ميشيل أونيل... أول شخصية «قومية» تقود آيرلندا الشمالية

تتوقّع تنظيم استفتاء على وحدة الجزيرة خلال 10 سنوات

تزامن دخول أونيل عالم السياسة عام 1998 مع توقيع «اتفاقية الجمعة العظيمة» التي ساهمت في إنهاء 30 سنة من العنف والخراب
تزامن دخول أونيل عالم السياسة عام 1998 مع توقيع «اتفاقية الجمعة العظيمة» التي ساهمت في إنهاء 30 سنة من العنف والخراب
TT

ميشيل أونيل... أول شخصية «قومية» تقود آيرلندا الشمالية

تزامن دخول أونيل عالم السياسة عام 1998 مع توقيع «اتفاقية الجمعة العظيمة» التي ساهمت في إنهاء 30 سنة من العنف والخراب
تزامن دخول أونيل عالم السياسة عام 1998 مع توقيع «اتفاقية الجمعة العظيمة» التي ساهمت في إنهاء 30 سنة من العنف والخراب

إن كان للمفارقات التاريخية تعريف، فإنه يتجسّد بلا شك في وزيرة آيرلندا الشمالية الأولى ميشيل أونيل. أونيل، التي باتت أول «قومية آيرلندية» وأول كاثوليكية تتولى هذا المنصب في تاريخ آيرلندا الشمالية، كرّست حياتها السياسية لإنهاء وجود هذا الكيان بشكله الحالي وإعادة توحيده مع جمهورية آيرلندا، وها هي اليوم تتبوّأ أعلى مناصبه التنفيذية. وللعلم، رغم انتخابها في مايو (أيار) 2022، لم تتسلم أونيل مهامها إلا مطلع الشهر الحالي بعد انجلاء أزمة سياسية عرقلت العمل التشريعي والتنفيذي في آيرلندا الشمالية قرابة سنتين. وعبر خطابها في قصر ستورمونت (مقر البرلمان الآيرلندي الشمالي) التاريخي، أكّدت أونيل أنها تسعى لخدمة جميع مواطني آيرلندا الشمالية؛ في مسعى لطمأنة «الاتحاديين» الداعمين للمملكة المتحدة. فهل ستنجح أونيل في تمثيل «المجتمع بأطيافه كافة»؟ وكيف ستسهم نشأتها وتاريخ أسرتها في بلورة سياساتها؟

منذ دخول ميشيل أونيل عالم السياسة، ارتبطت صورتها بتاريخ انخراط أسرتها في أحداث العنف الأهلي الدامية التي عرفت بـ«الاضطرابات»، التي أودت بحياة أكثر من 3600 شخص وامتدّت 30 سنة، قبل أن تلجمها «اتفاقية الجمعة العظيمة» المبرمة عام 1998 بين «الاتحاديين» (وجلهم من البروتستانت) و«القوميين» (وجلهم من الكاثوليك).

النشأة والعائلة

وُلدت ميشيل دوريس أونيل (دوريس اسم عائلتها) يوم 10 يناير (كانون الثاني) 1977 في بلدة فيرموي بأقصى جنوب جمهورية آيرلندا، لكنها تنحدر من كلونوي في محافظة تايرون، لعائلة من خلفية جمهورية آيرلندية.

سُجن والدها برندان دوريس، قبل ولادتها، بسبب انتمائه لميليشيا «الجيش الجمهوري الآيرلندي» المحظورة في بريطانيا والمتهمة بنحو نصف ضحايا الصراع وآلاف الانفجارات إبان فترة «الاضطرابات». وأصبح برندان بعد ذلك عضو مجلس محلي ممثلاً حزب «شين فين» في بلدة دونغانون خلال الثمانينات. أما عمها، بول دوريس، فكان رئيساً لمجموعة «نورايد»، وهي مجموعة جمهورية ناشطة في جمع التبرعات.

بل إن ابن عمّها توني دوريس، كان أحد ثلاثة مسلحين تابعين لـ«الجيش الجمهوري الآيرلندي» قُتلوا في كمين نصبته الخدمة الجوية الخاصة التابعة للجيش البريطاني عام 1991. وكان توني يقود فرقة اغتيالات في قرية بمحافظة تايرون، وتعرّض لإطلاق رصاص كثيف جعل من الصعب التعرف على جثّته. وفي حادثة أخرى عام 1997، أصيب قريب آخر لميشيل أونيل، هو المتطوّع في «الجيش الجمهوري الآيرلندي» غاريث ملاكي دوريس، بالرصاص.

تعليمها ومسيرتها المهنية

تلقت ميشيل تعليمها في مدرسة «أكاديمية سانت باتريك» للفتيات في دونغانون. وفي سن الخامسة عشرة، عندما كانت لا تزال تلميذة، حملت أونيل بطفلها الأول. وهي تستذكر تلك الفترة بألم ممزوج بالامتنان. إذ قالت في إحدى المقابلات الصحافية مع «ذي آيريش تايمز» إنها كانت تُعامل في المدرسة كما لو كانت «مصابة بالطاعون». وأضافت: «لن أنسى تلك التجربة أبداً. والتزمت بيني وبين نفسي أن أحداً لن يعاملني بهذه الطريقة مرة أخرى».

وفي مقابلة مع شبكة «سكاي نيوز»، تحدّثت أونيل عن الصعوبات التي واجهتها في تربية ابنتها «سيرسي» في مجتمع آيرلندا الشمالية الكاثوليكي المحافظ في التسعينات. وقالت: «تم وضعي في خانة: أم عازبة وغير متزوجة، تم شطبها (من المجتمع) تقريباً. لكنني كنت مصممة على ألّا أشطب اسمي، وأن أعمل بجد وأعيش حياة جيدة من أجل ابنتي». وفي وقت لاحق، رُزقت بابن، وأصبحت في عام 2023 جدة.

في المقابل، عبّرت ميشيل أونيل عن امتنانها الشديد لأسرتها، وخاصة لأمها التي استقالت من عملها كي تهتم بحفيدتها وتتيح لابنتها استكمال دراستها. وقالت أونيل في فيديو نشرته على حساباتها بمنصات التواصل الاجتماعي «لقد تخلت أمي عن العمل حتى أتمكن من العودة إلى المدرسة... لقد بقيت في المنزل، وتولت مجالسة طفلتي ورعايتها وبذا سمحت لي بالعودة وإكمال تعليمي...».. وبالفعل، عادت إلى «أكاديمية سانت باتريك» لإكمال اختبارات التخرج GCSE. وبعد ذلك، بدأت تدريبها لتصبح محاسبة.

دخول عالم السياسة

تزامن دخول ميشيل أونيل عالم السياسة عام 1998، مع توقيع «اتفاقية الجمعة العظيمة»، وهي اتفاق السلام الذي ساهم في إنهاء 30 سنة من العنف والخراب في آيرلندا الشمالية. وآنذاك انضمّت أونيل إلى حزب «شين فين»، الحزب السياسي القومي المنتشر في عموم الجزيرة الآيرلندية، أي في كل من آيرلندا الشمالية وجمهورية آيرلندا. وما يذكر أنه لطالما عدّت السلطات البريطانية هذا الحزب «الجناح السياسي» لميليشيا «الجيش الجمهوري الآيرلندي».

وبعد انضمامها، صارت أونيل مقرّبة من نائب زعيم الحزب مارتن ماكغينيس، الذي كان آنذاك مرشّحاً في دائرة ميد آلستر الانتخابية، وأصبح عرّاباً لها في مسيرتها السياسية. وأيضاً، بينما كانت أونيل تعمل مع ماكغينيس وزميله عضو مجلس ميد آلستر فرانسي مولوي، عملت كذلك مستشارة لحقوق الرعاية الاجتماعية.

وفي أعقاب تنحّي والدها برندان عن مقعده في المجلس المحلي (البلدي) لدونغانون وساوث تايرون قبل انتخابات 2005، عقب تشخيصه بمرض مزمن، فازت بمقعده. ولقد توفي الأب بعد أشهر من فوز ابنته بالانتخابات وشغلها مقعده.

على الأثر، انطلقت مسيرة ميشيل أونيل صعوداً وبسرعة، فغدت بعد ذلك أول امرأة تتولى منصب عمدة دونغانون وساوث تايرون. وهذا إنجاز أسعدها جداً، إذ قالت خلال حديث لها عن أبيها «أنا متأكدة أنه لو كان على قيد الحياة، لكان نظر إلي بالرضا والاعتزاز... وافتخر كثيراً بابنته الصغيرة».

وتسارعت المسيرة منذ 2007، عندما انضمت أونيل إلى ماكغينيس ومولوي بصفتها «نائباً» في برلمان آيرلندا الشمالية عن دائرة ميد آلستر. ومن ثم، عُيّنت ناطقة باسم حزبها لشؤون الصحة، كما شغلت مقعداً في لجنة التعليم البرلمانية.

وبعد أربع سنوات من نشاطها في مقر البرلمان بقصر ستورمونت، عيّنها حزب «شين فين» وزيرة للزراعة عام 2011. وفي عام 2016 أصبحت وزيرة للصحة، التي تعدّ واحدة من أكثر الحقائب الوزارية صعوبة وتحديات في آيرلندا الشمالية.

ترقية تاريخية

حصلت أونيل في 2017 على ترقية داخل «شين فين» حملتها خلال فترة قياسية إلى منصب نائب الوزير الأول لآيرلندا الشمالية.

ذلك أنه في يناير من ذلك العام، أعلن مارتن ماكغينيس استقالته من منصب نائب الوزير الأول إثر خلافه مع «الحزب الديمقراطي الاتحادي» (البروتستانتي) حول مخطّط للطاقة. وأدّت هذه الاستقالة إلى انهيار السلطة التنفيذية التي تتقاسم السلطة بين الحزبين الكبيرين في ستورمونت، ما نتج عنه فترة جمود سياسي استمرت ثلاث سنوات.

بل إن ماكغينيس توفي بعد استقالته بوقت قصير، وعندها اختار الحزب ميشيل أونيل لتحل محله نائباً لزعيم «شين فين»، في خطوة وصفتها بـ«أكبر شرف وامتياز» في حياتها.

وبعد ذلك، عندما تجاوز نواب ستورمونت أزمة الفراغ التنفيذي في يناير 2020، مُنهين ثلاث سنوات من الجمود، عُينت أونيل نائبتاً للوزيرة الأولى آرلين فوستر من الحزب الديمقراطي الاتحادي، وجاءت هذه الخطوة عندما كانت جائحة «كوفيد - 19» تعصف بمناطق المملكة المتحدة.

غير أن حدثاً لافتاً سجّل في مايو 2022، عندما أصبح «شين فين» أكبر حزب في برلمان ستورمونت لأول مرة في تاريخ آيرلندا الشمالية. ولقد كرّر هذه النتيجة في انتخابات المجالس المحلية في عام 2023. وحول هذا الأمر، وصفت أونيل الحدثين الانتخابيين بـ«التاريخيين».

ولكن على الرغم من هذا الإنجاز، لم تتمكّن أونيل من شغل منصب الوزيرة الأولى إلا يوم 3 فبراير (شباط) 2024؛ وذلك بسبب فترة جديدة من الجمود فرضها «الديمقراطيون الاتحاديون» على برلمان ستورمونت. ذلك أن الحزب الموالي للدولة البريطانية قرّر مقاطعة حكومة «تقاسم السلطة» لفترة استمرت سنتين، احتجاجاً على اتفاقات «بريكست» التي فرضت عبئاً جمركياً إضافياً على السلع المتبادلة بين آيرلندا الشمالية وبريطانيا.

معادلة دقيقة

اليوم تواجه ميشيل أونيل في منصبها الجديد، بصفتها وزيرة أولى، تحدّياً كبيراً يحتّم عليها المواءمة بين ولائها لأمل «الوحدة الآيرلندية» وتعهدها بخدمة أفراد المجتمع الآيرلندي الشمالي بكل أطيافه.

وحقاً، قالت أونيل في خطاب تنصيبها أمام برلمان ستورمونت متعهدة: «سأخدم الجميع بالتساوي، وسأكون الوزيرة الأولى للجميع... مهما كانت تطلعاتنا، بإمكاننا ويجب علينا أن نبني مستقبلنا معاً. علينا أن نجعل تقاسم السلطة ناجحاً لأننا بشكل جماعي مكلفون بالقيادة وتقديم الخدمات لجميع أفراد شعبنا».

أيضا، عدّت أونيل تعيين وزير أول «جمهوري» «فجراً جديداً» لم تكن تتصوّره الأجيال السابقة من الكاثوليك. وسعت لتأكيد موقفها التصالحي مع لندن عبر حضورها جنازة الملكة إليزابيث الثانية وحفل تتويج الملك تشارلز الثالث، وذلك على الرغم من مواقفها - ومواقف حزبها الجمهوري القومي الآيرلندي - الرافضة لشرعية التاج البريطاني في آيرلندا الشمالية.

هذا، وكانت أونيل قد أثارت حفيظة «الاتحاديين» في آيرلندا الشمالية وبعض السياسيين البريطانيين غير مرة خلال السنوات الماضية. فقد أثارت جدلاً كبيراً في عام 2017، عندما ألقت كلمة أمام تجمع حاشد بمناسبة الذكرى الثلاثين لمقتل ثمانية مسلحين من «الجيش الجمهوري الآيرلندي» على أيدي القوات البريطانية الجوية الخاصة. ويومذاك قُتل الرجال في هجوم شنوه على مركز شرطة يوم 8 مايو 1987. وبمواجهة الغضب العارم بين «الاتحاديين» دافعت أونيل عن حضورها، وقالت إنها «جمهورية آيرلندية»، وإنها حريصة على «إحياء ذكرى موتانا».

كذلك في عام 2022، أصرّت على موقف أزعج كثيرين من «الاتحاديين» بقولها في «بودكاست» لـ«البي بي سي» إنه لم يكن للجمهوريين الآيرلنديين «بديل» عن اللجوء إلى العنف، قبل عملية السلام في التسعينات.

إلى ذلك، تعمد أونيل – مثل معظم «القوميين» والجمهوريين – إلى استخدام عبارة «شمال آيرلندا» بدلاً من «آيرلندا الشمالية»، وإن كانت قد كسرت هذه العادة في بعض المرات منذ تسلمها منصب الوزيرة الأولى.

ثم إنه، بدا أن أونيل لا تزال متمسّكة بتنظيم استفتاء حول «الوحدة الآيرلندية». إذ توقّعت في حوار ببرنامج على قناة «آر. تي. إي» الآيرلندية، أن تشهد السنوات العشر المقبلة تطوّراً في اتّجاه «إصلاحات دستورية» تقود إلى تنظيم استفتاء حول الوحدة الآيرلندية.

وعن قدرتها على تحقيق توازن بين هويتها السياسية ومهامها بصفتها وزيرة أولى لجميع ناخبي آيرلندا الشمالية، قالت أونيل لشبكة «سكاي نيوز» البريطانية: «من الواضح أنني جمهورية بل وجمهورية فخورة. لكنني أعتقد أنه من المهم حقاً أن أتطلع إلى الجمهوريين الآيرلنديين، وإلى أصحاب هوية بريطانية اتحادية على حد السواء، وأن أخبرهم أنني أحترم قيمهم وثقافتهم».

تحدي المنصب

تقود أونيل في منصبها الجديد الذراع التنفيذية للسلطة في آيرلندا الشمالية، وإلى جانبها نائبتها «الاتحادية» إيما ليتل - بينغيلي.

ومثل أونيل، تُحسب ليتل - بينغيلي على «جيل الجمعة العظيمة»، الذي شهد على تداعيات عقود من الانقسام الطائفي والقتال المسلّح... إلا أنها تنتمي إلى الفريق «الاتحادي» البروتستانتي. ومثل أونيل، كان والد ليتل - بينغلي منخرطاً في النشاط العسكري للميليشيات البروتستانتية، ونُقل عنه في ذروة نشاط حركة «ألستر المقاومة»، معارضته الشديدة لأي تسوية مع الجمهوريين «حتى النهاية المريرة... حتى الموت».هذا موقف تجاوزته ابنته إيما ولكن من دون التخلي عن قيمها «الاتحادية» وانتمائها البريطاني. واليوم بينما تعمل «الزعيمتان» على تحييد خلافاتهما الآيديولوجية جانباً، والتركيز على تحسين الاقتصاد ومكافحة البطالة وإصلاح النظام الصحي، يخشى كثيرون من فشل هذه المغامرة السياسية... والعودة من جديد إلى فترات الجمود والتعطيل.


مقالات ذات صلة

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

حصاد الأسبوع تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

بعد عِقد من الزمن، توافد الناخبون بإقليم جامو وكشمير، ذي الغالبية المسلمة والخاضع للإدارة الهندية، بأعداد قياسية للتصويت للحكومة المحلية في إطار انتخابات...

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع طابور اقتراع في كشمير (رويترز)

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

برز إلغاء المادة 370 وتأسيس دولة مستقلة في جامو وكشمير قضيتَين رئيسيتين في هذه الانتخابات، بينما تشكّل البطالة مصدر قلق مزمن كبير. الصحافي زاهور مالك قال: «ثمة…

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية،

ميشال أبونجم (باريس)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

طابور اقتراع في كشمير (رويترز)
طابور اقتراع في كشمير (رويترز)
TT

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

طابور اقتراع في كشمير (رويترز)
طابور اقتراع في كشمير (رويترز)

برز إلغاء المادة 370 وتأسيس دولة مستقلة في جامو وكشمير قضيتَين رئيسيتين في هذه الانتخابات، بينما تشكّل البطالة مصدر قلق مزمن كبير. الصحافي زاهور مالك قال: «ثمة استياء عميق في العديد من الدوائر تجاه إلغاء المادة 370. إلا أنه بدلاً من مقاطعة الانتخابات، دفع القرار الكشميريين إلى التصويت على نحو يتناقض مع الـ30 إلى الـ40 سنة الماضية. في وقت سابق، جرى استغلال مثل هذا الاستياء لدعم النزعة الاستقلالية والتطرف؛ ما أدى إلى صعود تهديدات وتحذيرات من مقاطعة الانتخابات، لكن هذه المرة، لم تسمح الطوابير الطويلة للناخبين بحدوث ذلك. وتبقى الميزة الأهم في هذه الانتخابات، أنها جاءت سلمية تماماً. وتكشف حقيقة خروج حشود من الناس للتصويت كيف أصبح التصويت في حد ذاته عملاً من أعمال المقاومة والتضامن».

وشرح مالك أن «السنوات الست الماضية من الحكم المستمر لنيودلهي دفع شعب جامو وكشمير للشعور بالتهميش السياسي. وأثار تنفيذ الحاكم غير المنتخب بل المعيّن مركزياً للعديد من القوانين مخاوف عامة الناس. إذ يرى أهل جامو وكشمير أن البيروقراطية التي تديرها الحكومة المركزية - حيث يتولى مسؤولون غير محليين المناصب الإدارية العليا - لا تتناسب مع القضايا والحساسيات المحلية».

من جهته، علّق المحلل السياسي مفتي شوكت فاروقي بأن «قرار الحكومة الهندية إجراء انتخابات يبدو ظاهرياً بمثابة خطوة نحو استعادة الوضع الطبيعي في الإقليم. ولكن، من دون معالجة السبب الجذري للصراع في كشمير - الوضع السياسي غير المحلول، وتطلعات الشعب الكشميري، وانعدام الثقة العميق بين الدولة ومواطنيها - فإن هذه الانتخابات لن تعدو مجرد ممارسة سطحية للديمقراطية».

والحقيقة، كان إلغاء المادة 370 عام 2019، الذي جرّد جامو وكشمير من وضعها الخاص واستقلالها كولاية داخل الاتحاد الهندي، سبباً في تفاقم التوترات. بل تسبّب القرار في انهيار الثقة بين السكان الكشميريين والحكومة الهندية. ونظر كثيرون إلى العملية الانتخابية في ظل الإطار السياسي الحالي، باعتبارها «غير شرعية»؛ لأنها لم تعد تمثل الهوية المميزة للإقليم أو تطلعات أبنائه للحكم الذاتي.

وفي قلب القضية، تكمن الحاجة إلى حل سياسي شامل يعالج تاريخ كشمير الفريد وتطلعاتها ومظالمها. ولا يمكن تحقيق ذلك عبر الانتخابات فقط، بل عبر الحوار الهادف بين الحكومتين الهندية والباكستانية والجهات السياسية المحلية وجماعات المجتمع المدني، بما في ذلك أولئك الذين يدافعون عن فكرة تقرير المصير، ويدعون إلى استقلال كشمير.

وبالانتقال إلى الانتخابات في كشمير، نجد أن حلبة التنافس راهناً تضم الأحزاب الإقليمية الكشميرية، على رأسها «المؤتمر الوطني» و«حزب الشعب الديمقراطي»، والعديد من الاستقلاليين الذين يتنافسون بصفتهم «مستقلين» سعياً إلى استعادة المادة 370 والوضع الخاص لجامو وكشمير. ويتواجه هؤلاء عملياً مع حزب «بهاراتيا جاناتا». وفي تصريح له، قال الرئيس السابق لحكومة الإقليم عمر عبد الله إن كشمير في حاجة إلى «استعادة هويتها» عبر إلغاء الخطوة التي اتخذتها حكومة مودي عام 2019. وفي المقابل، صرح أميت شاه، وزير داخلية مودي، خلال الشهر، بأن وضع الإقليم شبه المستقل «أصبح تاريخاً ولا أحد يستطيع إعادته». وأضاف أنه «لا يمكن للساعة أن تعود إلى وضع 370 عندما كان لدينا دستوران وعَلمان».

في سياق موازٍ، بين القضايا الرئيسية الأخرى في الانتخابات، احتجاز العديد من الشباب الكشميريين في السجون الهندية، وتحديات محلية مثل تفشي المخدرات والبطالة. وتشير تقديرات الحكومة منذ يوليو (تموز)، إلى أن معدل البطالة في كشمير يبلغ 18.3 في المائة، أي أكثر عن ضعف المتوسط الوطني.

وفي هذا الصدد، قال خورشيد أحمد (50 سنة): «هناك الكثير من القضايا التي نواجهها هنا. نحن سعداء لأننا سنرى تغييراً. نريد حكومتنا الإقليمية ونهاية حكم ممثل نيودلهي. قد تفهمنا حكومتنا الإقليمية، لكن لا أحد من الخارج يستطيع ذلك. أنا أدلي بصوتي اليوم لأننا نتعرض للقمع، وقد سُجن الأطفال، ويتعرضون لأفعال غير عادلة. نحن نصوّت اليوم ضد تصرفات مودي في كشمير».

وقال فايز أحمد ماجراي (46 سنة): «كانت السنوات الأربع الماضية صعبة. لقد اتخذت قوات الأمن إجراءات صارمة، والإذلال الذي ألحقه المسؤولون من الخارج بالسكان غرس شعوراً بالعجز. صيغت القوانين المعادية للشعب من دون استشارة السكان المحليين. أنا أصوّت لإنهاء عجزنا. نحن في مرحلة حرجة من التاريخ، والتصويت وسيلتي للتعبير عن رفضي ضد القوى العازمة على تدمير جامو وكشمير مع كل يوم يمرّ».

مع ذلك، يبدو أن بعض مواطني كشمير فقدوا الأمل باستعادة استقلال منطقتهم، مثل سهيل مير - وهو باحث - الذي قال: «لا أعتقد أن المادة 370 ستعود ما لم تحدث أي معجزة»، وتابع أن الأحزاب كانت تقدم وعوداً بشأن استعادة الحكم الذاتي في خضم أجواء «مشحونة سياسياً» للحصول على الأصوات.

في هذه الأثناء، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، دعت سلطات نيودلهي دبلوماسيين أجانب إلى جامو وكشمير لمتابعة الانتخابات. وبالفعل، زار ما يقرب من 20 دبلوماسياً من سفارات مختارة، بينها سفارات الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وسنغافورة والفلبين وماليزيا، جامو وكشمير لمراقبة الانتخابات.