بلجيكا ورئاسة الاتحاد الأوروبي: مرحلة فارقة على صعيد السياسة الخارجية

رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو (رويترز)
رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو (رويترز)
TT

بلجيكا ورئاسة الاتحاد الأوروبي: مرحلة فارقة على صعيد السياسة الخارجية

رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو (رويترز)
رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو (رويترز)

> تتولى بلجيكا، الدولة المستضيفة لمؤسسات «الاتحاد الأوروبي» وحلف شمال الأطلسي «ناتو» منذ 1 يناير (كانون الثاني)، وللمرة الثالثة عشرة، الرئاسة الدورية لمجلس «الاتحاد»، وكانت آخر مرة تولّت فيها الرئاسة الدورية عام 2010.

الرئاسة البلجيكية تأتي تحت شعار «الحماية والتعزيز والاستعداد»، وتحل في مرحلة فارقة على صعيد السياسة الخارجية متمثلة بالحرب في أوكرانيا والأوضاع في غزة، فضلاً عن التغير المناخي والهجرة. وهذه التحديات ستكون مناسبة جديدة تعرض فيها بلجيكا على لسان ممثلة سياستها الخارجية الوزيرة حجّة لحبيب مواقفها من الملفات الدولية الساخنة.

للعلم، فور الإعلان عن تسلّم بلجيكا لهذه الرئاسة، حرص رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو على التذكير بتعلق بلاده الشديد بقيم الوحدة الأوروبية. إذ أعلن من بروكسل «كما تعلمون، الاتحاد الأوروبي جزء من حمضنا النووي نحن البلجيك... المؤسسات الأوروبية تتمركز هنا في عاصمتنا، وإذا كان هناك بلد يجسّد جوهر الاتحاد الأوروبي فهو بكل تأكيد بلجيكا». وتابع: «تطلعات أكثر من 440 مليون مواطن في الاتحاد الأوروبي عالية، وهي أيضاً مشروعة، وعلى الاتحاد الأوروبي الاستجابة لهذه التحديات، وتحقيق النتائج هو منذ الآن هدفنا...».

في طليعة الملفات التي واجهت وتواجه الرئاسة البلجيكية مسألة تحديد ميزانية المجموعة، التي هي موضع جدل كبير. إذ كانت الهيئات التنفيذية الأوروبية قد طالبت بمبلغ إضافي قيمته 99 مليار يورو، يضاف إلى الميزانية الأوروبية التي تصل إلى 2018 مليار يورو، وهذا للاستجابة للأولويات الأوروبية الجديدة ودعم أوكرانيا. إلا أن المفوضية الأوروبية اقترحت إضافة ميزانية أصغر حدّدتها بـ64 مليار يورو، معتبرة أن «خزائن» المجموعة عانت كثيراً من جرّاء الأزمات المتتالية، بدءاً من جائحة «كوفيد - 19»، ثم الغزو الروسي لأوكرانيا مع تضخم الأسعار ونقص موارد الطاقة.

رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو (رويترز)

ومن المنتظر أيضاً أن تهتم الرئاسة البلجيكية بملف انضمام دول جديدة للمجموعة، ككرواتيا التي التحقت بمنطقة اليورو وحدود منطقة «شينغن» ابتداءً من 1 يناير 2024، وهي دولة أوروبية صغيرة نسبياً تقع في منطقة البلقان، بجنوب شرقي أوروبا، إذ لا يتعدى عدد سكانها أربعة ملايين نسمة، وهي أيضاً عضو في حلف «ناتو».

ومن جهة ثانية، ستشرف الرئاسة البلجيكية على رفع القيود على الحدود الجوية والبحرية بين بلغاريا ورومانيا وباقي الدول الأوروبية الواقعة في منطقة «شينغن». وكانت هاتان الدولتان قد تلقتا أخيراً موافقة «الاتحاد الأوروبي» للانضمام إلى «شينغن»، ومن المنتظر أن يُنجز هذا الانضمام فعلياً اعتباراً من مارس (آذار) المقبل، في حين ينتظر اتخاذ قرار بشأن رفع القيود على الحدود البرية في وقت لاحق.

والجدير بالذكر، أن منطقة «شينغن» تجمّد إلى حد كبير عمليات التفتيش على الحدود بين أعضائها، وتسمح للأشخاص بالسفر والعمل والعيش في دولة عضو أخرى من دون الحصول على تأشيرات أو تصاريح. وكذلك، سيشغل ملف الهجرة حيزاً مهماً من البحث في الفترة المستقبلية بسبب الانقسامات التي تشهدها المباحثات القائمة بشأنه. ذلك أن لكل دولة أجندتها الخاصة ووضعها الخاص، وإن كانت معظم دول «الاتحاد» و«المنطقة» متفقة على اتباع بنود صارمة بخصوص سياسيات الهجرة واللجوء، لكنها لا تزال منقسمة حول عدة نقاط، أهمها: رفض طلب بعض الدول استخدام ميزانية «الاتحاد» لمنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين، وإعفاء الأسر من الإجراءات الحدودية والتضامن الإلزامي.

وأخيراً، وليس آخراً، ستشهد فترة الرئاسة البلجيكية انتخابات البرلمان الأوروبي المنتظر تنظيمها في شهر يونيو (حزيران) المقبل، وسط ترجيح ارتفاع عدد مقاعد اليمين المتطرف، الذي سيسيطر - حسب الدراسات الأخيرة - على ربع المقاعد... وهو ما سيجعل بعض الملفات كالحرب في أوكرانيا، والهجرة، والسياسات الأمنية والاقتصادية، تحتل الأولوية على الأجندة المقبلة لمناقشات البرلمان الأوروبي.


مقالات ذات صلة

طهران: مستعدون للتفاوض مع واشنطن

شؤون إقليمية المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني (موقع جماران)

طهران: مستعدون للتفاوض مع واشنطن

أكدت الحكومة الإيرانية، أمس (الثلاثاء)، استعدادها للتفاوض مع واشنطن ودول غربية، لكنها حددت لذلك شرطي «إثبات الثقة» و«الالتزام بأوامر المرشد» علي خامنئي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك يتحدث قبل «مؤتمر الصناعة 2024» (د.ب.أ)

وزير الاقتصاد الألماني يطالب بتغيير قواعد ديون الاتحاد الأوروبي

قال وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، إنه يسعى لتغيير قواعد الديون التي تم التفاوض عليها بشق الأنفس داخل الاتحاد الأوروبي، واصفاً إياها بـ«الخطر الأمني».

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية صورة عامة لمفاعل بوشهر النووي في إيران على بعد 1200 كيلومتر جنوب طهران في 21 أغسطس 2010 (رويترز)

طهران مستعدة للتفاوض مع واشنطن «بناء على الثقة»

قالت الحكومة الإيرانية، (الثلاثاء)، إن المفاوضات المرتقبة في جنيف حول مصير البرنامج النووي، ستعتمد على «أوامر المرشد علي خامنئي ومصالح الإيرانيين».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

في خطوة عدّها الاتحاد الأوروبي «علامة فارقة في الشراكة الثقافية مع ليبيا»، يواصل مهرجان للأفلام الأوروبية عرض الأعمال المشاركة في العاصمة طرابلس حتى الخميس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بعد لقائهما في أثينا الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 (أ.ب)

أمين عام «الناتو»: الحلف «يحتاج إلى الذهاب أبعد» في دعمه أوكرانيا

قال الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي مارك روته، الثلاثاء، إن الحلف «يحتاج إلى الذهاب أبعد» لدعم أوكرانيا في حربها ضد الغزو الروسي.

«الشرق الأوسط» (أثينا)

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
TT

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)

تُعَدُّ الشراكة بين السعودية والصين فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات حيوية عدة. إذ يوفر التعاون في الطاقة النظيفة والابتكار التكنولوجي فرصاً لدعم أهداف السعودية في تحقيق «رؤية 2030» وزيادة استخدام الطاقة المستدامة، كما أن الاستثمار في مشاريع كبرى مثل «نيوم» يفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة ويعزز من النمو المشترك.

في مجالات التكنولوجيا والابتكار، يعزّز التعاون في قطاعي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية من قدرة السعودية على تحقيق أهدافها التكنولوجية، ويقوّي الروابط الاقتصادية بين البلدين، ومن جهة أخرى، يعزز التبادل الثقافي والتعليم من العلاقات الإنسانية ويزيد من التعاون بين الشعبين.

مع هذا، تواجه الشراكة تحدياتٍ قد تؤثر على العلاقات الثنائية، وتشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية الدولية التي تتطلب مزيداً من الحكمة والروية من أجل درء تعارض المصالح، والتقلبات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على حجم التبادل التجاري والاستثمارات. ولا شك أن الاختلافات الثقافية والسياسية تستوجب تعزيز الحوار والتفاهم، كما يتطلب تحقيق التنمية المستدامة التنسيق بين المشاريع المشتركة وضمان توافقها مع معايير البيئة.

مستقبلاً، يتوقع أن يزداد التعاون في الطاقة النظيفة - وتقف مشاريع مثل «نيوم» حافزاً كبيراً لتعزيز الاستثمارات الصينية في المملكة -، كذلك عبر تكثيف الفعاليات الثقافية والتبادلات التعليمية، يؤمل تمتين الروابط بين الشعبين، ويمكن أن يشمل التعاون المستقبلي المجالات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. وحقاً، من شأن دعم السعودية مبادرة «الحزام والطريق»، الإسهام في تعزيز البنية التحتية والنقل بين الصين والشرق الأوسط، مع الأخذ في الحسبان تكيّف الشراكة مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية باعتماد استراتيجيات مرنة.

إن العلاقات السعودية الصينية اليوم نموذج للشراكة الاستراتيجية المتكاملة التي تستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية، ومع مواصلة تطوير هذه الشراكة يتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين مزيداً من النمو في مختلف المجالات؛ ما يخدم مكانتيهما على الساحة الدولية. وأخيراً، إن الشراكة بين السعودية والصين لا تقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تمتد لتسهم في استقرار الاقتصاد العالمي وتنميته بشكل عام. إذ تجسّد هذه الشراكة نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي القائم على تحقيق مصالح مشتركة؛ مما يساهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين. وهنا تبرز خصوصاً الرؤية الاستراتيجية عند البلدين والتزامهما بالابتكار والتعاون ليفتحا أبواباً جديدة للتنمية والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.