رؤساء حكومات جزائريون خاضوا صدامات وواجهوا أزمات اقتصادية وأمنية

سيد أحمد غزالي
سيد أحمد غزالي
TT

رؤساء حكومات جزائريون خاضوا صدامات وواجهوا أزمات اقتصادية وأمنية

سيد أحمد غزالي
سيد أحمد غزالي

أدخل التعديل الدستوري الذي أجراه عام 2008 الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1937 - 2019)، تحويرات عميقة على صلاحيات «رئيس الحكومة»، الذي حوّله إلى «وزير أول» بموجب هذا التعديل.

إذ قلَّص التعديل بشكل كبير الهامش الذي كان متاحاً لرئيس الحكومة في تعيين المسؤولين في مختلف الهيئات والأجهزة التنفيذية، وأيضاً في اتخاذ القرارات ذات الصلة بتسيير الشأن العام، وبات مجرد ناقل للقرارات والتوجيهات من رئيس الجمهورية إلى أعضاء الطاقم الحكومي.

لقد أراد بوتفليقة من وراء هذا الإجراء الاستئثار بالسلطة بشكل كامل. وفي التعديل الدستوري نفسه ألغى ما كان يمنع الترشّح لولاية ثالثة. وأول من جرى عليه تجريب هذا التغيير، أحمد أو يحيى الذي ترأس الحكومة عدة مرات منذ تسعينات القرن الماضي مع رئيسين مختلفين. ولقد حكم على أو يحيى بالسجن 15 سنة مع التنفيذ، بتهمتي «الفساد» و«التسيير»، في إطار متابعة وجهاء النظام بعد اندلاع الحراك في 22 فبراير (شباط) 2019.

قاصدي مرباح

ثم إنه، إبان فترة حكم بوتفليقة، «تمرَد» رئيسان للحكومة على سياساته. الأول كان أحمد بن بيتور، الذي استقال بعد 9 أشهر فقط من توليه المنصب (بين 1999 و2000)، احتجاجاً على ما اعتبره «تجاوزاً لصلاحياته» من طرف «سوبر وزراء»؛ هم ثلاثة شخصيات جزائرية كانوا يقيمون في الخارج. ولقد جاء بهم بوتفليقة ومنحهم سلطات واسعة، لم تعجب بن بيتور، فغادر الشأن العام، ومع مرور السنين اختار الأخير المعارضة.

أما الثاني فهو علي بن فليس، فقد اختلف بن فليس، إبان توليه رئاسة الحكومة، مع بوتفليقة بعدما ظل لسنوات رجل ثقته الأول. وكان السبب أن الرئيس ضاق ذرعاً برغبة مساعده منافسته في انتخابات 2004، فدفعه إلى الاستقالة مع مجموعة من الوزراء القياديين في حزبه، «جبهة التحرير الوطني»، الذي كان بن فليس أمينه العام.

مولود حمروش

من جهة أخرى، في مسارات حكومات ما بعد الاستقلال، حدثت صدامات كثيرة بين رؤساء الحكومات والرؤساء... فوقع الطلاق. وكان من أشهر «الطلاقات» ما وقع في نهاية مرحلة الحزب الواحد، حين أقدم الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد على عزل قاصدي مرباح، مدير المخابرات في نهاية سبعينات القرن الماضي، من قيادة الجهاز التنفيذي في سبتمبر (أيلول) 1989، وذلك بعد فترة قصيرة من «الانفتاح السياسي» و«التعددية الحزبية» التي جاءت بها انتفاضة 5 أكتوبر (تشرين الأول) 1988. ولما اندلع الإرهاب، كان مرباح من أوائل ضحاياه (إذ قُتل في كمين عام 1993 بالضاحية الشرقية للعاصمة).

حتى مولود حمروش لم تصمد رئاسته للحكومة طويلاً (من 5 سبتمبر 1989 إلى 5 يونيو (حزيران) 1991)؛ إذ سقطت أمام «الإعصار الإسلامي»، واضطر الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد إلى تنحيته، إثر ضغط شديد مارسته ضده «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» في الشارع. وكانت حجة «الجبهة» أنه خاط قانون انتخابات جديداً على مقاس حزب السلطة «جبهة التحرير الوطني»؛ لتمكينه من الفوز بالغالبية في الانتخابات التشريعية.

علي بن فليس

ومن ثم، تعاقب على رئاسة الحكومة، بعد إلغاء نتائج الانتخابات التي أجريت بنهاية 1991، واستقالة الشاذلي بن جديد في 11 يناير (كانون الثاني) 1992، وحتى تسلّم الجنرال اليمين زروال الرئاسة في 1994، أربع شخصيات هم: سيد أحمد غزالي وزير الخارجية الذي شهد عهده مقتل الرئيس الانتقالي محمد بوضياف (29 يونيو 1992)، ورضا مالك عضو الحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية، ثم بلعيد عبد السلام، فمقداد سيفي. وهؤلاء واجهوا ظروفاً اقتصادية صعبة تمثلت في شح الموارد المالية وعجز الدولة عن سداد الدين، وإرهاب مدمّر خلّف 150 ألف قتيل، وخسائر في البنية التحتية قدّرت بـ20 مليار دولار أميركي، زيادة على عزلة دولية خانقة دامت سنوات، تسببت فيها خطف جماعة إرهابية طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية من مطار الجزائر الدولي نهاية 1994.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

 

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،