«الجنائية الدولية»... محكمة «الملاذ الأخير» في مرمى نيران الشرق والغرب

طوال 20 سنة اقتصرت على الأفارقة... وبوتين والبشير أبرز مطلوبيها

مقرّ المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي
مقرّ المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي
TT

«الجنائية الدولية»... محكمة «الملاذ الأخير» في مرمى نيران الشرق والغرب

مقرّ المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي
مقرّ المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي

تردّد اسم «المحكمة الجنائية الدولية» بكثافة عقب قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاكتفاء بمشاركة «افتراضية عن بُعد» في قمة تجمع دول «بريكس»، التي استضافتها جنوب أفريقيا، أغسطس (آب) الحالي، وبهذا أعفى السلطات هناك من الوقوع في أزمة إلقاء القبض عليه، حال دخوله أراضيها، وتسليمه إلى المحكمة بموجب مذكرة الاعتقال الصادرة بحقّه، على خلفية اتهامه بترحيل آلاف الأطفال الأوكران قسرياً.

أزمة بوتين أعادت إلى الواجهة الكلام عن «المحكمة الجنائية الدولية»، وأحْيت اتهامات تحاصرها شرقاً وغرباً بـ«التسييس» تارة، وبـ«ازدواجية المعايير» تارة أخرى، ذلك أن المحكمة، التي نظرت على مدى عقدين من تأسيسها، في 31 قضية، أصدر قضاتها عشرة أحكام بالإدانة، وأربعة أحكام بالتبرئة، وجاءت الإدانات جميعها ضد متمردين أو متطرفين أفارقة، ما كان بينهم أي رئيس حكومة أو مسؤول بارز. «المحكمة الجنائية الدولية»، عجزت طيلة 20 سنة عن إحداث اختراقات جادة في ملفات لجرائمَ إنسانية معقدة ارتُكبت في دول، مثل أفغانستان وفلسطين والعراق، وهو ما دفع كثيرين إلى إعادة طرح تساؤلات حول دور تلك المحكمة، التي تبلغ ميزانيتها السنوية نحو 150 مليون يورو، ما يجعل أحكامها ربما هي «الأغلى في التاريخ».

وحقاً، لم يكن ميلاد «المحكمة الجنائية الدولية» بالأمر الهيّن، فالسوابق المتعلقة بالمحاكم الدولية ارتبطت بتحولات سياسية عميقة، ولقد تلقّت الحركة الساعية لإنشاء محكمة دولية للنظر في الجرائم ضد الإنسانية، دفعة قوية بعد محكمتي نورنبرغ وطوكيو اللتين أُسستا لمعاقبة الجرائم التي اتهمت بها الأطراف التي خسرت الحرب العالمية الثانية.

وقامت لجنة خاصة، بطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتقديم مسوَّدتين لنظام «المحكمة الجنائية»، في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، لكن المشروع لم يجد دعماً يدفعه كي يرى النور؛ نتيجة غياب الظروف الدولية المواتية تحت وطأة الحرب الباردة التي «جمّدت»، ولو مؤقتاً، تأسيس المحكمة.

ومع التحولات الجوهرية التي عاشتها الساحة السياسية العالمية في عام 1989، مع اقتراب الاتحاد السوفياتي من أمتاره الأخيرة، وهدم جدار برلين، وغيرها من التحولات الدراماتيكية في السياسة الدولية، سعت دولة صغيرة هي ترينيداد وتوباغو إلى إحياء المشروع، عندما اقترحت إنشاء محكمة دائمة للنظر في تجارة المخدرات.

وأثناء ذلك شُكّلت المحكمة الخاصة بمحاكمة مجرمي الحرب في يوغوسلافيا عام 1993، وأخرى خاصة بمحاكمة مجرمي الحرب في رواندا عام 1994. ودفعت هاتان الخطوتان عدداً من الحقوقيين والمختصين بالقانون الدولي إلى التفكير بإنشاء محكمة دولية ذات اختصاص دائم، بمقدورها محاسبة الأفراد، وليس الدول أو الجماعات، فكان إنشاء «المحكمة الجنائية الدولية».

في عام 1998 أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع القرار بغالبية 130 صوتاً، مقابل 7، وامتناع 21 عن التصويت. وكانت الدول السبع التي عارضت المشروع: الولايات المتحدة، وإسرائيل، والصين، والعراق، وقطر، وليبيا، واليمن، إلا أن هذه المعارضة لم تمنع تحوّل القرار إلى معاهدة مُلزمة مع توقيع الدولة الرقم 60 ومصادقتها عليه. ومن ثم دخل «قانون روما الأساسي»، المنشئ للمحكمة، حيز التنفيذ بعد 4 سنوات، وهو الحدث الذي احتُفل به يوم 11 أبريل (نيسان) 2002.

محكمة «الملاذ الأخير»

يثير اختصاص «المحكمة الجنائية الدولية» كثيراً من اللبس، فهي ليست محكمة دول، بل محكمة أفراد، ثم إنها ليست بديلاً عن المحاكم الوطنية، بل - كما يصفها القانونيون - هي محكمة «الملاذ الأخير»، ولا تتدخل إلا عندما تعجز السلطات الوطنية عن تنظيم المحاكمات، أو لا ترغب بها أساساً. ولـ«المحكمة الجنائية الدولية» اختصاص عالمي؛ أي أنها تستطيع التحقيق في أي قضايا ضمن نطاق اختصاصها بأي مكان في العالم، وكذلك عقد جلساتها خارج نطاق مقرّها الأساسي بمدينة لاهاي الهولندية، وهي ذات اختصاص تلقائي فقط في الجرائم المرتكبة على أراضي دولة صادقت على معاهدة تأسيسها، أو من قِبل مواطن من هذه الدولة، أو عندما يحيل «مجلس الأمن»، التابع لـ«الأمم المتحدة» قضية إليها.

ويمكن للمحكمة مباشرة نظر القضايا التي تتعلق بالجرائم ضد الإنسانية، التي تشمل: القتل والتعذيب والاغتصاب والتجنيد القسري والتهجير القسري، وغيرها من الأعمال الوحشية التي تُرتكب بصورة ممنهجة، وعلى نطاق واسع ضد المدنيين، في إطار هجوم موجَّه ضدهم. وتتولى أيضاً التحقيق في جرائم الإبادة الجماعية، التي تشمل الأعمال التي تهدف إلى تدمير جزء من مجموعة وطنية أو عِرقية أو دينية بصورة كاملة أو جزئية، بما في ذلك القتل الجماعي والتسبب بظروف معيشية تؤدي إلى الإبادة البطيئة والتعذيب الجسدي والنفسي.

وأخيراً، تنظر المحكمة كذلك في جرائم الحرب التي تشمل الأعمال المرتكبة إبان النزاعات المسلَّحة، وتتضمن الهجمات غير المبرَّرة على المدنيين، واستهداف المستشفيات والمدارس والمنشآت الإنسانية، واستخدام الأسلحة المحظورة، مثل الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، والاستعباد الجنسي، والتجنيد القسري للأطفال.

ثغرات وقيود

رغم الاختصاصات الواسعة، تظل المحكمة تعاني من ثغرات وقيود تحدُّ من سلطاتها، فهي لا تستطيع النظر في أي دعاوى خارج حدود الدول الأعضاء بها، بل يجب أن يكون المتهم مواطناً لدولة طرف في «اتفاقية روما» التي أنشأت المحكمة، أو أن يكون الجُرم قد ارتُكب على أراضي دولة طرف، أو أن يكون «مجلس الأمن»، التابع لـ«الأمم المتحدة»، قد أحال القضية إلى المحكمة، بجانب ضرورة أن يكون المتهم قد حُوكم في النظام القضائي الوطني، وأن يكون هناك تعذّر إجراء محاكمة عادلة.

هذا، وبلغ عدد الدول الموقِّعة على بروتوكول المحكمة 123 دولة، ليس بينها دول كبرى (كالولايات المتحدة والصين وروسيا)، الأمر الذي أضعف قدرة المحكمة على النظر في قضايا تتعلق بتلك الدول. وخلال المفاوضات بشأن إقرار بروتوكول المحكمة، جادلت الولايات المتحدة بأن جنودها قد يتعرضون لمحاكمات ذات دوافع سياسية أو محاكمات كيدية، ومع أن الرئيس الأسبق بيل كلينتون وقّع، في النهاية، على المعاهدة، في واحدة من أعماله الأخيرة بصفته رئيساً، فإن «الكونغرس» الأميركي لم يصادق عليها مطلقاً.

من جهة ثانية، حاول «مجلس الأمن الدولي» تقديم ضمانات تعرّضت لاحقاً لانتقادات شديدة، إذ صوّت، في 12 يوليو (تموز) 2002، على حل وسط يمنح القوات الأميركية إعفاءً من الملاحقة القضائية لمدة 12 شهراً، ويُجدَّد سنوياً، إلا أن إدارة الرئيس جورج بوش الابن عارضت المحكمة بشدة، واعتبرته «إضعافاً لسيادة الولايات المتحدة»، وهددت بسحب القوات الأميركية من قوة «الأمم المتحدة» في البوسنة، ما لم يُمنح جنودها حصانة كاملة من المحاكمة أمام «الجنائية الدولية». لكن «مجلس الأمن» - بدفع من الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي أنان - رفض تجديد الإعفاء في يونيو (حزيران) 2004، بعد شهرين من انتشار صور تُظهر اعتداء عسكريين أميركيين على أسرى عراقيين في سجن «أبو غريب».

ومع أن الولايات المتحدة ليست عضواً في المحكمة، لا تبدو العلاقة بين الجانبين مقطوعة تماماً، فعبر التأثير الكبير لواشنطن في «مجلس الأمن»، بمقدورها التداخل مع «الجنائية الدولية»، لكن العلاقة تبدو «انتقائية ومؤقتة» في معظم الأحيان. ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022، عدّل «الكونغرس» القيود القانونية، القائمة منذ فترة طويلة على المساعدة الأميركية للمحكمة، مما سمح لواشنطن بالمساعدة في تحقيقاتها، والملاحقات القضائية النهائية المتعلقة بالحرب في أوكرانيا.

ولكن داخل إدارة بايدن، ما زال الخلاف السياسي قائماً حول التعاون مع المحكمة، إذ منع «البنتاغون»، في مارس (آذار) 2023، الإدارة الأميركية من تشارك الأدلة التي جمعتها وكالات الاستخبارات بشأن «الجرائم الروسية في أوكرانيا» مع المحكمة. وكانت الذريعة ألا يكون ذلك سابقة قد تساعد في تمهيد الطريق لاحقاً لمحاكمة أميركيين، أو تقديم أدلة ضد حلفاء واشنطن، ومنهم من كان شريكاً لها في حروب سابقة، كغزو أفغانستان والعراق.

وللعلم، سبق أن هدَّد جون بولتون، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي دونالد ترمب، بأن واشنطن ستفرض عقوبات على القضاة والمدَّعين العامّين في «المحكمة الجنائية الدولية» إذا شرعوا في التحقيق في جرائم حرب يُزعم أن الأميركيين ارتكبوها في أفغانستان. ولا يقتصر الإصرار على رفض الخضوع للاختصاص القضائي للمحكمة على الولايات المتحدة، بل ثمة عدد من الدول لم توقِّع على المعاهدة الخاصة بالمحكمة، مثل الصين وروسيا والهند وباكستان وإندونيسيا وتركيا وإيران وإسرائيل. ومن الدول الموقِّعة على بروتوكول المحكمة باللون الأخضر، تبدو المنطقة العربية خالية إلا من الأردن وجيبوتي وتونس وفلسطين، وقد انضمت الأخيرة للمحكمة عام 2015، رغم الضغوط الأميركية والإسرائيلية لمنع إتمام تلك الخطوة.

من ناحية ثانية، تفتقر المحكمة لـ«شرطة ضبط» خاصة بها، وهو ما يعطّل قدرتها على توقيف المطلوبين أمامها، إذ لا بد لمباشرة إجراءات المحاكمة من أن يكون المتهم قد سُلّم إلى المحكمة، أو أن يكون هناك تعاون كافٍ من الدول الأعضاء لتسليمه. فبروتوكول المحكمة يُلزِم أي دولة عضو بتوقيف أي مطلوب للمحكمة حال دخوله أراضيها بأي صورة. وتكشف قضية الرئيس السوداني السابق عمر البشير حجم القصور الذي تطرحه هذه الإشكالية، حين رفضت عدة دول موقِّعة على بروتوكول المحكمة، بينها تشاد وكينيا، التعاون في اعتقاله. ومع أن محكمة في جنوب أفريقيا أمرت، في يونيو 2015، بمنعه من مغادرة البلاد، إبّان مشاركته في مؤتمر القمة الأفريقية، الذي عُقد بمدينة جوهانسبرغ، لم تنفّذ السلطات هناك الحكم، لذا تعرضت لانتقادات داخلية وخارجية على حد سواء.

«مستعمرة غربية»

هذه الثغرات كانت سبباً في توجيه انتقادات لتقصير «المحكمة الجنائية الدولية» بتحقيق التطلعات العالمية لإقرار العدالة الجنائية في كثير من القضايا الخطيرة. ويعتقد مات كيلينغزورث، المُحاضر في العلاقات الدولية بجامعة تسمانيا الأسترالية، أيضاً بصحته، إذ يشير إلى أن أداء المحكمة على مدى 20 سنة «بدَّد التفاؤل الكبير الذي صاحَب تأسيسها، ولا سيما من دول كانت تعاني جرّاء جرائم الحرب والانتهاكات ضد الإنسانية».

وأوضح كيلينغزورث، لـ«الشرق الأوسط»، أن المحكمة استغرقت 4 سنوات لتبدأ أول محاكمة لها، و6 سنوات أخرى لإعلان أول إدانة، وخلال 20 سنة من العمل، بميزانية إجمالية تتجاوز عدة مليارات من الدولارات، أصدرت 10 إدانات فقط، و4 أحكام بالبراءة. وأردف المُحاضر أن عجز المحكمة حتى عام 2016 عن فتح تحقيق خارج أفريقيا أسهم في تعزيز الرأي القائل بأنها «مستعمرة جديدة ومتأثرة بالغرب». وأرجع كيلينغزورث ما يبدو أنه «ضعف واضح» في أداء المحكمة، إلى عاملين «خارجين عن سيطرتها»؛ الأول يتعلق برفض بعض الدول التوقيع على «قانون روما الأساسي»، بينما يرتبط الثاني بارتفاع سقف التوقعات التي صاحبت إنشاء المحكمة.

استهداف الأفارقة

غباغبو داخل قاعة المحكمة (أ.ب) من محاكمة رئيس كوت ديفوار السابق لوران غباغبو (أ.ب)

إشارة كيلينغزورث تكشف وجهاً آخر من الانتقادات الموجهة إلى «الجنائية الدولية»، التي أمضت نحو ثلثي عمرها (14 سنة) فقط داخل النطاق الأفريقي، ولا تزال ملفات قضايا القارة السمراء تتصدر لائحة المحكمة... فهل حُددت مهمة المحكمة باصطياد الأفارقة، دون أن تستطيع المساس بمتهمين خارج القارة؟

هذا «الاستفهام الاستنكاري» بات شائعاً لدرجة أن المحكمة نفسها أدرجته للرد عليه، ضمن كتيب تعريفيّ بعنوان «فهم المحكمة الجنائية الدولية»، نشرته بعدة لغات؛ منها العربية عام 2020. وعبْره سعت إلى نفي ذلك الاتهام، مؤكدة أنه «لولا الدعم الأفريقي، لَما اعتمد نظام روما الأساسي». وشرح الكتيب أن أفريقيا هي «المنطقة الأكثر تمثيلاً في عضوية المحكمة، وقد فُتحت غالبية تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية بناءً على طلب الحكومات الأفريقية، أو بعد التشاور معها»، كما أن مكتب المدَّعي العام للمحكمة يُجري تحقيقات أولية، بالإضافة إلى التحقيقات الرسمية، في عدد من البلدان عبر 4 قارات.

لكن هذا الدفاع لا ينفي أن من يقرأ سجل المحاكمات يلاحظ، دون جهد، الحضور الأفريقي الطاغي على لائحة المتهمين والمحاكمات، فأول حكم للمحكمة، في مارس 2012، كان ضد توماس لوبانغا، زعيم إحدى الميليشيات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وحُكم عليه بالسجن لمدة 14 سنة. وأشهر الشخصيات التي حاكمتها، رئيس كوت ديفوار السابق لوران غباغبو، الذي اتُّهم في عام 2011 بالقتل والاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي والاضطهاد. وشملت القضايا البارزة الأخرى اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ضد الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، الذي أُدين في عام 2011، ثم أسقطت المحكمة التهم الموجهة إليه وإلى نائبه (الرئيس الحالي ويليام روتو) في ديسمبر 2014.

أيضاً من المطلوبين لدى المحكمة قادة حركة التمرد الأوغندية «جيش الرب للمقاومة»، وزعيمها جوزيف كوني المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بما في ذلك اختطاف آلاف الأطفال. ولدى المحكمة مذكرة توقيف معلَّقة بحق الرئيس السوداني عمر البشير - هي الأولى التي صدرت ضد رئيس دولة كان لا يزال في منصبه - ويواجه البشير 3 تهم بالإبادة الجماعية، وتهمتين بارتكاب جرائم حرب، و5 تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وثمة كذلك 9 تحقيقات للمحكمة الجنائية الدولية تخص عدة دول أفريقية هي أوغندا، وأفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو، وساحل العاج، والسودان، ومالي، وكينيا، وليبيا، وهو ما يكفل لأفريقيا المرتبة الأولى عددياً على لائحة تحقيقات المحكمة حتى الآن.

هذه الانتقادات للمحكمة يراها الدكتور أيمن سلامة، الخبير المصري بالقانون الدولي «في غير محلها»، لافتاً إلى أن معظم القضايا التي نظرتها «المحكمة الجنائية الدولية» كانت بطلب أو بتنسيق مع الدول الأفريقية. وأضاف سلامة، لـ«الشرق الأوسط»، أن عدداً من الدول الأفريقية «قد يواجه صعوبات في الوفاء بمتطلبات محاكمات في قضايا خطيرة كجرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، التي تتطلب مستوى مرتفعاً من التقصي وتحقيق الأدلة، وهو ما قد لا يتوافر لدى عدد من الدول الأفريقية»... لذا تلجأ إلى الاستعانة بـ«المحكمة الجنائية»، خصوصاً أن نصف عدد دول القارة تقريباً أعضاء بالمحكمة. وتابع أن ثمة أسباباً أخرى ربما تعطي الانطباع بتركيز المحكمة على القارة الأفريقية، منها أن القارة بالفعل تشهد أكبر عدد من النزاعات المسلَّحة والحروب الأهلية التي تكون ميداناً لجرائم تدخل في اختصاص المحكمة. واختتم سلامة بالقول إن المحكمة تًباشر حالياً تحقيقات في دول خارج أفريقيا، منها جورجيا، وأفريقيا، وأفغانستان، وكذلك فتحت تحقيقاً أولياً يتعلق بجرائم حرب في غزة، «لكن هذه النوعية من التحقيقات تحتاج إلى وقت، وتصطدم كذلك بعقبات تتعلق بتوافر الأدلة وإثباتها وتوفير الشهود، وغير ذلك من متطلبات المحاكمة العادلة».

3 مدّعين لـ«الجنائية الدولية» على مدى عقدين

لويس مورينو أوكامبو (غيتي)

فاتو بنسودة (أ.ف.ب)

*يخضع اختيار القضاة والمدّعين العامّين لـ«المحكمة الجنائية الدولية»، لنظام دقيق، إذ يحق لكل بلد من البلدان الموقِّعة على بروتوكول المحكمة تقديم مرشح واحد لانتخابه قاضياً، وتنتخب جمعية الدول الأطراف القضاة على أساس كفاءاتهم في مجال القانون الجنائي، والقانون الدولي، وحقوق الإنسان. ويراعي انتخاب القضاة ضرورة تمثيل النظم القانونية الرئيسة في العالم، والتمثيل العادل للرجال والنساء، وكذلك التوزيع الجغرافي العادل. ومنذ تأسيس المحكمة عام 2002، شغل 3 شخصيات من قارات مختلفة منصب المدعي العام للمحكمة، مدة ولاية كل منهم 9 سنوات، هم:

 لويس مورينو أوكامبو

أرجنتيني الجنسية، شغل منصب المدعي العام لـ«المحكمة الجنائية الدولية»، في عام 2003 باقتراح أكثر من 70 دولة، ونُصّب يوم 16 يونيو 2003. حقق شهرته في مجال المحاكمات الجنائية عبر مشاركته نائباً للمحقق الرئيس في قضية من سمّاهم «الطغمة العسكرية في الأرجنتين» فترات الحكومات العسكرية من 1976 إلى 1980، خصوصاً من كانوا في مواقع المسؤولية إبّان أزمة جزر الفوكلاند مع بريطانيا. ثم استدعته حكومة تشيلي لمحاكمة قادة مخابراتها الذين اتُّهموا بارتكاب عمليات تعذيب بحق الآلاف من المدنيين، وأسهمت تحقيقاته في إدانتهم.

وفي عام 2008 اتهم أوكامبو، الرئيس السوداني عمر البشير بتدبير حملة لارتكاب أعمال قتل جماعي في دارفور أدت إلى مقتل 35 ألف شخص، واستخدام الاغتصاب سلاحاً في الحرب، وأصدر بحقِّه مذكرة توقيف.

 فاتو بنسودة

وُلدت وعاشت في غامبيا، ودرست القانون في لاغوس بنيجيريا، وواصلت دراستها لتصبح أول متخصصة في القانون الدولي ببلادها. شغلت منصب نائب المدعي العام للمحكمة منذ عام 2004، وفي ديسمبر 2011 اختيرت لمنصب المدعي العام.

من أبرز إنجازاتها طلبها الرأي القانوني للمحكمة حول اختصاصها في الأراضي التي تحتلها إسرائيل، بعد إعلانها، في ديسمبر 2020، رغبتها في فتح تحقيق كامل ضدها. وفي مطلع 2021، أعلنت «المحكمة الجنائية الدولية» أن الأراضي الفلسطينية تقع ضمن اختصاصها القضائي، مما يمهّد لفتح تحقيقات بشأن ارتكاب جرائم حرب محتملة فيها. ودعت بنسودة إلى تحقيق كامل عقب 5 سنوات من التحقيق الأولي منذ حرب 2014 في غزة، وفرضت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عقوبات عليها في سبتمبر 2020، بعد فشل حظر التأشيرات السابق على بنسودة ومسؤولين آخرين في منع تحقيق المحكمة في جرائم حرب ضد عسكريين أميركيين في أفغانستان.

 كريم أحمد خان

محامٍ بريطاني شارك، على امتداد مسيرته القضائية، في معظم محاكمات «الجنائية الدولية»، إلى جانب محاكمات محلية، في مواقع تباينت بين ممثل للادعاء، وممثل للدفاع، ومستشار قانوني للضحايا. وبين القضايا التي نظرها في «المحكمة الجنائية الدولية» محاكمات دولية في يوغوسلافيا السابقة، وسيراليون، ورواندا، والدوائر الاستثنائية في المحاكم الكمبودية، والمحكمة الخاصة بلبنان. وأيضاً، مثّل الدفاع عن عدد من المسؤولين المتهمين أمام «الجنائية الدولية»، منهم ويليام روتو رئيس كينيا الحالي، وعبد الله باندا، وبهار إدريس أبو غردا، وصالح محمد جربو جاموس (قضية دارفور)، كما كان محاميَ سيف الإسلام القذافي (قضية ليبيا)، وجان بيير بيمبا غومبو (قضية أفريقيا الوسطى)، وتولَّى رئاسة فريق التحقيق، التابع للأمم المتحدة، الخاص بجرائم «داعش» في العراق.


مقالات ذات صلة

وزارة العدل الأميركية تُسقط كل الدعاوى الفيدرالية ضد ترمب

الولايات المتحدة​ الرئيس دونالد ترمب خلال جلسة محاكمة ضده في نيويورك (أ.ف.ب)

وزارة العدل الأميركية تُسقط كل الدعاوى الفيدرالية ضد ترمب

أسقطت وزارة العدل الأميركية قضيتين جنائيتين رفعتا ضد الرئيس المنتخب دونالد ترمب بتهم محاولته قلب نتائج انتخابات عام 2020، ونقل وثائق سرية إلى منزله في فلوريدا.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

القضاء يردّ دعوى التآمر المرفوعة ضد ترمب بتهمة محاولة قلب نتائج الانتخابات

وافقت قاضية أميركية، الاثنين، على طلب النيابة العامة ردّ الدعوى المرفوعة ضدّ الرئيس المنتخب بتهمة محاولة قلب نتائج الانتخابات الرئاسية التي خسرها قبل 4 سنوات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية كليتشدار أوغلو أثناء مرافعته أمام المحكمة في أنقرة الجمعة (حزب الشعب الجمهوري)

كليتشدار أوغلو يهاجم إردوغان بشدة في أولى جلسات محاكمته بتهمة إهانته

قدم رئيس «الشعب الجمهوري» المرشح السابق لرئاسة تركيا كمال كليتشدار أوغلو دفاعه في قضية «إهانة رئيس الجمهورية» المرفوعة من الرئيس رجب طيب إردوغان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أميركا اللاتينية الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو (وسط) يحضر حفل تخرج للطلاب في أكاديمية عسكرية في ولاية ريو دي جانيرو بالبرازيل 26 نوفمبر 2022 (أ.ف.ب)

الشرطة البرازيلية تتهم الرئيس السابق بولسونارو بمحاولة الانقلاب عام 2022

قالت الشرطة الفيدرالية البرازيلية، اليوم الخميس، إنها وجهت الاتهامات للرئيس السابق جايير بولسونارو و36 شخصاً آخرين بتهمة محاولة الانقلاب عام 2022.

«الشرق الأوسط» (ساو باولو)
أوروبا القاتل النرويجي أندرس بيرينغ بريفيك (إ.ب.أ)

«سفاح النرويج» يطلب الإفراج المشروط للمرة الثانية

مَثُل القاتل النرويجي، أندرس بيرينغ بريفيك، الذي قتل 77 شخصاً في حادث تفجير وإطلاق نار عشوائي عام 2011، أمام المحكمة، الثلاثاء، لحضور جلسة استماع بشأن إطلاق

«الشرق الأوسط» (أوسلو)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.