إضاءة على حصيلتي الانتخابات الأخيرة في إندونيسيا وباكستان

بين استمرار تأثير «النخب» في الأولى... ونفوذ الجيش في الثانية

شعارات وإعلام من حملة الانتخابات الباكستانية (آ ف ب)
شعارات وإعلام من حملة الانتخابات الباكستانية (آ ف ب)
TT

إضاءة على حصيلتي الانتخابات الأخيرة في إندونيسيا وباكستان

شعارات وإعلام من حملة الانتخابات الباكستانية (آ ف ب)
شعارات وإعلام من حملة الانتخابات الباكستانية (آ ف ب)

شهدت كل من إندونيسيا وباكستان، وهما أكبر دولتين إسلاميتين من حيث عدد السكان، إذ تضمان 33.8 في المائة من سكان العالم المسلمين، انتخابات عامة خلال فبراير (شباط) المنصرم، شارك فيها ما يقرب من 320 مليون ناخب مؤهلين للتصويت. إندونيسيا أكبر أرخبيل في العالم، والدولة التي تضم أكثر من 270 مليون نسمة، تعد ليس فقط أكبر دولة إسلامية وصاحبة أكبر اقتصاد في جنوب شرقي آسيا، وإنما باتت أيضاً ثالث أكبر دولة ديمقراطية في العالم - بعد الهند والولايات المتحدة - إثر العملية الإصلاحية عام 1998 التي أنهت حكم الرئيس سوهارتو. وكان الأخير قد ظل على رأس السلطة لأكثر من ثلاثة عقود. وفي المقابل، يعيش في باكستان ثاني أكبر عدد من المسلمين في العالم، وهي أيضاً تتمتع بموقع استراتيجي في جنوب آسيا. بيد أنه بالإضافة إلى اقتصادها المتدهور، خضعت البلاد منذ تأسيسها عام 1947 لفترات طويلة من الحكم العسكري.

في إندونيسيا حقق المرشح برابوو سوبيانتو انتصاراً ساحقاً بأكثر من 60 في المائة من إجمالي الأصوات، ما رجّح أن يكون الرئيس المقبل. أما في باكستان فتأخر الحسم واستمر الغموض لبعض الوقت مع تنازع ثلاث قوى رئيسية السواد الأعظم من المقاعد. وهذا قبل اتجاه الحزبين الموصوفين بـ«العائليين»، أي «الرابطة الإسلامية الباكستانية - نواز» وحزب الشعب الباكستاني، للتحالف في تشكيل سلطة اتحادية جديدة ضد القوة الثالثة التي يشكلها مناصرو الرئيس السابق عمران خان. والمفهوم أن هذا يعني تولي شهباز شريف من «الرابطة» رئاسة الحكومة وانتخاب آصف زرداري من حزب الشعب رئيساً للجمهورية.

للعلم، هذه ليست المرة الأولى التي يتفاهم فيها الحزبان الغريمان تقليدياً، ذلك أنهما توافقا ضمن تحالف في أعقاب الإطاحة بحكم عمران خان في أبريل (نيسان) 2022 وتوليا الحكم لنحو 16 شهراً. ويومذاك تنحى جانباً نواز شريف الزعيم البارز لـ«الرابطة» ورئيس الحكومة ثلاث مرات، تاركاً المنصب لأخيه الأصغر شهباز.

عمران خان (آ ف ب)

إرث الحكم العسكري

لكل من إندونيسيا وباكستان تاريخ مشترك من الديكتاتوريات العسكرية لعقود من الزمن. إذ بقيت إندونيسيا تحت ديكتاتورية الجنرال سوهارتو لمدة 32 سنة، كما ظلت ديمقراطية ناشئة لأكثر من 25 سنة حتى الآن، وإن كانت من الناحية الدستورية دولة علمانية تقوم على فصل بين الدين والدولة. ثم إنه في حين يضطلع البرلمان (الهيئة التشريعية) الإندونيسي بدور ثانوي نسبياً في صنع القرار، تقع سلطة صنع السياسات على عاتق الرئاسة.

غورجيت سينغ، وهو سفير سابق للهند في إندونيسيا يرى أنه «رغم العملية الانتخابية الحيوية، ما زال القادة السياسيون والتجاريون والعسكريون يهيمنون على الديمقراطية في إندونيسيا، وجل هؤلاء ممن جمعوا ثرواتهم خلال 32 سنة من حكم سوهارتو. وفقط تحت ضغط شعبي هائل، اتفق هؤلاء على إضفاء الطابع الديمقراطي، لكنهم وضعوا القواعد الانتخابية لتحقيق هدفين: خلق حواجز مجحفة أمام دخول لاعبين جدد مع ضمان المنافسة العادلة فيما بينهم».

في المقابل، تاريخ باكستان السياسي مليء بالاضطرابات. إذ عاشت في ظل ثلاثة دساتير ومرّت بثلاثة انقلابات عسكرية، ومن بين رؤساء وزرائها الثلاثين، لم يُكمل أي منهم فترة ولاية كاملة مدتها 5 سنوات. كذلك، يحكم الجيش الباكستاني البلاد منذ عام 1947، ويشارك منذ فترة طويلة في السياسة، حتى عندما لا يكون في السلطة بصفة مباشرة. وكان الجنرال برويز مشرف آخر حاكم عسكري باكستاني، حكم من 1999 إلى 2008.

راهناً، تمر باكستان بأزمة سياسية جديدة، وسط استمرار الاضطرابات السياسية والتدهور الاقتصادي والهجمات الإرهابية المكثفة في المناطق الشمالية الغربية من البلاد. ويذكر أنه في عام 2024، شاب الانتخابات العامة جدل ولغط ومزاعم بأن الجيش زوّر الانتخابات لصالح ائتلاف سياسي بقيادة نواز شريف. وفي هذا السياق، غالباً ما تعلق الصحافية الباكستانية آروز كاظمي على قناتها في «يوتيوب» قائلة: «منذ الاستقلال، شابت الانتخابات في باكستان الخلافات، بما في ذلك تدخل الجيش القوي، ومزاعم واسعة النطاق بالفساد، وسوء الإدارة الاقتصادية وتزوير الناخبين. لم يزدهر الأساس الديمقراطي الحقيقي في باكستان أبداً، بل دائماً ما غمرته الانقلابات العسكرية، ولا يزال الجيش يحكم البلاد بشكل غير مباشر».

كيف ستتأثر السياسة الإندونيسية؟

خاض 3 مرشحين الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إندونيسيا، هم: برابوو سوبيانتو (72 سنة) الجنرال السابق للقوات الخاصة ووزير الدفاع الحالي - الذي فاز في السباق -، وأنيس باسويدان (54 سنة) الحاكم السابق للعاصمة جاكارتا ووزير التعليم والثقافة السابق والمثقف الإسلامي التقدمي العربي الأصل، وغنجار برانوو حاكم جاوة الوسطى السابق.

التحوّل الديمقراطي في إندونيسيا بدأ عام 1998، عندما فجّر التأثير المدمّر للأزمة المالية الآسيوية معارضة جماهيرية واسعة ضد حكم سوهارتو، الذي تولّى السلطة على خلفية عمليات تطهير واسعة ضد الشيوعيين واليساريين عام 1965. وفي مواجهة الاحتجاجات العامة المتزايدة ضد ديكتاتورية سوهارتو، أجبره حلفاؤه العسكريون والسياسيون على الاستقالة. ثم أجريت انتخابات حرة في غضون سنة.

ولقد تنافس 48 حزباً في انتخابات عام 1999، تمكن 21 منها من الفوز بمقاعد في البرلمان. ومع هذا، كان أصحاب الأداء الأعلى هي الأحزاب الثلاثة «المطيعة» الممثلة في برلمان سوهارتو ذي الموافقات الروتينية. أما الفائز الأكبر فكان «حزب النضال الديمقراطي الإندونيسي» (PDIP) بقيادة ميغاواتي ابنة أحمد سوكارنو، أول رئيس استقلالي للبلاد (الذي عزله سوهارتو). وحل ثانياً حزب «غولكار» الذي تزعمه سوهارتو وقاده مناصروه. وجاء ثالثاً «حزب التنمية المتحد»، المؤلف من نخب إسلامية تمثل فئات اجتماعية وآيديولوجية مختلفة. والملاحظ هنا تحدر رؤساء إندونيسيا الثلاثة المنتخبين ديمقراطياً منذ عام 1999 من عائلات سياسية أو دينية أو عسكرية قوية، ولقد احتفظوا بنفوذهم في السياسة رؤساء لأحزابهم السياسية.

سنا جفري، الباحثة في برنامج آسيا بـ«مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي» تعلق على الواقع بالقول: «على مدى العقدين الماضيين، تنقّلت السلطة في الغالب ضمن هذه النخب، التي تقرّر أحزابها السياسية من يظهر في الاقتراع وما يفعله الفائزون ما بين الانتخابات. وكان جوكو ويدودو، الرئيس صاحب الشعبية الكبيرة في البلاد، أول شخص خارجي يخترق هذه الزمرة. لكنه سرعان ما أدرك أن الدعم الشعبي ربما ساعده على بلوغ قمة السلطة، إلا أن ممارستها في ظل سيطرة نخب عهد سوهارتو تتطلب منه اللعب وفق قواعدها».

ماذا تعني الانتخابات بالنسبة لإندونيسيا؟

أما الأكاديمي أديتيا بيردانا فيعد أن انتخابات 2024 «ستضع إندونيسيا على أعتاب تغيير أجيال وشيك. إذ لا تزال النخب القديمة مسؤولة عن اختيار المرشحين، وباتباع التقاليد العريقة لسياسة النخبة المهيمنة، اتخذ العديد منهم تدابير لتوريث قيادة أحزابهم لأبنائهم». وأردف أن لدى إندونيسيا «جميع المكوّنات الصحيحة لجعلها واحدة من أكثر الدول نفوذاً في آسيا، وأيضاً تتمتع بالموارد الطبيعية الضخمة التي لا تحتاج إلا إلى استثمارات أجنبية لربطها والاستفادة منها». ثم أضاف: «(الرئيس الحالي جوكو) برابوو تعهد بمواصلة خطط ويدودو للتنمية الاقتصادية التي استفادت من احتياطات إندونيسيا الوفيرة من النيكل والفحم والنفط والغاز... وقادت أكبر اقتصاد في جنوب شرقي آسيا خلال عقد من النمو السريع والتحديث الذي وسع بشكل كبير شبكات الطرق والسكك الحديدية في البلاد. ويشمل ذلك مشروع بقيمة 30 مليار دولار لبناء عاصمة جديدة تسمى نوسانتارا. وهي تعتمد بشكل متزايد على الصين للقيام بذلك».

وهنا استدرك بيردانا ليشير إلى أن إندونيسيا «لا تريد أن تضطر إلى الانحياز لأي طرف في التنافس بين الولايات المتحدة والصين، مع أن ويدود اقترب أكثر من الصين، وأشار برابوو أيضاً إلى أنه قد يحذو حذوه، برغم أن الموازنة بين المصلحة والاستثمار من الغرب والصين في مشروع العاصمة الجديدة ستشكل تحدياً جدياً».

التحوّل الديمقراطي في إندونيسيا بدأ عندما فجّرت الأزمة المالية الآسيوية معارضة جماهيرية ضد حكم سوهارتو

التاريخ الانتخابي لباكستان

تشكل المشهد الانتخابي الباكستاني عبر فترات متقطعة من الحكم الديمقراطي المتداخل مع الأنظمة العسكرية. ويضطلع الجيش بدور حاسم في السياسة الباكستانية، ويعد القوة الدافعة الرئيسية وراء الانتخابات. وحول هذا الأمر يقول البروفسور سوميت غانغولي، من جامعة إنديانا الأميركية، في كتاب بعنوان «مستقبل داعش»، شارحاً: «لا يمكن لأي مرشح أن ينجح من دون دعم قادة الجيش. وأي شخص يعارض المؤسسة العسكرية يخاطر بالاعتقال أو النفي أو ما هو أسوأ. وطوال ماضي باكستان المضطرب، سيطر الجنرالات العسكريون على الانتخابات وقادوا البلاد في بعض الأحيان بأنفسهم».

وبالفعل، كانت انتخابات الشهر المنصرم مثيرة للجدل، وشابتها مزاعم بتزوير الأصوات، وأسفرت عن تفويض منقسم مع ظهور المرشحين المستقلين من حزب «حركة الإنصاف الباكستانية» بزعامة رئيس الوزراء السابق المسجون عمران خان كأكبر كتلة انتخابية. فوفقاً لتقرير نشرته صحيفة «الفجر» الباكستانية اليومية، فاز المستقلون بعدد 93 مقعداً في الجمعية الوطنية، مقابل 75 لـ«الرابطة الإسلامية الباكستانية - نواز» و54 لـ«حزب الشعب الباكستاني». وللعلم، يستلزم تشكيل الحكومة أن يخرج الحزب بغالبية 33 مقعداً من أصل 265 مقعداً في البرلمان (الجمعية الوطنية).

 

صورة من ختام يوم الاقتراع في إندونيسيا (رويترز)

تحديات متعددة الأوجه

في الحقيقة تواجه باكستان تحديات متعددة الأوجه، بما في ذلك التنشيط الاقتصادي والمخاوف الأمنية والتفاعلات الإقليمية وإصلاحات الحوكمة... وسط توقعات عالية عند الناخبين الآملين بقيادة سريعة الاستجابة، بجانب الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، والحكم الفعال.

وهنا ترى الكاتبة الصحافية الهدية ميرا باتيل: «على الصعيد الدولي، فقدت باكستان دعم الحلفاء الرئيسيين، بما في ذلك الولايات المتحدة، منذ سحبها قواتها من أفغانستان عام 2021، وتضاؤل مساعداتها العسكرية والاقتصادية لإسلام آباد. كذلك ربطت الحكومة الهندية التعامل مع إسلام آباد باعتراف الأخيرة بدورها في دعم الإرهاب (وفق باتيل)، كما تواجه باكستان باستمرار مناوشات عسكرية مع جيرانها إيران وأفغانستان. أما على الصعيد الداخلي، فتواجه البلاد الإرهاب، مع تزايد جرأة (حركة طالبان الباكستانية) في محاولة استهداف مرافق مدنية وعسكرية».

واقتصادياً، تواجه الحكومة المقبلة في إسلام آباد واقعاً قاسياً يتمثل باقتصاد مأزوم، حيث من بين 241 مليون باكستاني يعيش حوالي 40 في المائة منهم تحت خط الفقر، كما ارتفع معدل التضخم لأكثر من 30 في المائة، وفقاً للبيانات التي نشرها صندوق النقد الدولي. ويضاف إلى ما سبق أن البلاد تواجه أزمة سداد ديون محتملة، حين أبلغ البنك المركزي عن 24 مليار دولار من التزامات الديون الخارجية المستحقة بحلول يونيو (حزيران) 2024.

 

برابوو سوبيانتو... مسيرة عسكرية وسياسية

برابوو سوبيانتو، الذي سيحل محل الرئيس الإندونيسي الحالي جوكو ويدودو، هو صهر الديكتاتور السابق سوهارتو. ومن المثير للاهتمام أن برابوو خاض 3 مرات انتخابات الرئاسة بعد فشله مرتين ضد ويدودو.ولكن، هذه المرة، أصبح المنافسون السابقون حلفاء ضمنيين احتضنوه ليرث ويدودز، بل اختاروا نجل ويدودو، جبران راكابومينج راكا (36 سنة)، عمدة مدينة سوراكارتا، مرشحاً لمنصب نائب الرئيس، ما منحه الغالبية.عموماً لا يميل الرؤساء الإندونيسيون إلى تبني مرشحين، لكن ويدودو الذي استوفى الحد الدستوري للرئاسة المحدد بفترتين، فضّل دعم سوبيانتو على مرشح حزبه السابق لانتخابات 2024.ومع أن برابوو كان خصماً ومنافساً لويدودو في الانتخابات السابقة، عينّه الأخير بعد فوزه وزيراً للدفاع. وبالتالي، منح هذا الشكل من «الائتلاف» الرئيس ويدودو سيطرة شبه كاملة على البرلمان خلال الفترة السابقة. ومن ثم، بناءً على هذا النجاح، باشر ويدودو عملية البحث عن طرق للحصول على فترة ولاية ثالثة من خلال تعديل الدستور. غير أن كثيرين من نخب حزبه «حزب النضال الديمقراطي الإندونيسي» (PDI - P) أعربوا عن قلقهم، وكانت الرئيسة السابقة ميغاواتي، أول امرأة تتولى رئاسة إندونيسيا، هي التي منعت بشكل حاسم الجهود المبذولة لتعديل الدستور، وأجبرت الحكومة على تحديد موعد الانتخابات في عام 2024.ولد سوبيانتو عام 1951 لواحدة من أقوى العائلات نفوذاً في إندونيسيا، وهو الثالث بين أربعة أولاد. وكان أبوه سوميترو دجوجوهاديكوسومو سياسياً نافذاً ووزيراً في عهدي الرئيسين سوكارنو وسوهارتو. ولقد عمل الأب لأول مرة لدى سوكارنو، بطل استقلال البلاد وتحررها من الاستعمار الهولندي، وأول رؤساء إندونيسيا المستقلة. إلا أن الابن سوبيانتو أمضى معظم سنوات طفولته في الخارج، وهو بالمناسبة يجيد اللغات الفرنسية والألمانية والإنجليزية والهولندية.عادت أسرة سوبيانتو إلى إندونيسيا بعد وصول الجنرال سوهارتو إلى الحكم عام 1967. والتحق بالأكاديمية العسكرية الإندونيسية عام 1970، وتخرّج فيها عام 1974. وعلى الأثر خدم في الجيش لما يقرب من 3 عقود. في عام 1076 انضم سوبيانتو إلى «القوات الخاصة» بالجيش الوطني الإندونيسي، المسماة «كوباسوس»، وكان قائداً لمجموعة تعمل فيما يُعرف الآن بتيمور الشرقية. ويُقال إن أوامره، عام 1998، تضمّنت خطف وتعذيب النشطاء المؤيدين للديمقراطية المعارضين لسوهارتو - والد زوجته آنذاك - وأنه كان مسؤولاً عن عدد من انتهاكات الحقوق المدنية في بابوا وتيمور الشرقية. ولكن، رغم محاكمة العديد من رجاله وإدانتهم، فإنه نفى جميع المزاعم، ولم يتعرّض للإدانة.كذلك، مع أن سوبيانتو سُرّح من الخدمة بشكل غير مُشرف عام 1998، لكنه لم يواجه المحاكمة أبداً، بل ذهب إلى المنفى الاختياري في الأردن عام 1998، ثم عاد من الأردن عام 2008، وساعد في تأسيس حزب «غيريندا» (حركة إندونيسيا العظيمة).من جهة لأخرى، كانت لسوبيانتو علاقات وثيقة مع الإسلاميين المتشددين الذين استخدمهم لتقويض خصومه. لكن بالنسبة لانتخابات 2024، طرح سوبيانتو صورة لنفسه أكثر ليونة لاقت صدى لدى عدد كبير من الشباب في إندونيسيا، بما في ذلك مقاطع فيديو له وهو يرقص على خشبة المسرح وإعلانات تظهر عروضاً رقمية تشبه الرسوم المتحركة له وهو يمارس رياضة التزحلق في شوارع جاكارتا.ثم قال في أول خطاب له بعد الفوز: «سنكون... الرئيس ونائب الرئيس والحكومة لجميع الشعب الإندونيسي. سأحكم، مع جبران (لحماية) الشعب الإندونيسي والدفاع عنه بأسره، بصرف النظر عن القبيلة، والجماعة الإثنية، والعرق أو الدين، ومهما كانت الخلفية الاجتماعية. وستكون مسؤوليتنا تجاه جميع الشعب الإندونيسي هي حماية مصالحه».

 

 

شهباز شريف... وتجربة حكم جديدة

ولد شهباز شريف، الأخ الأصغر للزعيم الباكستاني نواز شريف، يوم 23 سبتمبر (أيلول) 1951 في مدينة لاهور عاصمة البنجاب، أكبر أقاليم باكستان وأغناها. وهو سليل أسرة مرموقة لعبت دوراً سياسياً نشطاً في باكستان لعقود، كما أنه متزوج مرتين، وأب لولدين وبنتين من زواجه الأول.تلقى شهباز تعليمه في «الكلية الحكومية» بلاهور، ولاحقاً درس الحقوق في جامعة البنجاب. وخلال عقد الثمانينات دخل حلبة السياسة، وترقى بسرعة في صفوف حزب أخيه «الرابطة الإسلامية الباكستانية - نواز»، ومن ثم شغل لعدة فترات منصب رئيس حكومة إقليم البنجاب. غير أنه قبل أن يتولى منصب رئيس الحكومة الباكستانية عُرف بوصفه إدارياً قديراً أكثر مما هو سياسي لامع. وبالفعل يصفه العاملون معه والمقربون منه بأنه نشيط ومحب للعمل.وعلى مسرح السياسة العليا يذكر عن شهباز لعبه دوراً بارزاً في الحفاظ لمدة 16 شهراً على الائتلاف غير المتجانس الذي حكم باكستان بعد إطاحة البرلمان حكم عمران خان.

 

 


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.