تحالف ضمني مع اليمين التقليدي «لطّف» صياغة طروحات ميلي الراديكالية

فيكتوريا فيلارويل (موقعها على إكس)
فيكتوريا فيلارويل (موقعها على إكس)
TT

تحالف ضمني مع اليمين التقليدي «لطّف» صياغة طروحات ميلي الراديكالية

فيكتوريا فيلارويل (موقعها على إكس)
فيكتوريا فيلارويل (موقعها على إكس)

> في الأيام الأخيرة قبل الانتخابات، تراجع خافيير ميلي عن معظم الوعود الراديكالية التي كان أطلقها أثناء الحملة الانتخابية خلال الأشهر الماضية لاستقطاب المترددين في الذهاب إلى صناديق الاقتراع؛ من جهة لرفضهم القاطع التصويت للمرشح البيروني... ومن جهة ثانية؛ لخوفهم أيضاً من وصول المرشّح «المتنوّر» الذي وعد بقلب الأوضاع رأساً على عقب في غضون أسابيع من تسلمه مهامه.

من تلك الوعود إلغاء التعليم الرسمي المجاني، والخدمات الصحية العامة، والعملة الوطنية، والمصرف المركزي، والحقوق العمالية، وغيرها... وكلها أطلقها لاستقطاب الشارع الغاضب الذي يغلي منذ سنوات ضد الحكومات المتعاقبة. وبالفعل، بعدما شنّ أقسى الهجمات على الطبقة الحاكمة انتهى به الأمر متحالفاً مع أبرز رموزها. وهو ابتداءً من الآن سيكون مضطراً إلى الاعتماد على أصواتها في البرلمان لتنفيذ برنامجه الذي لم يعد معروفاً بالضبط ما هو مضمونه.

نعم، من الصعب جداً التنبؤ بما يمكن أن يقدم عليه الرئيس الأرجنتيني الجديد، الذي ردد غير مرة أن «العلاقات السليمة بين البشر تحكمها معادلة البيع والشراء». لكن أشدّ ما يثير الخشية عنده، هو أنه إذا قرر تنفيذ الوعود الراديكالية التي أطلقها في الحملة الانتخابية، سيخرج الملايين تحت رايات الحركة البيرونية المنهكة والنقابات العمالية والعاطلين عن العمل إلى الشوارع لمنعه من تنفيذها. وإذ ذاك، قد يلجأ إلى القمع الذي وضع ملفه في عهدة نائبته فيكتوريا فيلارويل، ابنة أحد القادة العسكريين الذي قاد حملة التنكيل ضد المعارضة إبّان فترة «حكم العسكر»، وهذا، بعدما وعد بأنه سيضاعف ثلاث مرات الموازنة الدفاعية ابتداءً من السنة المقبلة.

كريستينا كيرشنر (أ ف ب/غيتي)

ومن الوعود الأخرى التي كانت بين عناوين حملة ميلي الانتخابية، التي في حال تنفيذها يمكن أن تضرم احتجاجات عنيفة في الأوساط الشعبية، مراجعة القراءة الرسمية لمفهوم «إرهاب الدولة». والحجة عنده هنا، أن ما ارتكبه النظام العسكري السابق لم يكن أكثر من مجرد «تجاوزات». وبالتالي، فإن تقديرات منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والتحقيقات القضائية التي تفيد بأن عدد المفقودين خلال تلك الفترة تجاوز 30 ألفاً «ليست سوى ذريعة للاستمرار في نهب المال العام».

أخيراً، بعد الهزيمة المدوّية التي منيت بها الحركة البيرونية في الانتخابات الرئاسية، وتراجعها في جميع الولايات باستثناء العاصمة بوينس آيرس، ينتظر أن تلجأ الحركة إلى تصعيد المعارضة والاحتجاجات ضد الرئيس الجديد. وهي بذا ستستند إلى سيطرتها على معظم النقابات العمالية التي تشكّل حاضنتها الأساسية منذ تأسيسها. واستطراداً، لا بد من النظر إلى هزيمة البيرونيين على أنها تشكّل بداية انهيار التيّار «الكيرشنر» - نسبة إلى الرئيسين الأسبقين نستور وكريستينا كيرشنير -، الذي كان السائد في المشهد السياسي الأرجنتيني منذ عام 2003، والذي كان قد أخلى ساحة الانتخابات الرئاسية لوزير الاقتصاد سيرجيو ماسّا، الذي ينتمي إلى الجناح البيروني الليبرالي المعتدل، في محاولة للحد من الخسائر التي كانت مرتقبة.


مقالات ذات صلة

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

حصاد الأسبوع كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

هل نجح انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من سباق الرئاسة في تجنيب الديمقراطيين هزيمة... كانت تتجمع نُذُرها حتى من قبل «مناظرته الكارثية» مع منافسه الجمهوري

حصاد الأسبوع ديفيد لامي

ديفيد لامي... وجه الدبلوماسية البريطانية الجديد يواجه قضايا عالمية شائكة

انتهت 14 سنة من حكم حزب المحافظين باتجاه بريطانيا يساراً مع تحقيق حزب العمال تحت زعامة السير كير ستارمر فوزاً ساحقاً منحه غالبية ضخمة بلغت 172 مقعداً. وفي حين توقف المحللون طويلاً عند حقيقة أن هذا الفوز الساحق لم يأت نتيجة زيادة كبرى في نسبة التأييد عما حصل عليه العمال في الانتخابات السابقة قبل 4 سنوات، بل بسبب انهيار الأحزاب والقوى المنافسة للحزب في عموم المناطق البريطانية التي كان يسعى إلى كسبها. وحقاً أدى تحدّي حزب الإصلاح الانعزالي اليميني المناوئ للهجرة وللتكامل الأوروبي إلى قضمه نسبة عالية وقاتلة من أصوات المحافظين ما أدى إلى انهيارهم في معاقلهم التقليدية. كذلك انهار الحزب القومي الأسكوتلندي في أسكوتلندا، وكانت الحصيلة إعادة العمال هيمنتهم عليها. ومن جهة ثانية، بينما كانت القضايا الداخلية - والاقتصادية بالذات - في اهتمامات الناخبين، فإن أنظار المتابعين الدوليين اتجهت إلى معالم السياسة الخارجية للحكومة العمالية الجديدة، أما الوجه الجديد الذي سيقود الدبلوماسية البريطانية للسنوات القليلة المقبلة فهو وزير الخارجية الجديد ديفيد لامي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع جيريمي كوربن (رويترز)

سنوات المحافظين الـ14 الأخيرة غيّرت الكثير في بريطانيا

> شهدت السنوات الـ14 الأخيرة تغيّرات مهمة على مشهد الساحة السياسية البريطانية أثّرت في كيميائها داخلياً وبدلت الكثير من الأولويات والمقاربات لمعظم القضايا .

حصاد الأسبوع الرئيس قيس سعيّد ... يعد العدة لاختبار انتخابي مهم. (رويترز)

تونس... على أبواب انتخاباتها الرئاسية الجديدة

تعيش تونس هذه المدة أجواء ما قبل الانتخابات الرئاسية الثالثة منذ إطاحة حكم الرئيس زين العابدين بن علي في يناير (كانون الثاني) 2011. إذ أعلنت السلطات و«الهيئة العليا للانتخابات» عن انطلاق العملية الانتخابية رسمياً يوم 14 يوليو (تموز) الحالي. ومن المقرر الكشف عن القائمة النهائية للمرشحين المقبولين في آخر الأسبوع الأول من أغسطس (آب) المقبل، في حين تنطلق الحملات الانتخابية الرسمية خلال سبتمبر (أيلول) تأهباً ليوم الاقتراع العام وهو 6 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. بيد أن هذه الانتخابات تنظم في «مناخ استثنائي جداً» وفق معظم المراقبين، وسط استفحال مظاهر أزمة اقتصادية اجتماعية سياسية أثرت في خطب غالبية المرشحين والسياسيين وأولوياتهم. وبالتالي، تكثر التساؤلات حول مدى انعكاس الملفات الاقتصادية الاجتماعية «الحارقة» على العملية الانتخابية الجديدة وعلى المشهد السياسي... وهل سيستفيد من هذه الملفات ممثلو المعارضة والنقابات أم الرئيس قيس سعيّد، الذي أعلن رسمياً ترشحه لدورة ثانية، وعاد إلى اتهام «المتآمرين على الأمن القومي للبلاد» بتأزيم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وقطع الكهرباء والماء ومواد الاستهلاك عن المواطنين لأسباب سياسية وانتخابية أو «خدمة لأجندات أجنبية».

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)

روسيا وأوكرانيا في صميم هموم البرلمان الأوروبي الأكثر يمينية

مطلع الشهر الماضي ذهب الأوروبيون إلى صناديق الاقتراع لتجديد عضوية البرلمان الأوروبي، فيما أجمعت الآراء على وصفها بأنها أهمّ انتخابات في تاريخ الاتحاد،

شوقي الريّس (بروكسل)

سنوات المحافظين الـ14 الأخيرة غيّرت الكثير في بريطانيا

جيريمي كوربن (رويترز)
جيريمي كوربن (رويترز)
TT

سنوات المحافظين الـ14 الأخيرة غيّرت الكثير في بريطانيا

جيريمي كوربن (رويترز)
جيريمي كوربن (رويترز)

> شهدت السنوات الـ14 الأخيرة تغيّرات مهمة على مشهد الساحة السياسية البريطانية أثّرت في كيميائها داخلياً وبدلت الكثير من الأولويات والمقاربات لمعظم القضايا الدولية.

والواقع، أن نهاية حكم العمّال قبل 14 سنة لم تشهد صدمة انتقال آيديولوجية، لسببين مهمين: السبب الأول أن ذلك الحكم، الذي بدأ عام 1997، اتسم بحقبة «اعتدال واقعي» تمثلت بحكومتي توني بلير وغوردون براون بعيداً عن الخط الاشتراكي الراديكالي الذي ساد الحزب تحت قيادتي مايكل فوت (1980 - 1983) وجيريمي كوربن (2015 - 2020)، وكذلك كان غريمه حزب المحافظين نفسه تحت قيادة «المعتدل» ديفيد كاميرون. والسبب الآخر، أنه حتى مع نهاية عهد حكومة براون، عجز كاميرون عن الانفراد بالحكم؛ ما اضطره إلى تشكيل ائتلاف «يمين وسط» مع حزب الديمقراطيين الأحرار.

بوريس جونسون (رويترز)

غير أن مرحلة «الاعتدالين» العمالي، ثم المحافظ انتهت مع نجاح يمين المحافظين المتطرف في ابتزاز كاميرون ودفعه إلى طرح مسألة الخروج من أوروبا (بريكست) في استفتاء شعبي ما كان يتوقع أن ينتهي بالتصويت الشعبي على الخروج. لكن هذا ما حصل، فاستقال كاميرون وتولت خلافته لمرحلة قصيرة تيريزا ماي - المقربة من تياره «المعتدل» - لكن فترة حكمها كانت سنوات التمهيد للابتعاد عن أوروبا وتشديد قبضة اليمين المتطرف على الحزب. وهذا أيضاً ما حصل، مع انتخاب بوريس جونسون زعيماً وتوليه على الأثر رئاسة الحكومة، قبل أن تطيحه وصدقيته مشاكل وحزازات وفضائح فاقمتها ظروف جائحة «كوفيد - 19».

تيريزا ماي (رويترز)

والأسوأ، أن إطاحة جونسون، من ناحية راكمت المشاكل - وكثرة منها نابعة عن عواقب «بريكست» الاقتصادية –، ومن ناحية ثانية زادت تشدد المتشددين الهاربين بـ«دوغماتيتهم» اليمينية إلى الأمام... ما أدى إلى تعاقب 4 رؤساء حكومات محافظة في بريطانيا خلال 5 سنوات، إحداها لم تعش شهرين من الزمن. وانتهت، بالتالي، مرحلة رهان «مؤسسة السلطة» على حزب المحافظين؛ إذ رحبت بـ«صفحة جديدة» يمثل فيها العمال السير كير ستارمر، وهو زعيم معتدل ومقبول على شاكلة توني بلير، يرتاح له مجتمع المال والأعمال، ويطمئن إليه محور واشنطن – تل أبيب – حلف شمال الأطلسي (ناتو).