هل يستطيع نتنياهو الهروب إلى الحرب؟

بين حسابات الجيش... ورغبات اليمين الإسرائيلي المتشدد

المظاهرات المناوئة لخطة الحكومة الانقلابية (أ.ب)
المظاهرات المناوئة لخطة الحكومة الانقلابية (أ.ب)
TT

هل يستطيع نتنياهو الهروب إلى الحرب؟

المظاهرات المناوئة لخطة الحكومة الانقلابية (أ.ب)
المظاهرات المناوئة لخطة الحكومة الانقلابية (أ.ب)

من حربٍ إلى حرب، تقرع طبول الحرب في الشرق الأوسط بلا توقف. فما أن تضع حرب ما أوزارها، حتى تقرع طبول الحرب التالية. وإلى جانبها تدريبات عسكرية تتناول عدة سيناريوهات. وإذا لم يكن ذلك كافياً، فإن الجيش الإسرائيلي اخترع شيئاً اسمه «الحرب ما بين الحروب» (واسمها المختصر باللغة العبرية «مبام»)، وهي التي تشمل العمليات العسكرية المختلفة، الصغيرة والكبيرة، التي تجري على الطريق، ما بين حرب وأخرى. واليوم، بات الخبراء واثقين من أن الحرب المقبلة ليست مسألة أن تقع أم لا، بل... متى ستقع. ذلك أنها مؤكدة... وحتمية، وستبدو كأنها رحلة. ومن الطبيعي والحالة كهذه أن يكثر الكلام عن حرب مقبلة، ومتى وكيف، خاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعيش أزمة داخلية عويصة، يمكن أن تكون الحرب «أفضل» مخرج منها. ولقد حصل مثل هذا الأمر في الماضي. فنتنياهو نفسه لجأ إلى حرب عام 2012 لكي يجهض المظاهرات الشعبية ضده... ونجح. إذ أخمد الاحتجاج يومها، ثم شن عملية أخرى على غزة في 2014، وضمن لنفسه البقاء في الحكم 9 سنوات، حتى عام 2021. فلماذا لا يسلك الطريق نفسها اليوم؟ والسؤال الأهم هو؛ هل يرغب بذلك؟ وإن رغب، فهل يستطيع تكرار السلوك نفسه اليوم؟

على صعيد المصلحة الذاتية، لدى بنيامين نتنياهو، اليميني الليكودي، أسباب تدفع نحو شن حرب. أبرزها وضعه السياسي المتأزم جداً. فهو يواجه أكبر موجة احتجاج جماهيري في تاريخ إسرائيل، حيث يخرج كل مساء أيام السبت مئات ألوف المتظاهرين ضده، منذ أن صودق على حكومته، 31 أسبوعاً على التوالي.

وألوف المتظاهرون يلاحقونه شخصياً، حيثما تحرك، أمام بيته الخاص في قيسارية، ومقره في القدس، حتى أصبح يقلل من زياراته الميدانية إلى الحد الأدنى. بل لاحقوه في عطلته التي أمضاها في إحدى مستوطنات الجولان.

في هذه المظاهرات يُرفع الشعار اللاسع، الذي التصق بنتنياهو منذ توجيه اتهامات له بالاحتيال وخيانة الأمانة وتلقي الرشى «Crime Minister» (رئيس حكومة مجرم). وهو يشعر بالاختناق من المظاهرات التي ينظمها أيضاً المحتجون على خطته للانقلاب على منظومة الحكم وهجومه على أجهزة القضاء، التي بلغت حد التوجه إلى السفارات الأميركية والأوروبية رافعة شعارات «أنقذوا الديمقراطية من خطط نتنياهو الديكتاتورية» (SOS). ثم إنه فوجئ بجمهور الشباب، وشعر بالخوف. فبعدما ساد الانطباع أن الشباب لا يتدخلون في السياسة، غمر الشباب الإسرائيلي الساحات وجعلوا دماءهم الحارة تسير في عروق الاحتجاجات، حماسةً ومثابرة وقوة، وقادوا المظاهرات التي تلاحقه.

رغبة غلاة اليمين

وليس نتنياهو وحده الراغب في الخروج من هذا المأزق... بحرب، فحلفاؤه من غلاة اليمين المتشدد، بقيادة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، يتحمّسون لها أكثر منه. وهنا ثمة هدف آخر للحرب، هو وقف المسار الذي يسعى اليه الأميركيون لتغيير الأوضاع مع الفلسطينيين واتخاذ إجراءات «لمنع سقوط السلطة الفلسطينية».

قوى اليمين المتشدد لا تسعى فقط لشطب بقايا «اتفاقيات أوسلو»، بل ترى أن وجودها في الحكم فرصة تاريخية قد لا تعود، ويجب استغلالها لتصفية القضية الفلسطينية تماماً. وهي تطالب باجتياح شامل للضفة الغربية، كما حصل عام 2002، وإعلان حرب على قطاع غزة. ولدى سموتريتش خطة متكاملة نشرها باسمه عام 2017 في مجلة «هشيلواح» اليمينية، تحت عنوان «خطة الحسم»، يضع فيها «خريطة طريق» لتصفية القضية الفلسطينية. تبدأ الخطة بنشر فوضى عارمة في الضفة الغربية، تؤدي إلى سقوط السلطة الفلسطينية، وتنتهي بتشجيع الفلسطينيين على الهجرة، ومساعدتهم على تأسيس دولة لهم في الأردن.

أيضاً لدى المتشددين خطة لحرب على لبنان، تنتهي بضم الجنوب إلى إسرائيل، وجعل نهر الليطاني حدوداً طبيعية بين البلدين، وبناء مستوطنات يهودية هناك، كما هي الحال في الضفة الغربية. وبالنسبة لهذا اليمين، تجهض الحرب حملات الاحتجاج وتدفع الجيش للتركيز على واجباته العسكرية. بل ثمة اتهام للجيش بأنه شريك في عملية الاحتجاج بشكل مباشر، وأن الظاهرة التي تنتشر في صفوف الجيش اليوم بالامتناع عن التطوّع للخدمة الاحتياطية هي خير دليل على ذلك.

من ناحية أخرى، كان بمقدور نتنياهو التوجه إلى الانتخابات للتخلص من المظاهرات، لكنه لا يجرؤ على ذلك. فجميع الاستطلاعات التي تنشرها وسائل الإعلام، والتي يجريها هو بشكل سرّي، تشير إلى أنه سيخسر الحكم، وسيفقد معسكره 10 أو 11 مقعداً على الأقل من أصل 64 مقعداً، حصل عليها في الانتخابات الأخيرة بنوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ولذا، فإن الحرب مصلحة مباشرة لحكم اليمين. لكن المشكلة أن هناك شركاء آخرين في قرار الحرب لديهم رأي مختلف... في مقدمتهم الجيش، الذي سيتولى مهمة خوض القتال.

حسابات الجيش

الجيش الإسرائيلي يعد للحرب بكل قوته. ولديه خطط حربية لكثير من «السيناريوهات»، مثل حرب على لبنان وحده، أو حرب ينخرط فيها الجيش السوري، الذي وفق تقرير صادر عن «معهد أبحاث الأمن القومي» في تل أبيب، سيشهد هذا الجيش «إجراءات ترميم متسارعة»، كما أن «قسماً من هذه الإجراءات بات يضع الآن تهديداً استراتيجياً محتملاً، ويتعيّن على إسرائيل الاعتراف به». أيضاً لدى الجيش الإسرائيلي خطط لحرب على قطاع غزة، وأخرى لحرب متعددة الجبهات في آن واحد، وحرب إقليمية تدخل فيها إيران وميليشياتها في العراق حتى اليمن مع غزة والضفة الغربية. بل يدخل في حساباته «احتمال ان ينفجر المواطنون العرب في إسرائيل في مظاهرات عنيفة»، وربما تكون بينهم «خلايا إرهاب نائمة» سبق تنظيمها بأيدي قوى خارجية مثل «حماس» و«الجهاد الإسلامي» أو «حزب الله» لكي تستغل الحرب لشن عمليات مسلحة في الجبهة الداخلية.

الجيش يأخذ بالاعتبار هذا التصوّر الراديكالي، البعيد عن الواقع، ضمن رؤية عسكرية تأخذ في الحساب أكبر وأخطر الاحتمالات. والهدف من التدرب على أخطر الاحتمالات هو ألا يصدم بمفاجآت. وكلما ازدادت التصورات واتسعت، تدخل القوات العسكرية الأميركية إلى الساحة. ولذا، نلاحظ طفرة في عدد وحجم المناورات المشتركة التي يجريها الجيشان، بشكل ثنائي، وكذلك ضمن الشراكة في «القيادة الوسطى للولايات المتحدة» (سنتكوم) في الشرق الأوسط.

أسلحة جديدة

في العادة، يجرّب الجيش الإسرائيلي في كل حرب أسلحة جديدة بشكل دائم. وهذه التجارب تجعل أسلحته مميزة، كونها مجربة ميدانياً. إلا أن الجيش يواجه راهناً تناقضات عصيبة تجعله لا يتحمس للحرب ويبذل وسعه لضمان ألا تنشب. ومع أن قادته يؤكدون أنه جاهز للحرب ويهددون «العدو» أو الأعداء مجتمعين» بأن يمتنعوا عن الحرب: «لا تمتحنوا قوتنا فهي ضاربة وفتاكة» و«ستعيد لبنان إلى العصر الحجري»، فإنهم يتكلمون في الغرف المغلقة عن «مساس في الجاهزية» بسبب خطة الحكومة الانقلابية.

وبحسب «القناة 12» للتلفزيون الإسرائيلي (الخميس)، فإن «مسؤولاً أمنياً رفيعاً حذّر من أن الجيش سيفقد جاهزيته للحرب، ولا سيما سلاح الجو، خلال الشهر الحالي، ما لم يعمل على إعادة المتطوعين إلى الخدمة في الاحتياط». أيضاً، لو أراد الجيش الحرب، فإنه يحتاج إلى قاعدة شعبية موحّدة وراءه، وهذه القاعدة غير متوافرة الآن. ولأن الحرب ستكون مكلفة جداً، فهو يحتاج إلى اقتناع شعبي واسع بأنها ضرورية واضطرارية للدفاع عن النفس.

قبل أيام، وتحديداً يوم 7 أغسطس (آب) الحالي، نشرت توقعات لمسؤولين تقول إنه «في الأيام الأولى لقتال مع (حزب الله) وحده في حرب مقبلة، قد تواجه إسرائيل حوالي 6000 صاروخ في اليوم». وكتبت صحيفة «يسرائيل هيوم»، التي تعدّ مقربة من نتنياهو، أن «تقديرات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين تفيد بأن هناك احتمالاً حال نشوب حرب أن يبدأ (حزب الله) القتال بإطلاق بين 5 و6 آلاف صاروخ في اليوم، ثم يخفضها تدريجياً إلى ما بين 1500 و2000 صاروخ في اليوم». وقالت أيضاً إن «هؤلاء المسؤولين الأمنيين يتوقعون أن يتطور تزايد الحوادث على الحدود الإسرائيلية اللبنانية في الأسابيع الأخيرة، إلى سيناريو حرب معقدٍ ضد (حزب الله)». وتابعت أن هؤلاء لا يستبعدون إمكانية مشاركة الجماعات المسلحة في غزة والضفة الغربية أيضاً في القتال، ما يعرض إسرائيل لتهديدات متعددة. ويخشون بشكل خاص أعمال الشغب داخل المجتمع العربي الإسرائيلي، وهو «السيناريو» الذي يعتبرونه الأكثر رعباً.

البُعد الإيراني للمواجهة

وفق «يسرائيل هيوم» أيضاً، يتوقع المسؤولون الأمنيون أن «تكون القبة الحديدية (منظومة اعتراض الصواريخ)، قادرة على تحييد قسم كبير من الصواريخ، لكن قذف 6000 صاروخ لن يكون بالأمر الهين، خاصة مع الفاعلية الواضحة للطائرات المسيّرة، كما تجلّى خلال الحرب في أوكرانيا». ثم إنهم لا يستبعدون تمكن «حزب الله» أو إيران أو حلفائهما من إلحاق أضرار بالمنشآت الاستراتيجية في إسرائيل، مثل محطات الطاقة. وذكرت أن الخوف الرئيس يكمن في توجيه ضربة إلى محطات الطاقة. الأمر الذي قد يضر بشكل خطير بقدرة إسرائيل على توليد الكهرباء، وربما يتسبب مثل هذا السيناريو في انقطاع التيار الكهربائي لعدة ساعات حتى أيام، ما يغرق البلاد في الظلام لمدة 24 إلى 72 ساعة.

واعتماداً على هذا الحجم الضخم لإطلاق الصواريخ، يتوقع السيناريو الحالي أن تؤدي حملة مشتركة بقيادة «حزب الله» إلى مقتل حوالي 500 مدني إسرائيلي، وإصابة آلاف آخرين على الجبهة الداخلية. وكي يتحمل الجمهور مثل هذا الثمن، يجب أن يكون موحداً وراء قيادتيه السياسية والعسكرية. وهذا غير متوفر اليوم. فاليمين الحاكم يدير حرباً سياسية شرسة ضد الجيش، ليست بسبب خطة الحكومة الانقلابية فقط.

هذه الحرب بدأت عام 2010، عندما رفض الجيش خطة نتنياهو ووزير دفاعه في ذلك الوقت إيهود باراك شن حرب على إيران. فمنذ ذلك العام، بدأ ذبح «البقرة المقدسة» وأطلق اليمين حملته ضد الجيش. ووسائل الإعلام العبرية اليمينية، التي أسست في تلك الفترة، مثل «ميدا» و«القناة 14» وصحيفة «يسرائيل هيوم»، بجانب وسائل الإعلام الاستيطانية «القناة السابعة» و«مكور ريشون» ومعاهد الأبحاث اليمينية، نشرت مقالات ودراسات حول «تراجع قيم الوحدة الوطنية» و«عقيدة الإقدام والقتال والاشتباك» واتهمت الجيش بالتبذير والفساد.

معسكر معارضي اليمين

في الطرف الثاني من الشارع الإسرائيلي، يرى معارضو خطة الحكومة الانقلابية أن الدولة «الجديدة» التي يبنيها نتنياهو مع سموتريتش وبن غفير ليست الدولة التي تستحق التضحية بالأرواح.

وهؤلاء يتظاهرون أسبوعياً، وفي بعض الأحيان يومياً، تحت الشمس الحارقة أو الأمطار، فيتركون عائلاتهم أو يصحبونهم معهم في الشوارع ويظهرون خوفاً حقيقياً على مستقبلهم.

هؤلاء هم المقاتلون في الجيش والمخابرات والشرطة، وهم قادة قطاع «الهايتك» الذين يجلبون 40 في المائة من المداخيل في الدولة، وهم قطاع البنوك والتجارة والصناعات الحربية والمدنية، وهم رؤساء الجامعات والمحاضرون والطلاب، هم الباحثون والعلماء والمخترعون، وهم قادة الجهاز الطبي ونقابة المحامين والجهاز القضائي.

إنهم الدولة العميقة

هؤلاء لا يترددون في امتداح الجيش والالتفاف حوله، لكنهم يطرحون فكرة قوية مقنعة لغالبية الجمهور؛ أن اليمين الديني يحطم الدولة، ويؤسس دولة ذات قيم غريبة، ويجعل منا مسخرة، فنحن الذين نعمل وندفع الضرائب... وهم الذين لا يعملون ويقبضون.

نحن الذين نضحي بحياتنا في الجيش... وهم الذين ينعمون بالدراسة في المعاهد الدينية ويربحون المال. إنهم يعيشون على حسابنا. وبعد هذا كله يشتموننا ويعتبروننا أعداء. هل لأجلهم نحارب ونموت؟

في هذا الجو يصعب على الجيش الخروج إلى الحرب، حتى لو لم يعترف بذلك علناً.

التعامل مع «الأعداء»!

ولكن هنا يدخل شريك آخر إلى الميدان. هو ما يسمى بـ«العدو» أو «الأعداء». في إسرائيل شعور بأن إيران تحث «حزب الله» كي يحارب، بينما تدفع بتنظيم «الجهاد الإسلامي» الفلسطيني ليحارب، وتمارس أيضاً ضغوطاً على «حماس».

صحيح أن الحروب في منطقتنا ما عادت بحاجة إلى قرار، بل يكفي أن يشن طرف ما عملية ما، ويرد الطرف الآخر بمنسوب زائد حتى تشتعل الحرب. فغالبية الحروب نشبت في المنطقة، بعد «حرب أكتوبر» 1973 من دون رغبة من أحد. ولذا يتدرب الإسرائيليون على كل صنوف الحرب باستمرار، لأنهم يعرفون هذه المعادلة. وفي الوقت نفسه، يبذلون الجهود لإبعادها.

لكن اليمين المتشدد الحاكم يحاول اليوم تغيير هذه المعادلة، ويقول إن الامتناع عن مهاجمة إيران قبل 12 سنة أتاح لطهران تعزيز قوتها العسكرية وأن تعيد نشر مرافقها النووية على امتداد البلاد وبناءها بعمق مئات الأمتار في قلب الجبال. كذلك، يرون أن الإحجام عن احتلال لبنان عام 2006 والحذر من «الرد على استفزازات (حزب الله) بحرب» جعل الحزب يبني ترسانة أسلحة تضم أكثر من 150 ألف صاروخ وقذيفة. وبينما يتهمون حكومات إسرائيل بدعم سلطة «حماس» في قطاع غزة والامتناع عن فعل أي شيء لإرغامها على إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، يعتبرون السلطة الفلسطينية «عدواً» و«مشجعاً» للإرهاب.

لكل هذا، يضغط اليمين على الجيش ويهاجم قادته ويستفزهم، ولا يكتفون بما يقوم به الجيش من ممارسات بشعة في المناطق الفلسطينية، من أعمال قتل وجرح واعتقالات وعمليات حصار وبطش، بل يحاولون جره إلى معارك أكبر ضد الفلسطينيين.

والجيش، من جهته، يحاول صد هذه الضغوط بنعومة. وفي بعض الأحيان، يساير ويقدم على البطش أكثر وعلى إطلاق التهديدات وقصف سوريا. بيد أنه لا يكف عن جهوده لإيصال رسائل للأطراف العربية أنه غير معني بتصعيد حربي.

بل إن الناطق بلسان الجيش، العميد دانئيل هجري، جعلها رسالة علنية، إذ أطلق تصريحات تهدئة في السابع من الشهر الحالي، عبر إذاعة جيشه (غالي تصاهل)، وقال: «الجيش على أتم الجاهزية لمواجهة أي تهديد في الشرق الأوسط، لكنه يعمل كل ما في وسعه لئلا تنشب حرب. ولديه وسائل كافية لنزع الفتيل». وأضاف: «لا أريد أن يدخل المواطنون في حالة ضغط، فالجيش يبذل جهوداً خارقة لحماية أمنهم، ولا ينجر في كل استفزاز لـ(حزب الله)».

وضرب مثلاً على ذلك بالخيمة التي نصبها «حزب الله» على الحدود، وقال: «أجل هذا استفزاز، لكن ليس لدرجة أن نشعل حرباً بسببه. بل نعدّه تهديداً هامشياً»، و«حزب الله» من جهته أخلى الخيمة، وأعاد رجاله إلى الجهة اللبنانية من الحدود.

بنيامين نتنياهو وسموترتش (رويترز)

تجربة «حرب أكتوبر»... والتعامل مع «حزب الله»

> ترفض رموز اليمين الإسرائيلي المتشدد منطق الجيش في التعامل مع «حزب الله»، ويعرب هؤلاء عن اعتقادهم بأن أمينه العام حسن نصر الله يمارس الخداع، ومن شأنه أن يفاجئ إسرائيل بحرب.

دورية للقوات الدولية "اليونيفيل" في المنطقة الحدودية بجنوب لبنان (لرويترز)

أحد نشطاء اليمين، وهو العميد في جيش الاحتياط أوري أجمون، حذر خلال مقابلة مع «معريب» (10 الحالي): «أشعر بأننا نعيش أجواء شبيهة بما حصل قبيل حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973. أعتقد أن نصر الله يعد لنا مفاجآت. وليس عندي شك في أننا نعيش أوضاعاً حساسة ستقود إلى حرب». وأضاف أجمون: «في حينه، تلبّكنا وطرحنا أيضاً كثيراً من الأسئلة. وكانوا يردون علينا؛ لا داعي للقلق. المصريون والسوريون لن يحاربوا. وفجأة تعرّضنا لهجوم حربي منسّق، انطوى على خطر على كيان الدولة برمّتها، لولا أننا قلبنا المعادلة بمساعدة قوية من أميركا».

يرى معارضو نتنياهو أن «الدولة» التي يبنيها لا تستحق التضحية


مقالات ذات صلة

احتفالات في غزة باتفاق وقف إطلاق النار (صور)

المشرق العربي رجل يُلوح بالعلم الفلسطيني وسط أنباء عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل في دير البلح وسط قطاع غزة (رويترز)

احتفالات في غزة باتفاق وقف إطلاق النار (صور)

احتفل آلاف الفلسطينين في قطاع غزة اليوم (الأربعاء) بإعلان التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والمعتقلين بين اسرائيل و«حماس».

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية إسرائيلية تمر أمام لوحة تضم صور مخطوفين لدى «حماس» (أ.ب)

نتنياهو يلغي كل برامجه ويتفرغ لتمرير الصفقة مع «حماس»

ألغى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كل برامجه المقررة، معلناً أنه يتفرغ لتمرير الصفقة مع «حماس» لوقف النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى.

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية غزيون يتفقدون الدمار الذي خلَّفته غارة إسرائيلية على مدرسة الفارابي وسط مدينة غزة الأربعاء (أ.ف.ب)

إسرائيل تستعد لتشويش «أفراح حماس» عند تنفيذ الصفقة

تحتل مهمة التشويش على ما يسمى في تل أبيب «أفراح حماس» مكانة رفيعة.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي 
فلسطينيون يقفون أمام سيارة مدمرة وسط أنقاض مبنى منهار بعد قصف إسرائيلي في مدينة غزة أمس (أ.ف.ب)

«هدنة غزة» تختمر... وتنتظر الإعلان

اختمرت على نحو كبير، حتى مساء أمس، ملامح اتفاق لوقف إطلاق النار بين «حماس» وإسرائيل بعد 15 شهراً من الحرب، وسط ترجيحات كبيرة بقرب إعلانه.

نظير مجلي (تل أبيب) «الشرق الأوسط» (غزة) علي بردى (واشنطن)
شؤون إقليمية ضابط إسرائيلي يزيل جزءاً من صاروخ أطلقه الحوثيون من اليمن بعد أن أصاب منزلاً في قرية ميفو بيتار الإسرائيلية 14 يناير 2025 (أ.ب)

الحوثيون يعلنون قصف أهداف إسرائيلية بطائرات مسيّرة وصاروخ

أعلنت جماعة الحوثي اليمنية، اليوم (الثلاثاء)، تنفيذ هجومين على أهداف في تل أبيب بوسط إسرائيل وإيلات في الجنوب، في خامس هجوم خلال يومين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)
TT

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار والطروحات «التخريبية» التي حملها برنامجه وباشر بتطبيقها منذ توليه المنصب في مثل هذه الأيام من العام الفائت. حالة لم يتح لها الوقت الكافي بعد كي تفجّر كل «مواهبها» ومفاجآتها التي لا يوفّر ميلي مناسبة ليتوعّد بها، خاصة بعد نيله «بركة» مثاله الأعلى، دونالد ترمب، الذي يستعد للعودة قريباً إلى البيت الأبيض.

في مقابلة أجرتها معه مجلة «الإيكونوميست» نهاية الشهر الماضي، قال ميلي إنه يشعر بازدراء لا نهاية له تجاه الدولة، مؤكداً أنه سيفعل كل ما بوسعه للقضاء على تدخل الدولة في شؤون المواطنين وتنظيم حياتهم «لأن ذلك يشكّل أسرع الطرق إلى الاشتراكية». لكن اللافت أن «الإيكونوميست»، الموصوفة برصانتها، تعتبر أن ما يقوم به هذا «المخرّب الأكبر» - كما يحلو له أن يطلق على نفسه – يجب أن يكون قدوة للولايات المتحدة وحكومتها الجديدة التي يبدو أنها مستعدة لتحذو حذو الرئيس الأرجنتيني وتكليف هذه المهمة إلى الملياردير إيلون ماسك.

تدلّ كل المؤشرات على أن الهدف الأساسي من وصول ميلي إلى الحكم، أواخر العام الفائت، هو «تدمير» الدولة من الداخل. ألغى 13 وزارة، وسرّح ما يزيد على ثلاثين ألفاً من الموظفين العموميين، وخفّض بنسب وصلت إلى 74% مخصصات الرواتب التقاعدية والتعليم والصحة والعلوم والثقافة والتنمية الاجتماعية. وعلى هذه الخلفية، سارعت أسواق المال للاحتفاء بالفائض المالي وتراجع التضخم الذي ليس سوى ثمرة واحدة من أكبر الجراحات المالية في التاريخ. لكن الوجه الآخر لهذه العملة البرّاقة كان انضمام 5 ملايين أرجنتيني إلى قافلة الفقراء الذين يعيش معظمهم على المعونة الغذائية في واحد من أغنى البلدان الزراعية والغذائية في العالم، وانكماشا اقتصاديا... من غير أن تتراجع شعبية ميلي الذي يفاخر بأنه الرئيس الأوسع شعبية على وجه الكرة الأرضية.

لا يكفّ ميلي عن مخاطبة مواطنيه عبر وسائط التواصل التي لعبت دوراً أساسياً في وصوله إلى الرئاسة، ويقول إن «القوى السماوية» التي تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى».

رئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا كيرشنر (أ.ب)

لا يعترف الرئيس الأرجنتيني بالتغيّر المناخي، ولا بالمساواة بين الرجل والمرأة، أو بالعدالة الاجتماعية، وينكر الذاكرة التاريخية لأنظمة الاستبداد التي تعاقبت على بلاده، ويعتبر أن كل ذلك ليس سوى بدع يسارية يتوعّد بالقضاء عليها في «حرب ثقافية» يتبّلها بكل أنواع الشتائم التي توقد الحماسة في صفوف أنصاره وتزرع الحيرة في أوساط المعارضة المشتتة.

الأغرب في كل ذلك هو أن ميلي لا تؤيده سوى أقلية في مجلسي الشيوخ والنواب، فضلاً عن أن جميع حكّام الولايات الذين يتمتعون بصلاحيات واسعة، ليسوا من حزبه «الحرية تتقدم». كما أنه اضطر للإبقاء على العديد من كبار موظفي الحكومة اليسارية السابقة في مناصبهم لعدم وجود كوادر مؤهلة كافية في حزبه. لكن رغم هذا العجر الهائل، تمكّن ميلي من إقرار حزمة قوانين يعتبرها أساسية لمشروع تفكيك الدولة ورفع القيود عن العجلة الاقتصادية، من غير أن يتضّح بعد إذا كانت هذه السنة الأولى من ولايته مدخلاً لإحكام سيطرته على الدولة، أو هي تمهيد لهيمنة اليمين المتطرف على المشهد السياسي.

يعتمد ميلي على التأييد الشعبي الواسع الذي ما زال يلقاه، وعلى حاجة حكّام الولايات لموارد الدولة، وبشكل خاص على الحلف التشريعي الذي أقامه مع اليمين المعتدل ممثلاً بالحزب الذي يقوده رئيس الجمهورية الأسبق ماوريسيو ماكري. ومنذ نزوله المعترك السياسي، بعد أن كان ينشر أفكاره وطروحاته عبر البرامج التلفزيونية التي كان يقدمها، استمد شعبيته وقوته ضد ما يسميه «السلالة»، أي الطبقة السياسية التقليدية. أما الاتفاقات أو الائتلافات التي سعى إليها، فهي لم تكن سوى تكتيكية، ولم يفاوض على برنامجه مع الأحزاب أو القوى التي تحالف معها، بل بقي تحالفه الأساسي مع القاعدة الشعبية التي ما زالت تدعمه، والتي يرجّح أن تكون هي أيضاً نقطة ضعفه الرئيسية التي ستؤدي إلى سقوطه عندما تتوقف عن دعمه بعد أن تفقد الأمل الضئيل الذي ما زال يحدوها في أن تتحسن الأوضاع المعيشية.

وصفة ميلي تحقق نتائجها

يقول المقربون من ميلي إن سر استمرار شعبيته التي توقع كثيرون أنها إلى زوال سريع، هو أنه ينفّذ كل الوعود التي قطعها في حملته الانتخابية، فيما بدأ بعض منتقديه يعترفون بأن «وصفته» تحقق النتائج التي وعد بها.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة انشقاق بعض رموز الحزب البيروني واصطفافهم إلى جانب ميلي، مثل العضو البارز في مجلس الشيوخ كارلوس باغوتو، وهو قريب من الرئيس الأسبق كارلوس منعم. وقال باغوتو: «إن ميلي هو الشخص الذي تحتاجه الأرجنتين للتخلص من الموجة الشعبوية الاشتراكية التي حكمتها طيلة العقدين المنصرمين... كنا في حال من التحلل الاجتماعي الذي بلغ مستويات يصعب تصورها. وبعد أن أصبحت الدولة تتدخل في جميع مسالك الحياة، عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لشريحة واسعة من المواطنين، وبعد أن أخفقت جميع المحاولات لضبط التضخم الهائل، أدركت الطبقات المتواضعة أن الخلاص لا يمكن أن يأتي من غير تضحيات... وكان ميلي».

"يقول ميلي إن «القوى السماوية» تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى»."

خدمة مصالح رجال الأعمال

لكن قراءة المعارضة للمشهد الاجتماعي تختلف كلياً، إذ يرى وزير الداخلية السابق إدواردو دي بيدرو المقرّب من الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر، أن ميلي قضى على حقوق وخدمات أساسية، مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، بينما خدم، في المقابل، مصالح رجال الأعمال والمراكز المالية. ويضيف: «إن قرارات مثل قطع الأدوية عن مرضى السرطان في المراحل الأخيرة، أو الكف عن توفير التغطية العلاجية للمتقاعدين، أو إقفال المطاعم الشعبية التي كانت تؤمن وجبات أساسية لحوالي 19% من السكان يعيشون على المعونة الغذائية، هي دليل ساطع على قسوة هذه الحكومة وعدم إحساسها».

يردّ ميلي على هذه الانتقادات بوصفها من أفعال الشيوعيين المناهضين للحرية، ويكرر أنه يقود «أفضل حكومة في التاريخ»، مقتنعاً بأنه مكلّف مهمة سماوية، ويقترح حرباً نضالية عالمية تحت راية «اليمين الدولي» من أجل القضاء نهائياً على اليسار، يجوز فيها استخدام كل الوسائل، بما في ذلك العنف. كما أكّد مؤخراً في أحد المهرجانات السياسية: «لست في وارد اللياقة أو الوفاق. لن أتراجع أبداً، وسأواصل السير نحو النار، لأن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع. لسنا ملزمين بتبرير أفعالنا، وإذا فعلنا فسوف يعتبرون ذلك من باب الضعف. كلما تعرضنا لضربة من خصومنا، سنردّ الواحدة بثلاث».

تكيف وبراغماتية

الهجوم الدائم هو العلامة الفارقة في أسلوب الرئيس الأرجنتيني، لكن ميلي أظهر قدرة لافتة على التكيّف والبراغماتية التفاوضية كلّما وجد نفسه بحاجة إلى أصوات المعارضة، في مجلسي الشيوخ والنواب وبين حكام الولايات، خاصة عندما طرح «قانون الأساسات» الذي يتضمّن مئات المواد التي تعتبرها الحكومة ضرورية لتنفيذ برنامجها. يفعل ذلك وهو يدرك جيداً أن الأحزاب التقليدية فقدت شعبيتها، وهي في حال من الانهيار السريع الذي يمكن لحزبه أن يستفيد منه في الانتخابات العامة المرحلية في خريف العام المقبل ليقلب المعادلة البرلمانية الحالية التي تشكّل عائقاً كبيراً أمام مشروعه «التخريبي».

ستكون انتخابات العام المقبل حاسمة بالنسبة لميلي ليقلب المعادلة البرلمانية ويضمن الأغلبية التي تحرره من التفاوض مع المعارضة كلما أقدم على خطوة اشتراعية لتنفيذ برنامجه، خاصة أن التأييد الشعبي ليس مضموناً في المدى الطويل.

ويخشى معاونوه من أن جنوحه الشديد نحو التعصب والصدام العنيف مع خصومه السياسيين قد يبعده عن تحقيق هدفه الأساسي الذي كان وراء فوزه في الانتخابات الرئاسية، وهو معالجة الأزمة الاقتصادية المزمنة التي تتخبط فيها البلاد منذ عقود. وينصحه المقربون بعدم التمادي في «الحروب الثقافية» مع حلفائه الغربيين الذين حصرهم منذ اليوم الأول بالولايات المتحدة وإسرائيل والدول «الحرة»، وسمّى الاشتراكيين واليساريين خصومه إلى الأبد.

لكن رغم خطابه الناري والتهديدي الذي لا يخلو أبداً من الألفاظ البذيئة، والذي بدأ مستشاروه يواجهون صعوبة في تبريره بالقول إن هذا هو أسلوبه والناس تعرف ذلك، بدأ ميلي يعطي مؤشرات على أنه ليس غريباً كلياً عن البراغماتية والواقعية. وهو اعترف قبل أيام أنه تعلّم الكثير في السياسة خلال هذه السنة الأولى من ولايته. وقال إنه لم يعد لديه أعداء سياسيون في الأرجنتين، بل خصوم يريدون الخير للبلاد. وبعد أن كان صرّح مراراً خلال الحملة الانتخابية بأن الصين هي في معسكر الأعداء وبأنه لن يتعامل مع «القتلة»، قال مؤخراً: «إن الصين شريك رائع لا يطلب شيئاً سوى التبادل التجاري الهادئ» وإن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي كان وصفه غير مرة بأنه «يساري فاسد»، لن يصبح صديقه، لكن مسؤوليته الدستورية تقتضي منه التعامل معه.

الأرقام الاقتصادية في نهاية العام الأول من ولاية ميلي تظهر أن الشركات الكبرى في قطاع المحروقات، وكبار المستثمرين في أسواق المال والمصارف، هم الذين حققوا أرباحاً استثنائية خلال هذه السنة، وأن الجائزة الكبرى كانت من نصيب المتهربين من دفع الضرائب الذين استفادوا من خطة «التبييض» التي وضعها، بما يزيد على 20 مليار دولار، أي نصف القرض الذي حصلت عليه الأرجنتين منذ سنوات من صندوق النقد الدولي لوقف الانهيار الاقتصادي التام وما زالت حتى اليوم عاجزة عن سداده أو حتى عن جدولته. أما في الجهة المقابلة فكان المتقاعدون والموظفون العموميون وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هم الأكثر تضرراً من النموذج الذي خفّض الإنفاق العام وألغى القيود على الواردات بهدف احتواء التضخم الجامح الذي يقضّ مضاجع ملايين الأسر منذ سنوات، فضلاً عن الفقراء (19% من السكان حسب الإحصاء الأخير) الذين حُرموا فجأة من المعونة الغذائية التي كانت تقدمها الدولة.

أرباح الشركات الكبرى في قطاع الطاقة بلغت أرقاماً قياسية هذا العام بفضل زيادة الإنتاج وتحرير الأسعار والتدابير الضريبية والجمركية والقانونية التي أعلنها ميلي الذي يريد لهذا القطاع أن يكون المحرك الأساسي لاقتصاد الأرجنتين في العقود الثلاثة المقبلة، انطلاقاً من منطقة «باتاغونيا» الشاسعة في أقصى الجنوب التي تختزن، بحسب تقديرات، ثاني أكبر احتياطي من الغاز ورابع احتياطي من النفط في العالم. وفي نهاية الشهر الماضي كانت أسعار أسهم شركة النفط الرسمية قد ارتفعت بنسبة 140% عن العام الفائت، فيما ارتفعت أسعار أسهم الشركات الخاصة 75%.

تمديد الإنفاق

في موازاة ذلك قرر ميلي تجميد الإنفاق على المشاريع العامة، بينما كان الاستهلاك يتراجع إلى أدنى مستوياته والصناعة الأرجنتينية تعاني على جبهات ثلاث: انخفاض المبيعات، وتدفق السلع المستوردة بأسعار تصعب منافستها، وتراجع الصادرات بسبب ارتفاع سعر البيزو مقابل الدولار الأميركي. إلى جانب ذلك، سحب ميلي جميع إجراءات الدعم التي كانت اتخذتها الحكومات السابقة لمساعدة الطبقات الفقيرة، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار النقل العام بنسبة 1000% وفواتير الغاز والكهرباء والتأمين الطبي والتعليم الخاص بنسب تزيد على 500%. وكانت الأشهر الستة الأولى من ولاية ميلي هي الأكثر صعوبة، إذ تزامنت مع نسبة تضخم قاربت 30% شهرياً بحيث تجاوزت نسبة المصنفين فقراء بين السكان 53%.

ستكون الأشهر الأولى من العام الثاني لولاية ميلي، حاسمة في تقدير عدد من المراقبين، لأنها ستبيّن مدى صمود شعبيته أمام انهيار الخدمات الأساسية والمساعدات التي تعيش نسبة عالية من السكان عليها، فيما يصرّ هو على رهانه بأن الفشل الذريع الذي تتخبط فيه القوى السياسية الأرجنتينية منذ عقود سيكون الخزان الذي سيغرف منه لترسيخ شعبيته حتى نهاية الولاية.