فرنسا ما بين استعادة الدور والإخفاقات


جان إيف لودريان مع البطريرك الماروني في بكركي (أ.ف.ب)
جان إيف لودريان مع البطريرك الماروني في بكركي (أ.ف.ب)
TT

فرنسا ما بين استعادة الدور والإخفاقات


جان إيف لودريان مع البطريرك الماروني في بكركي (أ.ف.ب)
جان إيف لودريان مع البطريرك الماروني في بكركي (أ.ف.ب)

> مُنيت المبادرة الفرنسية الأخيرة في لبنان بفشل ذريع، إذ إن رهان الرئيس إيمانويل ماكرون على دور مبعوثه إلى بيروت وسفيرته في لبنان آن غريّو، سرعان ما تبدّد. وأيضاً أتى رهانه على تبنّي المملكة العربية السعودية مسعاه ودخولها على خطّ «إقناع حلفائها» بالتصويت للمرشح سليمان فرنجية، بنتائج معاكسة.

وحول هذا النقطة يرى مصدر في المعارضة اللبنانية، أن الفرنسيين «أخطأوا تقدير الموقف، واعتقدوا أن اتفاقهم الضمني مع (حزب الله) يكفي لتمرير الصفقة، وأن التقارب السعودي - الإيراني كفيل بتغيير موقف حلفاء المملكة في لبنان».

وأضاف المصدر -الذي طلب إغفال ذكر اسمه- لـ«الشرق الأوسط» إن «الموقف السعودي كان واضحاً منذ البداية، حيث لا تبنٍّ لأي مرشح، ولا تدخُّل في الشأن الداخلي لأي بلد شقيق، وأن على اللبنانيين الاتفاق على الرئيس، والمملكة تتعاطى معه بناءً على أدائه وعلى طبيعة الحكومة التي تتشكّل والبرنامج الإصلاحي الذي يتبنّاه».

مشكلة الفرنسيين الذين سعوا إلى استعادة دورهم ونفوذهم في المنطقة من البوابة اللبنانية أنهم «راكموا على أخطاء سابقة»، على حدّ تعبير المصدر. واستطرد أن «المبادرة السابقة التي طرحها الرئيس ماكرون على القادة اللبنانيين غداة انفجار مرفأ بيروت، سرعان ما تراجع عنها. والكل يذكر أنه ألزم القادة ورؤساء الكتل النيابية بتشكيل حكومة تكنوقراط من أصحاب الاختصاص وتحريرها من قيود أهل السلطة، لكنه خلال أيام قليلة بدأ تقديم التنازلات، وطلب من الرئيس المكلّف سعد الحريري، فتح قنوات التفاوض مع الأحزاب، وقبول تمثيلها في الحكومة، مسلِّماً لـ(حزب الله) بحقّ (الفيتو) على الأسماء. كذلك حاول ماكرون إلزام الحريري بلقاء جبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحرّ) في باريس، لإعطائه حصّة وازنة في الحكومة، مما حمل الحريري على الاعتذار عن تشكيل الحكومة بعد تسعة أشهر من تكليفه». عليه رأى المصدر أن «انخراط الإدارة الفرنسية بكل ثقلها في استحقاق الانتخابات الرئاسية، وإصرارها على تسويق صفقة سليمان فرنجية - نوّاف سلام متجاهلةً الإجماع المسيحي ونواب المعارضة من باقي الطوائف، أفقدا الدور الفرنسي حياده».

من جانب آخر، ذكّر المصدر بأن «الرئيس ماكرون ومبعوثه الخاص وحتى السفيرة غريّو لم يقرأوا مشهد جلسات انتخاب الرئيس الـ1. عندما صوّتت أكثرية المعارضة للمرشّح (السابق) ميشال معوض فتخطّت الأصوات التي نالها الـ44، بينما آثر الثنائي الشيعي إخفاء اسم مرشحه مصوّتاً بالورقة البيضاء... وأيضاً تجاهلوا (الفرنسيون) تقدّم مرشح المعارضة جهاد أزعور في الجلسة الـ12 على فرنجية بثمانية أصوات (أزعور نال 59 صوتاً مقابل 51 لفرنجية)، وظلّوا داعمين لمرشّح الممانعة».

من ثم، لا شكّ في أن المبعوث جان إيف لودريان أدرك خلال زيارته السابقة لبيروت مدى الاستعصاء على اختراق موقف المعارضة، فسارع إلى وضع مهمته في سياق «استطلاع الوضع للمساعدة في إيجاد الحلول للأزمة التي يمر بها لبنان، والبحث مع كلّ الأطراف في كيفية إنجاز الاستحقاق الرئاسي».

وكان لافتاً أن حالة الاستياء اللبناني لم تقتصر على أطراف سياسية، بل وصلت إلى المراجع الدينية، خصوصاً البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، الذي زاره المبعوث الفرنسي وسمع منه، وفق المصدر نفسه، «عتباً واضحاً على تجاهل إرادة الأكثرية الشعبية والنيابية حيال استحقاق مصيري يعني المسيحيين بالدرجة الأولى وكل اللبنانيين بالدرجة الثانية». ولقد أعلن المبعوث الفرنسي من الصرح البطريركي يومها، أن «هدف زيارته لا يتعدّى الاستماع إلى آراء الأطراف، وإجراء المشاورات الضرورية للخروج فوراً من المأزق السياسي، ثم النظر في أجندة إصلاحات من أجل أن يستعيد لبنان الحيوية والأمل».

كذلك طمأن لودريان، الراعي إلى أنه «لا يحمل أي خيار، بل سيستمع للجميع، وأن هناك زيارات أخرى قادمة»، معترفاً بأن «الحل يبدأ من اللبنانيين». ولذا يأمل المصدر المعارض أن «تشكل زيارة لودريان الأخيرة للبنان، تحوّلاً في السياسة الفرنسية، وأن تكون باريس عضواً فاعلاً ومسهلاً لمبادرة اللجنة الخماسية والمقررات التي اتخذتها في اجتماع الدوحة».


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

 

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،