وسيم منصوري... قانوني بين ألغام «المصرف المركزي» اللبناني

يشترط التغطية والإصلاحات لعبور الأزمة المالية والتوازنات السياسية

وسيم منصوري... قانوني بين ألغام «المصرف المركزي» اللبناني
TT

وسيم منصوري... قانوني بين ألغام «المصرف المركزي» اللبناني

وسيم منصوري... قانوني بين ألغام «المصرف المركزي» اللبناني

فاجأ وسيم منصوري، حاكم «مصرف لبنان» (البنك المركزي) بالإنابة، الأوساط السياسية اللبنانية، بالشروط التي وضعها لقاء تسلّمه مهام الحاكمية خلفاً للحاكم السابق رياض سلامة. إذ لم يكن متوقعاً أن يرفق عملية التسلم بتلك التعقيدات التي أعادت خلط أوراق السياسات النقدية المعتمدة منذ 3 أشهر، وأقنعت كثيرين بأن الرجل، الآتي من خلفية قانونية، لا مالية، يسير بين ألغام التوازنات الداخلية والخارجية، ويبحث عن غطاء خارجي وداخلي استطاع انتزاعه لتحصين نفسه من الانتقادات. الواقع أن مثار الحذر والتعقيد يعود إلى شقين؛ أولهما أنه يخلف حاكماً مثيراً للجدل، شغل موقعه في «المركزي» طوال 30 سنة وارتبط اسمه به، وحدّد سياسات الحكومة اللبنانية في العقد الأخير، عندما كانت الحكومة محاصرة بالخلافات السياسية والتجاذبات الدولية والمقاربات المتنافرة، وانتهى فيها مديراً للأزمة المالية، ومُلاحقاً بالدعاوى القضائية والشبهات باستخدام النفوذ، وهي مثار تحقيقات أوروبية ومحلية متواصلة. أما الشق الثاني فيعود إلى كونه ينتمي إلى طائفة «الشيعة» التي لم يستلم أي من شخصياتها قبله حاكمية مصرف لبنان منذ تأسيسه قبل 6 عقود، وذلك لأن موقع «الحاكمية»، وهو أعلى منصب مالي في البلاد، مخصصٌ عُرفاً للمسيحيين الموارنة. ثم إنه يتزامن تسلّمه موقعه مع تنافر سياسي، له بُعد طائفي متصل بالمواقع والصلاحيات، في ظل عجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ما أعاق تشكيل حكومة يفترض أن تجري تعيينات للمواقع الشاغرة.

ثمة عُرف في لبنان أن حاكم مصرف لبنان الذي تعيّنه الحكومة في الحاكمية، يجب أن يكون مسيحياً مارونياً. وله وفق القانون 4 نواب...

النائب الأول، عُرفاً، يشغله شيعي، والثاني يشغله درزي، والثالث سنّي، والرابع ينتمي إلى طائفة الأرمن الكاثوليك. وعملاً بالمحاصصة الطائفية، غالباً ما تتقاطع القوى السياسية على أسماء النواب الأربعة، ويجري تعيينهم دفعة واحدة.

في ظل هذه «الألغام» الداخلية، والمطالب الخارجية، كان رئيس البرلمان نبيه برّي، الذي اقترح اسم منصوري لتعيينه نائباً أول للحاكم في عام 2020، ميالاً لأن تجتمع الحكومة وتعيّن حاكماً، كما كان ميالاً لاستقالة منصوري من موقعه وقذف كرة التوازنات الداخلية في ملعب القوى الأخرى، قبل أن تتصاعد المطالب السياسية المحلية بتطبيق القانون، إذ ينص قانون النقد والتسليف في مادته الـ25 على أنه «في حال شغور منصب الحاكم، يتولى نائب الحاكم الأول مهام الحاكم ريثما يُعيَّن حاكم جديد». إلا أن استقالته مثلت عقبة، بالنظر إلى أنها ستترك شغوراً في حاكمية «المركزي»، وذلك في لحظة مالية وسياسية دقيقة بعد 30 سنة أمضاها رياض سلامة في موقعه. وهي للمفارقة، نصف عمر المصرف المركزي، ولقد استطاع خلالها رسم السياسات وابتداع المخارج للأزمات، وأدارها أخيراً بدعم حكومي وبمواكبة أذرع له في سوق القطع في الداخل، وبتقاطعات مع البنوك المراسلة.

ومع أن منصوري سمّاه رئيس البرلمان لموقعه، فإنه يحتفظ بهامش كبير من الاستقلالية، كما يقول عارفوه، ويقارب المسائل من زاوية تقنية وقانونية تلتزم المعايير الدولية. وهذا ما دفع قوى سياسية لبنانية متعددة للترحيب بوصوله إلى موقعه، وكان أبرزهم رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي قال في تغريدة: «ما سمعناه من منصوري يبشّر بالخير».

قانوني في حاكمية «المركزي»

للمرة الثالثة منذ تأسيس مصرف لبنان المركزي، يصل إلى حاكميته قانوني، وليس مصرفي.

في المرة الأولى، انتقل المحامي والقاضي إلياس سركيس من منصب حاكمية المصرف المركزي إلى رئاسة الجمهورية. وفي المرة الثانية، وصل النائب والمرجع القانوني الراحل إدمون نعيم إلى الحاكمية في أصعب مراحل البلاد مالياً وسياسياً وعسكرياً بين 1985 و1991. والآن، وصل منصوري الذي يحمل شهادة الدكتوراه في القانون العام تخصّص القانون الدستوري من جامعة مونبيليه 1 في فرنسا، كما يحمل دبلوم دراسات عليا في القانون الشامل من الجامعة ذاتها، ودكتوراه أخرى من الجامعة اللبنانية، بجانب إجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

تشير سيرته الذاتية المنشورة على موقع المصرف المركزي إلى أنه تلقى تدريباً في المحاماة، وكان يدير «مكتب منصوري وشركاه للمحاماة» قبل تعيينه نائباً أول لحاكم المصرف المركزي. ثم شغل في وقت سابق موقع مدير الفرع الفرنسي في كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية بالجامعة اللبنانية منذ يوليو (تموز) 2019 حتى 2020.

خلال سنوات سابقة، عمل مستشاراً قانونياً لوزارة المالية، حين كان وزير المال الأسبق علي حسن خليل، كما عمل مستشاراً قانونياً للبرلمان في السنوات الأخيرة.

ومع أن تجربة سركيس في الحاكمية كانت سلسة ومحصّنة ضمن نظام مالي وسياسي مستقر، أتاح له تخزين الذهب لصالح «المركزي»، فإن تجربة منصوري تتقاطع مع نعيم لجهة صعوبة الظروف السياسية والمالية. ففي عام 1985، كانت الليرة اللبنانية بدأت تتدهور، وفقدت 800 في المائة من قيمتها خلال الفترة التي خرج فيها نعيم من الحاكمية، وتزامنت مع خلافات سياسية عميقة وحروب وشغور في الرئاسة اللبنانية.

واليوم، يتسلم منصوري الحاكمية بعدما فقدت الليرة اللبنانية نحو 600 في المائة من قيمتها، في ظل شغور رئاسي وتجاذبات سياسية وانقسامات عميقة تتخذ بُعداً طائفياً أيضاً، وهو ما دفعه لفرض شروطه. انتقال مشروط لم يكن انتقال الحاكمية إلى منصوري سلساً. بل تدرّج من تلويح باستقالة نواب الحاكم الأربعة، إلى فرض شروط على البرلمان والحكومة لتحصين هذا التسلم بغطاء تشريعي وتنفيذي، وغطاء «صندوق النقد الدولي» كون شروطه متطابقة مع مطالب الصندوق. هذا الغطاء، يوازيه غطاء آخر من وزارة الخزانة الاميركية التي زارها في يونيو (حزيران) الفائت، وتتقاطع مع الصندوق في الإصلاحات التي يشترطها لوضع لبنان على سكة النهوض.

ولقد أبلغت مصادر مواكبة لزيارته إلى واشنطن «الشرق الأوسط» أن الزيارة كانت «إيجابية»، ويستحيل أن يكون شخص في موقعه نائباً لحاكمية المركزي أو حاكماً له، ليس على علاقة واضحة وشفافة مع الخزانة الأميركية، وذلك لضمانة التزام لبنان بمكافحة تبييض الأموال وتطبيق القوانين والإجراءات الدولية.

غير أن هذا الالتزام يتخطّى كونه تقاطعاً مع القوانين والشروط الدولية، بالنظر إلى أن منصوري، والنواب الثلاثة الآخرين للحاكمية، يؤمنون بها. وجرى التعبير عن ذلك من خلال عشرات المراسلات مع السلطات اللبنانية (وزارة المالية والحكومة وحاكمية مصرف لبنان) بعد شهرين على تسلّمهم مناصبهم في صيف 2020، اعتراضاً على بعض الإجراءات التي يتخذها حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، ومن ضمنها منصة «صيرفة» المثيرة للجدل.

شروط بوجه الحكومة

على الضفة الداخلية، وضع منصوري شروطاً لمهمته أعلنها عشيّة تسلّمه منصبه، حين قال إن القيادة الجديدة للبنك المركزي تخطط لفرض قيود صارمة على متى يمكن للبنك المركزي إقراض الحكومة، معتبراً أن الإقراض «لم يعُد خياراً، والتدرّج باتخاذ القرار يحتاج إلى قانون، وسيسمح قانون إقراض الحكومة بدفع رواتب القطاع العام، والتشريع المطلوب يسمح بتنشيط الإدارة وتأمين الأموال للدواء». كذلك، أكد أن الحلّ الوحيد لأزمة حاجة الحكومة للدولار يكمن في إصلاح المالية العامة، «فالمسألة ليست نقديّة، والحلّ ليس في المركزي، إنّما في السياسة المالية للحكومة».

أيضاً، قال منصوري إنه يتوجب على السلطات أيضاً التخلص التدريجي من منصة «صيرفة» التي يديرها مصرف لبنان. وأوضح أن «تحرير سعر الصرف وتوحيده يجب أن يتحقق بالتدّرج حفاظاً على الاستقرار»، لافتاً إلى أن «هذا القرار يُتّخذ بالتوافق مع الحكومة». وأضاف: «لقد تواصلنا مع القوى الأمنية والقضاء للقضاء على التلاعب بسعر الصّرف»، مشدداً على أن «ما يُعزّز الاستقرار النقدي هو القانون الذي ستطلب الحكومة إقراره».

من جهة ثانية، وصف منصوري الوضع اللبناني بأنه «أمام مفترق طرق»، وقال: «الاستمرار في نهج السياسات السابقة في ظلّ إمكانات المركزي المحدودة يعني أنّه لا بدّ من الانتقال إلى وقف تمويل الدولة بالكامل، ولن يوقَّع على أيّ صرف لتمويل الحكومة إطلاقاً خارج قناعاتي وخارج الإطار القانوني لذلك».

ثم أشار إلى أنّ «وقف التمويل للحكومة لا يمكن أن يحصل بشكلٍ مفاجئ، بل يجب أن يحصل تعاون قانوني متكامل بين الحكومة ومجلس النواب والمركزي (أي مصرف لبنان) ضمن خطّة متكاملة تكفل أن تُعاد الأموال... وننظر إلى فترةٍ انتقاليّة قصيرة تسمح بتمويل الدولة بموجب قانون».

بالتزامن، دعا الحاكم بالإنابة الحكومة إلى تنفيذ إصلاحات تشكل قانون «الكابيتال كونترول» وقانوناً لإعادة الهيكلة المالية وميزانية الدولة لعام 2023 في غضون 6 أشهر، قائلاً إن هذه هي «الفرصة الأخيرة» للبنان لسنّ التغييرات.

مهمة معقّدة

في الواقع، لا توصف مهمة منصوري بالسلسة، إذ يكاد يجمع كثيرون على أنها «مهمة معقدة»، بالنظر إلى أن تجربة سلفه سلامة مع إقراض الحكومة لم تكن مشجعة، حيث يفرض تغطية قانونية من السلطات التنفيذية والتشريعية لإقراض الحكومة.

هذا، وحاولت الحكومة مواكبته حين ناقشت في يوم تسلمه مهامه مشروع القانون الذي كانت الحكومة بصدد إعداده للاقتراض من مصرف لبنان بالعملة الأجنبية. وتقرر بعد التشاور مع الوزراء أن يُطلب إلى مجموعة من النواب تقديمه بصيغة اقتراح قانون، لأن البعض يعتبر أن حكومة تصريف الأعمال لا يحق لها تقديم مشاريع قوانين. وتلافياً للتأخير ووفق النظام الداخلي، فإن أي مشاريع قوانين تحتاج لمهلة أسبوع، وقرّرت أن يكون هناك مشروع قانون، وليس اقتراح قانون من الحكومة، علماً أن ذلك يعني تقاذف مسؤوليات ورمي الكرة في ملعب المجلس النيابي، في وقت يشترط رئيس البرلمان نبيه برّي أن ترسل له الحكومة مشروع قانون، لأنها المعنية بتحديد مصدر وآلية رد هذه الأموال.

غير أن هذا الجانب محاط بعراقيل سياسية، في ظل رفض سياسي لبناني للتشريع، في ظل الشغور الرئاسي، ومعارضة اتخاذ الحكومة قرارات أساسية في ظل هذا الشغور. لكن من جانبه، يؤمن منصوري بأنه «لا يمكن أن يُطلب من النواب الأربعة تنفيذ مهام الحاكم، بغياب الحد الأدنى من الإصلاحات المالية والسياسية المطلوبة... وفي فترة معقدة، يحيط بها وضع مالي دقيق وخطير». ويصرّ على أنه «من دون إصلاحات ودعم حكومي وبرلماني، ستقوّض مهمة أي شخص في هذا الموقع».

ثم يكرّر تأكيده أن الإصلاحات «لا يمكن تطبيقها من دون توحيد لسعر الصرف، كما أن تحرير سعر الصرف لا يمكن تنفيذه من دون إقرار قانون الكابيتال كونترول»، ما يعني في النتيجة أن الأمر «يحتاج إلى تكامل الحكومة والبرلمان والمصرف المركزي في جهود متطابقة وتعاون لإضفاء جو من الثقة».

لم يكن انتقال الحاكمية إلى منصوري سلساً. بل تدرّج من تلويح باستقالة

نواب الحاكم الأربعة، إلى فرض شروط على البرلمان والحكومة

بطاقة شخصية

- وسيم منصوري... حاكم المصرف المركزي اللبناني

- يحمل شهادة الدكتوراه في القانون العام تخصص القانون الدستوري من جامعة مونبيليه 1 في فرنسا

- حائز دبلوم دراسات عليا في القانون الشامل من جامعة مونبيليه 1.

- حائز دكتوراه في القانون من الجامعة اللبنانية.

- شغل بين 2019 و2020 موقع مدير الفرع الفرنسي في كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية بالجامعة اللبنانية.

- عُين في أغسطس (آب) 2020 نائباً أول لحاكم المصرف المركزي.

3 نواب من خلفيات مصرفية ومالية يواكبون منصوري في مهمته

لم يخرج نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة، طوال الشهر الفائت الذي سبق تسلم وسيم منصوري الحاكمية، متباينين في المواقف. إذ أصدر النواب الأربعة بيانات مشتركة، كما ظهر النواب الثلاثة إلى جانب منصوري أثناء المؤتمر الصحافي الذي عقده عشية تسلمه منصبه، وأعلن فيه شروطه.

ولحاكم مصرف لبنان، الماروني عُرفاً، 4 نواب؛ الأول شيعي، والثاني درزي، والثالث سني، والرابع ينتمي إلى طائفة الأرمن الكاثوليك. وبحسب المادة 18 من قانون النقد والتسليف، فإن مهمّة هؤلاء أو وظائفهم تقتصر على المهام التي يسندها إليهم الحاكم، ولهم حق إبداء الرأي في القرارات التي يتّخذها الحاكم، لكنها ليست سلطة تقريرية، حيث يتمتع الحاكم بصلاحيات واسعة واستقلالية كبيرة.

وينص القانون اللبناني على تعيين نواب الحاكم بموجب مرسوم من قبل مجلس الوزراء لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد، وذلك بالتشاور مع الحاكم وبناء على اقتراح من وزير المالية، ومهمتهم المساعدة في إدارة المصرف، وتنفيذ المهام المحددة من قبل الحاكم.

يواكب منصوري اليوم 3 نواب، هم...

بشير يقظان

عندما عيّن في يونيو (حزيران) 2020، كان يقظان (ينتمي إلى طائفة الموحدين الدروز) يشغل منصباً مالياً في أحد المصارف اللبنانية. ولقد شغل عدة مناصب في بنك بيروت والبلاد العربية «BBAC». منها؛ مساعد المدير العام لشؤون الحوكمة والمخاطر والامتثال بين 2018 و2020، ورئيس إدارة المخاطر بين 2012 و2020، وضابط ائتمان الشركات بين 1999 و2006.

بشير يقظان

ويقظان حاصل على الماجستير في إدارة الأعمال عام 2000 من الجامعة اللبنانية الأميركية، والبكالوريوس عام 1997 من الجامعة الأميركية في بيروت. وسبق له أن عمل مدرّساً للمالية في الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا بين عامي 2011 و2019، كما تولى منصب مساعد المدير العام لشؤون الائتمان وإدارة المخاطر في «بنك سوريا والمهجر» بين 2011 و2012، ومدير الائتمان والمخاطر في البنك ذاته بين 2006 و2011.

سليم شاهين

مثل يقظان، وصل النائب الثالث للحاكم في عام 2020 إلى موقعه من خلفية مالية ومصرفية. وهو عضو مجلس إدارة في «جبيل غروب» وبنك البحر المتوسط في لبنان ومصرف TURKLAND .

يحمل شاهين، الذي كان أستاذاً جامعياً في الجامعة الأميركية في بيروت، درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة إيكس – مرسيليا 3، وشهادتي ماجستير في الهندسة المالية من كلية كيدج للأعمال في فرنسا. وكان شاهين قد بدأ حياته المهنية كمحلل مالي في صناعة خطوط الأنابيب والنفط في أوروبا. وعمل لاحقاً مستشاراً لبنوك ومؤسسات مالية أوروبية وعربية بارزة، بينما بدأ مسيرته المهنية في المجال الأكاديمي.

سليم شاهين

خبرته المهنية وسيرته الأكاديمية والبحثية أكسبته عدة جوائز، أهمها جائزة «مؤسسة الكويت للتقدم العلمي». وعند الإعلان عن الجائزة، تحدثت المؤسسة عن «أبحاث شاهين المتميزة حول المواضيع المتعلقة بالتمويل والمصارف، بما في ذلك تمويل المشاريع ورأس المال الاستثماري وحوكمة الشركات».

ألكسندر موراديان

ينتمي النائب الرابع لحاكم مصرف لبنان إلى طائفة الأرمن الكاثوليك، ووصل إلى موقعه من خلفية مصرفية أيضاً، أسوة بالنائبين اللذين سبقاه. فقد كان لحظة تعيينه مدير العلاقات مع المستثمرين في «بنك لبنان والمهجر»، ولقد سماه حزب «الطاشناق» (أكبر الأحزاب الأرمنية) لموقعه.



أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
TT

أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)

يحاول الأردن تحييد أجوائه وأراضيه بعيداً عن التصعيد الإسرائيلي - الإيراني، الممتد عبر جبهتي جنوب لبنان وشمال غزة، ليضاعف مستويات القلق الأمني مراقبة خطر الضربات المتبادلة و«المُتفق على موعدها وأهدافها» بين طهران وتل أبيب، ولتعود مخاطر عمليات تهريب المخدرات والسلاح على الواجهتين الشمالية والشرقية، وتدخل الجبهة الغربية على الحدود مع دولة الاحتلال على خطوط التهريب، لتعويض الفاقد من المواد المخدّرة في أسواق المنطقة.

سارع الأردن لتأمين سلامة أرضه، ومنع اختراق أجوائه، وممارسته لسيادته بعد ليلتين متباعدتين سعت طهران من خلالها إلى «حفظ ماء الوجه بتوجيه صواريخ لم تنجح في الوصول إلى أهدافها داخل إسرائيل». وبالنتيجة، أسقطت الدفاعات الجوية الأردنية صواريخ إيرانية في الصحراء الشرقية وعلى الحدود الشمالية مع سوريا.

وفي حين اعتبرت بعض الجهات أن «الدفاعات الجوية الأردنية انطلقت حماية لإسرائيل»، أكدت عمّان على لسان مصادر مطلعة أن «الضرورة تتطلب اعتراض أي صواريخ عابرة لسماء المملكة، بعيداً عن المواقع الآهلة بالسكان، ومخاطر تسبّبها بخسائر بشرية، أو أضرار مادية». وبالتالي، جاء القرار العسكري محصّناً بأولوية حماية أرواح الأردنيين. وأردفت المصادر من ثم أن «مَن يريد ضرب إسرائيل فأمامه حدود لبنان الجنوبية أو الحدود السورية مع الجولان المحتل»؛ لأن من هناك تكون الصواريخ الإيرانية أقرب لتحقيق أهدافها، بدلاً من إطالة المسافة بمرورها عبر سماء المملكة، واحتمالات سقوطها في مواقع حيوية على الحدود الغربية مع دولة الاحتلال.

في الواقع، تابع المواطنون الأردنيون ليلة الثالث عشر من أبريل (نيسان) وأيضاً في أكتوبر (تشرين الأول)، عرضاً ليلياً بإضاءات الدفاعات الجوية وإسقاطها صواريخ إيرانية عبرت فضاءات الأردن على وقع الكلام عن دعم طهران لغزة ضد العدوان الإسرائيلي، والانتقام لاغتيال إسماعيل هنية، رئيس حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، أثناء زيارته الرسمية للمباركة بفوز الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في انتخابات الرئاسة، وكذلك الانتقام من تصفية قيادات الصفوف المتقدمة في «حزب الله» اللبناني، وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله يوم 27 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وفي المقابل، أمام التقدير العسكري الأردني في أولوية إسقاط الصواريخ الإيرانية أثناء عبورها سماء المملكة ومنع سقوطها بالقرب من مناطق سكنية، أكّدت عمّان، عبر قنوات اتصال أمنية مع إسرائيل، ورسائل أردنية إلى الإدارة الأميركية، تصدّيها لأي هجوم إسرائيلي على طهران قد يستخدم سماءها بذريعة الردّ على ضربات إيرانية محدودة في الداخل الإسرائيلي.

توضيح الموقف الأردني

هنا استعاد جنرالات أردنيون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» ذاكرة المفاوضات مع إسرائيل قبل صياغة «قانون معاهدة السلام» المتعارف على تسميته «اتفاق وادي عربة من عام 1994»، ومنها تمسّكهم - آنذاك - بتحديد تل أبيب مدىً جغرافياً للرد على أي هجوم مُحتمل «على أن يضمن ذلك عدم انتهاك الأجواء الأردنية وإسقاط أي أجسام متفجرة داخل حدود المملكة الغربية». ومما سمعناه أن «نبوءة» المفاوضين الأردنيين من قيادات القوات المسلحة، كانت تقرأ مستقبل التطورات في منطقة متخمة باحتمالات الحرب، وموقع الأردن بين «فكي كماشة» بضم «محور الممانعة» من جهة وإسرائيل من الجهة المقابلة. وبناءً عليه؛ اضطر الجيش إلى التعامل مع الصواريخ الإيرانية العابرة التي قد تُسقط داخل الأراضي الأردنية. ومن المعلوم بأن الحدود الغربية مأهولة بالسكان؛ وبذا تبادر دفاعات الجيش الأردني الجوية بالرد على تلك الصواريخ دفعاً لسقوطها في الصحراء الشرقية بعيداً عن السكان، غير أن بعض حطام تلك الصواريخ وقع حقاً في مناطق من العاصمة ومحافظات الوسط، ولقد وثقتها كاميرات الهواتف الذكية فيديوهات، وجرى نشرها على منصات التواصل الاجتماعي.

إيمن الصفدي (رويترز)

نشاط عمّان الدبلوماسي ترك انطباعاً بأن انفتاح الحراك

على «محور الممانعة» يأتي من زاوية السعي

لحماية المصالح الأردنية

عبر الأجواء السورية

من ناحية ثانية، وجّهت إسرائيل قبل أسبوع ضربة صاروخية على مواقع عسكرية إيرانية. وأفادت معلومات مؤكدة بأن مسار الرد الإسرائيلي كان عبر الأجواء السورية، بعد نجاح الاختراق الإسرائيلي من ضرب رادارات متقدّمة للدفاعات السورية. ولقد أعادت تل أبيب في هذا المشهد التأكيد على انتهاكاتها المستمرة بحق «دول الجوار»، وأمام صمت دولي ومباركة أميركية بعد توافر معلومات عن مواقع حددتها إسرائيل، ورأى مراقبون أن الرد جاء في سياق «معادلة ميزان القوى» في المنطقة ضمن حدود الحرب المنتظرة أو سياسة صناعة التوتر في المنطقة عبر «حرب استنزاف»، تسبّبت في سقوط آلاف القتلى والجرحى والمفقودين ومئات آلاف النازحين في غزة ومن جنوب لبنان.

زوايا حرجة في العلاقة مع إيران

توازياً مع ما سبق، وفي زيارة مفاجئة حمل وزير الخارجية أيمن الصفدي في الثامن من أغسطس (آب) الماضي رسالة من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أكد خلالها الصفدي أن الزيارة جاءت «بتكليف من الملك عبد الله الثاني لتلبية الدعوة إلى طهران»، مضيفاً أن هدف الزيارة هو «الدخول في حديث أخوي واضح وصريح حول تجاوز الخلافات ما بين البلدين بصراحة وشفافية، والمضي نحو بناء علاقات طيبة وأخوية قائمة على احترام الآخر، وعدم التدخل في شؤونه، والإسهام في بناء منطقة يعمّها الأمن والسلام».

الزيارة والرسالة شكَّلتا «استدارة» أردنية في علاقتها مع إيران، ليتبعها خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لقاء جمع الملك الأردني وبزشكيان، في الثلث الأخير من سبتمبر الماضي، وهو لقاء بدأ موسّعاً بحضور بعض أركان وفدي البلدين، ثم اقتصر على مباحثات ثنائية لم يحضرها أحد، وظلّت تفاصيل اللقاء محفوظة لدى الزعيمين.

أيضاً، تلك الزيارة فتحت شهية البعض لـ«شيطنة» الموقف الرسمي الأردني واتهام عمّان بنقلها «رسالة تهديد» لطهران برد إسرائيلي حازم. غير أن الوزير الصفدي أكد في تصريحات رسمية مع نظيره الإيراني في حينه «أبلغت معالي الأخ بشكل واضح، لست هنا حاملاً رسالة إلى طهران، ولست هنا لأحمل رسالة لإسرائيل». وتابع أن «رسالة الأردن الوحيدة لإسرائيل أُعلنت في عمّان بشكل واضح وصريح، ومفادها وقف العدوان على غزة، ووقف جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني، ووقف الخطوات التصعيدية، والذهاب نحو وقف فوري ودائم لإطلاق النار يتيح العمل من أجل تحقيق سلام عادل وشامل... لن يتحقّق إلا إذا حصل الشعب الفلسطيني على حقوقه كاملة، وفي مقدمها حقه في الحرية والسيادة والكرامة في دولته المستقلة».

في مطلق الأحوال، ما كان المقصود من زيارة الصفدي الإيرانية تأكيد موقف حيال طهران وحلفائها فقط، بل كانت الزيارة في حد ذاتها رسالة إلى إسرائيل مفادها أن الأردن «يملك خياراته السياسية في الدفاع عن سيادته على أرضه وسمائه، وأن واحداً من الخيارات هو فتح قنوات الاتصال على وسعها مع طهران وأطراف الصراع في المنطقة»، بحسب مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» آنذاك.

استقبال عراقجي وميقاتي

ما يُذكر أنه في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي استقبل الملك عبد الله الثاني في عمَّان، وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وشدّد على «ضرورة خفض التصعيد بالمنطقة». وحذّر العاهل الأردني من أن «استمرار القتل والتدمير سيبقي المنطقة رهينة العنف وتوسيع الصراع»؛ ما يتطلب «ضرورة وقف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان خطوةً أولى نحو التهدئة»، مجدداً التأكيد على أن «بلاده لن تكون ساحة للصراعات الإقليمية».

ثم أنه إذا كان استقبال الوزير الإيراني، الذي زار الأردن ضمن جولة عربية مهماً لعمَّان، فقد سبق هذه الزيارة بيومين وصول رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إلى العاصمة الأردنية ولقاؤه الملك عبد الله الثاني. وكان في جدول أعمال الزيارة:

- أولوية دعم الجيش اللبناني وسط احتمالات النزول إلى الشارع في ظل مخاوف من احتكاكات محتملة بين ميليشيات حزبية محسوبة على زعماء لبنانيين.

- الحاجة إلى تطبيق القرار الأممي بنشر قوات من الجيش اللبناني في مناطق الجنوب التي تخضع لسيطرة «حزب الله».

- الاستفادة من فرص وقف إطلاق النار عبر هُدن يمكن تمديدها.

واستكمالاً لعقد المباحثات مع «محور الممانعة»؛ طار الوزير أيمن الصفدي إلى دمشق، التي شكَّلت حدودها الجنوبية مع الأردن وعلى مدى أكثر من عقد ونصف العقد، حالة أمنية طارئة للجيش الأردني. ذلك أنه يتعامل باستمرار مع صد محاولات قوافل مهربي المخدّرات وعصابات السلاح لتجاوز الحدود؛ وهو ما استدعى مواجهات مسلحة واشتباكات نهاية العام الماضي أسفرت عن سقوط قتلى وإلقاء القبض على مهرّبين لهم اتصالات مع خلايا داخل المملكة.

الصفدي حمل رسالة شفوية من العاهل الأردني إلى الرئيس السوري بشار الأسد، لكن لم يُكشف عن مضمونها. مع هذا، نشاط عمّان الدبلوماسي على مدى أيام الشهر الماضي، ترك انطباعاً لدى جمهور النخب المحلية، بأن انفتاح الحراك الدبلوماسي الأردني على «محور الممانعة» يأتي من زاوية السعي لحماية المصالح الأردنية في ظل ما تشهده المنطقة من تصعيد عسكري خطير، وموقع المملكة على خطوط النار.

التهريب تهديد أمني

أردنياً، يُعتقد في أوساط الطبقة السياسية المطلعة، أن خطر تهريب المخدرات من الداخل السوري لا يزال يشكل «تحدياً أمنياً» كبيراً؛ الأمر الذي يستدعي إبقاء حالة الطوارئ لدى قوات حرس الحدود على امتداد الحدود الشمالية نحو (370 كلم) بين البلدين، لا سيما في ظل تحوّل مناطق في الجنوب السوري إلى مصانع إنتاج المخدرات، ونقلها من خلال عمليات التهريب إلى أسواق عربية وأجنبية عبر المملكة. ويضاف إلى ذلك النزف الاقتصادي المستمر منذ عام 2012، واستقبال اللاجئين وكُلف إقامتهم، وتراجُع أثر خطط الاستجابة الدولية للتعامل مع الدول المستضيفة للاجئين؛ إذ يستضيف الأردن نحو 1.3 مليون لاجئ سوري، معظمهم يقيمون خارج المخيمات التي خصصت لهم.

أمر آخر، يستحقّ التوقف عنده هو أنه لا يمكن فصل تلك الزيارة عن الملف الأردني الأهم، ألا وهو «الملف الأمني» المباشر. والحال، أنه لطالما بقي الجنوب السوري مسرحاً للميليشيات الإيرانية وغيرها، سيظل القلق الأردني من الخطر الآتي من الشمال، وبالتحديد، ستستمر المخاوف من تسرّب عناصر مسلحة بقصد «المقاومة» في فلسطين وعن طريق عمّان.

وبالفعل، جاء في بيان إن الرئيس الأسد والوزير الصفدي بحثا قضية عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم؛ إذ شدد الأسد على أن «تأمين العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين» هو «أولوية للحكومة السورية» التي أكد أنها قطعت شوطاً مهماً في الإجراءات المساعدة على العودة، خصوصاً في المجالين التشريعي والقانوني.وفي إطار الزيارة، أجرى الصفدي مباحثات موسَّعة مع وزير الخارجية والمغتربين السوري بسام الصباغ، ركّزت على جهود حل الأزمة السورية وقضية اللاجئين، ومكافحة تهريب المخدرات، إضافةً إلى التصعيد الخطير الذي تشهده المنطقة وجهود إنهائه.

الرئيس نجيب ميقاتي (إ.ب.أ)

 

حقائق

زيارة ميقاتي لعمّان... طلبتُ دعم أمن لبنان

فيما يخصُّ العلاقات الأردنية - اللبنانية، طلب الرئيس نجيب ميقاتي، رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، في عمّان من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني دعم الجيش اللبناني بصفته القوة القادرة على التعامل مع احتمال تطور استخدام سلاح ميليشيات حزبية متباينة المواقف والولاءات، مع استمرار القصف الإسرائيلي الليلي على مناطق في الضاحية الجنوبية، وفي جنوب لبنان.وللعلم، يوم 27 سبتمبر (أيلول) الماضي استقبل اللواء يوسف الحنيطي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية، في عمّان، قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون. وفي الواقع لم يخفِ الأردن الرسمي دعمه للجيش اللبناني وأولوية تزويده بكل الاحتياجات بصفته ضمانة لأمن لبنان وحامياً للسلم الأهلي، بينما المواقف بين الأحزاب السياسية والميليشيات المحسوبة عليها. وبموازاة أولوية تزويد الجيش اللبناني بمتطلبات فرض سيطرته لحماية الأمن الداخلي وتنفيذ استحقاق قرارات أممية، أعلنت عمّان أيضاً دعمها لجهود الاستقرار السياسي في لبنان عبر انتخاب رئيس جديد للبلاد، ما من شأنه تخفيف حدة الاحتقان والتوتر، خصوصاً بعد تطورات الأسابيع الأخيرة أمنياً وسياسياً على معادلات الإدارة السياسية للبلاد، وتحريك عمل مؤسسات لبنان الدستورية. وهنا يرى محللون أردنيون أن تراكم الفوضى على حدود المملكة الشمالية مع سوريا والشرقية مع العراق، وحالة اللااستقرار في لبنان التي تفاقمت مع استمرار العدوان الإسرائيلي، وزيادة نشاط خطوط تهريب المخدرات، وضع تجب مواجهته عبر مسارين: الأول، مسار أمني يتطلب رفع درجات التأهب لمنع أي اختراقات إيرانية للأمن الأردني، والثاني مسار سياسي يتعلق بمواصلة الجهود السياسية لاحتواء الخطر الراهن ومحاولة تجاوز أي تصعيد من شأنه دفع المنطقة وجوار الأردن نحو المجهول. ولكن في هذه الأثناء، واضح أن إسرائيل هي الأخرى تبحث عن إزعاج الأردن، بما في ذلك «عزف» حسابات خارجية على منصات التواصل الاجتماعي على وتر الفتنة، وإغراق الرأي العام في جدل الإشاعات وتأجيجها.