشكيك والتشويه». إذ كتب: «القول إن في هذا الأسلوب من إيصال المساعدات تواطؤاً مع الحصار الإسرائيلي على القطاع فهو ضرب من الجنون... إن الطائرات التي تلقي المساعدات من السماء تفضح جرائم الاحتلال أمام العالم وتظهر وجهه الوحشي وهو يحاصر شعباً بأكمله، وتشكل وسيلة للضغط عليه وعلى داعميه للتوقف عن حرب الإبادة التي يرتكبها».

وكشف الخيطان في مقالته، التي نشرها في يومية «الغد» عن كواليس قرار الأردن في تنفيذ الإنزالات الجوية، موضحاً أن الأردن «لجأ للضغط عبر كل القنوات الدبلوماسية والإعلامية لفتح طريق بري للشاحنات من أراضيه عبر المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل مع قطاع غزة، وتمكن فعلاً من إدخال عدد من الشاحنات». وأردف: «إن حكومة الاحتلال عادت وأغلقت هذه النافذة إمعاناً منها في حصار أهلنا في غزة وتجويعهم لدفعهم إلى هجرة القطاع، ورداً لئيماً على موقف الأردن المتصاعد ضد العدوان الوحشي».

وذكر الخيطان أن الملك عبد الله الثاني اتخذ «قراره بالبدء بإنزال شحنات الدعم الطبي للمستشفى الميداني الأردني في شمال غزة، حيث كانت المعارك على أشدها هناك». وشدّد بحكم موقعه السابق الذي غادره نهاية العام الماضي على «أن الملك اتخذ قراره كما قلت ولم يطلب إذناً من أحد وطلب من المسؤولين المعنيين إبلاغ الجانبين الإسرائيلي والأميركي بذلك، وكان له ما أراد».

ثم أضاف أن إنزال شحنات الدواء للمستشفى الأردني بنجاح «هي التي دفعت بالملك للعمل على توسيع التجربة لتشمل إنزال المساعدات الغذائية والطبية جواً لأهلنا في غزة. لم يكن هذا النهج بديلاً عن نقل المساعدات برا للقطاع، وهي بالتأكيد الطريقة الأنجع، لكن حين سُدت الطرق في وجهنا كان لا بد أن نتمسك بهذا الخيار الوحيد والمتاح».

أقلام صحافية بمواجهةشيطنة التواصل الاجتماعي

وفي إطار محاولات الرد على جانب من الحملات الإلكترونية المموّلة من الخارج، والتي تلقى رواجاً في الداخل، سارعت أقلام صحافية للدفاع عن الموقف الرسمي ولمناقشة الأزمة من حيث الأسباب والنتائج. وكان من أبرز ما كُتب كمدخل لمناقشة النتائج ما كتبه الصحافي مالك العثامنة في يومية «الغد»، عن الإنزالات «لم يكن الأردن يبحث عن بطولات استعراضية، ولا كانت تلك الإنزالات موجهة للاستهلاك المحلي، لكنها كانت رسائل مثقلة بالرمزية تبحث عن (مرسل إليهم) وصناديق بريد غربية مقفلة بسبب تراكم (المواقف المسبقة) والتضليل الإسرائيلي». وتابع: «وسائل التواصل صارت قطيعاً من أحصنة طروادة الخشبية بيننا، وفي جوفها ما يريب ويجعلنا نتلمس ونتحسس».

ومن حيث الأسباب، طرح الصحافي ماهر أبو طير، أسئلة قد تذهب لمعالجة الأسباب بالعمق من خلال إجابات صريحة، فهل المشكلة في الأساس «مشكلة الإعلام المحلي وإخفاقاته، وعدم وجود مشروع إعلامي عربي للأردن؟ أم أنها مشكلة المطبخ الإعلامي في الدولة، والتباينات فيه؟ أم أنه مشكلة الشخصنة وغياب المبادرة؟ أم أنها مشكلة الاعتياد، وعدم فهم كُلف الإساءات التي تنهمر علينا، حيث نكتفي كل مرة بالحديث عن المؤامرة، وأولئك الذين يستهدفون الأردن، دون أن نقدم حلاً لوقفهم أيضاً؟ أم أنها مشكلة عمّان السياسية التي لا تريد أن تقف عند كلفة هذه الحملات، ولا تريد تبني أي مشروع؟».

طائرة شحن أردنية تشكل جزءاً من الجسر الجوي (الشرق الأوسط)

«مأكول مذموم» تتسبب في دعوات للتوجه للداخل

> في سياق الرد على حملات «التشكيك والتشويش» بمواقف الأردن الرسمية في مواجهة العدوان الإسرائيلي الذي خلّف أكثر من (30) ألف شهيد، ومئات آلاف الجرحى وملايين النازحين، خرجت أصوات نخبوية تطالب بالاهتمام بالداخل الأردني، وإعادة ترميم الشرخ الذي أحدثته العواصف الإلكترونية على منصات التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض. والتي وضعت الأردن على خريطة منصات التواصل الاجتماعي في «حرب افتراضية»، لكن ثمة مخاوف من انتقالها واقعياً.النخب السياسية تحدثت عن مفهوم الموقف الرسمي «المأكول والمذموم»، وتساءلت عن استهلاك جميع الأوراق السياسية خلال الحرب على غزة، ولم تُجب عن سؤال: ماذا تبقى لدينا من أدوات في حال تدهورت الأوضاع في الضفة الغربية والقدس؟!وهنا تسرّبت أحاديث عن صالونات سياسية محلية، تقول إن البرنامج الوطني خلال العام الحالي سيشهد انتخابات نيابية، ستجرى وفق أحكام قانون جديد خصص نحو ثلث مقاعد مجلس النواب للأحزاب. وأن هناك أحزاباً تشكلت تحتاج لاختبار مع قواعدها الانتخابية، ومدى جدوى تنفيذ مخرجات لجنة التحديث السياسي بعد تبني الدولة للتعديلات الدستورية الموصى بها وقانوني الانتخاب والأحزاب.وبحسب ما رصدته «الشرق الأوسط» من تلك الحوارات البعيدة عن الإعلام، شهدت تلك الحوارات انقسامات في الرأي وتباينات في التقدير؛ بين ضرورة إجراء الانتخابات بوصفها استحقاقاً دستورياً، وضرورة تأجيلها خوفاً من استحواذ لون سياسي واحد (جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي) على حصص مضاعفة من المقاعد نتيجة استثمارهم حرب غزة على أنها «حملة انتخابية».وأمام الجدل النخبوي، فإن مركز القرار يبدو متأنياً بالإجابة عن المسار الدستوري المتوقع للعام الحالي. ورغم ترجيح إجراء الانتخابات، غير أن تأثيث الخريطة السياسية بقوى حزبية مناظرة للتيار السياسي السائد في البلاد، يحتاج إلى تقييم، كما يحتاج لمساعدة في تجاوز إرث ضعف الثقة بالعمل الحزبي في البلاد. والمخاوف من أن تكون الولادة غير الطبيعية لبعض الأحزاب ستضعف الفكرة برمتها.


مقالات ذات صلة

«هدن إنسانية» للتلقيح ضد شلل الأطفال في غزة

المشرق العربي طفل يتلقى جرعة التطعيم في مستشفى بخان يونس (أ.ب) play-circle 01:03

«هدن إنسانية» للتلقيح ضد شلل الأطفال في غزة

من المقرر أن تبدأ الأحد «هدن إنسانية» لا تزال ملامحها غير واضحة هدفها السماح ببدء التطعيم ضد شلل الأطفال على نطاق واسع في قطاع غزة

«الشرق الأوسط» (غزة)
أفريقيا سونكو خلال تجمع حاشد ضم المئات دعماً للفلسطينيين بالمسجد الكبير في داكار (وسائل إعلام محلية)

رئيس وزراء السنغال: نتنياهو «مستعد للسير فوق آلاف الجثث» ليبقى في منصبه

اتهم رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمواصلة الحرب في قطاع غزة من أجل بقائه السياسي، داعياً إلى عزل إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (دكار)
الولايات المتحدة​ صورة تجمع الرهائن الست الذين أعلن الجيش الإسرائيلي العثور على جثثهم في قطاع غزة (أ.ب) play-circle 03:06

بايدن يعلن العثور على جثث 6 رهائن في غزة بينهم أميركي

أعلن الجيش الإسرائيلي اليوم انتشال جثث 6 رهائن من قطاع غزة، بعدما كان أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن من بين الضحايا الرهينة الأميركي هيرش غولدبرغ بولين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي فلسطينيون يقفون في طابورجنب عربات مصفحة للجيش الإسرائيلي خلال عملياته في مخيم جنين أمس (أ.ب)

إسرائيل تُركز على «عش الدبابير» في الضفة

قرر الجيش الإسرائيلي مواصلة الهجوم في الضفة الغربية، باليوم الرابع للعملية الواسعة، التي بدأها الأربعاء، ضد مخيمات شمال الضفة، وتركزت، أمس في مخيم جنين الذي

كفاح زبون (رام الله)
العالم العربي صورة بالأقمار الاصطناعية تُظهر حريقاً على سطح ناقلة النفط «سونيون» التي استهدفها الحوثيون في البحر الأحمر (أ.ف.ب)

الحوثيون يعلنون استهداف السفينة «جروتون» في خليج عدن للمرة الثانية

قالت جماعة الحوثي اليمنية المتمردة، السبت، إنها هاجمت السفينة «جروتون» التي ترفع علم ليبيريا في خليج عدن للمرة الثانية، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش
TT

محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

في محاولة لسد الفراغ القيادي في بنغلاديش، ولو بصفة مؤقتة، عُيّنَ محمد يونس الحائز على «جائزة نوبل» والخبير الاقتصادي، كبير مستشاري الحكومة المؤقتة المدعومة من الجيش، وذلك بعدما أدّت انتفاضة شعبية واسعة إلى الإطاحة برئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد، وهروبها إلى الهند. وحقاً، أصدر رئيس البلاد، محمد شهاب الدين، قراراً بحل البرلمان البنغالي. وأدت حكومة مؤقتة مكوّنة من 17 عضواً برئاسة يونس اليمين الدستورية يوم 8 أغسطس (آب) الحالي، بعدما تخلّت حسينة عن منصبها، وغادرت إثر أسابيع من الاحتجاجات الطلابية والغضب من نظام الحصص الذي يقتطع نسبة كبيرة من الوظائف الحكومية. وكانت حدة المظاهرات قد اشتدت وتوسّعت إلى تحدٍّ أعنف وأوسع لحكم حسينة الذي اتهم بـ«التسلّط» الزائد. وقُتل في أعمال العنف 400 متظاهر، في حين خلق الفراغ في السلطة تميزاً بالعنف في أجزاء مختلفة من البلاد.

يتولّى الدكتور محمد يونس (84 سنة) قيادة الحكومة المؤقتة في بنغلاديش، وسط شعور عام للمواطنين باشمئزاز عام إزاء الأحزاب السياسية في البلاد. ويتوقع الخبراء السياسيون أنه في تفويضه المحدود زعيماً مؤقتاً، فإنه يواجه مهمات صعبة، أبرزها: إعادة إرساء القانون والنظام، وإعادة بناء الثقة في الدولة، والعمل بفاعلية مع الجيش، وضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة. وبالفعل، طلب يونس بعد توليه الرئاسة من المتظاهرين الابتعاد عن العنف، وهدّد بأنه سيستقيل إن لم يمتثلوا.

تعهّدات تغييرية

للعلم، سبق للدكتور يونس وصف الشيخة حسينة بأنها «ديكتاتورة». وعدَّ الإطاحة بها أخيراً «تحريراً ثانياً» لبنغلاديش، عندما علّق «لقد تحررت بنغلاديش... نحن بلد حر الآن».

وحقاً، دعا يونس إلى إجراء تغييرات شاملة قبل إجراء الانتخابات العامة المقبلة، متعهداً: «سننظم انتخابات حرة وتشاركية نزيهة في أسرع وقت ممكن، لاستكمال مهمتنا في إقرار إصلاحات حيوية في لجنة الانتخابات والقضاء والإدارة المدنية وقوات الأمن ووسائل الإعلام». وأردف: «وتُجري حكومتنا أيضاً تغييرات اقتصادية بعيدة المدى؛ هدفها استعادة استقرار الاقتصاد الكلي ودعم النمو، لا سيما أنه في جهدها الحثيث للبقاء في السلطة دمرت ديكتاتورية الشيخة حسينة كل مؤسسات البلاد».

يونس وصف القضاء بأنه «منهار»، واتهم الحكومة السابقة بأنها «سمحت للمحسوبية السياسية بسرقة البنوك ونهب خزائن الدولة»، ورحّب بقرار الأمم المتحدة إرسال بعثة تقصّي حقائق للتحقيق في أحداث العنف الأخيرة، متعهداً بالتعاون الكامل مع التحقيق الدولي.

وحول التطوّرات الأخيرة التي حملت يونس إلى السلطة، قال هارش فاردان شرينغلا، وزير الخارجية الهندي السابق، والمبعوث الهندي السابق إلى بنغلاديش: «إن الاحتجاجات الطلابية الأولية كانت مدفوعة بمظالم مشروعة، خصوصاً ما يتعلق بنظام الحصص وفرص العمل، ولكن سرعان ما تسللت عناصر متشددة إلى الحركة، بينها (الجماعة الإسلامية) وجناحها الشبابي (إسلامي شهاترا شيبير)، ومن ثم اختطفت هذه الجماعات الاحتجاجات، وحوّلتها إلى هجمات عنيفة موجهة ضد الدولة. ومن ثم، فإن تحقيق الاستقرار لا يكمن في معالجة الاقتصاد فحسب، بل أيضاً في فرض الأمن والثقة».

النشأة والمسيرة

ولد الدكتور محمد يونس عام 1940، لأسرة بنغالية مسلمة إبان الحكم الاستعماري البريطاني لشبه القارة الهندية، في قرية باثوا، القريبة من مدينة تشيتاغونغ الساحلية، ثاني كبرى مدن بنغلاديش، وقاعدة جنوب شرقها.

محمد هو الابن الثالث من بين 9 أطفال في عائلة تجارية، وكان والداه يعملان في مجال تجارة المصوغات والمجوهرات. وهو يَنسب الفضل إلى والدته، صوفيا خاتون، لإلهامه بمساعدة الفقراء. وفي سيرته الذاتية «مصرفي الفقراء» قال عنها: «كانت دائماً تضع المال جانباً من أجل أي أقارب فقراء يزوروننا من قرى بعيدة. لقد كانت من خلال اهتمامها بالفقراء والمحرومين، هي التي ساعدتني على اكتشاف مصيري».

وأكمل محمد يونس مرحلة الدراسة الجامعية الأولى متخصصاً في الاقتصاد بجامعة «دكا» بالعاصمة، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة «فاندربيلت» العريقة بولاية تينيسي في الولايات المتحدة. ثم عمل أستاذاً مساعداً في جامعة ولاية تينيسي الوسطى القريبة، وعاد بعد ذلك لتدريس الاقتصاد في جامعة تشيتاغونغ. وفي الفترة الفاصلة، التقى امرأة روسية تُدعى فيرا فورستينكو، التي تزوّجها، وأنجب منها طفلة واحدة سميَّاها مونيكا يونس -وهي مغنية أوبرا شهيرة في الولايات المتحدة- ثم انفصلا بعد ذلك، ومن ثم، تزوّج من زوجته الثانية أفروزي يونس، وهي باحثة في علم الفيزياء بجامعة مانشستر البريطانية، التي أصبحت لاحقاً أستاذة في جامعة جاهانغيربور. ووُلدت ابنتهما دينا أفروز يونس عام 1986.

أما عن أبرز أقاربه الآخرين، فمن إخوته الكبار محمد جهانغير (توفي عام 2019)، وكان ناشطاً اجتماعياً ومذيعاً تلفزيونياً، في حين أخاه الأصغر، الدكتور محمد إبراهيم، أكاديمي لامع، ومؤسس «مركز التعليم الجماهيري للعلوم»، الذي يقدم تعليم العلوم للفتيات الصغيرات في القرى.

نشاطه السياسي

مع اندلاع حرب استقلال بنغلاديش (انفصالها عن باكستان) عام 1971، أدار محمد يونس مركز اتصالات للبنغاليين الذين كانوا ينتظرون الأخبار خارج البلاد. وأطلق نشرة أخبار بنغلاديش في ناشفيل، عاصمة ولاية تينيسي الأميركية، لزيادة الدعم للحركة. ومع قمع القوات الباكستانية حركة الاستقلال (الانفصال)، شارك يونس -الذي كان آنذاك أستاذاً في الولايات المتحدة- في المعركة من الخارج، وحثّ البيت الأبيض على الاعتراف رسمياً ببنغلاديش. وعندما تحقق الاستقلال، عاد يونس إلى الوطن للانضمام إلى الحكومة الجديدة موظفاً في لجنة التخطيط الحكومية، قبل أن تحبطه البيروقراطية المستشرية. ولاحقاً التحق يونس بالعمل الأكاديمي رئيساً لقسم الاقتصاد في إحدى الجامعات المحلية. إلا أنه مع اجتياح المجاعة بنغلاديش عام 1974، أعرب عن شعوره بالرهبة من تدريس «نظريات الاقتصاد الأنيقة»، وسط مجاعة واسعة النطاق، مفضّلاً أن يكون «ذا فائدة لبعض الناس».

ولقد كتب في سيرته الذاتية «بعد عودتي إلى الديار من عدة سنوات في الولايات المتحدة، وجدت صعوبة في تدريس نظريات الاقتصاد الأنيقة داخل قاعات الدراسة الجامعية، على خلفية المجاعة الرهيبة التي ضربت بنغلاديش. وفجأة، شعرت بخواء هذه النظريات في وجه المجاعات والفقر، وأدركت أن الحكومة عاجزة عن سد حاجات الفقراء، ومن ثم فكرت... لماذا لا يستطيع هؤلاء الفقراء تحسين حياتهم الخاصة بأنفسهم؟».

وهكذا، عام 1976، أثناء زيارة له إلى إحدى القرى، أدرك أن الناس يحتاجون معظم الأحيان إلى قروض صغيرة غير تقليدية للصمود مالياً، وتنمية أعمالهم التجارية، ما خلق عنده فكرة القروض الصغيرة. وفعلاً، بدأ إقراض نساء القرى مبالغ صغيرة من ماله الخاص، متيحاً لهن شراء الخيزران لاستخدامه في صنع الأثاث. ولاحقاً، حصل على قروض من بنوك أكبر، وأعاد توزيع المال على شكل قروض صغيرة للفقراء.

ومع نمو المبادرة، ظهرت مجموعة تضم عدداً من الشركات العاملة في صيد الأسماك والزراعة والائتمان المرتبط بالاتصالات ومساعدة الفقراء. وأخيراً، عندما وجد يونس أن الدولة غير راغبة في زيادة حجم القروض الصغيرة المقدمة للفقراء، أسّس مشروعه الاجتماعي الذي عرف بـ«بنك غرامين» (بنك القرية).

مع اجتياح المجاعة بنغلاديش عام 1974 أعرب يونس عن شعوره

بالرهبة من تدريس «نظريات الاقتصاد الأنيقة»

وسط مجاعة واسعة النطاق

«بنك غرامين»

أسّس يونس «بنك غرامين» عام 1983، ليكون مؤسسة تُقرض المال للفئات الأكثر حاجة، من دون الحاجة إلى ضمانات، وأعرب عن اعتقاده بأن تأمين رأس المال اللازم لأي شخص يرغب في إنشاء مشروع تجاري سيساعد في انتشال المستفيدين من الفقر. في البداية، كان من المفترض تقسيم القروض بالتساوي بين الرجال والنساء، لكن يونس سرعان ما لاحظ أن الأموال تُنفق بشكل مختلف: إذ كانت أولويات الرجال إنفاق المال خارج المنزل، في حين أن النساء يعملن على تعظيم العائد من الأموال، ويواصلن الاستثمار في مشاريع جديدة، ويُنفقن المال على الأسرة. وبناءً عليه، بدأ «بنك غرامين» التركيز في المقام الأول على النساء اللاتي سيطلقن مشاريع تجارية صغيرة، مثل تأجير الهاتف المحمول الوحيد في القرية، أو فتح متجر صغير، أو شراء الماشية. وكُنّ يسددن القروض على نحو موثوق به، وغالباً ما يأخذن قروضاً أكبر للسماح لهن بالتوسّع.

اليوم، يُعد «بنك غرامين» عملاقاً مالياً يضم 23 ألف موظف، وعنده 11 مليون مقترض، في 94 بالمائة من قرى بنغلاديش، وقد صرف تراكمياً نحو 39 مليار دولار في شكل قروض؛ معظمها للنساء الفقيرات. كما صار التمويل متناهي الصغر ظاهرة دولية. وبإلهام من البنك، أُطلقت أكثر من 100 دولة نامية في جميع أنحاء العالم خدمات الائتمان الصغير. وإضافة إلى «بنك غرامين»، أنشأ يونس شركات فرعية أخرى مثل «غرامين فون»، وهي أكبر خدمة للهواتف في بنغلاديش، ومنذ ذلك الحين، تقود الشركة قطاع الاتصالات في بنغلاديش، وتخدم أكثر من 85 مليون عميل.

«نوبل»... وأكثر

وبفضل نجاح «بنك غرامين»، منح الدكتور يونس عام 2006 «جائزة نوبل للسلام»، وإلى جانب «جائزة نوبل»، حصل يونس عام 2009 على «وسام الحرية الرئاسي» الأميركي، و«الميدالية الذهبية للكونغرس» عام 2010. وعلى صعيد التقديرات والتكريمات، حاز يونس على عدة جوائز أخرى مرموقة، ونحو 50 درجة دكتوراه فخرية من جامعات من 20 دولة، و113 جائزة دولية من 26 دولة، بما في ذلك أوسمة الدولة من 10 دول. أصدرت الحكومة البنغلاديشية طابعاً تذكارياً تكريماً لـ«جائزة نوبل» التي حصل عليها.