الكونغو الديمقراطية... تاريخ من الصراع

لوران كابيلا (آ ف ب / غيتي)
لوران كابيلا (آ ف ب / غيتي)
TT

الكونغو الديمقراطية... تاريخ من الصراع

لوران كابيلا (آ ف ب / غيتي)
لوران كابيلا (آ ف ب / غيتي)

> منذ استقلالها قبل أكثر من نصف قرن، واجهت جمهورية الكونغو الديمقراطية هزّات سياسية عدة، بدأت مع اغتيال رئيس الوزراء اليساري باتريس لومومبا عام 1961، ثم انقلاب عسكري عام 1965 رسّخ حقبة ديكتاتورية، أطاح بها انقلاب عسكري آخر عام 1997. وفيما بعد اغتيال الرئيس لوران كابيلا في 2001، كذلك عاشت هذه المستعمرة البلجيكية السابقة حربين أهليتين بين عامي 1996 و2003، ما أنهكها وتسبب في قتل وتشريد الملايين من أبنائها.

الأشهر الأخيرة من العام الحالي 2023 شهدت أيضاً تصاعدا في أعمال العنف، تزامنا مع الاستعداد للانتخابات الرئاسية، حيث تسبب الصراع في شرق البلاد في مقتل ما يقرب من ستة ملايين شخص منذ عام 1996. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى تجاوز عدد النازحين داخل البلاد بسبب الصراع 6.9 مليون شخص.

باتريس لومومبا (أ ف ب / غيتي)

هنا لا بد من الإشارة إلى أن تاريخ الصراع في الكونغو الديمقراطية يرتبط بـ«جارتها» رواندا، على الحدود الشرقية؛ حيث جاءت حرب الكونغو الأولى خلال عامي 1996 و1997 عقب مجازر الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، حين قتل متطرفون من إثنية «الهوتو» ما يقدر بنحو مليون من أقلية «التوتسي» والمعتدلين من «الهوتو». ويومذاك فرّ ما يقرب من مليوني لاجئ من «الهوتو» إلى الحدود الكونغولية، ليستقروا في مقاطعتي شمال كيفو وجنوب كيفو، بل وكان بين الذين فرّوا إلى الكونغو مجموعة من متطرفي «الهوتو»، شكلوا ميليشيات مسلحة في الكونغو. وعلى الإثر تكونت ميليشيات مضادة من «التوتسي»، وهكذا اشتعل الصراع بين الجانبين على وقع دعم خارجي.

هذا، وعقب انتصار «الجبهة الوطنية الرواندية» على حكومة «الإبادة الجماعية»، بدأت «الجبهة» بقيادة التوتسي تدخلها في الكونغو، حين كانت تُعرف في تلك الفترة باسم «زائير». وبالفعل، غزت القوات الرواندية بقيادة الرئيس بول كاغامي (من التوتسي)، الكونغو التي كان يحكمها الديكتاتور اليميني الجنرال (جوزيف) موبوتو سيسي سيكو. الغزو الراوندي حظي بدعم من أوغندا وأنغولا وبوروندي، وبتنسيق مع الزعيم اليساري للمعارضة الزائيرية (آنذاك) لوران كابيلا. لقد قضى الآلاف في سبيل انتصار تحالف كابيلا - كاغامي إبان حرب الكونغو الأولى عام 1997، التي انتهت بفرار موبوتو من كينشاسا، وتنصيب كابيلا رئيساً لزائير، وإعادة الاسم التاريخي للبلاد ليغدو جمهورية الكونغو الديمقراطية... بعدما كان موبوتو قد سماها «زائير».

غير أن كابيلا سرعان ما تراجع عن تحالفاته السابقة، واتخذ إجراءات من شأنها إزالة «التوتسي» من حكومته وإضعاف الوجود العسكري الرواندي في شرق البلاد، والسماح لجماعات «الهوتو» المسلحة بتنظيم نفسها على الحدود مرة أخرى.

موبوتو سيسي سيكو (آ ف ب)

وعلى هذه السياسة ردت رواندا بغزو آخر عام 1998 أدى إلى اندلاع حرب الكونغو الثانية. وهذه المرة، قاتلت القوات الكونغولية المدعومة من أنغولا وناميبيا وزيمبابوي الجيوش الرواندية والأوغندية والبوروندية. وفي خضم فوضى الحرب، اغتيل لوران كابيلا عام 2001، وتولى السلطة نجله جوزيف كابيلا قبل أن تضع الحرب أوزارها في 2002، مخلفة ضحايا اختلف في عددهم، وسط تقديرات بأنها تسببت وما تبعها من كوارث إنسانية في قتل ثلاثة ملايين شخص حتى عام 2004.

في محاولة للحد من الصراع انخرطت الكونغو وأوغندا ورواندا بين عامي 2002 و2003 في مجموعة من اتفاقات السلام التي سمحت بتشكيل حكومة انتقالية في كينشاسا بقيادة جوزيف كابيلا. ولكن رغم الاتفاقات، ولجان الحقيقة والمصالحة، ووجود قوة متجددة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة، استمرت الاضطرابات والاشتباكات في شرق الكونغو.

جرى تنصيب جوزيف كابيلا رسمياً بعد الانتخابات الشعبية التي طال انتظارها عام 2006، لكن الصراع لم ينته، ولا سيما مع ظهور حركة «23 مارس» (M23) التي تتكون أساساً من التوتسي. وبين عامي 2012 و2013، صارت الحركة قوة لا يمكن إنكارها في شرق الكونغو، وسط اتهامات كونغولية لرواندا بدعمها. وأخيراً جلب القرن الـ21 تعقيداً آخر لجهود السلام في الكونغو، التي تختزن أرضها بعض أكبر احتياطات العالم من المعادن، إذ أدت وفرة الموارد الطبيعية إلى عولمة الصراع في شرق الكونغو الديمقراطية... وسط صراع على مناجم الكوبالت بين الولايات المتحدة والصين.


مقالات ذات صلة

«كوب 29» يسدل ستاره بالاتفاق على تمويل مناخي بـ300 مليار دولار

الاقتصاد رئيس «كوب 29» مختار باباييف يصفق خلال الجلسة العامة الختامية لقمة الأمم المتحدة للمناخ (أ.ب)

«كوب 29» يسدل ستاره بالاتفاق على تمويل مناخي بـ300 مليار دولار

اتفقت دول العالم، بعد أسبوعين من المفاوضات الشاقة، على هدف تمويل سنوي بقيمة 300 مليار دولار لمساعدة الدول الأكثر فقراً على مواجهة آثار تغير المناخ.

«الشرق الأوسط» (باكو)
صحتك طفل مصاب بجدري القردة يتلقى الرعاية الصحية (أ.ب)

«الصحة العالمية»: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة

قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم الجمعة، إن تفشي جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
رياضة عالمية منتخب سيدات المغرب من المرشحات لجائزة الأفضل في القارة الأفريقية (الشرق الأوسط)

«كاف» يعلن قوائم المرشحات للفوز بجوائز السيدات 

أعلن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف)، اليوم (الأربعاء)، القوائم المرشحة للحصول على جوائزه لعام 2024 في فئة السيدات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة عالمية كولر مدرب الأهلي المصري ينافس 4 مدربين لمنتخبات على الأفضل في أفريقيا (أ.ف.ب)

«كاف»: 5 مرشحين لجائزة أفضل مدرب في أفريقيا

أعلن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف) عن القائمة النهائية للمرشحين لجائزة أفضل مدرب في القارة السمراء في عام 2024.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة عالمية أشرف حكيمي (أ.ب)

حكيمي يتصدر قائمة المرشحين لجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

ينافس المغربي الدولي أشرف حكيمي بقوة على جائزة أفضل لاعب في أفريقيا للعام الثاني على التوالي بعد دخوله القائمة المختصرة للمرشحين، التي أعلنها الاتحاد الأفريقي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.