«بريكس»... وجهة الحالمين بـ«تغيير العالم»

التجمع يتمدّد بهدوء من أجل «التعددية القطبية» وتوسيعه يعزّز حضوره

من قمة «بريكس» الأخيرة في جوهانسبرغ (إ.ب.أ)
من قمة «بريكس» الأخيرة في جوهانسبرغ (إ.ب.أ)
TT

«بريكس»... وجهة الحالمين بـ«تغيير العالم»

من قمة «بريكس» الأخيرة في جوهانسبرغ (إ.ب.أ)
من قمة «بريكس» الأخيرة في جوهانسبرغ (إ.ب.أ)

«إننا جميعاً متفقون على تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب يكون عادلاً بحق». بهذه الكلمات خاطب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القمة الـ15 لتجمع دول «بريكس»، التي اختتمت أعمالها أخيراً في مدينة جوهانسبرغ الجنوب أفريقية. ولقد بدا بوضوح الهدف من كلمة الرئيس الروسي، الذي خاطب القمة عبر الفيديو، خشية إلقاء القبض عليه بموجب مذكرة توقيف صادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية على خلفية الحرب في أوكرانيا، ألا وهو تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب.

تكرر التعبير عن هدف «التعددية القطبية» بمفردات ولغات متنوعة على ألسنة قادة التجمع في قمة «بريكس» التاريخية الأخيرة في جوهانسبرغ، التي ربما كانت التدشين العملي للمكانة العالمية للتجمع، ليس باعتباره تجمعاً اقتصادياً ناجحاً فحسب، بل بقدرته أيضاً على اجتذاب الحالمين بـ«عالم جديد» والمشاركة في قيادة العالم، الذي يبدو التغيّر قاعدته الأكثر ثباتاً.

أكثر من هذا، ربما تؤكد اختيارات الدول الست المدعوة للانضمام إلى «بريكس» مطلع العام المقبل، وهي «المملكة العربية السعودية ومصر ودولة الإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا وإيران والأرجنتين»، التوجه اللافت لدى قادة التجمع لتحويل التجمع من مجرد تكتل فاعل اقتصادياً، إلى كيان مؤثر سياسياً واستراتيجياً في تشكيل ملامح نظام دولي جديد.

الباحث أوليفر ستونكل، يقول في كتابه «بريكس ومستقبل النظام العالمي» (نشر عام 2015)، الذي يعدّه كثير من الباحثين أفضل ما كُتب حتى الآن لتحليل تجمع «بريكس»، إن «بريكس» أكبر من أن يكون مجرّد تجمع اقتصادي أو نادٍ لاقتصادات ناشئة.

ويؤكد الباحث الألماني - البرازيلي أن البُعد السياسي ظاهر في تأسيس التجمع منذ اللحظة الأولى، بل يعدّه «قوة قادرة على إنشاء نظام دولي موازٍ، أو تقديم بدائل للمؤسسات الاقتصادية العالمية والعملات الأكثر هيمنة على المعاملات الدولية».

قد لا تكون هذه الرؤية بهذا الوضوح لدى كثرة من المراقبين عند تأسيس «بريكس» قبل 14 سنة، بل إن التجمع لم يكن بتلك الجاذبية التي يحظى بها اليوم، وخاصة عقب توسيع العضوية، ذلك أن الأزمات التي عاشها العالم خلال السنوات القليلة الماضية جعلت «بريكس» محط أنظار كثير من دول العالم، ليس تلك الراغبة في تعزيز علاقاتها مع مجموعة من أسرع البلدان نمواً فقط، بل الساعية أيضاً إلى بناء نظام دولي مغاير لما عهده العالم على مدى أكثر من 3 عقود، بقيادة أميركية منفردة. ومعلوم أن هذه الحالة لطالما اقترنت بتنظيرات حول «نهاية التاريخ» و«صدام الحضارات»، في حين يقدم «بريكس» - على الأقل حتى الآن - صورة تبدو مختلفة وتبشر بإمكانية «إعادة إحياء التاريخ»، عبر «تعاون» الحضارات، لا صراعها.

جاذبية عالمية

يواجه تجمع «بريكس» منذ تأسيسه نظرة متفاوتة تصل إلى حد التطرف في تقييمه. إذ «يستهين» البعض، وخاصة في الغرب، بقدرته على تقديم بديل عالمي لنظام «الأحادية القطبية» الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، التي لن تسمح بسهولة بمنافستها أو محاولة مشاركتها قيادة العالم.

وفي المقابل، «يهوّل» آخرون في توقعهم ما يمكن أن يقدمه التجمع لبناء عالم متعدد الأقطاب، ويروّج أنصار هذه الرؤية تعابير لا تخلو من «رومانسية» أحياناً، حول انتفاضة «الجنوب العالمي»، متجاهلين كثيراً من حقائق الواقع بشأن الهيمنة السياسية والاقتصادية التي لا تزال تتمتع بها دول «الشمال».

لكن بعيداً عن الاستهانة والتهويل، تبقى الحقيقة التي يعترف بها الباحثون الغربيون أنفسهم هي أن الـ«بريكس» بات أكثر بريقاً مما كان متوقعاً، وأنه غدا عاملاً مهماً في صياغة مستقبل العالم، ليس بما يضمه من «دول مؤسسة» (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) فقط، بل بما ينتظره بعد توسيع العضوية أيضاً. وهنا تبرز دعوة دول ذات تأثير اقتصادي وسياسي لافت في أقاليم عدة عبر العالم، في مقدمها السعودية والإمارات ومصر في منطقة الشرق الأوسط والفضاءين الآسيوي والأفريقي. هذا مع وجود لائحة انتظار طويلة، تضم دولاً أخرى لا تزال تترقب دعوتها، كثير منها يبدو متحمساً لتجاوز «أسيِجة الهيمنة الأميركية».

قراءات غربية

وزير الخارجية سيرغي لافروف مثّل روسيا في غياب فلاديمير بوتين (رويترز)

من ناحية أخرى، تبرز قراءة تحولات النظرة الغربية نحو «بريكس» حجم ما بات يتمتع به التجمع من تأثير. إذ رأى مارتن وولف، كاتب العمود في صحيفة الـ«فاينانشيال تايمز»، عام 2011، أي بعد سنتين من انعقاد قمة «بريكس» الأولى، أن دول التجمع «ليست مجموعة» و«ليس لديها أي شيء مشترك في الأساس»، مستنداً إلى أن هناك كثيراً من التباينات بين أعضاء التجمع المؤسسين. إذ اعتبر أن الصين وروسيا دولتان «شموليتان»، بينما كل من البرازيل والهند وجنوب أفريقيا دول «ديمقراطية». وبعكس بقية أعضاء «بريكس»، لا تمتلك البرازيل وجنوب أفريقيا أسلحة نووية، فضلاً عن وجود صراع حدودي حاد بين الصين والهند، حيث يندلع القتال مراراً وتكراراً بين العملاقين الآسيويين.

في المقابل، تغيّرت هذه النظرة مع اتساع رقعة نفوذ دول «بريكس»، على وقع الأزمات الدولية الراهنة، وتنامي جاذبية التجمع لدى كثير من دول العالم. وهذا ما يعترف به الباحثان ثورستن بينر وأوليفر ستونكل (من المعهد الدولي للسياسات العامة في برلين) في تحليل منشور مطلع شهر أغسطس (آب) الماضي، إذ يريان أن «الجاذبية» التي بات يتمتع بها «بريكس» لدى كثير من دول العالم «يجب أن تثير انتباه دول الغرب، وتدفعها إلى تقديم تحولات في نهج تعاملها على الساحة الدولية». ويلفت الباحثان إلى أن هذه الجاذبية تمثِّل «حجباً للثقة عن النظام الدولي الحالي»، وإلى أنه «يتوجّب على ألمانيا وأوروبا طرح عروض جادة للإصلاح، منها امتناع القارة عن تعيين رئيس صندوق النقد الدولي تلقائياً، والعمل بدلاً من ذلك من أجل تمثيل أفضل لأفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا في مجلس الأمن ومؤسسات الأمم المتحدة، بل تقديم عروض جيدة وعادلة في السياسات التجارية».

أدوات القوة

ولا تقتصر أسباب صعود «بريكس» سلم الاهتمام العالمي على تنامي جاذبيته فقط، أو قوة اقتصادات بعض أعضائه، وفي مقدمهم الصين ثاني كبرى القوى الاقتصادية في العالم، التي من المتوقع أن تغدو الأكبر خلال العقود القليلة المقبلة. وهي تشكل سوقاً ضخمة، خاصة للمواد الخام، ومصنعاً لا يُستغنى عنه لكل دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة. ذلك أن الأمر يكمن في كثير من أسباب القوة التي استطاعت دول «بريكس» تطويرها، وعلى رأسها تقديم البديل. والبديل هنا لا يقتصر على فكرة طرح دول التجمع لبناء «عالم متعدد الأقطاب» كشعار نظري، بل عبر تحويل الشعار إلى واقع.

هنا، على سبيل المثال نجح التعاون بين دول «بريكس» في الصمود بوجه الأزمات العالمية، وخاصة الجائحة والحرب الروسية في أوكرانيا. إذ نأت دول «بريكس» بنفسها منذ بداية الأزمة، فلم تشارك الهند أو البرازيل أو جنوب أفريقيا أو الصين بفرض عقوبات على موسكو، وتأكد هذا بشكل متزايد مع المستويات شبه التاريخية للتجارة بين الهند وروسيا، أو في اعتماد البرازيل على الأسمدة الروسية.

أيضاً، قدمت دول «بريكس» بدائل تضاهي المنتديات والمؤسسات الاقتصادية والسياسية بزعامة الدول الغربية، مثل «مجموعة السبع الكبار» والبنك وصندوق النقد الدوليين. واليوم، يبلغ إسهام دول «بريكس» في الاقتصاد العالمي 31.5 في المائة من الاقتصاد العالمي، متجاوزاً إسهام الدول الصناعية السبع الكبرى. ويتوقع أن يرتفع إلى أكثر من 37 في المائة مع انضمام الدول الست المدعوة في قمة جوهانسبرغ.

كذلك، دشنت دول «بريكس» أخيراً «بنك التنمية الجديد» (NDB) برأس مال مبدئي قدره 50 مليار دولار في عام 2014 كبديل للبنك وصندوق النقد الدوليين. وقدم البنك (مقره شنغهاي بالصين) أكثر من 30 مليار دولار قروضاً لمشاريع تنموية بشروط أكثر يسراً من تلك التي تقدمها المؤسسات الدولية التي تهيمن عليها القوى الغربية، لمنح أعضاء التجمع مزيداً من السيطرة على تمويل التنمية.

ولم يقف الأمر عند ذلك، بل أسست دول التجمع صندوقاً احتياطياً للطوارئ، الغاية منه دعم الدول الأعضاء المكافحة من أجل سداد الديون بهدف تجنب ضغوط السيول، وأيضاً تمويل البنية التحتية والمشاريع المناخية في البلدان النامية. ومن جانب آخر، أنشأت دول التجمع نظام «دفع بريكس»، وهو نظام دفع للمعاملات بين دول «بريكس» دون الحاجة إلى تحويل العملة المحلية إلى دولارات. وتدرس هذه الدول الآن بجدية التوسع في التبادل التجاري فيما بينها بالعملات المحلية، أو إصدار عملة موحدة للتعامل البيني، وهو ما يعدّه مراقبون كثر طرحاً بديلاً بعيد المدى، وإن كان لن يؤثر في المستقبل القريب على هيمنة الدولار الأميركي الذي يمثل حالياً 60 في المائة من احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنوك المركزية عالمياً.

شعار «بنك التنمية الجديد»

بناء متدرج

هذا البناء المتدرج لأدوات القوة من جانب دول الـ«بريكس» تراه الدكتورة نيفيديتا كوندو، خبيرة العلاقات الدولية، وزميلة مركز أبحاث المجلس الهندي للشؤون العالمية التابع لوزارة الشؤون الخارجية الهندية، «وسيلة فعالة» من جانب دول التجمع لفرض نفسها بشكل متزايد على الساحة السياسية العالمية، ولا سيما مجالات كالمفاوضات الدولية وحفظ السلام وجهود حل الصراعات، وبالأخص بعد انضمام دول كالسعودية والإمارات ومصر، تلعب أدواراً بارزة في أزمات منطقة الشرق الأوسط، وتتمتع بثقل في ملفات دولية عدة.

غير أن كوندو في ردّها على أسئلة لـ«الشرق الأوسط» تشدّد على أهمية الإدراك أن دول الـ«بريكس» راهناً «لا تهدف إلى الحلول محل الغرب، بل تسعى إلى تحقيق قدر أكبر من التمثيل والتأثير في الشؤون العالمية، والدعوة إلى بناء نظام اقتصادي وسياسي عالمي أكثر إنصافاً وشمولاً». وتشير إلى أن «بريكس» استفاد من نقاط قوته الجماعية، التي ازدادت قوة بإضافة الدول الست الجديدة، ورفعت حجم إسهام التجمع في الاقتصاد العالمي وامتلاكه انتشاراً وتنوعاً أكبر في الأسواق وأدوات التأثير، بما يساهم في زيادة قدرة «بريكس» على دفع التحول إلى اقتصاد عالمي أكثر استدامة وعدالة.

ونوّهت كوندو بأن استثمارات دول التجمع في التقنيات الناشئة كالذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة يمكن أن تجعلها محرّكات رئيسة للنمو الاقتصادي العالمي والابتكار في المستقبل القريب. وأضافت الخبيرة الهندية أنه من المتوقع بحلول عام 2030 أن تتمكن دول الـ«بريكس»، بعد «توسّع» جوهانسبرغ أو في مراحل أخرى مقبلة، من الإسهام بأكثر من 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وإذا توصلت هذه الدول إلى اتفاق لإجراء التجارة باستخدام عملة مشتركة، فقد يؤدي ذلك إلى تسريع عملية إلغاء الدولار، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من ترسيخ أهميتها على الساحة الدولية.

تغيير الجغرافيا السياسية

الاستحواذ على 50 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي يبدو طموحاً مستقبلياً لدول الـ«بريكس»، علماً بأن هذه الدول تمتلك تقريباً هذا الرقم، ولكن من تعداد سكان الأرض ومن مساحة اليابسة عليها. إذ يضم التجمع 5 من أكبر دول العالم مساحة وأكثرها كثافة سكانية، وقد تعاظم مع توسيع العضوية، ليصبح «أداة لتغيير الجغرافيا السياسية»، وفق رؤية الدكتورة أميرة شوقي سليمان، وكيلة الدراسات العليا والبحوث بكلية الدراسات الأفريقية العليا في جامعة القاهرة.

تقول سليمان لـ«الشرق الأوسط» إنه مع انضمام الدول الست الجديدة، ومعظمها دول تمتك قدرات اقتصادية واعدة، وإمكانية انضمام مزيد من الأعضاء مستقبلاً (نحو 20 دولة تقدمت بطلبات رسمية، معظمها من جنوب الكرة الأرضية) «سيؤثر هذا على الجغرافيا السياسية والجيو اقتصادية العالمية بشكل كبير، ويمكن القول إن (بريكس) قد يعيد رسم خريطة العالم».

وتضيف الأكاديمية المصرية أن دول التجمع «تشهد حالياً صحوتها الجيوسياسية»، وأنه خلال السنوات العشر الماضية، حققت المجموعة نتائج مثمرة في الأمن السياسي والاقتصاد والتجارة والتمويل والتبادلات الثقافية والحوكمة العالمية وغيرها من مجالات التعاون. وأصبحت نموذجاً للتعاون بين دول الجنوب العالمي، وجذبت مزيداً من الدول النامية الراغبة في الانضمام إلى «بريكس» يوماً بعد يوم. وتستطرد لتقول إنه مع انضمام السعودية والإمارات ومصر وإيران، وهي دول منتجة للنفط والغاز، فضلاً عن استثماراتها المستقبلية في مجال الطاقة الخضراء، أصبحت المجموعة تمتلك أكثر من نصف حصة النفط والغاز الطبيعي العالميين، ما يعزز مكانة المجموعة في سوق الطاقة، وبالتالي يضاعف نفوذها العالمي.

مواجهة الغرب مؤجلة

في المقابل، فكرة الصراع مع الغرب لا تبدو - على الأقل حتى الآن - ضمن أولويات «بريكس»، ولعل ذلك من أدوات قوة التجمع، فدول الـ«بريكس» لا تتبنى عقيدة «مَن ليس معنا فهو ضدنا» التي عكستها السياسة الأميركية طيلة عقود. ولا تتوقع دول التجمع من جميع أعضائه اختيار تحالفات ثابتة، أو تبديل ارتباطهم بعلاقاتهم مع الدول الغربية، فالصين التي تمثل أقوى مؤسسي التجمع تمتلك علاقات تجارية وثيقة ومتنامية مع الولايات المتحدة وأوروبا، تتجاوز كثيراً حجم تجارتها مع دول «بريكس» نفسها. ولدى الهند والبرازيل أيضاً علاقات وطيدة مع الدول الغربية.

ومن ثم، فإن توسيع عضوية التجمع كما عكسته قرارات قمة جوهانسبرغ، وفق كثير من المراقبين، منهم باول كاريوكي، الباحث السياسي الجنوب أفريقي، «لا يعتمد على فكرة الهيمنة والاستقطاب». ويوضح كاريوكي لـ«الشرق الأوسط» أن تلك «المرونة في منح أعضاء (بريكس)، عقب التوسيع، حرية بناء التحالفات... يمكن أن تكون عنصر جذب لكثير من الدول، وفي مقدمتها الدول الأفريقية، التي انضمت منها دولتان (مصر وإثيوبيا) ولهما علاقات قوية مع الولايات المتحدة وأوروبا... إذ تريد معظم دول القارة تعزيز شراكتها مع (بريكس) من دون أن يكلفها ذلك الدخول في صراعات مع الغرب».

«بريكس»... من نظرية «محل شك» إلى «واقع» يفرض حضوراً عالمياً

جيم أونيل (بلومبرغ)

* مجموعة «بريكس»، التي كانت تحمل اسم «بريك» في بدايتها، صاغ فكرتها جيم أونيل، كبير الاقتصاديين في بنك «غولدمان ساكس» عام 2001. وجاء الاسم من الأحرف الأولى بالكتابة اللاتينية لأسماء كل من البرازيل وروسيا والهند والصين.

وكانت الفكرة تقوم على إمكانية بناء تحالف اقتصادي بين تلك الاقتصادات البازغة، ومحاولة تقديمها إطاراً مختلفاً للتعاون بين دول «الجنوب»، الذي غالباً ما خُصّ بنظرة متشككة في قدرته على النمو وتحقيق التقدم بعيداً عن هيمنة المنظومة الغربية «الشمالية».

شكوك كثيرة حاصرت «نظرية» أونيل وحاولت هدم الفكرة، من منطلق أن الدول الأربع ذات تنوع كبير يحول دون اصطفافها تحت لواء واحد. وهذا الأمر دفع البعض إلى القول إن «بريك» ليست سوى حيلة تسويقية من قبل بنك «غولدمان ساكس»، إلا أن الفكرة أخذت منحى مختلفاً في خضم الأزمة المالية العالمية.

وبينما كانت الدول الأربع تدرس تأسيس تجمعها منذ عام 2006، كانت الأزمة المالية العالمية آخذة في التصاعد. ومع انطلاق أولى قمم «بريك» عام 2009، بلغت الأزمة العالمية ذروتها، وفرضت تداعياتها على الجميع، لكن الدول الأربع رأت في الأزمة دافعاً إضافياً للتعاون.

عقد الاجتماع الأول لدول «بريك» عام 2009، في قمة استضافتها مدينة يكاترينبورغ الروسية، ولاحقاً ضمّت جنوب أفريقيا عام 2010 إلى التجمع، ليكتسب اسمه الحالي، أي... «بريكس».

اللافت أن عدوى الانتقاد انتقلت في ما بعد إلى صاحب النظرية نفسه. فقبل سنتين نشر جيم أونيل مقالاً هاجم فيه تباطؤ إنجاز «بريكس»، مشيراً إلى أنه «بخلاف إنشاء بنك بريكس، لم تحقق المجموعة إنجازاً غير الاجتماع السنوي».

غير أن «محنة» الأزمات العالمية، تتحول دائماً إلى «منحة» لدول الـ«بريكس». إذ تضاعف الاهتمام الدولي بالتجمع، مع تصاعد وتيرة أزمات ما بعد الجائحة والحرب في أوكرانيا. وبدلاً من تكريس الانتقادات لتباطؤ إنجاز «بريكس» وانفراد الصين بمعدلات النمو المرتفعة، ضاعفت الهند تقريباً نسبة الناتج المحلي الإجمالي إلى الفرد. ومنذ عام 2015، بدأ مؤشر الاستثمار الأجنبي المباشر في التقارب مع مؤشر البرازيل، ثم تجاوز البرازيل، حيث زاد المؤشر بأكثر من الضعف في عام 2020 وحده، ما وضع الهند في المركز الثاني ضمن المجموعة.

والأهم أن النظرة إلى «بريكس» أخذت تتجاوز الأطر الاقتصادية، وصار «التجمع» مساراً للتنسيق السياسي والأمني والاستراتيجي، في عالم يخطو بسرعة باتجاه مواجهة عواصف من شتى الأنواع والاتجاهات.


مقالات ذات صلة

ما خيارات واشنطن في ظل تصاعد نظام متعدد الأقطاب؟

الولايات المتحدة​ مجموعة «بريكس بلس» تحظى بدعم واسع في العالم متعدد الأقطاب الناشئ اليوم (أ.ف.ب)

ما خيارات واشنطن في ظل تصاعد نظام متعدد الأقطاب؟

مع ازدياد التحديات العالمية وتعقيداتها، من التغير المناخي إلى الأزمات الجيوسياسية، تجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة واقع جديد يتسم بتعدد الأقطاب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية ممثل السياسة الخارجية والأمنية جوزيب بوريل ومفوض شؤون التوسعة أوليفر فارهيلي في مؤتمر صحافي في بروكسل (من حساب الأخير في «إكس»)

الاتحاد الأوروبي قلق لتراجع تركيا ديمقراطياً

عبّر الاتحاد الأوروبي عن مخاوفه بشأن تراجع المعايير الديمقراطية وسيادة القانون واستقلال القضاء والحقوق الأساسية في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا غوتيريش يصافح بوتين

«بريكس» تختتم قمتها بفتح أبواب التوسع

أنهت قمة مجموعة «بريكس» أعمالها، في قازان بجنوب روسيا، أمس (الخميس)، بفتح أبواب التوسع، وسط مداخلات هيمنت عليها الدعوات للسلام وإصلاح النظام الدولي.

رائد جبر (موسكو)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث في قمة «بريكس» (د.ب.أ)

بوتين: مستقبل العلاقة مع واشنطن رهن بموقفها بعد الانتخابات

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، إنّ مستقبل العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة رهن بما ستكون عليه مواقف واشنطن بعد انتخابات البيت الأبيض.

«الشرق الأوسط»
تحليل إخباري صورة تذكارية لقادة «بريكس» يظهر فيها السيسي بجوار آبي أحمد (الرئاسة المصرية)

تحليل إخباري كيف يؤثر الحضور المصري - الإثيوبي في «بريكس» على نزاع «سد النهضة»؟

رغم أن «بريكس» هو تجمع لتكامل قدرات وإمكانات الدول المنخرطة فيه، لكن ذلك لم يمنع ظهور إشارات على عمق الخلاف المصري - الإثيوبي خلال القمة التي استضافتها روسيا.

فتحية الدخاخني (القاهرة)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.