النيجر... انقلاب نحو الجحيم

هل يخسرُ الغربُ آخر معارك النفوذ في الساحل الأفريقي؟

جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)
جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)
TT

النيجر... انقلاب نحو الجحيم

جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)
جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)

جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)

قبلَ أسبوعين وقف محمد بازوم، بصفته رئيساً للنيجر، وسط حشود كبيرة كانت تستقبله في إقليم طاوة، بوسط البلاد، وألقى خطاباً لم تكن تنقصه الكاريزما ولا قوة الشخصية، فالرجلُ خريج فلسفة وبدأ مساره السياسي من العمل النقابي، قبل أن يتدرجَ في المناصب السامية، وصولاً إلى رئاسة البلاد قبل سنتين. تكلّم بازوم، وهو السياسي المدني المتحدر من الأقلية العربية في النيجر، بصراحة غير معهودة عن المؤسسة العسكرية. وقال إن على الجنرالات أن يخرجوا من مكاتبهم المكيّفة، ليقفوا في الصفوف الأمامية مع الجنود في مواجهة التحديات الأمنية التي تهدّد البلاد، وخاصة خطر الإرهاب. ولكن، بعد أسبوعٍ احتجز جنرال غاضب الرئيس بازوم داخل القصر الرئاسي، وأعلن قلب نظام الحكم، ليدخل البلد الأفريقي الفقير في نفقٍ مظلم، سبقته إليه مالي وبوركينا فاسو المجاورتان. بيد أن الوضعَ في النيجر سيكون مختلفاً، ذلك أن هذا البلد يعد أحد آخر معاقل قوى الغرب في منطقة الصحراء الكبرى، ومن المرجّح أن تدور فيه «المعركة الأخيرة» في حرب النفوذ المستعرة - من دون إعلان - في أفريقيا ما بين الغرب وروسيا.

الانقلابات العسكرية ليست أمراً غريباً

على غرار غالبية بلدان غرب أفريقيا، الانقلابات العسكرية ليست أمراً غريباً في النيجر؛ إذ يكادُ لا يمر عقد من دون وقوع انقلاب أو اثنين، أو على الأقل محاولات تفشل في اللحظات الأخيرة. ويكفي أن نعرف أنه منذ انتخاب محمد بازوم رئيساً للنيجر عام 2021، وقعت محاولة انقلابية جدية قبل يومين من تنصيبه، ومحاولة أخرى جرى التعتيم عليها العام الماضي.

هذا ما يدفع إلى القول إن الانقلابات غدت جزءاً من تناقضات الديمقراطية الأفريقية، فحين تفشلُ يُعد ذلك دليلاً على صلابة التجربة الديمقراطية ونضجها، وحين تنجح تُصنَّف على أنها تصحيح للمسار الديمقراطي وتعزيز له... أي أنها في النهاية دوماً تُقدم على أنها جزء من العملية الديمقراطية، على الرغم مما يُقال عنها خلال لحظات الشك في أيام التأرجح ما بين الفشل والنجاح.

في هذا السياق، يقول عبد الصمد امبارك، رئيس «مركز الأطلس للتنمية والبحوث الاستراتيجية» في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن الانقلاب الذي وقع في النيجر «يدخل في مسلسل الانقلابات التي دأبت عليها القارة السمراء منذ حقبة ما بعد الاستقلال».

أما فيما يتعلقُ برؤية الانقلاب من السياق الداخلي للنيجر، فيعتقدُ امبارك أنه «من الطبيعي أن يكونَ إجهاضاً للشرعية الدستورية، وإجهاضاً لشرعية الحكم في النيجر، سيما وأنه عندما خرجت النيجر من انتخابات عام 2021 الرئاسية شكل ذلك نموذجاً للتناوب السلمي على السلطة، وكان يعتبر مصدر فخرٍ في غرب أفريقيا. لكن اليوم تنقلب الصورة في مسعى عسكري قديم متجدّد، هدفه الاستيلاء على السلطة إثر خلاف بين أقطاب المعادلة السياسية».

انعدام النضج والتخطيط

قائد الانقلاب الجنرال عبد الرحمن تياني (رويترز)

من جانبه، يذهب ياسين عبد القادر الزوي، وهو باحث في الشؤون الأفريقية، خلال حديث مع «الشرق الأوسط» إلى الغوص أكثر في أسباب الانقلاب، مشيراً إلى أن الأمور لم تكن بذلك «النضج والتخطيط». ثم يوضح فيقول: «إن المتابع لبداية الأحداث سيدركُ أنه لم يكن هناك تخطيط للانقلاب، بل بدا الأمر وكأنه نوع من الضغط على الرئيس كي يتراجع عن بعض القرارات».

وأردف الباحث في الشأن الأفريقي أن المعلومات المتداولة تشير إلى أن بازوم «كان ينوي إجراء تغييرات ستصدر عن اجتماع لمجلس وزراء سيُعقد الخميس، لكن الانقلاب وقع الأربعاء... وكان ضمن هذه التغييرات إقالة قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تياني»، وهو الرجلُ الذي قاد الانقلاب، ويحاول جاهداً تثبيت أركان حكمه رغم كل الضغوط.

ومن ثم، يذكّر الزوي بمضمون كلام الرئيس بازوم في إقليم طاوة، حين قال صراحة إن «القادة العسكريين لا يجوز أن يبقوا في المكاتب وتحت المكيفات، وإنما مكانهم الحقيقي هو في صدارة الجنود، وفي الصفوف الأمامية لمواجهة التحديات الأمنية». وكان ذلك إشارة ضمنية إلى الجنرال الموجود في قيادة الحرس الرئاسي منذ قرابة 10 سنوات.

الرئيس الرهينة

حقاً، لطالما كانت الانقلابات العسكرية في النيجر، وفي غرب أفريقيا عموماً، تقوم على مخطط ونموذج ثابت لا يكاد يخرج عنه أي انقلاب؛ إذ تقف وراء الانقلاب مجموعة من الضباط في مختلف التشكيلات العسكرية، ولديهم جناح مدني صلب، وربما جهة خارجية توفر لهم الدعم الدبلوماسي المطلوب.

ولكن خلال السنوات الأخيرة ظهر نموذج جديد من الانقلابات العسكرية. هذا النموذج بدأ في مالي عام 2020، وتكرّر في بوركينا فاسو ثم في غينيا، وها هو يحدث في النيجر، بالتفاصيل نفسها حتى لكأن الجهة التي خططت له هي نفسها.

ويعتمدُ هذا النموذج المُـبسَّط جداً على أخذ الرئيس «رهينة»، وإرغامه على تقديم استقالته، ورفض الاستجابة لأي ضغوط إقليمية أو دولية، في استغلال واضح للوضع الدولي المضطرب، معززاً باستغلالٍ لحالة الغضب الشعبي من الأوضاع الاقتصادية المتأزمة، وربط كل تلك الأزمات بشخص الرئيس وسياساته «الفاشلة».

وهكذا تصبحُ استقالة الرئيس هي المخرج «الدستوري» الوحيد الذي يراهن عليه الانقلابيون، وسبيلهم الوحيد نحو فرض الأمر الواقع. هذا بالضبط ما حدث في دولة مالي قبل ثلاث سنوات، حين نجح الانقلابيون في إرغام الرئيس الراحل إبراهيم بابكر كيتا على تقديم استقالته في بث عبر التلفزيون، واعتبر ذلك إذلالاً لواحد من أعتى السياسيين في غرب أفريقيا، وضربة موجعة للديمقراطية.

ولكن مراقبي الوضع في النيجر، يتساءلون عمّا إذا كان النقابي العتيد محمد بازوم سيرضخ لرغبات الانقلابيين، ويقدم استقالته ليقطع بذلك الطريق على كل التحركات الإقليمية والدولية لإعادته إلى كرسي الحكم أم لا.

هُنا يقول ياسين عبد القادر الزوي، الذي يدّعي معرفة شخصية بالرئيس بازوم: «حسب معرفتي به، فهو شخصية صلبة وشجاعة وعنيدة وعصامية، ما يعني أن مسألة تقديم الاستقالة والتنازل مستبعدة جداً. وفي تقديري أن أكبر تنازل يمكن أن يقدّمه هو أن يتفاوض معهم على حلٍّ يناسب الجميع، كأن يمنحهم مناصب دبلوماسية مع إبعادهم عن المواقع العسكرية الحسّاسة».

تداعيات الانقلاب

في المقابل، على الرغم من أن الزوي يبدو جازماً إزاء صمود بازوم، ما قد يساهم في فشل الانقلاب العسكري، فإن التجربة في أفريقيا - وحتى في النيجر ذاتها - تثبتُ أن أي محاولة انقلابية وصلت إلى هذه المرحلة، من الصعب أن تعود الأمور بعدها إلى ما كانت عليه. والسبب أن قادة الانقلاب، وإن كانوا ليسوا بالقوة الكافية للمضي قُدما، فإن الرئيس بدوره يكون قد فقد قوة الاستمرار في الحكم، وبالتالي قد يبرزُ طرف ثالث يُخرِج الطرفين من المعادلة.

وهُنا يقول الباحث في الشأن الأفريقي إن الانقلاب حتى وإن فشل «ستكون له تأثيرات كبيرة على المشهد السياسي في النيجر، خاصة على مستوى الحزب الحاكم... فبغض النظر عما ستؤول إليه الأمور، لا شك، ستتغير المواقع في الخارطة السياسية، وخاصة وضع الرئيس السابق محمدو يوسفو، الذي كان موقفه غير واضح من الانقلاب خلال الأيام الأولى، وهو الذي كان في السنوات الأخيرة صاحب الكلمة الأولى في الحزب الحاكم».

أما عبد الصمد امبارك، رئيس «مركز الأطلس للتنمية والبحوث الاستراتيجية»، فيقولُ إن الانقلاب بغض النظر عن نتيجته «يضع النيجر أمام مرحلة استثنائية من المفروض أنها قد تتطلب بعض الوقت... ولكن تداعياتها وخيمة على الأمن والتنمية في هذا البلد الذي يعاني أصلاً مضاعفات مؤثرة على الاستقرار، نتيجة تنامي مخاطر الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة العابرة للحدود والهجرة غير الشرعية، زيادة على تراجع معدلات التنمية مع انتشار الفقر والجهل والتخلف».

ويضعُ امبارك هذا الانقلاب في سياق ما قال إنه «دوامة اللا استقرار السياسي، التي شملت كلاً من مالي وبوركينا فاسو وتشاد، ما يولّد حلقة جديدة من التداعيات في شبه المنطقة قد تمتد نحو نطاق أوسع، وتنتشر العدوى إثر اشتعال النار في هذه البلدان الهشّة والمعروفة بضعف الولاء للدولة المركزية. وهذا، ناهيك عن هشاشة نظام الحكم في هذه الدول، وهو حكم حديث العهد بالتعددية السياسية وبالديمقراطية».

إطفاء الحريق

الرئيس محمد بازوم (أ.ف.ب)

من جانب آخر، تعدّدت محاولة إطفاء حريق النيجر، وفي حين جاء الموقف الغربي صارماً ضد الانقلاب، ذهبت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) إلى فرض عقوبات مع التلويح بخيار التدخل العسكري ضد الانقلابيين، وهو ما دفع مالي وبوركينا فاسو وغينيا إلى اعتبار أي تدخل عسكري في النيجر اعتداءً وإعلان حرب عليها.

ووسط كل هذه الجلبة، برز موقف مختلف تبنّته تشاد المجاورة للنيجر، حين هرع رئيسها الجنرال الشاب محمد إدريس ديبي إلى عاصمة النيجر نيامي، والتقى بأطراف الأزمة بمن فيهم الرئيس المحتجز بازوم وقادة الانقلاب، فيما بدا أنه مبادرة للوساطة من أجل حلحلة الوضع والخروج بحل سلمي.

وفعلاً، ثمة مبررات كثيرة لتحرك تشاد دون غيرها، فهي ليست عضواً في مجموعة «إيكواس»، وبالتالي فهي غير ملزمة بالعقوبات المفروضة على النيجر، بل هي أقرب لموقف الحياد بين كل الأطراف. ثم إن شريطاً حدودياً طويلاً يربطها بالنيجر، وهو من أخطر المناطق، حيث تنشط جماعات مسلحة وشبكات تهريب.

وهنا يقول ياسين عبد القادر الزوي إنه بالإضافة إلى ما سبق «لدى تشاد وجود عسكري كبير في النيجر، وخصوصاً في إقليم ديفا المحاذي للأراضي التشادية، في إطار تعاون مهم جداً قائم منذ سنواتٍ بين البلدين لمكافحة الإرهاب ومحاربة الجماعات المسلحة. وأول زيارة خارجية للرئيس محمد إدريس ديبي عقب توليه السلطة مكان والده الراحل إدريس ديبي، كانت إلى النيجر، وهو يرتبط بعلاقة إنسانية جيدة مع الرئيس محمد بازوم الذي هو من إقليم ديفا».

أيضاً تجمع البلدين الجارين عدة أطر إقليمية، مثل «مجموعة دول الخمس في الساحل»، و«التحالف العسكري الإقليمي لمحاربة بوكو حرام» الذي يضم معهما نيجيريا والكاميرون. ووفق كلام الزوي، فإن «تشاد تحاول أن تستعيد مكانتها ودورها في المنطقة، بعد سنواتٍ من الانكفاء على النفس، ولا شك أن محمد إدريس ديبي يسعى إلى لعب دور محوري في هذه الأزمة، وتقديم نفسه كلاعب كبير في أزمات المنطقة، على غرار ما كان يفعلُ والده». ويضيف الزوي أن «الوساطة التشادية تبقى في النهاية مبادرة شجاعة، وتُحسب للجنرال ديبي، لكن الوضع لا يزالُ غير واضح المعالم، ومن غير الممكن التكهن بنتائجها، لكن الأكيد أنها تحظى بدعم من مجموعة (إيكواس) وفرنسا».

في أي حال، تشاد تحاولُ جاهدة أن تطفئ حريق النيجر؛ كي لا تجد نفسها محاصرة بالنيران، في ظل الحرب المستعرة في دولة السودان، جارتها الشرقية. وفي مقابل موقف تشاد الساعي للوساطة والتهدئة، يبرزُ موقف نيجيريا الحازم تجاه الانقلاب العسكري في النيجر. وهذا موقف له تأثيره الكبير على سير الأمور؛ لأن نيجيريا هي الدولة الأكبر والأهم في غرب أفريقيا، وصاحبة القرار المؤثر في مجموعة «إيكواس»، وهي ترى أن أي انزلاق في النيجر يشكل تهديداً جدياً لأمنها القومي، بسبب التداخل العرقي والاجتماعي والثقافي بين البلدين.

الحل العسكري

هنا، من الواضح أن رئيس نيجيريا الجديد بولا تينوبو، يدفعُ نحو تدخل عسكري تقوم به «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» (إيكواس)، وهي المنظمة الإقليمية التي تضم 15 بلداً من ضمنها النيجر، وقعت كلها على ميثاق يرفض الانقلابات ويسمح بعقوبات ضد مرتكبيها، قد تصل إلى التدخل العسكري.

وفيما يبدو أن الخيار العسكري سيكون «الحل الأخير» - إلا أنه يبقى مطروحاً - يعرب عبد الصمد امبارك عن اعتقاده بأن هذا الخيار «غير ممكن لبضعة أسباب منها: أولاً فقدان القدرة الميدانية على القيام به. وثانياً الموقف الموحّد الذي أعلن عنه التحالف القائم بين بوركينا فاسو ومالي (ومعهما غينيا) في مواجهة أي تدخل عسكري محتمل في النيجر. وثالثاً لأن التدخل العسكري من شأنه أن يُعقد الأمور ويدفع بها في اتجاه المجهول، وبالتالي، حدوث ما لا تُحمَد عقباه في منطقة الساحل عموماً».

وهنا يعود إلى أذهان صنّاع القرار في المنطقة، تدخل حلف شمال الأطلسي «ناتو» في ليبيا عام 2011، الذي عارضته مجموعة دول الساحل بحجة خطره على الأمن في المنطقة، ولكن لا أحد سمع صوتها آنذاك. هذه الدول لن تكون مستعدة لتكرار الخطأ نفسه، وفي هذا السياق يشير امبارك إلى أن الوضع بات أكثر تعقيداً في ظل ما قال إنه «صراع دولي على النفوذ في المنطقة... من جهة محاور باريس وواشنطن وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ومحوَر روسيا الصاعد بقوة من جهة أخرى، خاصة بعد انتشار قوات (فاغنر) الخاصة الروسية (في جل بلدان الساحل الأفريقي)». ويضيف رئيس «مركز الأطلس للتنمية والبحوث الاستراتيجية» أن «هذه الأوضاع من شأنها تعقيد حسابات الخروج من الأزمة الدستورية في النيجر».

ولكن الزوي، في رأي مخالف، يعتقد أن الحل العسكري «غير مستبعد». ويشير في هذا السياق إلى أن «الوضع الإقليمي والدولي الملتهب يجعلُ الحل العسكري مسألة متوقعة جداً، ولو أنه يبقى الخيار الأخير». ويضيف: «كل المؤشرات تقول إنه في حالة رفض القادة العسكريين التراجع عما قاموا به، فلا مفر من الحل العسكري».

هل هي حقاً «صفعة» لنفوذ فرنسا الإقليمي؟

*لا يشك مراقبون للوضع الإقليمي أن فرنسا خسرت كثيراً من قوتها في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة، لكنها رغم ذلك لطالما اعتبرت النيجر آخر معاقل ومراكز القوة الفرنسية، بسبب تمركز أكثر من 1500 جندي فرنسي فيها.

غير أنه، بعد الانقلاب الأخير، يرى هؤلاء أن الأمور تتجه نحو توجيه «صفعة» جديدة للنفوذ الفرنسي، خاصة في ظل التقارب الواضح بين الانقلابيين في النيجر وأقرانهم في مالي وبوركينا فاسو.

هنا يقول ياسين عبد القادر الزوي إن «الوجود العسكري الفرنسي في النيجر مهم جداً، وله رمزية معنوية لدى باريس. وبالتالي، فإن نجاح الانقلاب سيضعه أمام مخاطر كبيرة، رغم تطمينات قادة الانقلاب، وذلك أمر تدركه فرنسا... التي لن ترضى بأقل من عودة الرئيس المنتخب إلى منصبه، مع تقديم تنازلات سياسية محدودة».

ويضيف الباحث في الشأن الأفريقي أن الرسائل الداعمة للانقلاب التي جاءت من مالي وبوركينا فاسو لها دلالتها؛ إذ إنها «تنطلق من خلافات كانت قائمة مع السلطات السابقة في النيجر، التي ظلت تعارض الانقلاب في البلدين. وعليه، يشكل انقلاب النيجر فرصة أمام كل من مالي وبوركينا فاسو لـ(جرّ) النيجر نحو معسكرهما المناهض لفرنسا والموالي لروسيا».

في المقابل، الموقف الروسي من انقلاب النيجر، وإن كان رافضاً للانقلاب، فهو لم يكن بنفس مستوى الحدة التي جاءت بها مواقف المجموعة الدولية، بل إن رئيس «فاغنر» عبّر عن استعداده لدعم قادة النيجر الجدد.

أكثر من هذا، فإن النقيب إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو، ظهر في اجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أسبوع، وهو يتحدث عن ضرورة دعم الجيش في النيجر. وقال أيضاً إن ثمة اتهامات توجه إلى مالي وبوركينا فاسو بالتورط في انقلاب النيجر، الأمر ينطوي على اتهام مبطن لروسيا بالتورط في الانقلاب بطريقة غير مباشرة، ومع أنه لم ينف ذلك ولم يؤكده، فإن تراوري اعتبر أنه «يفرض اتخاذ موقف تجاه ما يجري».


مقالات ذات صلة

محاولة انقلابية فاشلة في دولة بنين

أفريقيا صورة أرشيفية لمتظاهرة تحمل علم بنين خارج البرلمان في العاصمة بورتو نوفو أبريل 2017 (أ.ف.ب)

محاولة انقلابية فاشلة في دولة بنين

أعلنت السلطات في دولة بنين اعتقال قائد الحرس الجمهوري ورجل أعمال مُقرّب من رئيس البلاد ووزير سابق في الحكومة، إثر تورّطهم في مخطط لقلب نظام الحكم بالقوة.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا المواطن الأميركي بنجامين ريوبين زالمان بولن خلال محاكمته في قضية «محاولة الانقلاب» بالكونغو (إ.ب.أ)

حكم بإعدام 37 شخصاً بينهم 3 أميركيين في «محاولة الانقلاب» بالكونغو الديمقراطية

أصدرت محكمة عسكرية بكينشاسا حكماً بإعدام 37 متهماً، بينهم 3 أميركيين، في قضية «محاولة الانقلاب» التي شهدتها جمهورية الكونغو الديمقراطية.

«الشرق الأوسط» (كينشاسا)
آسيا الشيخة حسينة (رويترز)

بنغلاديش تلغي حظراً مفروضاً على حزب إسلامي بعد رحيل الشيخة حسينة

ألغت الحكومة المؤقتة في بنغلاديش حظراً على أكبر حزب إسلامي في البلاد، وهو حزب الجماعة الإسلامية، ملغية بذلك قراراً اتخذه نظام رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة

«الشرق الأوسط» (دكا)
آسيا متظاهرون يحتفلون بالقرب من صورة مشوهة لرئيسة وزراء بنغلاديش السابقة الشيخة حسينة بعد أنباء استقالتها في دكا يوم 5 أغسطس 2024 (أسوشييتد برس)

قضاء بنغلاديش يفتح تحقيقاً بتهمة القتل في حق الشيخة حسينة

فتحت محكمة في بنغلاديش تحقيقاً في جريمة قتل، يطول رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة و6 شخصيات بارزة في إدارتها، على خلفية قتل الشرطة رجلاً خلال الاضطرابات.

«الشرق الأوسط» (دكا)
أوروبا أوكرانيات مدنيات لدى حضورهن تدريباً على استخدام الأسلحة القتالية والمعدات الطبية في كييف (أ.ف.ب)

أوكرانيا تحبط مخططاً لانقلاب مزعوم

أعلنت السلطات الأوكرانية عن إحباط مخطط لانقلاب مزعوم كان يستهدف الاستيلاء على السلطة في العاصمة كييف.

«الشرق الأوسط» (كييف)

انتخابات تونس: ماراثون سياسي... وتصعيد بين السلطات ومعارضيها

زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)
زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)
TT

انتخابات تونس: ماراثون سياسي... وتصعيد بين السلطات ومعارضيها

زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)
زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)

خلافاً للانتخابات الرئاسية التونسية السابقة، التي تنافس في دورتها الأولى قبل خمس سنوات 26 شخصية وأسفرت في دورتها الثانية عن فوز قيس سعيّد، لا تتضمن قائمة المرشحين الرسميين هذه المرة إلا ثلاثة أسماء، هم: الرئيس الحالي سعيّد والبرلمانيان السابقان زهير المغزاوي (الأمين العام لحزب الشعب) «العروبي الناصري» (59 سنة) ورجل الأعمال المهندس الليبرالي العياشي زمال (47 سنة). وعلى غرار ما سجل في انتخابات 2019، التي شارك رجل الأعمال نبيل القروي في دورها الأول وهو في السجن، يستمر إيقاف العياشي زمال المرشح «المعتمد رسمياً» الذي أصدرت محاكم عديدة ضده أحكاماً بالسجن بتهمة «تزييف تزكيات الناخبين».

في هذه الأثناء، أكّد القاضي فاروق بوعسكر، رئيس «الهيئة العليا للانتخابات» ومحمد التليلي المنصري الناطق الرسمي باسمها، أن اسم زمال سيظل مُدرجاً في قوائم المرشحين وسيعرض على الـ9 ملايين و700 ألف ناخب المرسّمين في القوائم الرسمية. وما يجدر ذكره هنا أن «الهيئة» كانت قد أسقطت رسمياً 3 مرشحين بارزين أعادتهم «الجلسة العامة للمحكمة الإدارية» للسباق، هم على التوالي: المنذر الزنادي، وزير التجارة والسياحة والنقل والصحة في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وعبد اللطيف المكي، وزير الصحة لفترتين في العشرية الماضية، وعماد الدايمي، الوزير والبرلماني السابق ما بين 2011 و2019.

معارك قانونية وسياسية

بعد اختلاط الأمور و«الأجندات»، تباينت التقييمات داخل النخب والأوساط الدبلوماسية والسياسية في تونس للعملية الانتخابية الحالية، التي أعلن رسمياً أنها انطلقت يوم 14 يوليو (تموز) الماضي.

فقد انتقد قياديون في «الاتحاد العام التونسي للشغل» بينهم أمينه العام نور الدين الطبوبي، وفي «منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان» بينهم رئيسها المحامي سامي الطريفي، «المناخ السياسي والإعلامي والحقوقي في البلاد»، واعتبروا أنه «غير ملائم لتنظيم انتخابات تعدّدية نزيهة وفق المقاييس الدولية»، خلافاً لمناخ انتخابات 2014 و2019. ولفت سامي الطاهري، الناطق الرسمي باسم «الاتحاد العام التونسي للشغل» - الذي يعدّ أكبر قوة نقابية وسياسية في تونس - خصوصاً إلى «الأجواء التي تجري فيها العملية الانتخابية»، وذلك إثر استبعاد عشرات من زعماء المعارضة والنشطاء المستقلين بسبب إيقافهم وفتح قضايا أمنية عدلية ضدهم بتهم خطيرة، بينها «التآمر على أمن الدولة» و«الفساد».

كذلك، لوّحت بلاغات رسمية باسم اتحاد النقابات بـ«سيناريو» تنظيم إضراب عام في البلاد للضغط على السلطات.

قضايا التآمر على أمن الدولة

في سياق متصل، كشف المحامي والأكاديمي اليساري والوزير السابق عبد الوهاب معطر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن أن نحو 15 قضية «تآمر على أمن الدولة» فُتحت ضد شخصيات سياسية محسوبة على المعارضة، بعضها كان معنياً بالترشح للانتخابات.

في الوقت نفسه، قال المحامي عبد الرؤوف العيادي، زعيم حزب «وفاء»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن الإيقافات والتحقيقات شملت خلال الأشهر الماضية عشرات من أبرز السياسيين وحرمتهم من فرصة الترشح، وعدّد بين هؤلاء: القيادي في «جبهة الخلاص» المعارضة جوهر بن مبارك، والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي الوزير غازي الشواشي، والمدير التنفيذي لحزب «أمل» ومدير مكتب رئاسة الجمهورية سابقاً الوزير رضا بالحاج، إلى جانب عدد من القياديين في أحزاب «حركة النهضة» (إسلامي محافظ) و«قلب تونس» (ليبرالي) وائتلاف «الكرامة» (محافظ) وحزب «حراك تونس – الإرادة» (الذي يتزعمه الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي) وحزب المؤتمر (الذي يتزعمه المحامي والوزير السابق سمير بن عمر).

أيضاً، انتقد حسام الحامي منسّق «ائتلاف صمود»، وهو تكتل للمعارضين اليساريين، رفض ترشّحات 14 شخصية سياسية وأكاديمية ممّن قدّموا رسمياً ملفاتهم للهيئة العليا للانتخابات، وجرى استبعادهم لأسباب «إجرائية» عدة، بينها عدم تقديم نسخة من بطاقة السوابق العدلية أو وثائق تثبت أنه وقع تزكيتهم من قبل 10 آلاف ناخب أو من قِبل 10 أعضاء في البرلمان.

وفي سياق متصل، كان بين المستبعدين لهذه الأسباب رئيس جمعية القضاة الشبان مراد المسعودي، والإعلامي والسياسي المخضرم الصافي سعيد والوزير السابق للتعليم المثير للجدل والناشط اليساري ناجي جلول.

أما المحامية عبير موسي، زعيمة الحزب الدستوري الحرّ، فقد استُبعدت بسبب تعرضها للإيقاف منذ سنة، إثر تحركات شاركت فيها رفقة عشرات من كوادر حزبها، واتهمت السلطات منظميها بـ«تهديد الأمن العام».

هذا، ولم تسفر المظاهرات التي نظمها أخيراً آلاف من أنصار هذا الحزب ومن ممثلي «الشبكة التونسية للحقوق والحرّيات» - التي تضم عشرات المنظمات والشخصية المستقلة والحزبية - عن الإفراج عن غالبية الموقوفين في قضايا ذات صبغة سياسية.

كذلك فشلت ضغوط المعارضة في تغيير شروط الترشح للانتخابات، بل العكس هو الذي حصل، على حد تعبير المحامية والناشطة السياسية اليسارية دلية مصدق بن مبارك والحقوقي شاكر الحوكي والأكاديمية والناشطة النسوية اليسارية سناء بن عاشور.

معارك قضائية وسياسية

من جهة ثانية، في سياق التسارع الكبير للأحداث، فجّر السباق نحو قصر الرئاسة هذا العام سلسلة معقّدة من المعارك القانونية والقضائية والسياسية داخل البلاد، وفي أوساط الجالية التونسية في الخارج، التي تقدر بنحو مليونين، أي خُمس المواطنين.

ومن أبرز أسباب هذه المعارك، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية شاكر الحوكي، رفض «الهيئة العليا للانتخابات» تنفيذ قرار «نهائي وغير قابل للطعن» أصدرته الجلسة العامة للمحكمة الإدارية التي تضم 27 قاضياً من «أعلى رتبة» بينهم الرئيس الأول للمحكمة. ولقد نصّ هذا القرار على «قانونية ترشح الوزراء الثلاثة السابقين منذر الزنايدي وعبد اللطيف المكي وعماد الدايمي بعد قبول طعنهم في قرار إقصائهم» من قِبل ممثلي السلطة الانتخابية برئاسة القاضي فاروق بوعسكر.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الانخراط في هذه المعركة عبر الانحياز لموقف المحكمة الإدارية و«علوية قراراتها» شمل عشرات من أساتذة القانون والعلوم السياسية وعمداء الكليات وقادة «الاتحاد العام التونسي للشغل» وهيئات نقابات المحامين والقضاة والصحافيين ومنظمات حقوقية عديدة.

وفي الإطار عينه، رفع عدد من الحقوقيين بينهم القاضي السابق والمحامي أحمد صواب والإعلامي والناشط السياسي زياد الهاني قضايا عدلية أمام محكمة تونسية ضد «الهيئة العليا للانتخابات»، وشكّك صواب والهاني في استقلالية رئاسة «الهيئة» وحياديتها، طالباً من القضاء استصدار قرار ينص على «إلزامية تنفيذ قرار الجلسة العامة للمحكمة الإدارية وقضاتها الـ27» حيال الزنايدي والدايمي والمكي.

واعتبر صواب في تصريح لـ«لشرق الأوسط» أن «المحكمة الإدارية» أعلى سلطة في النزاعات الانتخابية في ظل غياب «المحكمة الدستورية»، وهي المكلفة البت في الخلافات بين المرشحين للانتخابات وسلطات الإشراف وبينها «الهيئة العليا للانتخابات». أما الهاني، فقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الرئيس الأول للمحكمة الإدارية عبد السلام قريصيعة وأعضاء المحكمة الـ27 مطالبون قانوناً بضمان توسيع قائمة المرشحين، وإن لزم الأمر عبر مراجعة روزنامة الانتخابات، أي تأجيل موعد الاقتراع العام».

ناخبة تونسية داخل مركز اقتراع (آ ف ب)

اتهامات... ومحاكمات

في هذه الأثناء، شنّ برلمانيون مقرّبون من السلطات ومن فريق الحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيّد حملة إعلامية ضد المعارضين الذين تحرّكوا في الكواليس ونظموا مظاهرات في الشوارع للمطالبة بتوسيع قائمة المرشحين في الانتخابات لتشمل «وزراء وشخصيات من المتهمين بالتآمر على أمن الدولة».

واتّهم هؤلاء، وبينهم البرلمانية سيرين مرابط والناشط السياسي اليساري السابق رياض جراد، بعض معارضي الرئيس سعيّد بالخيانة الوطنية و«محاولة توظيف أجواء العملية الانتخابية الحالية لتمرير مخطّطات وصاية أجنبية على البلاد، بالتعاون مع عدد من نشطاء الجمعيات والأحزاب التي تحصل على تمويلات أجنبية قدّرت قيمتها بمئات مليارات من المليمات».

كذلك، قدّم 34 نائباً من أعضاء مجلس النواب مشروع تعديل «استعجالي» للقانون الانتخابي الصادر عام 2014؛ بهدف إحالة مهمة البت في «النزاعات الانتخابية» إلى المحاكم العدلية العادية لا المحكمة الإدارية، التي لا تخضع إدارياً إلى سلطة وزارة العدل ورئاسة النيابة العمومية وتتمتع باستقلالية نسبية.

من جانبه، نشر الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية تصريحات عديدة للرئيس سعيّد شكّك فيها في «وطنية» عدد من المعارضين، واتهمهم «بالحصول على تمويلات أجنبية ضخمة وبالانخراط ضمن» مؤامرة «تستهدف أمن البلاد واستقرارها».

وشكك البلاغ الانتخابي لسعيّد في صدقية منظمي التحركات الاحتجاجية على المسار الانتخابي والسياسي الحالي في الشارع وفي وسائل الإعلام المحلية والأجنبية. واتهم البلاغ هؤلاء المعارضين وبعض المرشحين «الافتراضيين» للرئاسة بـ«التبعية للخارج» وأنصارهم بكونهم «تحالف الأضداد». وأورد سعيّد على هامش اجتماعات عقدها مع وزيري الداخلية خالد النوري والعدل ليلى جفّال أن السلطات سمحت للمعارضين بتنظيم مسيرات رفعوا خلالها شعاراتهم بكل حرية «حمتها قوات الأمن»، على الرغم من كونها جمعت «خصوم الأمس» و«الأفرقاء».

فوز متوقع في انتخابات الغد للرئيس قيس سعيّد (أ ف ب/غيتي)

بدء العد التنازلي؟

وإذ ترجّح موازين القوى السياسية الحالية في تونس فوز الرئيس سعيّد بعهدة ثانية تمتد إلى 2029، تشهد كواليس السياسيين صراعاً بين تيارين كبيرين:

الأول يدعو إلى المقاطعة، وهو يضم القيادي المعارض أحمد نجيب الشابي وساسة بارزين حثّوا على مقاطعة الانتخابات، والتأهب لمعارك سياسية وإعلامية جديدة توقعوا أن تكون لصالح المعارضين، وتبدأ بعد «محطة» 6 أكتوبر التي يتوقعون أن تكون نسبة المشاركة فيها ضعيفة جداً على غرار انتخابات العامين الماضيين.

أما الآخر فيدعو إلى المشاركة بكثافة، وبين شخصياته ساسة وحقوقيون قريبون من جبهة الخلاص المعارضة، كالمحامية اليسارية دليلة مصدق بن مبارك، والحقوقية شيماء عيسى والزعيم اليساري السابق الوزير محمد عبو.