حرب لبنان اقتربت... وتوقيتها رهن نتائج غزّة

على وقع التهديدات الإسرائيلية... ورغم تردّد إيران

جولة من القصف على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)
جولة من القصف على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)
TT

حرب لبنان اقتربت... وتوقيتها رهن نتائج غزّة

جولة من القصف على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)
جولة من القصف على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)

دخلت إسرائيل و«حزب الله» اللبناني في وضع اشتباك يومي مستمر، هو الأول من نوعه منذ انتهاء حرب يوليو (تموز) 2006. وعلى الرغم من هذا الوضع، لم تؤدِ الاختراقات التي تحصل - حتى الساعة - إلى مواجهة شاملة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. ويرى المتابعون والمحللون أن اشتعال الجبهة يبقى رهن تطوّرات معركة غزّة والنتائج التي ستخلص إليها. وحالياً، تتقاطع تقديرات على أن «سيناريو الحرب مع لبنان ما زال قائماً، بل ارتفعت حظوظه بعدما أعادت إسرائيل النظر في سياستها الدفاعية إثر عملية (طوفان الأقصى)، ورفضها العودة لإدارة الصراع وفق المعادلة التي كانت معتمدة قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي».

تخطّت إسرائيل خلال الأيام الماضية «الخطوط الحمراء» التي رسمها الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، وحذّر من أن تجاوزها سيشعل الجبهة على نطاق واسع، وأهمها تنفيذ عمليات خارج «قواعد الاشتباك» واستهداف مدنيين لبنانيين، والتقدّم العسكري في غزّة.

غير أن نصر الله لم ينفّذ تهديداته رغم الأثمان الباهظة وخسارته 75 من مقاتليه في الجنوب. وفي هذا الإطار، ثمة مَن يرى وجود عوامل تضغط على «حزب الله» كي لا يذهب بعيداً، منها أن إيران – كما يبدو – لا تريد فتح جبهة جديدة، قبل أن تتوضّح صورة الحرب في غزّة.

وهنا يرى النائب السابق علي درويش، المقرّب من رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، أن «اللقاءات والاتصالات التي أجراها رئيس الحكومة ميقاتي قبل القمّة العربية وخلالها حصّنت لبنان نسبياً من الانزلاق إلى الحرب، لكن لا ضمانات ثابتة لتحاشي الوقوع في المحظور».

ويؤكد درويش لـ«الشرق الأوسط»، في لقاء معه، أن رئيس الحكومة «ناقش خلال اللقاءات التي عقدها أخيراً مع قادة عرب ومسؤولين دوليين موقف لبنان الرسمي والشعبي، وأبلغ الجميع أنه لا مصلحة لأحد بتوسيع رقعة الصراع، لأن نتائجه ستكون كارثية على المنطقة، لكن ذلك لن يمنع لبنان من الدفاع عن نفسه بوجه الاعتداءات الإسرائيلية». وأشار، من ثم، إلى أن «الدول المعنية بما يحصل بدت متفهمة للموقف اللبناني، ولمطالبة الرئيس ميقاتي بلجم التهور الإسرائيلي... لكنها لم تقدم ضمانات دائمة».

ضربة استباقية

من ناحية ثانية، صحيح أن الخطابين، اللذين ألقاهما الأمين العام لـ«حزب الله» خلال الأسبوعين الماضيين، اتسما بنبرة هادئة، غير أنّهما لم يبددا القلق من إمكانية استمرار التصعيد في الجنوب، بما ينذر بتدحرج الأمور. ولا يستبعد الدكتور سامي نادر، مدير «مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية» في بيروت، احتمال نشوب الحرب مع لبنان نتيجة الغليان العربي بسبب الكارثة الإنسانية التي تشهدها غزّة وارتفاع عدد الضحايا. ويوضح نادر لـ«الشرق الأوسط» أن «المقلق بالنسبة لنا يكمن في إعادة تقويم إسرائيل للموضوع الأمني والهلع الذي يعيشه سكان المستوطنات الشمالية والتأثيرات النفسية لعملية (طوفان الأقصى) عليهم، وكيف يتخيّل هؤلاء أن (حزب الله) سيدخل مناطقهم كما حصل في مستوطنات غلاف غزّة». وأردف نادر أن إسرائيل «دخلت مرحلة إعادة النظر بكل سياستها الدفاعية وعقيدتها الأمنية»، متوقفاً عند ما سرّب عن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت من «احتمال توجيه ضربة استباقية للبنان، غير أن التدخل الأميركي ما زال يلجم هذا الاحتمال حتى الآن».

المواجهة الكبرى

في هذه الأثناء، لا يكتفي المسؤولون الإسرائيليون بالتهديدات العسكرية، بل إنهم يمارسون حرباً نفسيّة ضدّ الشعب اللبناني. وبالفعل، تكاد لا تخلو تصريحات بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه ورئيس الأركان من التلويح بضرب البنى التحتية اللبنانية وقصف العاصمة بيروت، إذا ما نفّذ «حزب الله» وعده بضرب تلّ أبيب ومواقع استراتيجية في العمق الإسرائيلي. وحول هذا الأمر، قال الدكتور رياض قهوجي، مدير «مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري» في حوار مع «الشرق الأوسط» شارحاً أن «فرضية اندلاع الحرب بين لبنان وإسرائيل ما زالت قوية جداً وقابلة للاشتعال بأي لحظة».

ويتابع قهوجي مشدداً على أنه «طالما هناك قصف يومي على الحدود بين لبنان وإسرائيل، فإن احتمال وقوع الخطأ الذي يؤدي إلى الانزلاق نحو الحرب ومواجهة كبرى يبقى قائماً». ثم يستطرد: «لا يمكن أن تكون هناك عمليات قصف يومية ونتوقع أن تبقى الأمور تحت السيطرة».

وفق رأي قهوجي، فإن «(حزب الله)، ومثله إسرائيل، خرقا قواعد الاشتباك التي كانت سائدة منذ انتهاء حرب يوليو (تموز) 2006... وهذا يحصل عندما يجد أحدهما نفسه متألماً من ضربات العدو». كذلك لفت إلى أن «(حزب الله) وجّه ضربات قاسية لإسرائيل باستهدافه مواقعها المكشوفة، من واقع قدرته على مراقبة تحركات الجنود الإسرائيليين، وقتل عدد منهم، وهذا أمر موجع للإسرائيلي».

تثبت موازين القوى

في أي حال، «لن تكون مرحلة ما بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 كما قبلها»، على حدّ تعبير بعض المتابعين لتطورات الحرب على جبهتي عزّة ولبنان. إذ إن الجيش الإسرائيلي، الذي تلقى الضربة الأقوى منذ تأسيسه، سيسعى إلى استعادة صورته التي تهشّمت أمام مجتمعه. وضمن هذا الإطار يشدد الدكتور سامي نادر على أن «ثمّة قناعة لدى القيادتين السياسية والعسكرية في تلّ أبيب، بأنه لا يمكن العودة لإدارة الصراع كما كان في السابق، وهذا يضع على الطاولة إعادة حسم الملفات الأمنية بالقوة... من هنا يأتي تحذير الداخلي والخارجي لـ(حزب الله) بعدم الوقوع في الفخّ الإسرائيلي».

ثم يلفت نادر إلى أن إيران «ليست لها مصلحة بالانخراط في الحرب، لأنها تجد نفسها الآن رابحة بالنقاط، وهي تسعى الآن لوقف إطلاق النار وتثبيت موازين القوى التي كانت سائدة قبل 7 أكتوبر الماضي».

وفي حين تكثر الأسئلة عمّا ستقدم عليه إيران في حال نجحت إسرائيل في القضاء على حركة «حماس» في غزّة، وما إذا كانت ستستخدم جبهة لبنان عبر تدخّل واسع من قبل «حزب الله»، يعتقد الدكتور نادر أن إيران «غير مستعدّة للتضحية بـ(حزب الله) حتى لو خسرت (حماس) الحرب». إلا أنه استدرك قائلاً: «قد تضحّي إيران بالحزب في حالة واحدة، هي إذا أضحت طهران نفسها تحت النيران، وذهب (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو بعيداً باتجاه توجيه ضربات عسكرية قوية داخل إيران... ولكن حتى الآن لا يزال الرئيس الأميركي جو بايدن يلجم هذه الاندفاعة الإسرائيلية».

القوّة المُفرطة

على صعيد موازٍ، تدرك إسرائيل أن الحرب على الجبهة الشمالية ليست نزهة، وكلفتها ستكون مضاعفة مقارنة مع معركتها في غزّة، إلّا أن الإسرائيليين ربما يتقبّلون دفع الأثمان بدل البقاء في قلقٍ دائم. وهذا بالذات ما تطرقت إليه تقارير ودراسات أعدّها صنّاع القرار في تلّ أبيب.

وفي هذا الصدد، يلاحظ الدكتور رياض قهوجي أن «الجيش الإسرائيلي يسعى لاستعادة هيبته بعد عملية (طوفان الأقصى)، ويلجأ إلى الإفراط باستخدام العنف والمبالغة بالردّ وارتكاب المجازر بحق المدنيين في غزّة، لكن مشكلته الكبرى تبقى على الحدود الشمالية، إذ إنه لم يستطع حتى الآن التعامل معها... وهذه المخاوف تتزايد لدى سكان المستوطنات الشمالية، الذين يرفضون العودة إليها طالما أن خطر (حزب الله) ما زال موجوداً». وهنا يشدّد قهوجي على أن «هذه المخاوف بدأت تدفع بالإسرائيليين إلى المطالبة بإنهاء وجود الحزب كشرط أساسي لعودتهم إلى هذه المستوطنات».

السيناريو الأسوأ

وما يستحق الإشارة هنا، أنه منذ بدء عملية «طوفان الأقصى»، أخلى الجيش الإسرائيلي أكثر من 10 آلاف إسرائيلي من المستوطنات الواقعة بالقرب من غلاف غزّة إلى مدينة إيلات المطلة على البحر الأحمر جنوب إسرائيل، وأيضاً أخلى 60 ألف مستوطن من المجمعات القريبة من الحدود مع لبنان إلى الداخل الإسرائيلي.

وحسب رأي قهوجي، فإن «قلق المستوطنين من العودة إلى مناطقهم في الشمال قد يدفع إسرائيل للقيام بعمل عسكري كبير مع (حزب الله)، فور انتهاء المعركة في غزة»، محذراً من أنه «قد نجد أنفسنا أمام هذا السيناريو عندما تشعر إسرائيل أنها باتت تسيطر على الوضع في غزة».

الحرب المدمّرة

أيضاً حول الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، خلال جولته الأخيرة على الجبهة الشمالية مع لبنان، من أن «(حزب الله) يقترب من ارتكاب خطأ كبير، سيؤدي إلى تحويل بيروت إلى غزة ثانية». وتابع غالانت: «أقول لمواطني لبنان إن (حزب الله) يجرّ لبنان إلى حرب قد تندلع، وهو يرتكب الأخطاء... وإذا ارتكب هذه الأخطاء هنا فمن سيدفع الثمن، أولاً هم مواطنو لبنان، وما نقوم به في غزة نعرف كيف نكرره في بيروت». ثم تابع مهدّداً أن الطيارين الإسرائيليين «يجلسون داخل قمرات الطائرات المتأهبة للتوجه شمالاً، ولدينا كل ما يلزم لنفعل نفس ما نقوم به في الجنوب».

صحيح أن تهديدات غالانت هذه تأتي في سياق الحرب النفسية على الشعب اللبناني، بيد أنها قد تتحوّل إلى أمرٍ واقع، من هنا يجمع الخبراء العسكريون على أن الحرب المحتملة ستكون حرباً مدمّرة، بالنظر للسلاح المتطور الذي سيستخدمه الجانبان، أي إسرائيل و«حزب الله». ولذا ينبّه قهوجي إلى أن «(حزب الله) سيستخدم كل الأسلحة الاستراتيجية المتوافرة لديه من صواريخ دقيقة ومسيرات ومدافع، وربما سلاح دفاع جوّي». ويلفت إلى أن «إسرائيل ستلجأ إلى كثافة القصف الجوي والأحزمة النارية كالتي تستخدمها في غزة، بالإضافة إلى تدمير المجمعات السكنية والمباني وضرب البنى التحتية اللبنانية وارتكاب المجازر، واستخدام سياسة الأرض المحروقة».

عنصر المفاجأة

هذه الصورة السوداوية ترتسم في أذهان اللبنانيين الذين يشاهدون على مدار الساعة مجازر غزّة ومعاناة أبنائها وتدمير المستشفيات والمدارس ودور العبادة، ولذلك تعلو الأصوات التي تحذر «حزب الله» من الاستدراج إلى حرب كارثية.

ومجدداً، ينبّه قهوجي إلى أن إسرائيل «ستستفيد من الانقسامات اللبنانية حول الحرب، لتعزّز الانشقاق الداخلي وتزيد الضغط على الحزب، خصوصاً أن جزءاً كبيراً من الشعب اللبناني سيحمّله مسؤولية الانخراط في الحرب، وبالطبع، إسرائيل ستستغلّ ذلك، وتفاقم معاناة الشعب اللبناني».

تدرك إسرائيل أن الحرب على الجبهة الشمالية ليست نزهة وكلفتها ستكون مضاعفة مقارنة مع معركتها في غزّة

من جهة أخرى، يفترض مراقبو التطورات العمليات العسكرية على الجانبين اللبناني والإسرائيلي أن الدولة العبرية باتت أكثر جاهزية من أي وقت مضى لاحتمالات الحرب. ذلك أنها ما عادت تخشى عنصر المفاجأة الذي أنهكها في عملية «طوفان الأقصى»، بل تراقب أي تحرّك، ليس عند الخطّ الفاصل بينها وبين لبنان فقط، بل في القرى والبلدات اللبنانية القريبة من فلسطين المحتلّة. ولذا يذكّر قهوجي بأن «الجيش الإسرائيلي حشد أكثر من 200 ألف جندي على الجبهة مع لبنان، بالإضافة إلى إعلان تأهب كبير في سلاح الجوّ والقوة الصاروخية، أما السيناريو الأسوأ وفق التقديرات، فهو التوغّل الإسرائيلي في اجتياح برّي للبنان».

... والهجرة

أخيراً، تواجه الدولة العبرية راهناً معضلة هجرة الآلاف من أرضها إلى دولٍ أخرى. وتشير معلومات إلى أن أكثر من 230 ألف يهودي غادروا إسرائيل منذ عملية «طوفان الأقصى»، ويتوقع ارتفاع أعداد المغادرين مع استمرار الحرب على قطاع غزة، وتصاعد التوتر على الجبهة الشمالية مع لبنان، والمواجهات المتواصلة في الضفة الغربية المحتلة.

وهنا يقول قهوجي: «إذا وقعت الحرب، لا سمح الله، فإن إسرائيل أعلنت استعدادها للدخول براً». ويتوقع أن «تلجأ إلى خلق واقع جديد في منطقة جنوب نهر الليطاني، لتكون هذه الحرب أكثر شراسة ودموية من حرب 2006، ولا سيما أن الإسرائيلي سيعمل على إعادة المستوطنين إلى مناطقهم في الشمال، ويثبت لهم أنه قادر على حمايتهم، كما أنه سيحاول استعادة الثقة بقدرة الجيش على الردع وحماية المجتمع الإسرائيلي وتشجيع الذين هاجروا من إسرائيل للعودة إليها مجدداً».

 

الرئيس نجيب ميقاتي (رويترز)

خطّة الدولة للمواجهة... «حبرٌ على ورق»

> في موازاة الجهود التي يبذلها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لتجنيب لبنان خطر حرب إسرائيلية وتداعياتها المدمّرة، وضعت الوزارات والإدارات المتخصصّة موظفيها بجاهزية كاملة تحسباً لأي طارئ. إلا أن هذه الاستعدادات لا ترقى إلى مستوى الخطر الداهم، وتبقى من دون جدوى بغياب التجهيزات اللازمة.

وفي هذا الشأن، رأى رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان الوزير السابق محمد شقير خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن هذه التحضيرات «ما زالت حبراً على ورق... وإذا وقعت الحرب فليست لدينا ركيزة أساسية للوقوف عليها».

وأردف شقير أن «الناس ليست لديها الأموال لتكون قادرة على الصمود، كما أن التجار لا يملكون رأس المال الكافي لاستيراد البضائع والتخزين لفترة طويلة، ثم إن المواد المخزّنة في المستودعات لا تكفي لأكثر من شهر أو شهرين بأفضل الأحول، لكن الطامة الكبرى تكمن في شح المحروقات التي لا تكفي لأكثر من أسبوعين. وأعتقد أنه إذا فرض حصار بحري على لبنان فسنقع في الكارثة الكبرى، وعندها كلّ المصانع التي تحتاج إلى الفيول ستتوقف عن العمل».

وحقاً، الأضرار المتأتية عن انقطاع الفيول والمحروقات لا تقتصر على توقف المعامل والمصانع، بل ستعيق أيضاً حركة انتقال المواطنين بين المناطق، وستؤدي حتماً إلى انقطاع التيار الكهربائي. ويرى شقير - الذي شغل منصب وزير الاتصالات بين عامي 2018 و2019 - أن «الطامة الكبرى ستكون في انقطاع الاتصالات والعجز عن تشغيل مولدات الكهرباء في السنترالات الرئيسية ولدى شبكتي الهاتف الخلوي، ما قد يؤدي إلى عزل لبنان عن العالم».

الوزير السابق محمد شقير (الشرق الاوسط)

هذا، وتعقد الهيئات الاقتصادية راهناً اجتماعات أسبوعية بشكل منتظم لمواكبة التطورات والبحث في الخيارات المطروحة في ظلّ استقالة الدولة من مهمتها، أو إعلان عجزها عن التعاطي مع المستجدات لنقص الإمكانات المادية واللوجستية. ووفق شقير، فإن «الخطة التي وضعتها الدولة غير كافية للتعاطي مع الكارثة إذا وقعت، ويصعب تطبيقها في غياب التمويل. ثم إن أكثر من نصف سيارات الإسعاف التابعة للدفاع المدني وسيارات إطفاء الحرائق معطلة، والحكومة تقول إنها سترصد مبلغ 700 ألف دولار للدفاع المدني إذا وقعت الحرب، لكن المؤسف أن هذه الآليات تحتاج إلى ما بين شهر وشهرين لإصلاحها... فهل يعقل أن يرصد المبلغ عند وقوع الحرب؟».

ومن ثم يلفت الوزير السابق إلى أن «كل الآليات والمعدات العائدة للبلديات موضوعة خارج الخدمة، بينها بلدية بيروت التي تعدّ الكبرى والأكثر مسؤولية بين كل بلديات لبنان».

وإذا كان لبنان عاجزاً عن مواكبة الحرب، فكيف له أن يتعاطى مع نتائجها؟

هنا يذكر شقير أن «وضع لبنان في عام 2023 يختلف كلياً عما كان عليه في عام 2006، وبالتالي سيكون في أزمة كبيرة وغير محسوبة بعد الحرب». ويضيف أنه «خلال الحرب، قد تغلّب الدول الشقيقة والصديقة العامل الإنساني وتحاول مساعدة المدنيين عبر مؤسسات صحية ميدانية وأدوية وعلاجات للمرضى والمصابين، لكن السؤال الصعب، من سيعيد إعمار لبنان بعد الحرب؟... نحن الآن في وضع وظروف مختلفة عما كنّا عليه سابقاً».

 


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.