قضاة لبنان يتأهبون للنزوح الجماعي

بحثاً عن العيش الكريم أمام خلفيتي الانسدادات السياسية والظروف الاستثنائية

قصر العدل في بيروت
قصر العدل في بيروت
TT

قضاة لبنان يتأهبون للنزوح الجماعي

قصر العدل في بيروت
قصر العدل في بيروت

لا تخلو البيانات الوزارية للحكومات اللبنانية، ولا خطاب القسم للرؤساء المتعاقبين على الحكم ولا حتى برامج وزراء العدل، من تخصيص بند أساسي يتعهّد بالعمل على «استقلالية القضاء وتكريسه سلطة مستقلة توازي السلطتين التشريعية والإجرائية». لكن الوعود شيء والواقع شيء آخر، فالقضاء اللبناني يعيش أسوأ مرحلة في تاريخه، لا يكفيه تدخّل السلطة السياسية الفاضح في عمله، ودورها في تعيين المقربين والأزلام في المواقع الحساسة، ليكونوا أبرز أدواتها للحكم ولتنفيذ القانون بصورة استنسابية، بل جاءت الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية لتصدّع المؤسسة وتنذر بانهيار هيكل العدالة على رؤوس الجميع.

لطالما كان المنصب القضائي حلماً يراود كلّ فتاة وشاب لبناني من حملة شهادة الإجازة في الحقوق، لكنه لم يعد كذلك اليوم، إذ يتوق معظم القضاة إلى الاستقالة «والنزوح الجماعي» إلى خارج البلاد، بحثاً عن حياة كريمة لهم ولأسرهم وأبنائهم.

الأسباب التي تحمل هؤلاء على ذلك كثيرة، منها أن القاضي لم يعد صاحب سلطة، بل يكاد بعضهم لا يحكم «باسم الشعب اللبناني» بل باسم المرجعية السياسية التي عيّنته في منصبه.

الأدلة على ذلك لا تعدّ ولا تحصى، يكفي الإشارة إلى تعطيل التحقيق في ملفّ انفجار مرفأ بيروت، وتقويض ملفات المصارف اللبنانية والبنك المركزي والحاكم السابق رياض سلامة، وعرقلة مسار التحقيق بأحداث الطيونة التي وقعت بين مسلحين من «حزب الله» وحركة «أمل» وآخرين من أبناء منطقة عين الرمانة، وقضايا الاغتيال والتصفيات السياسية... وآخرها مقتل المسؤول في حزب «القوات اللبنانية» إلياس الحصروني في بلدة عين إبل الجنوبية، والإعلان الصريح من الأجهزة الأمنية بأنها لم تعد قادرة على التقدّم بالتحقيق.

أزمة بنيوية

يعترف مصدر قضائي لبناني بارز بأن «مشكلة القضاء باتت بنيوية أكثر مما هي معنوية ومالية واقتصادية»، وأطلق صرخة تحذّر من «محاولات حثيثة لتدمير القضاء وهدم بنيان العدالة، بدل تعزيزها وحمايتها».

المصدر الذي طلب إغفال اسمه أبلغ «الشرق الأوسط» أن «الصورة سوداوية جداً، وإذا بقيت الأمور على حالها حتى نهاية العام الحالي سنشهد هجرة جماعية للقضاة ستفاجئ الجميع». وكشف عن أن «كل قاضٍ بدأ يبحث جدياً عن فرصة للمغادرة، والعشرات منهم أرسلوا ملفاتهم وسيَرهم الذاتية إلى مؤسسات حقوقية وجامعية ومحاكم عربية ودولية للالتحاق بها طلباً للعمل والحياة الكريمة، بدل انتظار راتب شهري في لبنان لا يتعدّى الـ500 دولار أميركي حالياً».

تتباين المواقف حيال التصعيد القضائي واللجوء إلى الاعتكاف، وترى مصادر سياسية أن أزمة الانهيار المالي وفقدان القضاة 90 في المائة من قيمة رواتبهم ينسحب أيضاً على النواب والوزراء. إلا أنّ المصدر القضائي رفض هذه المقاربة، وأكد أن «النواب والوزراء بمعظمهم رجال أعمال ومتمولون وأصحاب شركات، لا يتأثرون بالأزمة، بينما ليس لدى القاضي سوى راتبه الشهري». وأردف: «لا يجوز التشبيه بين السياسي الذي يستطيع العمل في التجارة وأي مجال آخر، بينما لا يملك القاضي أي دخل مالي غير الراتب». وشدد على أن «كلّ ما تبلّغه القضاة خلال انعقاد الجمعية العمومية قبل عشرة أيام، عبارة عن وعدٍ بتغطية المساعدات التعليمية لمدة خمسة أشهر كحدٍ أقصى، بالإضافة إلى وعد بالبحث عن شركة تأمين خاصّة للتعاقد معها، لتغطية النفقات الطبية والاستشفائية، لكنّ للأسف لا شيء مؤكد».

مرحلة اللاعودة

من جهته، يحاذر وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال القاضي هنري الخوري، وصول الأزمة القضائية إلى مرحلة اللاعودة، ويضع في أولوياته معالجة الأسباب التي أوصلت القضاة إلى هذه المرحلة من الاحتقان والتصعيد.

ويجزم مصدر بارز في وزارة العدل بأن الوزير «يفعّل لقاءاته واتصالاته برئيس الحكومة (نجيب ميقاتي) وبالمراجع القضائية لتبديد الهواجس التي تعتري الجسم القضائي». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: إن الوزير الخوري «يتحسّس صعوبة ما يعانيه زملاؤه القضاة، يأخذ مطالبهم على محمل الجدّ ويبذل كل جهد لوصول القضاة إلى حقوقهم دون منّة من أحد».

ثم يشير إلى أن الخوري «توصل مع المعنيين إلى اتفاق إنجاز عدد من الأمور التي تريح القضاة، سواءً بما خصّ التقديمات الاجتماعية من استشفاء وتعليم، أو بما يخص التقديمات المنح المالية من صندوق تعاضد القضاة»، كاشفاً عن أن «الأزمة سمحت بالبحث عن مداخيل مالية لصندوق القضاة، وبالفعل، بدأت تحصيل هذه الإيرادات التي سيلمس القضاة نتائجها في وقت قريب».

وعود تنتظر التنفيذ

اليوم، لا أحد يحسد رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود، على منصبه. إذ إن الرجل الذي سعى لأشهر طويلة على إنهاء الاعتكاف السابق بتلبية جزء يسير من حقوق القضاة، عاد ليواجه أزمة مستجدّة برزت مع إعلان مفاجئ لأكثر من 100 قاضٍ توقفهم الفوري عن العمل حتى تتوفر مقومات الحياة الكريمة لهم. ويبدو أن القاضي عبّود لن يقبل هذه المرّة بالعودة إلى شلّ القضاء وتعطيله، فرسالته كانت واضحة للقضاة خلال الجمعية العمومية التي انعقدت في 18 سبتمبر (أيلول) الحالي؛ إذ كشف قاضٍ شارك في الاجتماع المغلق لـ«الشرق الأوسط» عن أن رئيس مجلس القضاء «بدا مقتنعاً جداً بأحقية مطالب القضاة المعنوية والمادية والاجتماعية وحتى اللوجيستية». وأشار القاضي (أيضاً طلب إغفال اسمه) إلى أن عبود «ذهب أبعد للقول إن وضع قصور العدل صعب ولا يحتمل، وإنه متفهّم لعمل القضاة بظروف صعبة جداً، بلا كهرباء ولا ماء ولا قرطاسيّة. ولكن من غير المقبول العودة إلى إقفال قصور العدل والمحاكم والدوائر القضائية وتعطيل مسار العدالة، فحقوق الناس مقدسة وهي أمانة في عنق كلّ قاضٍ».

ولفت القاضي إلى أن عبود «تمنّى على القضاة الذين توقفوا عن العمل التراجع عن قرارهم وتجنب توسيع دائرة الاعتكاف، ودعا القضاة ليكونوا على قدر قسمهم لأنهم وحدهم الضمانة الحقيقية لبقاء البلد».

تقويض القانون

ما يستحق الذكر، أنه لم يسبق لقضاة لبنان أن استنكفوا عن أداء رسالتهم ولا تخلّفوا عن إصدار الأحكام والقرارات القضائية. إلا أن الأزمة الراهنة قلبت الأمور رأساً على عقب، وبات الإضراب والاعتكاف السلاح الأخير الذي لا بدّ من اللجوء إليه. وهنا يرى القاضي غالب غانم، رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق، أن «وضع القضاء اللبناني يتأثر سلباً بالوضع السائد في البلاد، وفي غياب أركان دولة القانون، فإن العاصفة التي تضرب لبنان تهدّد بتقويض القضاء حتى لو كانت إرادة القضاة حديدية».

غانم أعرب لـ«الشرق الأوسط» عن أسفه لـ«تمادي تدخلات السياسية بالسلطة القضائية، وكأنهم (السياسيون) يعتقدون أنهم يحققون مكاسب على أرض القضاء، إلّا أن أي تدخل في القضاء سيرتدّ سلباً على البلد ككل». وأضاف: «في السابق كانت التدخلات السياسية سريّة أو غير منظورة، أما اليوم فغدت حدود التدخل مباحة».

وتطرّق غانم إلى «إهمال متعمّد للمرفق القضائي»، وقال: «صحيح أن البلد منهار اقتصادياً ومن واجب القاضي أن يضحّي كغيره، لكن هناك حدّاً أدنى من الحقوق. نحن لا نطلب أن يكون وضع القاضي كما كان قبل الأزمة، إلا أننا نرى وجوب تأمين الحدّ الأدنى أقلّه في التقديمات الاستشفائية والتعليمية حتى يصمد القاضي ويواصل أداء رسالته»، داعياً السلطة السياسية إلى «النظر في وضع القضاء من زاوية خاصّة، حتى تبقى الإنتاجية القضائية قائمة».

استهداف القضاء

بموازاة الأزمة الاقتصادية، يعاني القضاء أزمة معنوية، عبر حملات تطاله عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً في الفترة التي رافقت مرحلة الاعتكاف الأخيرة وما تلاها. وهنا يلاحظ القاضي غانم «وجود نظرة عدائية من المجتمع تجاه القضاء، وهذا أمر خطير جداً... وحتى إذ كان هناك اعوجاج لدى بعض القضاة القلائل جداً، لماذا استهداف مؤسسة القضاء بشكل عام؟... لماذا التعاطي الإعلامي مع القضاء بشيء من السخرية والتهكّم، بما يرتدّ سلباً على الناس وملفاتهم؟».

الرئيس السابق للسلطة القضائية لا ينكر تأثر بعض القضاة بالتدخلات السياسية. ويوضح: «للأسف، بدل أن يأتي السياسيون إلى القضاء، ثمة قضاة يذهبون إلى أهل السياسة للتقرّب منهم، وهذا غير جائز... فبمجرد لمس السياسيين رفض القضاة لمطالبهم سيتوقف التدخل بعمل السلطة القضائية»، وبالتالي لا تتحوّل بعض الدوائر القضائية إلى دوائر سياسية».

وبينما لا يخفي غانم أن «عدم إقرار القوانين التي تكرّس استقلالية السلطة القضائية تؤثر سلباً على الواقع القضائي» فهو يأمل بأن «تحصر التشكيلات القضائية بيد مجلس القضاء الأعلى وحده، من دون الحاجة إلى مرسوم، فالقضاء قادر لوحده تولّي هذه المهمّة».

مرحلة سوداوية

على صعيد متصل، يعاني مرفق العدالة في لبنان من تدّني عدد القضاة بسبب إحالة العشرات منهم في السنوات الأخيرة على التقاعد، واستقالة البعض الآخر وتقديم بعضهم طلبات استيداع (العمل في الخارج مؤقتاً)، وإقفال الباب أمام امتحانات اختيار قضاة جدداً لمعهد الدروس القضائية.

أيضاً يعزو القاضي غانم أسباب النزف القضائي إلى «تحطّم المعنويات لدى الكثير من القضاة؛ ما دفع بأعداد منهم إلى طلب الاستيداع، والبعض إلى الاستقالة ومغادرة البلاد، وهذا يهدد وضع القضاء». ثم يختم: «إذا لم نذهب إلى حلول سريعة لأزمة القضاء سنكون أمام مرحلة سوداوية... انهيار القضاء له تداعيات خطيرة على الدولة والمؤسسات وعلى الشعب اللبناني ككل؛ ولذا لا بد من تحرّك سريع واجتراح الحلول حتى لا نصل إلى الأسوأ».

شرعة أخلاقية

من جانب آخر، لا يفصل المحامي الدكتور بول مرقص، رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية، بين أزمة القضاء والتفكك الذي يصيب مؤسسات الدولة في لبنان. ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه: «لا يمكن الحديث عن القضاء بمعزل عن حال البلد المترهلة أخلاقياً واقتصادياً ومالياً، إلا أنه يقتضي إيلاء فساد بعض القضاء اهتماماً خاصاً لأهمية موقعهم للفصل في الحقوق والحريات».

وفي انتقاد حاد للدولة «التي تخلّت عن حقوق القضاة»، يقول مرقص: «ما دامت رقاب الناس وحقوقهم في أيديهم (القضاة) لا يجوز تركهم عرضة للعوز والضغط السياسي عليهم». ويتابع: «الإصلاح يبدأ باعتماد القضاة شرعة أخلاقية يلتزمون بها افرادياً عند تبوء مناصب سياسية بعد تركهم القضاء، وذلك كي لا يسعوا إليها فيأتمروا بالسياسيين إبان عملهم القضائي، مروراً بتعديل مجلس النواب المادة الخامسة من قانون القضاء العدلي لجعل التشكيلات القضائية نافذة دون تدخل الحكومة، على اعتبار أن اقتراح قانون استقلال السلطة القضائية المطروح حالياً بصياغته الحالية هو معقد وغير قابل للإقرار».

القاضي غالب غانم - حسابه على إكي كوم تويت على إكس كوم - تويتر)

الأيادي النظيفة

ختاماً، لا جدوى من الرهان على أهل السلطة لإصلاح الوضع القائم، ما دام أن الكارثة التي يعيشها لبنان هي نتاج السياسات التي اتبعوها على مدى العقود السابقة. ويشدد المحامي مرقص على أن «الحل في لبنان يكمن في القضاء على طريقة حملة الأيادي النظيفة في إيطاليا التي حاربت طبقة سياسية أكثر فساداً من لبنان ونجحت في ذلك». ويرى مرقص أن «الحل الثاني هو في تسلّم الجيش اللبناني للحكم، وهذا أمر غير ديمقراطي ولا يستقيم في بلد كلبنان». ثم يضيف: «المطلوب للوصول إلى ذلك تدعيم وضعية القضاة اجتماعياً، مقابل تقديمهم تضحيات تمليها عليهم رسالتهم أصلاً... والسؤال: من سواهم (القضاة) تقع عليهم مسؤولية مكافحة الفساد؟ من سواهم بإمكانه إخضاع السياسيين لحكم القانون؟ من سواهم يعطي الإشارات للأجهزة الأمنية؟... الحل يبدأ بالقضاء وينتهي بمعاقبة الفاسدين واسترداد أموال الفساد».

يحاذر وزير العدل هنري الخوري وصول الأزمة القضائية إلى مرحلة اللاعودة ويضع في أولوياته معالجة الأسباب

الاعتكاف القضائي: معالجات لا تبدّد الهواجس

> شهد القضاء اللبناني ثلاث مراحل من الاعتكاف الذي تعدّدت أسبابه:

الاعتكاف الأول تلى أول التشكيلات القضائية في السنة الأولى من عهد الرئيس ميشال عون؛ إذ أثارت تلك التشكيلات غضباً واسعاً في الأوساط القضائية؛ لكونها لم تراع الكفاءة والأقدمية للمعينين في المراكز الحساسة. وهذا الأمر حمل القضاة على إطلاق الصرخة والمطالبة بإقرار قانون استقلالية القضاء، ومنع التدخل السياسي في أداء القضاة، قبل أن تقع الكارثة الاقتصادية والمالية التي عصفت بالجسم القضائي وأثر سلباً على أدائه وإنتاجيته.

ذلك الاعتكاف بدأ في أواخر عام 2017، وعمّق الخلاف يومها بين السلطة القضائية ممثلة بمجلس القضاء الأعلى، وبين وزير العدل (آنذاك) سليم جريصاتي (المحسوب على الرئيس ميشال عون). وبلغ الخلاف ذروته بين الطرفين على خلفية قرار اعتكاف التزم به عدد كبير من القضاة، الذين توقفوا عن ممارسة مهامهم؛ احتجاجاً على ما أسموه «إمعان السلطة السياسية في ضرب استقلالية القضاء، ومحاولة إخضاعه عبر التدخل في عمله، والتضييق عليه مادياً ومعنوياً، وحرمان القضاة من بعض المكتسبات التي توفر لهم أماناً اجتماعياً».

يومذاك تسبب الاعتكاف بمواجهة غير مسبوقة بين جريصاتي ومجلس القضاء الأعلى؛ إذ اعتبر الوزير أن الاعتكاف يشكل تحدياً له ولعهد عون في بدايته. ووجّه حينها كتاباً إلى مجلس القضاء الأعلى دعاه فيه إلى «تنبيه القضاة من الاستمرار في الاعتكاف، وتحميلهم مسؤولية أجواء غير صحية تسود أروقة قصور العدل». واستدعى كتاب وزير العدل ردّاً سريعاً من مجلس القضاء، أعلن فيه الأخير أنه «لا يحق للوزير توجيه تعاميم وكتب إلى القضاة». وذكّر بأن «مجلس القضاء الأعلى لا يعدّ جهة تنفيذية لقرارات وزير العدل عملاً بمبدأ استقلالية السلطة القضائية، ومبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، وبالتالي لا يجوز لأي سلطة أن تطغى بعملها على أي سلطة أخرى».

القاضي سهيل عبود

الاعتكاف الثاني كان منتصف العام الماضي. فمع تسارع وتيرة الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، أعلن قضاة لبنان على أثر انعقاد الجمعية العمومية، الدخول في اعتكاف شامل خالٍ من الاستثناءات، احتجاجاً على تدني رواتبهم التي فقدت 95 في المائة من قيمتها، وكذلك غياب التقديمات الطبيّة والاستشفائية والمنح المدرسية والجامعية.

وألحق هذا الاعتكاف ضرراً كبيراً بحقوق المتقاضين؛ إذ استعصى على آلاف الأشخاص التقدم بالشكاوى بسبب الإضراب ورفض أي مراجعة، كما تسبب الإضراب بتراكم آلاف الدعوى التي لم يبت فيها، وانسحبت أضراره على السجون ومراكز التوقيف التي غصّت بالسجناء في ظل التأخر بالبت بإخلاءات سبيلهم».

مرحلة الاعتكاف تلك، التي كانت الأطول والأقسى، انتهت بإقرار زيادة الرواتب بثلاثة أضعاف كما ورد في الموازنة العامة، ومساهمة صندوق تعاضد القضاة بدفع مساعدة مالية بـ(الفريش دولار) تراوحت بين 500 و1200 دولار للقاضي، بالإضافة إلى مساهمة الصندوق بإعطاء الأولوية للمساعدة المرضية.

أما الاعتكاف الثالث (الحالي) فبدأ يوم 1 سبتمبر (أيلول) الحالي مع إعلان 111 قاضياً في القضاء العدلي والإداري والمالي، توقفهم فجأة عن العمل احتجاجاً على أوضاعهم المالية والاجتماعية. وقال هؤلاء في بيان أصدروه: «في ظل عجز الدولة عن تغطية الاستشفاء والطبابة والتعليم، الخاص بالقضاة وعائلاتهم، وفي ظل انعدام ظروف العمل اللائقة بالكرامة البشرية في قصور العدل، وفي ظل ما وصل إليه وضع القضاء على جميع الصعد، نعلن التوقّف القسري عن العمل، وذلك الى حين توافر مقومات العيش والعمل بكرامة».

هذا القرار المفاجئ قابله هنري الخوري، وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال، بتحرك سريع؛ إذ دعا القضاة إلى الاجتماع به، وأكد أنه «بصدد تنفيذ مطالبهم أو أغلبها عبر اتصالات يجريها مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير المال يوسف الخليل والمراجع القضائية». أما رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود الذي بدا مستاءً من العودة إلى شلّ مرفق العدالة، فدعا القضاة إلى جمعية عمومية مغلقة عقدت في قصر العدل في بيروت، وطرح فيها القضاة مطالبهم وهواجسهم، وتعهّد عبود ببذل أقصى جهده بتبديد قلق القضاة وتحصيل حقوقهم، وتمنى عليهم الاستمرار في عملهم والتضحية من أجل الحفاظ على القضاء وهيبته. غير أن قضاة شاركوا في الجمعية العمومية، أكدوا لـ«الشرق الأوسط»، أن «المعتكفين ما زالوا على اعتكافهم»، وأن باقي القضاة «يراقبون ما ستؤول إليه مساعي وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى وبعدها يبنى على الشيء مقتضاه».


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.