إضاءة جغرافية وتاريخية على آيرلندا الشمالية

القس إيان بيزلي (رويترز)
القس إيان بيزلي (رويترز)
TT

إضاءة جغرافية وتاريخية على آيرلندا الشمالية

القس إيان بيزلي (رويترز)
القس إيان بيزلي (رويترز)

> يشكل كيان آيرلندا الشمالية جزءاً من أراضي المملكة المتحدة بوصفه وحدة سياسية، لكنه من منطلق جغرافي ليس ضمن «بريطانيا العظمى» لكون هذه العبارة تعبيراً جغرافياً عن الجزيرة الكبيرة التي تضم كيانات إنجلترا وأسكوتلندا وويلز.

هذا الكيان الواقع في أقصى شمال شرقي الجزيرة الآيرلندية، التي يتقاسمها مع جمهورية آيرلندا، يمتد على مساحة 14330 كيلومتراً مربعاً، ويزيد عدد سكانه بقليل على مليون و900 ألف نسمة. أما عاصمته وكبرى مدنه فمدينة بلفاست.

أسّس كيان آيرلندا الشمالية، بحدوده الحالية، عام 1921 مع تقسيم الجزيرة الآيرلندية وسط صراع سياسي وعسكري مرير، وتشكل من ست محافظات من المحافظات الآيرلندية التاريخية كلها في إقليم آلستر، الذي هو أحد الأقاليم التاريخية الأربعة في الجزيرة الآيرلندية، وهي: آلستر في الشمال، ولينستر في الشرق، ومونستر في الجنوب، وكونوت في الغرب.

ميشيل أونيل (إلى الشمال) وإيما ليتل – بينغيلي (بي آيه)

عند التقسيم، وتبعاً لكثافة السكان البروتستانت مقابل الغالبية الكاثوليكية في الجزيرة كلها، شكّل يومذاك البروتستانت غالبية في ست محافظات من المحافظات التسع التي يتكون منها إقليم آلستر، وهي: ديري وتايرون وفيرماناه وأرماه وداون وآنتريم. وبالتالي، اعتُمد الكيان الجديد بوصفه وحدة سياسية تحت التاج البريطاني، بينما ضمت المحافظات الثلاث الأخرى في آلستر إلى كيان الجمهورية (أسّست رسمياً عام 1922) وهي محافظات دونيغال وكافان وموناهان. أما اليوم فإن نسبة الكاثوليك من سكان آيرلندا الشمالية تقدر بأكثر من 45.7 في المائة مقابل 43.5 في المائة للبروتستانت والفئات المسيحية الأخرى، والباقي من غير المسيحيين أو غير المتدينين.

في الواقع، لا يشار في التعريف الرسمي للاختلاف السياسي في آيرلندا الشمالية بمسميات مذهبية دينية مع أن المذهبية أهم أرضية للصراع السياسي، بل يعتمد مُسميا «الاتحاديون» و«القوميون».

«الاتحاديون» هم الذين يؤمنون بالعيش ضمن «المملكة المتحدة» والولاء لها، والسواد الأعظم منهم بروتستانت. أما «القوميون»، وجلّهم من الكاثوليك، فهم المؤمنون بالقومية الآيرلندية الكِلتية (السلتية) المختلفة عن الأصول الجرمانية للغالبية الإنجليزية في إنجلترا. وما يستحق الإشارة هنا، إلى الأسكوتلنديين، وكذلك الويلزيّون، من الشعوب الكِلتية، لكنهم جميعاً يظلون أقلية صغيرة مقارنة مع الغالبية الإنجليزية.

قصر ستورمونت، مقر السلطة في أيرلندا الشمالية (رويترز)

الصراع بين الجانبين «الاتحادي» البروتسانتي، و«القومي» الكاثوليكي، تجدّد فيما عرف بحقبة «الاضطرابات» The Troubles التي استمرت بين أواخر عقد الستينات وعام 1998. ففي ذلك العام، إبان عهد الحكومة البريطانية العمالية برئاسة توني بلير، وُقّعت «اتفاقية الجمعة العظيمة» التي أنهت الصراع الدامي تحت رعاية السيناتور الأميركي جورج ميتشل الزعيم السابق للغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي. وبين ما خلصت إليه الاتفاقية إعادة تشكيل سلطة موحّدة لإدارة آيرلندا الشمالية وتتكوّن من الأحزاب الممثّلة داخل برلمانها.

ميشيل أونيل (إلى الشمال) وإيما ليتل – بينغيلي (من حساب ليتل - بينغيلي على فيسبوك)

هنا تجدر الإشارة إلى أن الأحزاب البريطانية لا حضور لها تقريباً في آيرلندا الشمالية، بل إن الأحزاب الأساسية التي لعبت الدور الأساس هي أحزاب محلية. وأهم هذه الأحزاب عند البروتستانت «حزب آلستر الاتحادي» الذي قاد الشارع تاريخياً، و«الحزب الديمقراطي الاتحادي»، وهو حزب بروتستانتي راديكالي أسّسه القس المتشدد إيان بيزلي. ولكن بمرور الوقت وتفاقم «الاضطرابات» تضاءلت قوة الأول نتيجة اعتداله، وقوي الثاني بسبب تشدّده.

وفي الضفة الكاثوليكية، حصل شيء مشابه. إذ تراجعت باطّراد شعبية «الحزب الديمقراطي الاجتماعي والعمالي» المعتدل أمام حزب «شين فين» القومي الراديكالي العريق الذي يمتد نفوذه في عموم الجزيرة الآيرلندية. ولقد استفاد «شين فين» من «اتفاقية الجمعة العظيمة» بعدما كانت الحكومات البريطانية تعده مجرّد الواجهة السياسية لميليشيا «الجيش الجمهوري الآيرلندي».

والمفارقة اليوم أن الحزبين الراديكاليين اللذين قادا الحرب هما اللذان يصنعان السلام الآن. وليس هذا فقط، بل إن المسيرة الحكومية نحو السلام تقودها امرأتان، هما الوزيرة الأولى ميشيل أونيل من «شين فين»، ونائبتها إيما ليتل - بينغيلي من «الحزب الديمقراطي الاتحادي».


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
TT

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا، كما أيّد تصدي المملكة العربية السعودية للمتمردين الحوثيين في اليمن.

في المقابل، أدان روبيو هجوم حركة «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على غلاف قطاع غزة، وأعرب بقوة عن دعمه لإسرائيل و«عن حقها في الدفاع عن النفس»، داعياً إلى القضاء التام على «حماس» في القطاع الفلسطيني المحتل.

وعندما سُئل عما إذا كانت هناك طريقة ما لوقف «حماس» من دون التسبّب في خسائر بشرية جسيمة في صفوف مدنيي غزة، قال روبيو - بالحرف - إن إسرائيل لا تستطيع التعايش «مع هؤلاء المتوحشين... يجب القضاء عليهم». وتابع في الاتجاه نفسه ليقول: «إن (حماس) مسؤولة بنسبة 100 في المائة» عن الخسائر البشرية الفلسطينية في غزة.

أما فيما يتعلق بإيران فالمعروف عن روبيو أنه يدعم العقوبات الصارمة وإلغاء الاتفاق النووي معها. وإزاء هذه الخلفية يرى محللون أن اختياره لمنصب وزير الخارجية ربما يعني تطبيقاً أكثر صرامة للعقوبات النفطية على كلّ من إيران وفنزويلا.

ومن جهة ثانية، بصفة ماركو روبيو نائباً لرئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ وعضواً في لجنة العلاقات الخارجية، فإنه يناقش في الكثير من الأحيان التهديدات العسكرية والاقتصادية الأجنبية، ولعل من أبرزها ما تعدّه واشنطن تهديد الصين. وهو يحذّر بشدّة من أن كلاً من الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا تتعاون بشكل متزايد ضد الولايات المتحدة. وسبق له أن قال في خطاب ألقاه خلال مارس (آذار) الماضي: «إنهم جميعاً يشتركون في هدف واحد. إنهم يريدون إضعاف أميركا، وإضعاف تحالفاتنا، وإضعاف مكانتنا وقدراتنا وإرادتنا».

وحول الصين بالذات، فيما يتعلق بالأمن القومي وحقوق الإنسان، فإنه يحذر من الصين. وفي حين يأمل روبيو بنمو اقتصادي أكبر نتيجة للتجارة معها، فإنه يعتقد أن على واشنطن دعم الديمقراطية والحرية والاستقلال الحقيقي لشعب هونغ كونغ.

أما بالنسبة لروسيا، فقد أدان روبيو غزو روسيا لأوكرانيا، خلال فبراير (شباط) 2022، بيد أنه صوّت مع 15 جمهورياً في مجلس الشيوخ ضد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 95 مليار دولار لأوكرانيا وإسرائيل وشركاء آخرين جرى تمريرها في أبريل (نيسان).

ثم في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وصف الأوكرانيين بأنهم «شجعان وأقوياء بشكل لا يصدق»، لكنه قال إن الحرب في أوكرانيا وصلت إلى «طريق مسدود»، و«يجب إنهاؤها» عبر التفاوض لتجنب المزيد من الضحايا، بدلاً من التركيز على استعادة كل الأراضي التي استولت عليها موسكو.

في المقابل، يدعم وزير الخارجية المرشّح الشراكةَ التجارية والتعاون مع الحلفاء عبر المحيط الهادئ، ويدعو إلى تعزيز الوجود العسكري الأميركي في تلك المنطقة، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة «تخاطر بالاستبعاد من التجارة العالمية ما لم تكن أكثر انفتاحاً على التجارة».