مراكز أبحاث أميركا... و«حرب غزة»

إدارة بايدن تسعى للمعادلة بين دعم حليفتها وتجنّب توسيع الصراع

تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في مدينة نيويورك (آ ب)
تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في مدينة نيويورك (آ ب)
TT

مراكز أبحاث أميركا... و«حرب غزة»

تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في مدينة نيويورك (آ ب)
تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في مدينة نيويورك (آ ب)

كشف الهجوم الكبير، الذي نفذته «حركة حماس» يوم السبت الماضي على إسرائيل، والرد الإسرائيلي على قطاع غزة، عن 3 مؤشرات، قد تؤدي إلى إعادة تشكيل السياسات الأميركية في المنطقة، على المديين القريب والبعيد. الأول، تصاعد الدعوات لمراجعة سياسة الابتعاد عن «الحروب الأبدية»، التي دعمها الحزبان الديمقراطي والجمهوري. والثاني، الموقف من إيران الذي لا يزال يقسم الحزبين الرئيسيين، على الرغم من تقاطعاتهما في نهاية المطاف على «تحييدها» عن تحمّل مسؤولية «الفوضى» التي تنشرها في المنطقة، وفق قيادات الحزبين ومعظم مراكز الأبحاث الأميركية. والثالث، تداعيات تأثير الحرب الجديدة على الاصطفافات الحزبية القائمة على أسس سياسية وآيديولوجية، من اليمين أو اليسار، تجاه الموقف الأخلاقي من دعم الفلسطينيين والإسرائيليين.

ألكسندربا أوكازيو-كورتيز (آ ب)

منذ اليوم الأول للحرب المندلعة في غزة، نشرت مراكز الأبحاث وكبريات الصحف الأميركية تقارير وتحليلات مكثفة، تناولت الموقف من القضايا الثلاث (أعلاه)، كان الجامع الأكبر بينها وجود إجماع على «إدانة الإرهاب» (مع الدفق غير العادي لمشاهد العنف في اليوم الأول من هجوم «حماس»)، وتحميل إيران المسؤولية عن الهجوم، ودعوة البيت الأبيض إلى تغيير سياساته منها وتجاه المنطقة.

بيد أن الإجماع على «معاقبة غزة» يكاد يطيح بكل المناقشات الجدية السابقة، التي كانت تدعو إلى اعتماد مقاربة جديدة للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، لدى بعض المراكز البحثية «المتوازنة»، في ظل استبعاد أي كلام عن مسؤولية إسرائيل، التي أدت سياسات حكومتها اليمينية الأكثر تشدداً تجاه الفلسطينيين إلى ما أدت إليه، بحسب تحليلات أميركية عدة.

عودة إلى المنطقة

حتى الآن، يحظى «تعامل» إدارة الرئيس جو بايدن مع «الحرب الجديدة» بتأييد من الحزبين، على الرغم من «الانتقادات» الجمهورية المحدودة، التي لا تعدو مزايدات طبيعية في هذه السنة الانتخابية. ولكن، بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» المحسوبة عادةً على الجمهوريين، يواجه بايدن، «الذي يعود دعمه لإسرائيل إلى نصف قرن»، معضلة في السياسة الخارجية في أعقاب هجمات «حماس»، تتمثّل في كيفية دعم أقرب حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، من دون جرّ أميركا إلى صراع إقليمي خطير.

هذا التساؤل ليس مطروحاً على الديمقراطيين فقط. إذ القرارات التي تتخذها الإدارات الأميركية، بمعزل عن هوية الحزب الحاكم، من شأنها أن ترسم سياسات واشنطن لعقود. ورغم تشديد إدارة بايدن على خيار «حلّ الدولتين»، الذي يعده البعض «لفظياً» في ظل انحياز أميركي كامل لإسرائيل، وميزان قوى مختل عاجز عن ترجمة تنفيذه، حافظت الإدارة على «اتفاقات إبراهيم» التي أنجزتها إدارة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب.

وتجمع تعليقات كثير من مراكز الأبحاث على القول إن الحرب الإسرائيلية في غزة تطرح على بايدن سلسلة من التحديات الشائكة في السياسة الخارجية، بينما يعمل المسؤولون الأميركيون على ردع القوى الإقليمية، مثل «حزب الله» اللبناني، عن فتح «جبهة شمالية» في الحرب، في ظل تعقيدات ملف أكثر من 150 رهينة، محتجزين لدى «حماس».

قرار الانسحاب من أفغانستان وتقليص الوجود الأميركي في أماكن عدة، وخصوصاً من الشرق الأوسط، كان بمثابة إشارة إلى «حقبة جديدة»، عن رفض واشنطن التورط في «رمال تلك الصحراء»، (بحسب أوباما) والابتعاد عن «حُفر القرف» في أفريقيا (بحسب ترمب)، والتركيز بدلاً من ذلك على الدبلوماسية وسياسة العقوبات التي تتبعها واشنطن مع روسيا، على الرغم من دعمها لأوكرانيا، وتتبعها أيضاً مع الصين، التي تعتبرها المنافس الاستراتيجي الأول لها.

ومثلما كان على إدارة بايدن أن تسير على «خيط رفيع» في تقديمها المساعدة العسكرية لأوكرانيا، من دون خوض مواجهة مباشرة مع روسيا، فإن السؤال الآن هو؛ هل يستطيع بايدن تقديم دعم قوي لإسرائيل من دون الخوض في حرب إقليمية، يمكن أن تضع الولايات المتحدة في مواجهة مع إيران؟

رسالة ردع لتجنب الحرب

يرى «معهد الشرق الأوسط» في واشنطن أن إدارة بايدن تجري تحوّلاً في سياستها في الشرق الأوسط إلى مستوى أعلى. ويقول بريان كاتوليس، نائب رئيس السياسات في «المعهد»، إن «الهجوم المفاجئ والصادم الذي شنّته (حماس)، وضع الشرق الأوسط في مرتبة أعلى على أجندة الأمن القومي الشاملة لإدارة بايدن». وتوقّع وضع الجهود الرامية إلى تعزيز نهج الدبلوماسية الأكثر استباقية - بما في ذلك جهود التطبيع - في مرتبة متأخرة، بينما ينخرط فريق بايدن في «دبلوماسية الأزمات»، ويكثّف الدعم الأمني للشركاء في جميع أنحاء المنطقة.

لكن الهجمات، إلى جانب علاقة أميركا الطويلة الأمد مع إسرائيل، قد تشيران أيضاً إلى استعداد واشنطن للعب دور رئيس في دعم الجيش الإسرائيلي خلال الأسابيع المقبلة، فضلاً عن إرسالها مجموعة حاملة الطائرات «يو إس إس جيرالد فورد»، فهي ستُلحِقها بمجموعة حاملة طائرات ثانية في الأسبوعين المقبلين، كجزء من تصعيد الجهود العسكرية الأميركية «لمنع (حزب لله) من الانضمام إلى الحرب، وإيران من تصعيدها واستغلالها»، كذلك عرضت الولايات المتحدة التخطيط والدعم الاستخباراتي من «قيادة العمليات الخاصة» لمساعدة إسرائيل في التعامل مع أزمة الرهائن، الذين من بينهم نحو 17 أميركياً.

هنا يقول إيان بريمر، رئيس مجموعة «أوراسيا»، وهي مؤسسة أبحاث واستشارات المخاطر السياسية، إنه من المنطقي أن يكون لدى بايدن رد فعل قوي بالنظر إلى «حجم ووحشية» هجمات «حماس». وتابع بريمر: «يجب أن يكون مستوى الدعم الأميركي فورياً وغير سياسي، في الوقت الذي يكون كل شيء سياسياً في الولايات المتحدة، وهذا أمر بديهي».

موقفه هذا يشير إلى أن الدعم الأميركي لإسرائيل يقفز فوق كل الخلافات الحزبية، مثلما توضحه أيضاً تعليقات عدد من أعضاء الكونغرس أخيراً. فقد أعلن النائب اليميني المتشدد ماثيو غايتز، الذي لعب دوراً أساسياً في عزل رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي بسبب موافقة الأخير على تخصيص أموال لأوكرانيا، عن دعمه من دون تحفظ تخصيص الأموال لدعم إسرائيل.

إيران هي العقدة

بالنسبة إلى مقاربة العلاقة مع إيران، كانت إدارة بايدن ولا تزال تتعرض للانتقاد، من ضفتي الطيف السياسي الأميركي، حتى قبل اندلاع الحرب. أما السبب فهو إصرارها على مواصلة نهجها «الدبلوماسي»، رغم «فضيحة» تعليق عمل مبعوثها الخاص روبرت مالي، على خلفية «تسريبات غير مصرّح بها»، وما تلاها من كشف لشبكة «مؤثرين»، يعمل بعضهم في إدارته، ضمن ما يسمى «مبادرة خبراء إيران».

اليوم، ومع محاولة ربط كثير من السياسيين ومراكز الأبحاث والصحف الأميركية هجوم «حماس» بإيران، يقول جيسون برادوسكي، من معهد «أتلانتيك كاونسل»، إن ما حدث «نتيجة تلك السياسات التي اعتبرتها طهران دليلاً على ضعف الولايات المتحدة ووهنها، وضعف إسرائيل من الداخل، لقلب الأوضاع في المنطقة».

وتذهب مجلة «فورين أفيرز» أبعد من ذلك، وترى أن «الوقت قد حان منذ زمن طويل للتخلص من تلك العقلية»، وأن الدبلوماسية السابقة تجاه إيران «تشكّلت عبر الاقتناع بإمكانية إقناعها بقبول التنازلات العملية التي تخدم مصالح بلادها». وإذا كان هذا الأمر ذات مرة ذا مصداقية، فإن النظام الإيراني عاد إلى فرضيته الأساسية؛ التصميم على قلب النظام الإقليمي بأي وسيلة، ولذا ينبغي على واشنطن أن تتخلص من أوهام التوصل إلى هدنة معه.

وعلى الرغم من تطور موقف بايدن بشكل كبير عن نهج أوباما إزاء التحديات الجيوسياسية الأخرى، ترى المجلة أن «سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران هي وحدها التي تظل غارقة في الافتراضات التي عفّى عليها الزمن قبل عقد من الزمن. وفي البيئة الحالية، لن يؤدي التواصل الدبلوماسي الأميركي مع المسؤولين الإيرانيين في بعض عواصم المنطقة إلى ضبط النفس الدائم من جانب طهران».

وتواصل أن واشنطن تحتاج إلى «نشر الواقعية المتشددة نفسها تجاه إيران»، التي ساهمت في توجيه السياسة الأميركية الأخيرة تجاه روسيا والصين، «أي بناء تحالفات من الدول الراغبة في زيادة الضغط وشل الشبكات الإيرانية العابرة للحدود الوطنية، وإعادة التنفيذ الهادف للعقوبات الأميركية، والإيصال بوضوح، من خلال الدبلوماسية ووضع القوة والإجراءات لاستباق الاستفزازات الإيرانية أو الرد عليها، أن الولايات المتحدة مستعدة لردع العدوان الإقليمي الإيراني والتقدم النووي. والشرق الأوسط يتمتع بطريقة تجعله يفرض نفسه على رأس جدول أعمال كل رئيس. وفي أعقاب هذا الهجوم المدمر، على البيت الأبيض أن يرقى إلى مستوى التحدي».

ناثان ساكس (بروكينغز)

الجبهة السورية اللبنانية

من جهة ثانية، يقول ناتان ساكس، مدير مركز سياسة الشرق الأوسط في «معهد بروكينغز»، إنه على الرغم من توقعه تحاشي بايدن إرسال قوات أميركية إلى المنطقة، فإن إرسال الدعم البحري أو الجوي من أجل منع «حزب الله» من الدخول في الصراع «هو نقطة تحول رئيسة، ومن شأنه أن يغير تماماً فحوى الحرب، كما أنه سيعقد الأمور بالنسبة لبايدن».

ومع رسالة «الردع» القوية التي أرسلتها واشنطن إلى إيران و«حزب الله»، بدا ما يشبه الإجماع في تقديرات معظم التحليلات الأميركية على أن توسيع الجبهة عبر توريط الجبهة اللبنانية والسورية قد يكون أمراً مستبعداً.

لكن مع ذلك، يقول مارك دوبوفيتز، رئيس «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، إن «استعراض القوة» الأميركي لدعم إسرائيل مرهون بتغيير نظرة المرشد الإيراني علي خامنئي... وخامنئي يعتقد أنه ليس لديه الكثير مما يخشاه من واشنطن، التي يراها «نمراً من ورق»، وأن الأمر يعتمد على تطوّر الأمور على الأرض في الأيام المقبلة.

ومن ثم، يطالب دوبوفيتز إدارة بايدن بالردّ بالقوة نفسها التي ردّت بها على فظائع «داعش»، وهو ما «تنتظره» إسرائيل، التي عليها بمجرد اكتمال حربها في غزة، أن تحول اهتمامها إلى إيران، بما يشمل توجيه ضربات إلى مواقعها النووية أيضاً. وينهي كلامه منبهاً: «لا يخطئن أحد، فاحتمالات نشوب حرب إقليمية أكبر آخذة في التزايد».

إسرائيل نقطة نقاش ساخنة

قضية أخرى استحوذت على المناقشات الأميركية. إذ خلق هجوم «حماس» عقبة أخرى في السياسة الخارجية أمام بايدن، الذي يواجه إعادة انتخاب صعبة مع تنامي خطاب الانعزال داخل البلاد، وهي حالة تحوّل إسرائيل عملياً إلى نقطة نقاش ساخنة في صفوف الحزب الديمقراطي، مع تزايد عدد المؤيدين لنهج أكثر توازناً في تقييم العلاقة مع الفلسطينيين.

فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب» خلال مارس (آذار) أن 49 في المائة من الديمقراطيين، قالوا إن تعاطفهم أكبر مع الفلسطينيين، بينما قال 38 في المائة إن تعاطفهم أكبر مع الإسرائيليين. وجاءت هذه النتائج لافتة في ظل استطلاع سابق، حظيت فيه إسرائيل بتعاطف 78 في المائة من الجمهوريين، و49 في المائة من المستقلين.

في أي حال، أظهرت الضجة التي أثارتها المظاهرة المؤيدة للفلسطينيين، التي نظمت يوم الأحد، في ساحة «تايمز سكوير» بقلب مدينة نيويورك، انقسامات سياسية، تصاعدت جراء هجوم «حماس». ووفق صحيفة «نيويورك تايمز» أدى الهجوم إلى قلب المشهد السياسي في نيويورك رأساً على عقب، ما أدى إلى شق خطوط صدع مفتوحة بين اثنتين من أهم الكتل الانتخابية في المدينة؛ الجالية اليهودية التي تعد ثاني أكبر جالية في العالم، والحركة اليسارية النشطة حديثاً، التي صعدت إلى مكانة بارزة في انتخابات المدينة عام 2008.

اليسار مُحرَج

اندلع التوتر بعدما دعا فرع نيويورك لما يُسمى بـ«الاشتراكيين الديمقراطيين الأميركيين» إلى مسيرة مؤيدة للفلسطينيين. وبينما كان المتظاهرون يهتفون مهلّلين بالصواريخ التي أطلقت على إسرائيل، رغم مشاهد العنف التي طالت المدنيين، أعرب سياسيون ديمقراطيون متحالفون بشكل وثيق مع اليسار في نيويورك عن مخاوفهم، وسارعوا إلى طمأنه سكان نيويورك اليهود الغاضبين.

أيضاً، تحت ضغط متزايد، سعى القادة الديمقراطيون اليساريون إلى إبعاد أنفسهم عن الحدث من دون تنفير النشطاء الذين سهّلوا وصول بعضهم إلى مناصبهم. وتراجع هؤلاء عن تبني المظاهرة، وأصدروا الثلاثاء بياناً يعتذرون فيه صراحة عن «إساءة توضيح قيمنا».

حتى ألكساندريا أوكازيو - كورتيز، النائبة اليسارية الأكثر شعبية في نيويورك، اضطرت لإدانة ما وصفته بـ«التعصّب والقسوة التي عُبر عنهما في تايمز سكوير يوم الأحد». وأضافت أن المظاهرة «لم تتكلم باسم آلاف من سكان نيويورك القادرين على رفض هجمات (حماس) المروّعة ضد المدنيين الأبرياء، وكذلك الظلم الجسيم والعنف الذي يواجهه الفلسطينيون تحت الاحتلال». أما النائب جمال بومان، الذي انتُخِب عام 2020 بمساعدة الاشتراكيين اليساريين في منطقته التي تسكنها غالبية يهودية، فقد هاجم المظاهرة، ووصف هجوم «حماس» بأنه انتهاك للقانون الدولي. وإن كان رغم ذلك، حذّر من «الخلط بين المدنيين الفلسطينيين ومسلّحي (حماس)، أو إغفال الأسباب الجذرية لهذا الصراع».

وحقاً، ما حدث، عكس الواقع المتغير والمعقّد لنيويورك الليبرالية، المدينة التي تعدّ منبع الثقافة الأميركية اليهودية ومسقط رأس اليسار الأميركي الحديث. وفي حين لا يزال الديمقراطيون في نيويورك داعمين عموماً لإسرائيل كدولة، فإن الانتقادات والمعارضة الصريحة داخل أوساطهم غدت واسعة النطاق في السنوات الأخيرة. ويرى كثيرون من الناشطين اليساريين الشباب، بما في ذلك اليهود، أن «التحرير الفلسطيني» مرتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية العدالة العنصرية، وينظرون إلى إسرائيل على أنها أمة مُضطهِدة مزدهرة. كذلك يعارض كثير من اليهود بشدة حكومتها اليمينية، التي يعتقدون أنها تعمل على إضعاف الديمقراطية ويخشون أن تقوّض إمكانية التعايش السلمي بين اليهود والفلسطينيين.

حالياً... أنصار إسرائيل يتقدّمون

> في خضم تصاعد أعداد القتلى الإسرائيليين، فإن الهجوم الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة - الذي يواصل رفع أعداد الضحايا الفلسطينيين - يدفع أنصار إسرائيل من مختلف التكتلات التي شكلت تقليدياً قاعدة للديمقراطيين، إلى تنحية الخلافات السياسية جانباً والتجمع معاً ككتلة واحدة.

ويرى البعض أن ما حدث «أعاد عقارب الساعة إلى الوراء»، بعدما كان توجيه الانتقاد إلى سياسات واشنطن وإسرائيل تجاه الفلسطينيين قد كسر «المحرّمات» السابقة. بيد أن المقاربة اليسارية لتلك القضية، التي كانت تقابلها مقاربة يمينية متشددة ومعادية للسامية، يتباهى مؤيدوها بخطاب يميني يدعم تيار ما يسمى «ماغا» (أي «اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»).

لقد كان مؤيدو إسرائيل يوجهون الانتقادات إلى كلا التيارين. وبالفعل، سعوا جاهدين إلى وقف نمو التيار اليساري الذي تمكن من اختراق أرقى الجامعات الأميركية، كجامعة هارفارد التي تخرج فيها كثير من الرؤساء والقادة السياسيين الأميركيين.

القصف شمل القوارب في ميناء غزة (رويترز)

غير أن الضغوط الجديدة والمتزايدة لدعم إسرائيل، ونجاح الحملة الإعلامية في «شيطنة» الفلسطينيين، عوامل دفعت بكثير من الناشطين إلى تحذير قادة التيار اليساري من أنهم قد يتحولون إلى منبوذين في كثير من المدن الأميركية، وخصوصاً أوساط المجتمعات اليهودية الليبرالية الكبيرة في نيويورك، التي تعد من أشد المنتقدين للحكومات اليمينية الإسرائيلية.

وفي مقابلة مع جيريمي كوهان، الرئيس المشارك لفرع الاشتراكيين الديمقراطيين في نيويورك، قال كوهان إن المنظمة «روّجت للمسيرة بناءً على طلب مجموعة تضامن فلسطينية، ولم يكن متأكداً من أي منها، وإن الفرع لم يقم بتنظيم أو رعاية هذا الحدث». وأردف: «لا أعتقد أنني أندم ولو لدقيقة واحدة على الوقوف ضد الحرب، والوقوف لدعم نهج يشير إلى الجذور الأعمق لهذا الصراع... لكننا لم ننقل ذلك بطريقة تراعي بشكل كافٍ معاناة الناس على جميع أطراف الصراع». 3 متغيرات في موقف واشنطن: عودة للمنطقة وتشدد مع إيران وتصدّع الخطاب ضد إسرائيل


مقالات ذات صلة

مقتل 5 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على شمال رفح

المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على رفح في غزة (د.ب.أ)

مقتل 5 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على شمال رفح

قُتل خمسة فلسطينيين وأصيب آخرون، اليوم (السبت)، في قصف إسرائيلي استهدف شمال مدينة رفح في جنوب قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ 
ترمب ونتنياهو قبل بدء اجتماعهما أمس (د.ب.أ)

نتنياهو يستكمل «مظلته» الأميركية بلقاء ترمب

بلقائه الرئيس الأميركي السابق، وربما اللاحق، دونالد ترمب، أكمل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمس، مظلته الأميركية، التي شملت وقفة في الكونغرس

هبة القدسي (واشنطن) نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي الرئيس الأميركي جو بايدن يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض 25 يوليو (أ.ب)

البيت الأبيض يحذّر نتنياهو من خطورة تنازلاته للمتطرفين في حكومته

كشفت مصادر سياسية في تل أبيب عن أن اللقاءات الثلاثة التي أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في واشنطن مع بايدن وهاريس وسوليفان، كانت صعبة للغاية.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي امرأة فلسطينية تحمل ابنتها بجوار أنقاض منازل دمرت خلال غارات إسرائيلية على جنوب قطاع غزة (رويترز)

«هدنة غزة»: ضغط دولي يُعزز جهود الوسطاء نحو صفقة المحتجزين

ضغوط دولية تتصاعد لوقف الحرب في غزة والدفع نحو هدنة ثانية بالقطاع تعززها دعوة أسترالية - كندية - نيوزيلندية لإنهاء الحرب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي نهر السين في باريس (أ.ف.ب)

رياضيون مؤيدون للقضية الفلسطينية يستعدون لإظهار «التضامن» في حفل افتتاح الألعاب الأولمبية

يستعد رياضيون لإظهار تضامنهم مع القضية الفلسطينية خلال حفل افتتاح الألعاب الأولمبية الذي سيقام في العاصمة الفرنسية باريس.

«الشرق الأوسط» (لندن)

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
TT

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)

في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ثمة انزياح الجمهوريين إلى سياسات انعزالية خارجياً وحمائية اقتصادية داخلياً، معطوفة على سياسات اجتماعية يمينية متشددة، قد يكون من الصعب إقناع بعض الشارع بخطورتها. وفي المقابل، ما لم يقدم الديمقراطيون حلولاً للمشاكل التي أبعدت ولا تزال تبعد، شريحة واسعة من أبناء الطبقة العاملة إلى التصويت مرتين لمصلحة دونالد ترمب، فإنهم سيفقدون السيطرة على حملتهم.

الأمر لا يقتصر على أفراد الطبقة العاملة البيضاء الذين غادروا الحزب الديمقراطي بأعداد كبيرة خلال العقود الأخيرة، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن ترمب يُعد لاجتذاب الناخبين السود واللاتينيين من الطبقة العاملة بنسب تاريخية محتملة. ومع اعتناق ترمب ومرشحه لمنصب نائب الرئيس، جي دي فانس، لسنوات، سياسات «شعبوية» فإنهما سعيا أيضاً إلى استخدام حتى بعض الانتقادات «التقدمية» للسوق الحرة، ولو كانا سيخدمان الأثرياء في نهاية المطاف.

ترمب يهاجم هاريس خلال مهرجان انتخابي في ولاية نورث كارولينا (آب)

ولاغتنام هذه الفرصة، قد يفكر الديمقراطيون في قراءة كيف تمكّن حزبهم من التعافي من الأزمات الخطيرة في ماضيهم. ومعلوم أنه في حين كانت الانتخابات الماضية تدور حول السياسات، وليس التدهور الذهني للمرشحين والتشكيك بقدرتهم على الفوز، كما كان الحال مع بايدن في هذه الانتخابات، فإنهم لم ينجحوا إلا عندما قدّموا أجندة اقتصادية، تروّج لرأسمالية أكثر أخلاقية وأقل ضراوة وقسوة.

توحد حول «أجندة تقدمية»يقول مايكل كوزين، أستاذ التاريخ في جامعة جورجتاون، إنه منذ القرن التاسع عشر، لم ينجح الديمقراطيون في قلب هزائمهم، إلّا بعد توحيد صفوفهم خلف أجندة، قدمت مساراً مختلفاً لمعالجة الأزمات، من «الكساد الكبير» إلى التصدي للعنصرية، وكسر الخطاب الشعبوي - الذي هدف إلى كسب تأييد المزارعين وعمال المناجم - ومن ثم طرحوا حلولاً بشأن العمل والضمانات الاجتماعية والصحية والمال.

في العشرينات من القرن الماضي، دارت أزمة الديمقراطيين حول قضايا الثقافة والعِرق بدلاً من تحديد من فاز ومن خسر فيما كان آنذاك اقتصاداً مزدهراً. ولقد تطلب الأمر أسوأ كساد في تاريخ البلاد، لإعطاء الديمقراطيين الفرصة لوضع هذه الاختلافات وراء ظهورهم. وعام 1932، تحت قيادة فرانكلين روزفلت، فازوا بغالبية كبيرة في الكونغرس وأنشأوا أكبر توسع في السلطات المحلية للحكومة الفيدرالية في تاريخ الولايات المتحدة.

وبعدها، في عام 1968، بدا أن انسحاب ليندون جونسون من السباق أشبه بانسحاب جو بايدن هذا العام... إذ كان الرجلان يخطّطان للترشح لإعادة الانتخاب، لكن المعارضة الشرسة داخل حزبهما أثنتهما عن ذلك. واليوم، كما حصل سابقاً، أخذ نائب الرئيس مكانه على رأس القائمة. غير أن معارضة عودة جونسون كانت بسبب أكثر أهمية بكثير من القلق بشأن أداء الرئيس في مناظرة، أو على قدراته الجسدية والمعرفية التي قسا عليها الزمن. كان الخلاف يومذاك حول «حرب فيتنام» يقسم الديمقراطيين، والأميركيين عموماً، وهو ما أدى إلى خسارتهم أمام الجمهوريين وفوز المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون.

اصطفاف التيار التقدمياليوم، باستثناء الحرب في غزة، وانتقاد التيار التقدمي لإسرائيل، فإن الديمقراطيين متّحدون بشكل ملحوظ حول القضايا التي ركّز عليها بايدن في حملته الانتخابية. وبدا أن تمسك هذا التيار به والاصطفاف اليوم وراء نائبته كامالا هاريس، دليل على إجماع على أن «خطر» إدارة ترمب أخرى قد طغى على استيائه منهما. وفي غياب أي استثناءات تقريباً، يتفق ممثلوهم مع أعضاء الحزب في مجلسي الشيوخ والنواب، على تشجيع العمال على تشكيل النقابات ويريدون القيام باستثمارات جادة في مجال الطاقة المتجددة، ويؤيدون بالإجماع زيادة الضرائب على الأغنياء وتسليح أوكرانيا.

بيد أن تغير موقف «التيار التقدمي» بشأن هاريس - التي لطالما تعرضت للانتقادات منه - يعكس إلى حد كبير الديناميكيات السياسية المتغيرة داخل الحزب الديمقراطي نفسه. وحقاً، منذ التراجع المطّرد لدور اليساري المخضرم بيرني ساندرز وتحوّله إلى شيء من الماضي، وكون النجوم التقدميين مثل النائبة ألكساندريا أوكازيو كورتيز، ما زالوا أصغر من أن يتمكنوا من الترشح للرئاسة، لا يوجد بديل واضح عند هذا التيار. وأيضاً، مع تهميش أولويات «التقدميين» التشريعية السابقة كالتعليم الجامعي المجاني والرعاية الصحية الشاملة، واستمرار تعثر القضايا الحالية كالحرب في غزة من دون نهاية واضحة، تقلصت فرص «تيارهم» في لعب دور أكبر داخل الحزب.

ولكن إذا أعطى انسحاب بايدن الديمقراطيين فرصة لإحياء حظوظهم فيما بدا لفترة وكأنه سباق خاسر، فإنه قد لا يفعل ذلك الكثير لمعالجة الأزمة الأعمق التي واجهوها منذ أعاد ترمب تشكيل الحزب الجمهوري.

الديمقراطيون تجنّبوا الانقسامفإجماع الديمقراطيين على الدفع بكامالا هاريس خياراً لا بد منه، قد يكون جنبهم على الأقل خطر الانقسام. ورغم كونها خطيبة مفوهة، على خلفيتها بوصفها مدعية عامة وسيناتوراً سابقاً عن كاليفورنيا - كبرى الولايات الأميركية وأهمها - يظل العديد من الأميركيين ينظرون إليها على أنها «ليبرالية» و«تقدمية» تهتم بشدة بالحقوق الإنجابية والتنوع العرقي. وهم أيضاً يأخذون عليها أنها لم تظهر، حتى الآن على الأقل، قدرتها على التواصل بالقوة نفسها مع ناخبي الطبقة العاملة الذين يعتقدون أن لا الحزب الديمقراطي ولا الحكومة أظهرا الاهتمام نفسه بمشاكلهم الاقتصادية... وخوفهم من أن حياة أطفالهم قد تتعرض للخطر.

واستناداً إلى استطلاعات رأي تشير منذ عدة سنوات إلى أن أغلب الناس يعتقدون أن الولايات المتحدة «تسير على المسار الخطأ»، استخدم جي دي فانس، نائب ترمب، هذه المخاوف التي عرضها في كتابه «مرثية هيلبيلي» لتصعيد الخطاب الشعبوي، الذي عدّه البعض دعوة إلى إعادة عقارب الزمن عبر إحياء الصناعات المنقرضة، بدلاً من الاستثمار في المستقبل.

صعود المظالممع هذا، إذا اكتفت هاريس بالترويج والدفاع عن إنجازاتها وبايدن فقط، فقد تفشل في معالجة هذه المخاوف، وربما تسمح لترمب بالفوز مرة أخرى. الاعتراف باللامساواة بين الجنسين وقبول «الهويات» الجنسية، ونقد الاستعمار والعنصرية وكراهية الأجانب، وصعود حركة حماية البيئة، كلها مظالم وتحديات لشرائح واسعة تعتقد أنها تتعرّض للخطر وتدعو الساسة للعودة إلى الأنماط القديمة دفاعاً عنها. كما أن اضطرابات أخرى لعبت أيضاً دوراً في صعود هذه المظالم، من تغير المناخ والتحديات الاقتصادية التي فرضها، واستمرار التفاوت في الدخل، وموجات المهاجرين إلى أوروبا والولايات المتحدة، والانهيار الاقتصادي عام 2008، وجائحة «كوفيد-19» التي ألحقت أضراراً بالغة بالاقتصادات في جميع أنحاء العالم.

ومع تصاعد الشكوى من الهجرة والمهاجرين والتغير الديموغرافي والعولمة في كل مكان، يهدّد خطاب «الشعبوية» الجديد الديمقراطيات الليبرالية القديمة. وبدا أن احتضان الناخبين الأميركيين لترمب، يشبه تحول الناخبين الفرنسيين نحو حزب «التجمّع الوطني» اليميني المناهض للمهاجرين بزعامة مارين لوبان، الذي يدّعي أنه يمثل «فرنسا الحقيقية»، ومعه صعود العديد من أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، وفق الكاتب الأميركي إدواردو بوتر.

فشل ديمقراطي

مع ذلك، فشل الديمقراطيون منذ عهد باراك أوباما في تقديم برنامج سياسي متماسك حول الوجهة التي يريدون أخذ أميركا إليها، والتكلم عن أولئك الذين يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم، وهذا، بصرف النظر عن دفاعهم عن مصالح الطبقة الوسطى والتسامح مع الاختلافات الثقافية والتحرك نحو اقتصاد أكثر خضرة.

ومع أن ترشيح كامالا هاريس قد يعطيهم الفرصة للبدء في تغيير تلك الصورة، يظل الخطر كامناً في أنهم قد يعتقدون أن الأزمة الأخيرة التي مروا بها، أمكن حلها بتغيير المرشحين من دون معالجة حالة السخط التي تعصف بالبلاد. وهذا ما بدا من خطابهم الذي عاد للتشديد على أن المهمة الرئيسية هي منع عودة ترمب. فقد التحمت الأصوات الديمقراطية في خطاب شبه موحّد لتصوير الانتخابات على «أنها بين مجرم مُدان لا يهتم إلا بنفسه ويحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بما يخص حقوقنا وبلدنا، ومدعية عامة سابقة ذكية ونائبة رئيس ناجحة تجسد إيمانناً بأن أفضل أيام أميركا لا تزال أمامنا»، على ما كتبته الثلاثاء، هيلاري كلينتون في مقالة رأي في «نيويورك تايمز».

ربما لا حاجة إلى التذكير بأن خسارة كلينتون نفسها للسباق الرئاسي أمام ترمب عام 2016، كان بسبب إحجام ناخبي ولايات ما يعرف بـ«حزام الصدأ» - حيث قاعدة العمال البيض - عن تأييدها، بعدما خسر مرشحهم بيرني ساندرز الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، الذي كان ينظر إليه على أنه مرشح واعد للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة، ومنحهم أصواتهم لترمب الذي نجح في مخاطبة هواجسهم.

فرصة هاريس

اليوم، في ضوء انتزاع هاريس - إلى حد بعيد - بطاقة الترشيح قبل انعقاد مؤتمر الحزب في 19 أغسطس (آب) المقبل، ما يوفر عليها خوض انتخابات تمهيدية جديدة والفوز فيها، فإنها تحظى بفرصة لإعادة تقديم نفسها. وخلال الأيام الأخيرة، تعززت حملتها بفضل زيادة الحماسة والدعم وجمع التبرعات الذي حقق أرقاماً قياسية خلال 48 ساعة، وكل ذلك كان مفقوداً في حملة بايدن وسط مخاوف بشأن عمره وصحته.

لكن الحزب ما زال منقسماً حيال الرد على هجمات الجمهوريين، إذ يشعر البعض بالقلق من أن الغرق في مناقشات حول العنصرية والتمييز الجنسي، يمكن أن يستهلك حملة هاريس لدى انشغالها بمخاطبة جمهور الناخبين الأوسع. ولذا تصاعدت الأصوات الديمقراطية الداعية إلى جسر الهوة إزاء الهجرة والجريمة والتضخم، التي يركز الجمهوريون عليها، بينما يتساءل آخرون، عمّا إذا كان الكلام الصارم عن الإجهاض والضرائب والعنصرية، وغير ذلك من بنود جدول الأعمال التي يسعى الديمقراطيون بشدة إلى إعادتها إلى قمة الأولويات العامة، هو الطريقة الأفضل لخوض السباق ضد ترمب. الديمقراطيون متّحدون اليوم حول القضايا التي ركّز عليها بايدن

 

لطّف الجمهوريون خطابهم المتشدد... بينما يبحث الديمقراطيون عن نائب لهاريس

> لا يخفى، لدى تفحّص المشهد الانتخابي الأميركي، أن الجمهوريين سعوا للاستفادة من مكاسب استطلاعات الرأي مع الأميركيين الذين كانوا مترددين في السابق تجاه دونالد ترمب، وخاصة الناخبين غير البيض. إذ أعادوا تنظيم مؤتمرهم الوطني للتأكيد على «الوحدة»، بعد محاولة الاغتيال التي تعرّض لها ترمب، وتقديمه كرجل دولة وليس محارباً للثقافة والعرق. وتضمن المؤتمر كلمات دحضت الاتهامات بالعنصرية ضد ترمب، إلى جانب عدد من المتكلمين الذين أكدوا على خلفياتهم المهاجرة وعلى أن الجمهوريين مهتمون فقط بأمن الحدود. وبينما يقلّب الديمقراطيون الأسماء لاختيار نائب الرئيس على بطاقة الاقتراع مع كمالا هاريس، برز عدد من الأسماء على رأسهم جوش شابيرو حاكم ولاية بنسلفانيا المتأرجحة. وحظي شابيرو، وهو يهودي أبيض،

ترمب يهاجم هاريس خلال مهرجان انتخابي في ولاية نورث كارولينا (آب)

بالاهتمام كونه حقق فوزاً كبيراً في انتخابات عام 2022، متغلباً على سيناتور يميني متشدد أنكر فوز بايدن في انتخابات عام 2020، ويلقى دعماً كبيراً من الرئيس السابق باراك أوباما. أيضاً، برز السيناتور مارك كيلي (من ولاية أريزونا المتأرجحة أيضاً) الذي عُدّ منافساً محتملاً في مواجهة نائب ترمب، السيناتور جي دي فانس (من ولاية أوهايو). ويقف الرجلان على النقيض في العديد من قضايا السياسة الخارجية، وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة مساعدة أوكرانيا. وبدا كيلي مرشحاً مثالياً ضد فانس؛ للموازنة بين الحفاظ على الولايات المتأرجحة، والحفاظ على سياستهم الخارجية. واتهمه بأنه «سيتخلى» عن أوكرانيا لصالح روسيا. وأردف كيلي قائلاً، إنه «أمام ما قد يفعله ترمب وفانس للتخلي عن حليف، فهذا من شأنه أن يؤدي إلى عالم أكثر خطورة بكثير». ورغم رفضه تأكيد أن يكون من بين المرشحين، قائلاً إن الأمر يتعلق بهاريس، «المدعية العامة التي تتمتع بكل هذه الخبرة، وترمب الرجل المدان بـ34 جناية ولديه خيار بشأن المستقبل، قد يعيدنا إلى الماضي حين كنا أقل أماناً».