كيف تبدو كيانات منطقة جنوب آسيا بعد أكثر من 7 عقود على الاستقلال؟

بدايات واعدة... ونتائج متفاوتة

لقاء إعداد اللمسات الأخيرة لتقسيم الهند عام 1947 في نيودلهي: يبدو (من الشمال إلى اليمين) الزعيم الهندي جواهرلال نهرو والحاكم العام البريطاني اللورد لويس ماونتباتن وأول رؤساء باكستان محمد علي جنّه (غيتي)
لقاء إعداد اللمسات الأخيرة لتقسيم الهند عام 1947 في نيودلهي: يبدو (من الشمال إلى اليمين) الزعيم الهندي جواهرلال نهرو والحاكم العام البريطاني اللورد لويس ماونتباتن وأول رؤساء باكستان محمد علي جنّه (غيتي)
TT
20

كيف تبدو كيانات منطقة جنوب آسيا بعد أكثر من 7 عقود على الاستقلال؟

لقاء إعداد اللمسات الأخيرة لتقسيم الهند عام 1947 في نيودلهي: يبدو (من الشمال إلى اليمين) الزعيم الهندي جواهرلال نهرو والحاكم العام البريطاني اللورد لويس ماونتباتن وأول رؤساء باكستان محمد علي جنّه (غيتي)
لقاء إعداد اللمسات الأخيرة لتقسيم الهند عام 1947 في نيودلهي: يبدو (من الشمال إلى اليمين) الزعيم الهندي جواهرلال نهرو والحاكم العام البريطاني اللورد لويس ماونتباتن وأول رؤساء باكستان محمد علي جنّه (غيتي)

لقاء إعداد اللمسات الأخيرة لتقسيم الهند عام 1947 في نيودلهي: يبدو (من الشمال إلى اليمين) الزعيم الهندي جواهرلال نهرو والحاكم العام البريطاني اللورد لويس ماونتباتن وأول رؤساء باكستان محمد علي جنّه (غيتي)
لقاء إعداد اللمسات الأخيرة لتقسيم الهند عام 1947 في نيودلهي: يبدو (من الشمال إلى اليمين) الزعيم الهندي جواهرلال نهرو والحاكم العام البريطاني اللورد لويس ماونتباتن وأول رؤساء باكستان محمد علي جنّه (غيتي)

احتفلت الهند وباكستان يومي 14 و15 أغسطس (آب) المنقضي، على التوالي، بالذكرى السادسة والسبعين لاستقلالهما عن بريطانيا، إذ بدأت رحلة البلدين في طريق الاستقلال عام 1947. وجدير بالذكر أن جُل منطقة جنوب آسيا عاش في ظل الاستعمار البريطاني لنحو 200 سنة، ولكن في غضون 6 أشهر بين أغسطس (آب) 1947 وفبراير (شباط) 1948، كانت أربع من دول جنوب آسيا قد نالت استقلالها بالفعل عن بريطانيا. أيضاً ما يستحق الإشارة أنه عندما انسحب البريطانيون من شبه القارة الهندية لم يتركوا خلفهم دولة واحدة، بل دولتين شابتين؛ الأولى هي باكستان التي كانت تتشكل من جزأين الغرب والشرق لمسلمي شبه القارة الهندية، ودولة أكبر ذات غالبية هندوسية هي الهند التي اختارت في حينه أن تكون ديمقراطية علمانية.

غير أن عام 1971 شهد انفصال شرق باكستان وولادة بنغلاديش فيه، أما الدولتان الأخريان اللتان حصلتا على الاستقلال فهما ميانمار (بورما) في يناير (كانون الثاني) 1948، وسريلانكا (سيلان) في فبراير من العام نفسه. وفي خضم عملية التقسيم الدموية للهند، ذكر المؤرخ ويليام دالريمبل أن أكثر من 15 مليون شخص شُرّدوا، وقُتل أكثر من مليون آخرين في أعمال عنف طائفية مميتة.مع أكثر من 75 سنة في ظل وجودها المستقل، شهدت الهند وباكستان وبنغلاديش وميانمار وسريلانكا من موجات الصعود والهبوط، وكان أداؤها متبايناً على الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

تطوّرت هذه الدول بطرق مختلفة، على أثر بنائها هويات متمايزة. وكمثال، في حين ازدهرت الديمقراطية العلمانية في الهند لفترة طويلة، يحكمها، اليوم، التيار القومي الهندوسي عبر صناديق الاقتراع، بينما تناوب على باكستان أنظمة مدنية وعسكرية منذ الاستقلال، وعاشت تحت الحكم العسكري لمدة 33 سنة. من جهتها، حكم ميانمار مجلس عسكري منذ 51 سنة، مع فترة قصيرة من الديمقراطية الخاضعة لقيود. وأما سريلانكا فظلّت خاضعة إلى حد كبير لحكم قادة مدنيين منتخَبين، وكان لها نصيبها من الانقلابات العسكرية عام 1966، إلا أن المحاولة باءت بالفشل. ومع ذلك يلعب الجيش - الذي يهيمن عليه البوذيون - دوماً دوراً مهماً في الساحة السياسية بالبلاد. وهنا نشير إلى قول المؤرخة الباكستانية عائشة جلال «اللحظة الحاسمة التي لا تشكل بداية ولا نهاية، وهي لحظة التقسيم، لا تزال تؤثر على الكيفية التي تنظر بها شعوب ودول جنوب آسيا في مرحلة ما بعد الاستعمار، إلى ماضيها وحاضرها ومستقبلها».

الهند... الماضي والحاضر

إنديرا غاندي (غيتي)
إنديرا غاندي (غيتي)

عند الاستقلال، بلغ عدد سكان الهند 340 مليون نسمة، وكان معدل معرفة القراءة والكتابة ضئيلاً على نحو مثير للقلق، وقُدّر بـ12 في المائة. لكن خلال العقود السبعة الماضية، ارتفع عدد السكان إلى ما يقرب من 1.4 مليار نسمة، وكذلك ارتفع معدل معرفة القراءة والكتابة إلى 77 في المائة. وبعدما كان الناتج المحلي الإجمالي، عام 1947، 30 مليار دولار فقط، فإنه يبلغ، اليوم، 3.76 تريليون دولار، وتمثل الهند، اليوم، خامس أكبر اقتصاد في العالم.

أيضاً في خانة الإيجابيات، كان متوسط العمر المتوقع في الهند 30 سنة، عندما رحل البريطانيون، لكنه الآن 70 سنة، وكانت أمراض الفقر وسوء التغذية متفشية. وعاش 80 في المائة من السكان في براثن الفقر. أما النمو التكنولوجي والصناعي فكان معدوماً، ما دفع كثرة من المؤرخين لتوقع أن الهند لن تبقى على قيد الحياة. ومع ذلك كانت الأسس الديمقراطية في الهند مستقرة منذ العام الأول. وبحلول نهاية الخمسينيات، خضعت الهند لحكم رئيس وزراء واحد هو جواهر لال نهرو. وفي يناير 1950، أصبحت الهند جمهورية، وأصبح الدستور دين الدولة الذي يوفر المساواة للجميع.

وتبعاً للكاتب الصحافي سليل تريباثي، فإن «أحد الإنجازات الكبرى التي حققتها الهند، والتي فاجأت العالم، أنها ظلت منذ استقلالها من عام 1947 إلى عام 2023، دولة ديمقراطية تتمسك بروحها الليبرالية العلمانية». كذلك ظلت دولة موحّدة، على الرغم من تنوعها الكبير، إذ تضم 22 لغة وطنية، ومناطق وديانات وأعراقاً متعددة، بخلاف بلدان أخرى كالاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا وإثيوبيا وباكستان.

وعند إمعان النظر في تاريخ الهند، يبدو أن الستينات والثمانينات من القرن الماضي كانا أصعب عقدين في تاريخ البلاد، وذلك مع اشتعال ثلاث حروب، خسرت الهند إحداها أمام الصين عام 1962، وانتصرت في أخريين عامي 1965 و1971 أمام باكستان. غير أن الحروب جلبت الجفاف، وأجبرت الهند على طلب مساعدات غذائية من الولايات المتحدة. ومن ثم، بعدما تعلمت الدرس، انطلقت على الفور في «الثورة الخضراء»، التي بموجبها تحوّلت الزراعة في الهند إلى نظام صناعي حديث، وأصبحت البلاد مكتفية ذاتياً في إنتاج الغذاء. وأعقب ذلك «الثورة البيضاء» التي شهدت اعتماد الأساليب الحديثة والعلمية لتعزيز إنتاج الحليب. واليوم، تحتل الهند المرتبة الثانية بين أكبر منتجي الحبوب الغذائية، وهي أكبر منتج للحليب عالمياً.

أيضاً، بفضل الحكومات المستقرة على مر السنين، والتركيز على النمو الاقتصادي، تخلّصت الهند من ثقل ماضيها الاستعماري لتبرز بصفتها قوة عظمى على الساحة العالمية. وجاء التقدم الدراماتيكي مع التغييرات التاريخية في التسعينات التي أطاحت بعقود من السيطرة الاشتراكية على الاقتصاد، وحفّزت نمواً لافتاً. وبالفعل، نجح الملايين من الانتقال من الفقر إلى طبقة متوسطة متنامية وطَموح، مع تنامي القطاعات التي تتطلب مهارات عالية. وتحوّلت البلاد إلى مصدر رئيس لسلع مثل البرمجيات واللقاحات.

مع هذا، ينتقد الصحافي الكبير سي. راجا موهان، تحوّل الهند من كيان يؤمن بالتنوّع إلى كيان يقوم على استبداد الغالبية. ويوضح ذلك بالقول: «لقد غيّرت السنوات التسع من حكم حزب بهاراتيا جاناتا، روح الحكم في الهند... وما تعنيه (فكرة الهند)، اليوم. الروح العلمانية الليبرالية في الهند تتوارى عن الأنظار على نحو متزايد، وبدلاً من أن يكون مجتمعها مجتمعاً تعددياً في كل شيء، ويحتفل بتنوعه، أضحى كياناً يقوم على استبداد الغالبية، يخشى أقلياته ويحرص على إخضاعها. إن حكومة (ناريندرا) مودي تعمل على تحويل الهند إلى دولة هندوسية أكثر حزماً وقومية، وحيث توجد أقليات... ينتظر منها أن تكون خاضعة وممتنة».

أيضاً، لا بد من الإشارة إلى أن الديمقراطية لم تحُل دون العنف السياسي والتوتر الإثني، وحتى الأحكام العرفية (حالة الطوارئ)، إذ دُشّن استقلال الهند باغتيال زعيمها الأبرز المهاتما غاندي (1948)، كذلك اغتيل رئيسا حكومتين هما إنديرا غاندي (1984)، وابنها راجيف غاندي (1991)، الأولى على أثر أزمة تتصل بأقلية السيخ، والثاني بسبب الأقلية التاميلية.

سجل أداء باكستان

عرض عسكري للجيش الباكستاني (أ.ف.ب)
عرض عسكري للجيش الباكستاني (أ.ف.ب)

فيما يتعلق بباكستان، كانت السنوات الـ76 الماضية مفعمة بالتحديات والمكافآت والإنجازات واللحظات المثيرة. واليوم، تحتفل البلاد بالذكرى السادسة والسبعين لاستقلالها في بيئة تشوبها توترات سياسية وهشاشة اقتصادية، ذلك أن باكستان تواجه راهناً تحديات متعددة ومترابطة ظلت، على مر عقود، يغذي ويعزز بعضها البعض في دورة متواصلة. ومنذ عام 1947، تناوب على حكم باكستان أنظمة مدنية وعسكرية، ديمقراطية واستبدادية، وعانت من الاغتيالات والانقلابات، ناهيك عن انفصال شرقها ذي الغالبية البنغالية عن غربها ذي الغالبية البنجابية. ثم إنه عندما نالت باكستان استقلالها من الحكم الاستعماري البريطاني، كان عدد السكان 33 مليون نسمة. أما اليوم فيبلغ نحو 225 مليون نسمة، حتى بعد انفصال بنغلاديش.

وربما لا يعرف كثيرون أن باكستان، إبان العقود القليلة الأولى من استقلالها، كانت «النمر الاقتصادي» في آسيا، وكانت متقدمة بفارق كبير عن الهند، ونموذجاً يُحتذى به لعدد من الدول المتقدمة، اليوم. وخلال ستينات القرن الماضي، كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في باكستان أعلى من نظيره في الهند، إذ تسارعت وتيرة النمو في باكستان إلى نحو 6 في المائة، خلال الفترة بين عام 1961 والسبعينات. وبجانب ذلك، حصلت باكستان على دعم بمليارات الدولارات من المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تبرعات من دول الشرق الأوسط الغنية، إلا أن وتيرة النمو فيها توقفت بعد الانفصال الذي ولَّد دولة بنغلاديش. وراهناً ترزح باكستان تحت وطأة ظروف سياسية دفعتها إلى حافة أسوأ أزمة اقتصادية على الإطلاق، كما أنها استنفدت احتياطياتها من النقد الأجنبي.

من جهة أخرى، لا يزال الجيش يحتل مكانة مهمة في باكستان. وهنا يقول الكاتب الباكستاني أمير جمال: «بعد أكثر من سبعة عقود، السلطة الحقيقية في باكستان لا تقع بأيدي مكتب رئيس الوزراء والبرلمان، بل في أيدي العسكريين والأصوليين الدينيين». ويعرب جمال عن اعتقاده بأن باكستان تمر، اليوم، بواحدة من أسوأ الأزمات السياسية والدستورية والاقتصادية في تاريخها. ويشرح: «عملياً، أصبح البرلمان قليل الأهمية، وانقسمت النخبة السياسية على نفسها، في حين يواجه النظام القضائي انهياراً، وتظل آلاف القضايا معلَّقة في المحاكم. وتشمل التحديات الأخرى الأزمة الهيكلية للاقتصاد، وتآكل القدرة المؤسسية للدولة، واستمرار العجز التعليمي، والنمو السكاني غير المنضبط، والتغييرات المناخية. لا ننسى التحديات الأمنية كذلك في ظل الاضطراب في أفغانستان على الحدود الغربية، والعداء مع الهند؛ الجارة الشرقية للبلاد».

وفي الحصيلة، كتبت الدبلوماسية الباكستانية السابقة مليحة لودهي: «المسألة ليست في افتقار باكستان للإنجازات، بل على العكس، إذ كانت الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك الطاقة النووية بين 57 دولة تمتلك أسلحة نووية، وكان لها دور فعال في تأسيس اللجنة الأولمبية الدولية. إلا أن اللحظة الراهنة تستدعي التأمل والتفكير في المستقبل... فمن ناحية نجت باكستان من كثير من العواصف والأزمات في الماضي، ولم تكن مرونتها موضع شك على الإطلاق، ما مكّنها من التغلب على مشاكلها في ذلك الوقت، إلا أن التحديات الحالية تختلف جوهرياً، إنها النتيجة التراكمية لعقود من سوء الإدارة وإهدار الفرص. وما عاد ممكناً، اليوم، تجاهل هذه المشاكل وتنحيتها جانباً، بل يجب معالجة كل هذه الأمور في وقت واحد، إذا أرادت باكستان المُضي قدماً والشروع في طريق الاستقرارين الاقتصادي والسياسي، والازدهار لشعبها».

سريلانكا... من الازدهار إلى «الدولة الفاشلة»

من مزارع الشاي في سريلانكا
من مزارع الشاي في سريلانكا

خلافاً لبلدان أخرى في جنوب آسيا، حيث كان الطريق إلى الاستقلال مليئاً بالعنف، جاء استقلال سريلانكا (سيلان سابقاً) عن البريطانيين سلمياً، من دون إراقة دماء في غضون أشهر قليلة بعد ولادة الهند وباكستان الحديثتين في 4 فبراير (شباط) 1948. وظلت البلاد «دومينيوناً» تابعة للإمبراطورية البريطانية حتى عام 1972، وبعد ذلك حصلت على وضع الجمهورية. ثم جعل دستور عام 1978 رئيس الدولة الرئيس التنفيذي الفعلي.

ورثت حكومة البلاد الأولى اقتصاداً مزدهراً، مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة، يعتمد بشكل رئيسي على مزارع الشاي. إلا أن حالة السلام الاجتماعي والسياسي لم تطُل بعد ذلك، عندما واجهت الدولة أول تمرد للتاميل عام 1972 من قِبل جبهة نمور تحرير تاميل إيلام. وهنا يشرح جاياديفا أويانجودا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كولومبو: «لقد أمضت البلاد منذ استقلالها جزءاً كبيراً من تاريخها في حرب مع نفسها، بما في ذلك التمرد الانفصالي للتاميل الذي استمر لعقود وأسفر عن مقتل ما يصل إلى 100.000 شخص، وهذا بجانب موجتي تمرد شيوعيتين مميتتين». ويضيف: «وبحلول عام 2019، انتهت الحرب الأهلية، لكن سريلانكا المستقلة فشلت في لحم المجتمعات العِرقية والدينية المتنوعة لتشكيل دولة تعددية موحدة. والواضح أن الأحزاب السياسية الرئيسية والأُسر الخمس التي أدارت البلاد منذ الاستقلال تتحمل مسؤولية الفشل، علاوة على مسؤوليتها عن انعدام الأمن الاقتصادي والفساد والهدر وسوء الإدارة الذي ساد على نحو متزايد في سريلانكا المستقلة».

وبالفعل، بعد 75 سنة من الاستقلال، لا تزال سريلانكا تعاني حالة صراع دائم وأزمة اقتصادية غير مسبوقة ضربت البلاد بشدة منذ عقود. ولقد أعلنت الحكومة السريلانكية عام 2022 إفلاسها ـ وهذا وضع نادر جداً لأية دولة في العالم - والاقتصاد في حالة يُرثى لها. وتكافح الزراعة الفلاحية والصناعات الصغيرة والمتوسطة من أجل البقاء، بينما أغلق بعضها أبوابها بالفعل. أما قطاع السياحة ففي أدنى مستوياته على الإطلاق. وتعمل الصناعات الكبيرة على خفض عدد الموظفين. وعام 2022، بعد أشهر من الكارثة الاقتصادية، خرج السريلانكيون إلى الشوارع، واحتجّوا على قادة البلاد (آنذاك) بسبب سوء إدارتهم، وأدت التظاهرات التي عمّت البلاد في النهاية إلى الإطاحة بغوتابايا راجاباكسا الذي قدَّم استقالته في المنفى.

ختاماً، رغم تمتع سريلانكا بمؤشرات اجتماعية تُحسَد عليها وقت الاستقلال عام 1948، فهي، اليوم، تُعدّ «دولة فاشلة»، إذ قالت الرئيسة السابقة تشاندريكا باندارانايكه كوماراتونغا، أخيراً، في محاضرة لها: «إن 75 سنة فترة طويلة لتحقق الأمة تقدماً كبيراً. وحتى بعد 450 سنة من التدمير على أيدي الحكام الاستعماريين، كانت سريلانكا عند الاستقلال تمتلك بعض أفضل المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية... أما اليوم، بعد 75 سنة، فغدت سريلانكا دولة فاشلة». وفي محاولة لتحديد «الأسباب الجذرية» لهذا الفشل، قالت الرئيسة السابقة (التي خلفت في الزعامة والديها سولومون وسيريمافو باندارانايكه) إنه بينما تعمل البلاد بوصفها اقتصاداً حديثاً وناشئاً مالياً، «صار الفساد المنتشر على كل المستويات إنجيل السياسة السريلانكية... وتسرَّب إلى الركائز الأساسية للحكم الديمقراطي، بما في ذلك القضاء والشرطة والخدمة العامة».

بداية ديمقراطية انتهت لمصلحة الجنرالات

معاناة الروهينغا في ميانمار (غيتي)
معاناة الروهينغا في ميانمار (غيتي)

حصلت ميانمار، المعروفة سابقاً باسم بورما، على استقلالها عن الحكم الاستعماري البريطاني يوم 4 يناير (كانون الثاني) 1948، بعد معركة طويلة قادها الجنرال أونغ سان، والد أونغ سان سو تشي الحائزة على جائزة نوبل. بدأت البلاد مسيرتها ديمقراطية برلمانية، مثل معظم جيرانها المستقلّين حديثاً في شبه القارة الهندية. لكن مع ذلك، انتهت إلى الديمقراطية التمثيلية عام 1962 عندما استولى الانقلاب العسكري على السلطة وحكموا لمدة 26 سنة.

أوضح شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «برينت»، أن ميانمار عانت، طوال عقود من استقلالها، من الحكم العسكري والحرب الأهلية وسوء الإدارة والفقر على نطاق واسع. كذلك قمع الجيش كل أطياف المعارضة تقريباً، واتهم بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، مما أثار إدانات دولية واسعة وعقوبات. والمثير للاهتمام بشأن ميانمار أنها تشبه، إلى حد كبير، باكستان من حيث تاريخها السياسي منذ الحرب العالمية الثانية. فمثل باكستان، شهدت ميانمار فترة من الديمقراطية من عام 1948 إلى عام 1962. وبعدها بدأ الجيش ممارسة الحكم عام 1962، وامتد ذلك حتى عام 2011 عندما أُجريت أول انتخابات نزيهة، وفاز حزب أونغ سان سو تشي بالانتخابات. وأردف غوبتا: «الجيش قبِل نوعاً ما بالديمقراطية بسبب الضغوط العالمية».

في عام 2015، فازت أونغ سان سو تشي بالانتخابات مرة أخرى بغالبية أكبر. ومع ذلك، رغم نتائج الانتخابات والدستور الجديد، فإن ميانمار لم ترْقَ حتى لـ«نصف ديمقراطية». وهنا علّق غوبتا قائلاً إن القوات المسلَّحة مُنحت، بموجب الدستور، موقعاً في السياسة الوطنية. وشمل ذلك ضمان 25 في المائة من مقاعد البرلمان الوطني، البالغ عددها 644 مقعداً. أما الرئيسة أونغ سان سو تشي فقد أبعدت عن منصبها بسبب نص دستوري وضعه الجيش (ربما كان موجهاً خصوصاً إليها؛ كونها متزوجة من الباحث البريطاني ألكسندر أريس) ينص على أن أي شخص يتزوج أجنبياً لا يحق له تولي الرئاسة. وفي فبراير 2021، بعد تعرض الحزب الوكيل للجيش، حزب «اتحاد التضامن والتنمية» لنكسة كبرى، نفّذ الجيش انقلاباً جديداً، واعتقل الرئيسة واتهمها بالفساد وجرائم أخرى، وحُكم عليها بالسجن لأكثر من 30 سنة. كما صدرت قرارات بوضع برلمانيين من حزبها «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية» وأحزاب أخرى، وكثير من الناشطين، قيد الإقامة الجبرية.

في هذا الصدد، قال البروفيسور أميت أتشايارا، مؤلف كتاب «الأمة المأساوية بورما - كيف ولماذا فشلت الديمقراطية»، شارحاً: «أحبطت الطريق إلى الديمقراطية والتنمية مراراً وتكراراً من قِبل الجيش المفترس والمجتمع الدولي اللامبالي. وأدى الانقلاب إلى اضطرابات اقتصادية، الأمر الذي محا المكاسب المتواضعة التي تحققت في الحد من الفقر على مدى العقد الماضي. وانكمش الاقتصاد بنحو 20 في المائة عام 2021. واليوم، يواجه الملايين الجوع، كما فرّ عشرات الآلاف إلى أجزاء أخرى من ميانمار أو عبر الحدود. وبسبب الانقلاب، تحولت ميانمار إلى دولة فاشلة». أما الناشط الحقوقي كياو وين الميانماري فقال «إن استقلال ميانمار يشبه جسداً بلا روح». وبعد مرور 75 سنة على استقلال ميانمار، لا تزال الأقليات «تناضل من أجل حرياتها... إنه جسد نتمتع فيه بالحرية اسماً، لكن ليست لدينا أي حريات ذات معنى حقيقي. لقد واجه مسلمو الروهينجيا التطهير العِرقي، ولم يحصلوا حتى على أي من حقوق المواطنة».



سياسات مصر السكانية تحقّق اختراقاً نادراً

مصريون في أحد الأسواق بالقاهرة (الشرق الأوسط)
مصريون في أحد الأسواق بالقاهرة (الشرق الأوسط)
TT
20

سياسات مصر السكانية تحقّق اختراقاً نادراً

مصريون في أحد الأسواق بالقاهرة (الشرق الأوسط)
مصريون في أحد الأسواق بالقاهرة (الشرق الأوسط)

بعد نحو ستة عقود من الجهود والمساعي الحثيثة لمواجهة الأزمة السكانية، يبدو أن سياسات مصر في هذا الصدد بدأت تؤتي ثمارها، محققة اختراقاً نادراً يتمثل بتراجع معدل المواليد؛ ما ينبئ بإمكانية الوصول إلى المستهدفات بحلول عام 2030. جاء هذا الاختراق مقترناً بما أعلنه نائب رئيس الوزراء المصري ووزير الصحة الدكتور خالد عبد الغفار، أخيراً، عن «تسجيل أقل معدل نمو سكاني في البلاد خلال الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بالربع الأول من 2024 وكذلك عام 2023، في استمرار لانخفاض معدلات الزيادة السكانية على مستوى ربوع البلاد». وهو ما عدَّه وزير الصحة «إنجازاً يعكس نجاح الجهود الحكومية المبذولة لتحقيق التوازن بين النمو السكاني والتنمية المستدامة».

وزير الصحة المصري في جولة داخل أحد المستشفيات (أرشيفية - وزارة الصحة المصرية)
وزير الصحة المصري في جولة داخل أحد المستشفيات (أرشيفية - وزارة الصحة المصرية)

تراجع نمو معدل المواليد لا يعني بالضرورة تراجع عدد السكان أو ثباته. وفيما يخص مصر، فإنها لم تصل بعد إلى نسبة التوازن المستهدفة، التي يتساوى فيها معدل المواليد مع معدل الوفيات أو ما يعرف بـ«السكون السكاني».

ووفق ما أعلنه وزير الصحة المصري، الدكتور خالد عبد الغفار، بلغ عدد السكان في أول يناير (كانون الثاني) 2023 نحو 104.4 مليون نسمة، وارتفع إلى 107.2 مليون نسمة في أول يناير 2025؛ ما يعني أن متوسط معدل النمو السنوي خلال تلك الفترة بلغ نحو 1.34 في المائة، مقارنة بمعدل 1.4 في المائة عام 2024، و1.6 في المائة خلال عام 2023، مشيراً إلى أن ذلك يعكس «تحولاً إيجابياً نتيجة للسياسات السكانية التي تنفذها الدولة».

عدد سكان مصر بلغ عام 1897 نحو 9.7 مليون نسمة، لكنه تزايد تدريجياً حتى أضحت قضية الزيادة السكانية واحدة من القضايا المدرجة على أجندة الدولة المصرية منذ الستينات من القرن الماضي. وبالفعل، أسّس «المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة» عام 1965. وفي منتصف الثمانينات أُسّس «المجلس القومي للسكان». ومن ثم تواصلت الجهود للحد من الزيادة السكانية، وكان الحدث الأبرز عام 1994 استضافة مصر مؤتمراً دولياً عن السكان والتنمية، لتتخذ الجهود منحًى آخر أكثر كثافةً ترافق مع حملات إعلامية بشعارات لافتة من قبيل «قبل ما نزيد مولود نتأكد أن حقه علينا موجود».

مؤشر إيجابي

لعقود طويلة دفعت الزيادة السكانية إلى اختناق المدن المصرية، والتهمت موارد الدولة وجهود التنمية، وسط شكاوى حكومية مستمرة من نقص الموارد الكافية للزيادة السكانية.

وسبق أن حذّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مراراً من النمو السكاني، وعدّه «أكبر خطر يواجه مصر في تاريخها». وفي سبتمبر (أيلول) 2023، أثناء افتتاحه «المؤتمر العالمي الأول للسكان والصحة والتنمية»، قال: «يجب أن يتم تنظيم الإنجاب، وإن لم يتم تنظيمه، فإنه يمكن أن يتسبّب في (كارثة) للبلد».

وأشار السيسي إلى مخاطر النمو السكاني على جهود التنمية، فقال في نهاية عام 2022 إن «النمو السكاني سيأكل البلد». وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2021 قال إن «استمرار النمو بالمعدلات الحالية يعرقل جهود التنمية». وما يذكر أنه عام 2017 عدَّ السيسي «الإرهاب والزيادة السكانية أكبر خطرين يواجهان البلاد».

الآن يبدو أن التحذيرات والجهود بدأت تؤتي ثمارها. ورأى الدكتور مجدي خالد، المدير السابق لصندوق الأمم المتحدة للسكان وعضو «اللجنة الاستشارية العليا» لتنظيم الأسرة بوزارة الصحة المصرية، في انخفاض معدل المواليد «نتاجاً للسياسات التي تضمنتها الاستراتيجية القومية للسكان». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الانخفاض ليس مفاجئاً ولا عشوائياً، وهو مستمر منذ ثلاث سنوات إثر تدخلات فاعلة تمت خلال السنوات العشر الأخيرة».

وبينما اتفق مقرّر المجلس القومي للسكان السابق، الدكتور عاطف الشيتاني، مع هذا الرأي، فإنه رأى خلال حوار مع «الشرق الأوسط» تراجع معدل المواليد إشارة جيدة وثمرة لجهود مستمرة منذ الستينات، وأردف: «هناك حقائق عدة لا بد من التعامل معها في هذا المجال في إطار خطة استراتيجية لمواجهة الأزمة بنهاية عام 2030».

وأوضح الشيتاني أن «الدولة تسعى للوصول لمرحلة التوازن السكاني، أي زيادة سكانية صفر، بتساوي معدل الوفيات ومعدل المواليد»، مشيراً إلى أن معدل المواليد حالياً يقترب من مليونين سنوياً، في حين يبلغ معدل الوفيات 600 ألف سنوياً.

وفي يناير الماضي، أعلن «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء» في مصر أنه «للمرة الأولى منذ عام 2007 لم تتجاوز أعداد المواليد حاجز المليونين»، لافتاً إلى أن عدد المواليد خلال عام 2024 بلغ مليوناً و968 ألف مولود، مقارنة بمليونين و45 ألف مولود عام 2023، في حين بلغ عدد الوفيات 610 آلاف شخص خلال عام 2024، مقارنة بـ583 ألفاً خلال عام 2023.

هذا، وساهمت الحملات المستمرة في انخفاض معدل المواليد سنوياً، قبل أن يعود للارتفاع عام 2014؛ ما دفع إلى تكثيف الجهود مرة أخرى، وفق الشيتاني الذي يرى أن «حركة السكان وسلوكهم الإنجابي لا يمكن تعديلهما في يوم وليلة، فهما مؤشران ثقيلان يحتاجان إلى عقود من الجهد».

وعقب أحداث عام 2011 في مصر، قفز معدل المواليد عام 2012 إلى نحو 32 مولوداً لكل ألف مواطن، وشهد عام 2014 أكبر معدل للمواليد 2014، وبلغ مليونين و720 ألف مولود، قبل أن يعاود الرقم الانخفاض تدريجياً في الأعوام التالية، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

الحذر مطلوب

مع هذا، ورغم أن انخفاض معدل المواليد مؤشر إيجابي، يطالب الشيتاني بالحذر في التعامل مع الأرقام ربع السنوية، وانتظار البيانات الرسمية لنهاية العام، لا سيما وأن معدل المواليد موسمي وربما يزيد في فصل الصيف. ويشرح: «هناك مؤشرات أخرى لا بد من وضعها في الحسبان، من بينها معدل الإنجاب. والدولة تسعى لمعدل إنجاب بمتوسط طفلين لكل سيدة بحلول 2028، في حين يصل المعدل الحالي إلى 2.8 طفل لكل سيدة».

ويلفت الشيتاني إلى نتائج المسح السكاني الصحي لعام 2021، التي أظهرت أن معدل استخدام وسائل تنظيم الأسرة لا يتجاوز 67 في المائة، في حين المستهدف 74 في المائة، وذلك مع أن 20 في المائة من المواليد خلال السنوات الخمس السابقة للمسح الصحي كانوا «غير مخطط لهم». وهذا – وفق الشيتاني – يعني أن «هناك نقصاً في المعلومات، ثم إن الوصول لوسائل تنظيم الأسرة يتطلب جهوداً مكثفة في هذا الإطار».

في سياق موازٍ، بحسب دراسة الجدوى الاقتصادية لإنهاء الحاجة غير الملباة لتنظيم الأسرة في مصر، التي أطلقها «معهد التخطيط القومي» و«صندوق الأمم المتحدة للسكان» في أبريل (نيسان) 2024، تحتاج برامج تنظيم الأسرة إلى استثمار إجمالي قدره 11.1 مليار جنيه (الدولار يساوي 50.9 جنيه في البنوك المصرية)؛ وذلك لتقليل الحاجة غير الملباة لتنظيم الأسرة في مصر لتصل إلى 8.6 في المائة بحلول 2030 وتجنب مليون و400 حالة حمل غير مرغوب فيها.

هذا، ويهدف «البرنامج القومي لتنظيم الأسرة» إلى «تحقيق التنمية الاجتماعية الشاملة للأسر المستفيدة من برنامج (تكافُل) من خلال رفع وعي الأسر المستهدفة وتطوير عيادات تنظيم الأسرة بتكلفة 1.2 مليار جنيه، وتقديم خدمات ووسائل تنظيم الأسرة بالمدن والقرى على مستوى الجمهورية، خصوصاً المناطق النائية والمحرومة، ضمن مبادرة رئيس الجمهورية (حياة كريمة) لرفع معدلات استخدام وسائل تنظيم الأسرة وخفض معدلات الزيادة السكانية».

ويضاف إلى هذا «توقيع الكشف الطبي، وصرف وسائل تنظيم الأسرة وبخاصة الوسائل الطويلة المفعول، والأدوية بالمجان عن طريق اختصاصيي تنظيم الأسرة والنساء والتوليد في العيادات الثابتة والمتنقلة، والمراكز الحضرية، والمستشفيات العامة والمركزية ومراكز رعاية الأمومة والطفولة»، بحسب موقع الرئاسة المصرية.

من جهة أخرى، رغم المؤشرات الإيجابية، يؤكد المدير السابق لـ«صندوق الأمم المتحدة للسكان» أن «تحقيق المستهدفات يتطلب المزيد من الجهد ودراسة الأسباب التي دفعت إلى انخفاض معدل المواليد في محافظات معينة في حين يرتفع في أخرى، ومحاولة تكرار التجربة». وللعلم، سجلت محافظة بورسعيد (بشمال مصر) أدنى معدل نمو سكاني في البلاد بنسبة 0.61 في المائة؛ ما يجعلها أول محافظة تحقق «شبه سكون سكاني».

في المقابل، يمثل إقليم الوجه القبلي (صعيد مصر) أكبر نسبة مواليد؛ إذ بلغت 45 في المائة، مع أنه يشكل 39 في المائة من تعداد السكان، «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء» بداية العام الحالي. وبيّن «الجهاز» أن محافظات بورسعيد ودمياط والدقهلية والغربية والسويس كانت أقل المحافظات من حيث معدل المواليد لعامي 2024 و2023.

بنايات في القاهرة (تصوير عبد الفتاح فرج)
بنايات في القاهرة (تصوير عبد الفتاح فرج)

المرأة هي البطل

على الجانب الآخر صرّح الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، لـ«الشرق الأوسط» بأن التراجع في معدلات المواليد «مرتبط بتغيرات مجتمعية تتعلق بزيادة مستوى التعليم، ونسب عمل المرأة، وتراجع سن الزواج، إضافة إلى تراجع الأوضاع الاقتصادية... وصحيح أن الدولة وضعت سياسات وخططاً ونظَّمت حملات إعلامية ووفرت وسائل تنظيم الأسرة، لكن العامل الفاعل والبطل في إحداث تغيير كان المرأة وزيادة وعيها العلمي والاقتصادي والمجتمعي».

ما سبق عوامل لم ينكرها المتخصصون في السكان، لكن الشيتاني وخالد يعتقدان أن إثبات دور العوامل المجتمعية من تعليم وأوضاع اقتصادية يحتاج إلى دراسات. وأكدا أن الحقائق تقول إن هناك سياسات حكومية لمكافحة الزيادة السكانية، وهناك تراجع في معدل المواليد بالأرقام، أي عوامل أخرى تحتاج لدراسة».

وكانت الدكتورة عبلة الألفي، نائب وزير الصحة لتنمية الأسرة والمشرفة على «المجلس القومي للسكان»، قد أكدت في تصريحات صحافية أخيراً أن «التراجع الحالي في معدل النمو السكاني جاء نتيجة لتحوّل ثقافي مستقر، وليس تأثيراً ظرفياً ناتجاً من ظروف اقتصادية».

حقائق

الفن والإعلام شاركا في المحاولات الحكومية للتوعية

> وسط تحذيرات متكررة من مخاطر الزيادة السكانية في مصر، وتزامناً مع جهود وسياسات حكومية لخفض معدل الولادات، لعب الإعلام دوراً مهماً، عبر حملات إعلانية وأعمال درامية ناقشت الظاهرة، وحاولت التحذير من مخاطرها، بعضها حفر طريقه في ذاكرة المصريين. وكانت أغنية «حسنين ومحمدين... زينة الشباب الاتنين» التي أدتها الفنانة فاطمة عيد في الثمانينات واحدة من أبرز الحملات الإعلامية في هذا الإطار، عبر التركيز على الفرق بين رجلين أحدهما أنجب 7 أطفال والآخر اكتفى بطفلين. أيضاً قدمت فاطمة عيد في الفترة نفسها إعلان «الست شلبية»، وهو إعلان رسوم متحرّكة يحث النساء على التوجه إلى عيادات تنظيم الأسرة. واعتمدت الحملات الإعلانية على نجوم الفن، وشاركت الفنانة كريمة مختار في إعلانات عدة لتوعية المرأة بأهمية تنظيم الأسرة خلال حقبتي الثمانينات والتسعينات. وتوالت بعد ذلك الحملات الإعلانية، التي ركّز بعضها على الرجل ودوره، كالحملة التي شارك فيها الفنان المصري أحمد ماهر ورفعت شعار «الراجل مش بس بكلمته... الراجل برعايته لبيته وأسرته». أو حملات ركزت على المرأة مثل «بالخلفة الكتير... يتهد حيلك وجوزك يروح لغيرك». وأخرى حاولت التأكيد على أهمية الصحة معتمدة شعار «مش بالكترة بنات وبنين... لاء بالصحة وبالتنظيم». وأخرى للترويج لوسائل تنظيم الأسرة «اسأل... استشير». ولم يقتصر الأمر على الإعلانات، بل امتد إلى الدراما التلفزيونية والسينمائية، وربما من أشهر تلك الأعمال فيلم «أفواه وأرانب» من بطولة فاتن حمامة ومحمود ياسين 1977، وفيلم «الحفيد» بطولة عبد المنعم مدبولي وكريمة مختار 1974. وتناولت بعض الأفلام تأثير زيادة الإنجاب على الأوضاع الاقتصادية، مثل فيلم «لا تسألني من أنا»، بطولة شادية عام 1984، وفيه باعت البطلة إحدى بناتها لتنفق على باقي أسرتها. وغيرها الكثير من الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي حاولت طرح القضية من زوايا عدة بشكل مباشر أو غير مباشر. وبينما حظيت بعض الأعمال الفنية سواء إعلانات أو دراما بإعجاب الجمهور، فإن أخرى لم تلق استحساناً، مثل إعلان «أبو شنب» عام 2019، الذي جسّد فيه الفنان المصري أكرم حسني شخصية صعيدية بصبغة كوميدية، في إطار حملة توعوية أطلقتها وزارة التضامن الاجتماعي لمكافحة الزيادة السكانية تحت عنوان «2 كفاية» واختارت لها شعار «السند مش في العدد». إذ أثارت الحملة يومذاك انتقادات عدّة، وعدّها البعض تشويهاً لمنطقة الصعيد (جنوب مصر).