روسيا وأفريقيا... طريق «الشراكة الاستراتيجية» مليئة بالمطبات

كره «الهيمنة الاستعمارية» يجمع الطرفين وتباين الأولويات يعوق العلاقة

من القمة الروسية - الأفريقية في سان بطرسبورغ (رويترز)
من القمة الروسية - الأفريقية في سان بطرسبورغ (رويترز)
TT

روسيا وأفريقيا... طريق «الشراكة الاستراتيجية» مليئة بالمطبات

من القمة الروسية - الأفريقية في سان بطرسبورغ (رويترز)
من القمة الروسية - الأفريقية في سان بطرسبورغ (رويترز)

من القمة الروسية - الأفريقية في سان بطرسبورغ (رويترز)

عكست الأجواء الودية، التي سادت خلال أعمال القمة الروسية - الأفريقية الثانية في عاصمة الشمال الروسي سان بطرسبورغ، مستوى مهماً من التقارب، يسهم هذا النجاح في تسريع وتائر زيادة حجم التبادل التجاري الاقتصادي بين روسيا وبلدان القارة خلال الأشهر الأخيرة، فضلاً عن بروز تطابق في المواقف حول غالبية القضايا المطروحة، وعلى رأسها الموقف من الحضور الغربي في «القارة السمراء».

لقد حرص غالبية الزعماء الحاضرين على التذكير بإسهامات الاتحاد السوفياتي السابق في تحرير بلدانهم من الاستعمار الغربي، والتأكيد على أن العلاقة مع روسيا تعد امتداداً للإرث التاريخي من الصداقة والتعاون. وهكذا، شكلت القمة نجاحاً سياسياً مهماً للكرملين، بعد تزايد المخاوف من نجاح الضغوط الغربية في عرقلة انعقادها، لكن هذا لم يخف التباين في أجندة الأولويات لدى الطرفين.

في ظل توافق روسي أفريقي على رفض «الهيمنة الغربية»، والدعوة إلى «عالم متعدد الأقطاب» تشغل فيه القارة الأفريقية مكانة مرموقة، لم تُخفِ العبارات البروتوكولية للزعماء الأفارقة قلق بلدانهم بسبب احتدام المواجهة الروسية مع الغرب واستمرار الحرب الأوكرانية التي تهدد الأمن الغذائي وأمن واستقرار العالم.

وفي حين انصب تركيز الكرملين على التوجه «الاستراتيجي» للشراكة بين روسيا وبلدان القارة، وضرورات إيجاد آليات لزيادة تنسيق السياسات المالية والاقتصادية في مواجهة العقوبات الغربية، ركز الجانب الأفريقي أكثر على متطلبات التنمية وبناء البُنى التحتية وملفات الأمن ومكافحة الإرهاب ومواجهة التهديدات المعاصرة.

وعود كبيرة...

حضر القمة الثانية من نوعها، بعدما كان القادة الروس والأفارقة قد التقوا في أول قمة من هذا النوع قبل 4 سنوات، زعماء ومسؤولون من 49 بلداً أفريقياً. ولم يخفِ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارتياحه لانعقاد القمة في توقيتها رغم «الضغوط» الغربية الواسعة التي مورست لحمل بلدان القارة على مقاطعة الاجتماع في روسيا.

إلا أنه لا يمكن في المقابل تجاهل حقيقة أن مستوى تمثيل الوفود الأفريقية في القمة خيب إلى حد ما آمال الكرملين. وللمقارنة، مقابل حضور 43 زعيماً أفريقياً «قمة سوتشي» (القمة الأولى) عام 2019، جاء إلى سان بطرسبورغ في القمة الثانية 17 رئيس دولة فقط، ومُثل الجزء الأكبر من البلدان الأفريقية على مستوى رؤساء الوزارات أو مبعوثين رئاسيين.

ولكن، لم يمنع ذلك بوتين من تأكيد أن بلاده منفتحة على تعزيز التعاون في المجالات كافة. وتشير الأرقام إلى أن حجم التبادل التجاري بين روسيا وأفريقيا بلغ عام 2022 نحو 18 مليار دولار، وزاد في النصف الأول من عام 2023 بنحو 35 في المائة. كذلك، فإن مجالات التعاون الرئيسية بين روسيا والقارة الأفريقية باتت تشمل الطاقة واستخدام التربة والزراعة ومجالات أخرى كثيرة لم تكن تدخل في قطاعات التعاون، التي كانت تقتصر مع بعض بلدان القارة على إمدادات السلاح والتقنيات العسكرية.

- بوتين يتكلم خلال القمة (أ.ف.ب)

في المجالات السياسية، ركز الرئيس الروسي على استعداد بلاده للمساعدة في تعزيز سيادة الدول الأفريقية، بصفتها «شريكاً مهماً وأساسياً»، متعهداً بدعم مطلب مهم للمجموعة الأفريقية يتمثل في الانضمام إلى «مجموعة الدول العشرين» في قمتها المقبلة بالهند.

وشن بوتين هجوماً قوياً على الغرب، وربط كل مصائب أفريقيا بالماضي الاستعماري في القارة. ومن ثم، رأى أن «النزاعات العرقية والإثنية لا تزال مستمرة ولم تُحل في الكثير من المناطق الأفريقية، والأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحادة لا تزال باقية ومتفاقمة».

من جهة أخرى، ما كان ممكناً خلال الحوار، تجاهل أزمة إمدادات الغذاء بسبب تعطل «صفقة الحبوب». وهنا، مع دفاعه عن صواب قرار موسكو بالانسحاب من الصفقة لأنها «لم تُنفَّذ بالكامل» تعمد بوتين إظهار «انفتاح» بلاده على «تسويات جزئية» لتخفيف معاناة بعض البلدان الأفريقية، متعهداً بتوفير ما بين 25 و50 ألف طن من الحبوب مجاناً لبوركينا فاسو وزيمبابوي ومالي والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا خلال الأشهر المقبلة.

وكان الأبرز، أن موسكو، في مقابل تبرير انسحابها من الصفقة، وعدت بمساعدة الدول الأفريقية في مجالات عدة لتطوير قدراتها على صعيد ضمان الأمن الغذائي. وقال بوتين إن موسكو «ستعمل لكي تتمكن أفريقيا في المستقبل، من خلال تطبيق التقنيات الزراعية المناسبة والتنظيم المناسب للإنتاج الزراعي، ليس فقط من إطعام نفسها وضمان أمنها الغذائي، بل أيضاً من أن تصبح كذلك مصدِّرة لأنواع مختلفة من الغذاء، ولن تلاقي في ذلك سوى كل الدعم من جانب روسيا».

تعزيز تدريس اللغة الروسية

وفي إطار الوعود الروسية أيضاً، جرى التطرق إلى رُزمة واسعة من المساعدات التي تنوي موسكو تقديمها إلى بلدان القارة، بينها «دعم أفريقيا ليس فقط فيما يتعلق بالتعليم العالي، بل كذلك في مؤسسات التعليم العام والثانوي وإعداد كوادر المعلمين، وتعزيز تدريس اللغة الروسية في بعض الدول».

وأما في قطاع الطاقة، فقال الرئيس الروسي إن صادرات النفط الخام والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي المسال من بلاده إلى أفريقيا زادت بمقدار 2.6 مرة، ويوجد الآن أكثر من 30 مشروعاً واعداً للطاقة بمشاركة روسية في 16 دولة أفريقية بدرجات متفاوتة من التنمية. وفي سياق موازٍ، حث البلدان الأفريقية على توسيع تعاونها مع موسكو في مجال مواجهة تداعيات العقوبات الغربية، قائلاً: «من الضروري التحرك بنشاط أكبر في مجال التحول إلى التسويات المالية للمعاملات التجارية بالعملات الوطنية، بما في ذلك الروبل، من أجل زيادة توسيع النطاق الكامل للعلاقات التجارية والاقتصادية».

وأبدى الكرملين أيضا استعداداً للعمل مع البلدان الأفريقية لتطوير بنيتها التحتية المالية، وربط المؤسسات المصرفية بالنظام الذي أنشئ في روسيا لنقل الرسائل المالية، التي تسمح بالدفع عبر الحدود، «بعيداً من بُعد الأنظمة الغربية الحالية المقيدة».

تطلّعات أفريقية: لا نقف ممدودي الأيدي!

في المقابل، برز تباين واضح في أولويات القارة، رغم تطابق المواقف حيال بعض القضايا؛ إذ أشاد رئيس الاتحاد الأفريقي عثمان غزالي، بـ«التعاون الروسي مع بلدان القارة لمكافحة المشكلات الزراعية».

وحيال التعويل الأفريقي على دعم تطلعات القارة الأفريقية في إطار تعزيز «المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات الدولية، وأن يكون للاتحاد الأفريقي مكان في مجلس الأمن»، فضلاً عن ترسيخ الوجود الأفريقي في «مجموعة العشرين»، ركزت كلمات أخرى للقادة الأفارقة على أهمية تصحيح «خطأ تاريخي» حرم القارة السمراء من التمثيل العادل في المؤسسات الدولية. بل، وطالب بعضهم روسيا بأن تؤدي دوراً لتصحيح هذا الخطأ.

أيضاً، مع تأكيد كل الوفود الأفريقية رفض «التركة الاستعمارية»، تفاوتت الكلمات في الجلسة الموسعة بين أطراف ركزت فقط على الهيمنة الغربية، وأطراف شددت على «ضرورات التعاون مع روسيا» لمواجهة «الاستعمار الجديد»، كما قال رئيس بوركينا فاسو والقائم بأعمال الرئاسة في مالي، وهما بلدان لعبت فيهما روسيا دوراً عسكرياً مباشراً لمواجهة الوجود الفرنسي. وحض الطرفان البوركيني والمالي بقية الدول الأفريقية على تبني مواقفهما، وأنه «يجب على قادة الدول الأفريقية ألا يكونوا دمية في أيدي الإمبرياليين والمستعمرين».

أما رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فحدد مطالب القارة من روسيا، قائلاً إن البلدان الأفريقية تمتلك ثروات هائلة لا يُصار إلى استغلالها جيداً. وحث بالتالي روسيا على المساعدة في تطوير بناها التحتية.

هذا أمر أثاره كذلك رئيس الكونغو في مداخلته، التي شددت على أن «هدفنا هو التنمية. لقد حاربنا الاستعمار في الماضي، واليوم علينا أن نواجه تحديات معاصرة، وأن نعمل من أجل رفاهية ما يصل إلى ملياري أفريقي بحلول عام 2050». وتابع الرئيس الكونغولي أن القارة الأفريقية تحتاج إلى الكهرباء، وأن نحو 600 مليون أفريقي يعيشون في الظلام. وأردف: «نحتاج إلى الكهرباء من أجل تدشين الصناعات، وعلينا بناء سكك الحديد والبنى التحتية للتجارة والنقل»، مذكراً بأن القارة الأفريقية «لا تتوقع السخاء من أحد، ولا نقف ممدودي اليدين، بل نرى أن للتعاون بين روسيا وأفريقيا مستقبلاً مشرقاً». وحقاً، بدا هذا المدخل موحداً تقريباً لأجندة غالبية البلدان الأفريقية، في مقابل التطلعات الروسية من القمة.

- الرئيس الجنوب أفريقي رامافوزا (جي سي آي إس)

أما رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، فسعى إلى إيجاد عناصر للربط بين الأجندتين، من خلال الدعوة إلى تعزيز تعاون البلدان الأفريقية مع مجموعة «بريكس». وقال إن «الشركاء في (بريكس) يشاركون في الدعم الاقتصادي لأفريقيا». وزاد أن «على الدول الأفريقية تقرير مصيرها بنفسها كشعوب وككيان مشترك. لدينا مصادر وموارد علينا أن نستفيد بها من أجل مصلحة أفريقيا». ثم أضاف أن بلدان القارة تريد أن تصدّر المنتجات الجاهزة ذات القيمة المضافة، و«لا بد أن يكون هناك احترام لما نقوم به على المستوى الوطني. يجب علينا أن نوقف البلدان التي تستغل مواردنا الطبيعية عند حدها».

في الوقت ذاته، برزت دعوات بعض القادة إلى وضع استراتيجية واضحة للتعاون المستقبلي بين روسيا وبلدان القارة، تقوم على «خريطة طريق» مدروسة وتضع سقفاً زمنياً لتنفيذ مشاريع حيوية مهمة.

وشكلت هذه نقطة بارزة لم تتطرق إليها القيادة الروسية خلال الحوار، تضاف إلى مسألة القلق المتزايد على متطلبات الأمن الغذائي للقارة رغم التطمينات الروسية حول زيادة الصادرات من الحبوب. وهذا أمر برز من خلال تركيز غالبية القادة الأفارقة على أهمية التعامل بشكل إيجابي مع «المبادرة الأفريقية للسلام» (بين روسيا وأوكرانيا) التي كانت بلدان القارة قد اقترحتها في وقت سابق. وهو ما تجنب الرئيس الروسي الرد عليه في الجلسة المفتوحة، مكتفياً بالإشارة إلى أن هذا الموضوع سيكون محور نقاش خلال جلسات مغلقة.

 

البيان الختامي... لقاء في منتصف الطريق

* عكس البيان الختامي للقمة أن الطرفين سعيا إلى إيجاد صياغات عامة تلبي مصالح روسيا والقارة الأفريقية، لكن الحصيلة لم تصل إلى مستوى توقعات بعض القادة الأفارقة الذين كانوا يدفعون نحو وضع آليات واضحة لتطوير التعاون.

 

لقد شملت الوثيقة بنوداً كثيرة تنطلق من رؤية مشتركة لمواجهة «التركة الاستعمارية»، بما في ذلك المطالبة بالتعويض عن الأضرار الناجمة عن السياسة الاستعمارية، وتعزيز إعادة الممتلكات الثقافية، والعمل في مجلس الأمن الدولي لتخفيف ورفع العقوبات المفروضة على الدول الأفريقية. وكذلك، معارضة العقوبات أحادية الجانب - بما في ذلك العقوبات الثانوية - وتجميد احتياطيات الذهب والنقد الأجنبي السيادية.

وأكد البيان على دعم انضمام المجموعة الأفريقية إلى «مجموعة العشرين»، والسعي المشترك لإصلاح منظمة التجارة العالمية، والمساهمة في تعميق الشراكة بين «بريكس» وأفريقيا وإطلاق حوار بين منظمة «معاهدة الأمن الجماعي» والاتحاد الأفريقي، وبين «منظمة شنغهاي للتعاون» والاتحاد الأفريقي. ولفت إلى تعاون مستقبلي في عقد اجتماع إقليمي حول الأمن في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومواصلة التعاون الوثيق الهادف إلى تسوية ومنع النزاعات في القارة الأفريقية، ومعارضة إيجاد بدائل للقانون الدولي، ومحاربة انتشار «الأفكار الراديكالية بين الشباب».

وأيضاً شدد على معارضة التمييز على أساس الجنسية والعرق، بما في ذلك التمييز ضد الأفروفوبيا ورهاب روسيا. ونص كذلك، على بذل جهود مشتركة لضمان الأمن الغذائي وأمن الطاقة على المدى الطويل في أفريقيا، وعلى التعاون في الوقاية من الكوارث الطبيعية والأوبئة، وتحفيز انتقال عادل لمصادر الطاقة. وتكلم عن تنفيذ مشاريع إعلامية مشتركة، وتنمية التعاون في مجال حماية القيم الثقافية وتنظيم رحلات متبادلة للشخصيات الثقافية، وإدخال اللغات الأفريقية والروسية في المناهج الدراسية.

- قوات «فاغنر» في أفريقيا (آ ب)

تحديات تواجه تطوير التعاون الروسي الأفريقي

* لا شك في أن القمة الروسية - الأفريقية الثانية عكست شكلاً من تداعيات الأزمة الدولية المتصاعدة، بسبب المواجهة بين روسيا والغرب. ولكن في مقابل الحرص على إبداء قدر كبير من التفاهم والرغبة في الانتقال إلى علاقات استراتيجية فاعلة، برزت تحديات جدية أمام هذا التوجه... ليس أصعبها التباين في أجندة الأولويات بين الطرفين.

روسيا أبدت جاهزيتها «لتوسيع حضورها العسكري والأمني في القارة»، وفاخر الرئيس بوتين بأن بلاده تقدم مساعدات إلى نحو 40 دولة أفريقية بالأسلحة لجيوشها في إطار اتفاقيات ثنائية.

هذا أمر مهم لبلدان القارة لكنه لا يخفي الحاجة الماسة، قبل أي شيء، لتطوير البنى التحتية، وهو ما لا تستطيع موسكو وحدها تخصيص موازنات ضخمة للوفاء به، كما أنها تواجه منافسة شديدة من جانب «القوة الناعمة» الصينية، والحضور القوي للغرب في عدد من بلدان القارة.

اللافت أن موسكو ربطت تنشيط تحركاتها لدعم المشاريع التحديثية في القارة، وتقديم العون في مسائل إعداد الكوادر المؤهلة، مع متطلباتها لتعزيز مواقفها في المواجهة مع الغرب... وذلك عبر ضرورة الانتقال نحو التعامل بالعملات الوطنية لتجاوز العقوبات الغربية وتحسين قدرات الأطراف على توسيع التعاون.

وصحيح أن موسكو تتبع نهجاً مختلفاً عن النهج الغربي مع القارة الأفريقية، من خلال تقديم مساعدات في شكل إعفاءات من الديون ومساعدات وقت الأزمات، كما أنها تركز في استثماراتها على الموارد والطاقة، لكن العلاقات التجارية بين روسيا وأفريقيا ظلَّت متواضعة للغاية رغم جهود الطرفين لتطويرها. ذلك أن حجم التبادل التجاري مع القارة لا يزيد على 18 مليار دولار، وهذا رقم أقل بـ16 مرة تقريباً من حجم التبادل مع الصين، ويشكل نحو خُمس حجم التبادل مع الولايات المتحدة.

أيضاً نسبة الاستثمارات الروسية من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في أفريقيا لا تزيد على واحد في المائة، ونسبة الصادرات الأفريقية إلى روسيا أقل من نصف في المائة من إجمالي الصادرات الأفريقية. ولا يزيد عدد المنشآت الروسية في القارة الأفريقية على 330 منشأة، بين بنية تحتية ومصنع. فضلاً عن أن نحو 70 في المائة من تجارة روسيا مع أفريقيا تنحصر في 4 دول، هي: مصر والمغرب والجزائر وجنوب أفريقيا. وتشكل مصر وحدها نحو ثلث التجارة بين روسيا وأفريقيا، بنحو 6 مليارات دولار عام 2022.

التحدي الثاني المهم يتمثل في غياب وحدة المواقف الأفريقية من الحضور العسكري الروسي في القارة. وبالفعل أظهرت دراسة نشرها أخيراً «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» أن روسيا «حاولت تقويض الديمقراطية في أكثر من 20 دولة أفريقية من خلال التدخل السياسي وحملات تضليل معلوماتية ونشر مرتزقة من مجموعة (فاغنر) الروسية».

ولكن، رغم ذلك، دلَّت الدراسة إلى أن آراء مواطني القارة السمراء ما زالت منقسمة حيال السياسة الروسية في أوكرانيا؛ إذ أظهر استطلاع للرأي أجري خلال يونيو (حزيران) في كل من جنوب أفريقيا وكينيا ونيجيريا والسنغال وأوغندا وزامبيا أن غالبية المستفتين تعتقد أن الغزو الروسي لأوكرانيا كان مخالفاً لمبادئ القانون الدولي.

والعنصر الثالث اللافت الذي يشكل تحدياً للعلاقة، يتمثل في التباين الكبير حيال ملف الأمن الغذائي. صحيح أن موسكو سعت إلى تبرير موقفها من تقويض «صفقة الحبوب»، وتعهَّدت في المقابل بحلول جزئية تقوم على تقديم «هبات» من القمح للدول الأكثر حاجة، لكن برز الخلاف على الموضوع بوضوح في غياب موقف مشترك معلن حيال الأزمة الأوكرانية كلها في البيان الختامي.

اللافت هنا أن الرئيس الروسي أعلن في ختام القمة أن الطرفين أعدا وثيقة مشتركة حول أوكرانيا، لكن هذه الوثيقة غابت عن الوثائق الختامية للقمة. وبرر الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف لاحقاً ذلك بالقول إن روسيا «أعدَّت مسودتها بعد مناقشة الوضع في أوكرانيا في القمة الروسية - الأفريقية وسلمتها إلى وفد جنوب أفريقيا بصفته منظم مبادرة الوساطة الأفريقية». وأضاف بيسكوف: «بمجرد الاتفاق على النص النهائي فإن الجانب الجنوب أفريقي سينشر الوثيقة». لكن تلك الوثيقة لم تبصر النور حتى الآن.


مقالات ذات صلة

السعودية تدعو إلى تبني نهج متوازن وشامل في خطط التحول بـ«قطاع الطاقة»

الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي خلال إلقائه كلمته في الجلسة الثالثة لقمة دول مجموعة العشرين (واس)

السعودية تدعو إلى تبني نهج متوازن وشامل في خطط التحول بـ«قطاع الطاقة»

أكدت السعودية، الثلاثاء، أن أمن الطاقة يمثل تحدياً عالمياً وعائقاً أمام التنمية والقضاء على الفقر، مشددة على أهمية مراعاة الظروف الخاصة لكل دولة.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن خلال قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (آبيك) في ليما - بيرو 15 نوفمبر 2024 (رويترز)

بايدن: العالم يواجه لحظة تغيير سياسي كبير

حذّر الرئيس الأميركي جو بايدن، اليوم (الجمعة)، من مدة، من التغيير السياسي في أثناء عقده اجتماعاً مع زعيمي اليابان وكوريا الجنوبية في قمة آسيا والمحيط الهادئ.

«الشرق الأوسط» (ليما)
العالم عناصر شرطة حاملين الأعلام الوطنية يتوجهون إلى وزارة الثقافة في البيرو مكان انعقاد قمة منتدى «آبيك» في ليما 15 نوفمبر 2024 (أ.ب)

عدم اليقين يخيّم على افتتاح قمة آسيا والمحيط الهادئ بعد فوز ترمب

خيّم جوّ من عدم اليقين على قمة «منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ» (آبيك) المقامة في البيرو، بعد فوز دونالد ترمب في الانتخابات الأميركية.

«الشرق الأوسط» (ليما)
تكنولوجيا خلال جلسة في «قمة الويب» 2024 في لشبونة عاصمة البرتغال 12 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

«ثورة الذكاء الاصطناعي» تطغى على «قمة الويب» في لشبونة

يطغى الذكاء الاصطناعي والتحوّلات الناتجة عنه على المناقشات خلال «قمة الويب» التي تُعقَد في لشبونة هذا الأسبوع على خلفية إعادة انتخاب ترمب رئيساً لأميركا.

«الشرق الأوسط» (لشبونة)
الخليج صورة جماعية للقادة المشاركين في القمة العربية - الإسلامية في الرياض العام الماضي (واس) play-circle 00:38

قمة الرياض: تشديد على وقف الجرائم الإسرائيلية (تغطية حية)

تشهد الرياض «القمة العربية الإسلامية» غير العادية، بحضور قادة وممثلي أكثر من 50 دولة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.