هولندا: قوى اليمين تعدّ العدة لانتخابات نوفمبر رغم تحسن فرص تحالف العمال - «الخضر»

بين «سندان» طالبي اللجوء و«مطرقة» نقص المساكن

مركز «تير آبيل» للاجئين في محافظة خرونينخن (آ.ن.ب)
مركز «تير آبيل» للاجئين في محافظة خرونينخن (آ.ن.ب)
TT

هولندا: قوى اليمين تعدّ العدة لانتخابات نوفمبر رغم تحسن فرص تحالف العمال - «الخضر»

مركز «تير آبيل» للاجئين في محافظة خرونينخن (آ.ن.ب)
مركز «تير آبيل» للاجئين في محافظة خرونينخن (آ.ن.ب)

أسقطت سياسة الهجرة واللجوء حكومة هولندا، ومعها رئيس الحكومة مارك روته الذي يحكم بلاده منذ 13 سنة، والذي كان حتى استقالته، صاحب ثاني أطول فترة لرئيس حكومة في أوروبا، بعد رئيس الحكومة المجري فيكتور أوربان. ومع أن بناء الائتلاف الحكومي في ولاية روته الرابعة استغرق وقتاً قياسياً لامس الـ300 يوماً (أو 9 أشهر)، بعد انتخابات عام 2021، فإن الخلافات حول قانون لمّ شمل أسر اللاجئين أسقطت الحكومة في وقت قياسي. كذلك لم يزد عُمر الائتلاف على بضعة أيام بعد سنة ونصف سنة فقط، ويومذاك فاجأ بناؤه كثيرين داخل هولندا. واليوم، يبدو أن حزباً واحداً، بالتحديد، سيكون في طليعة المستفيدين من مغادرة روته السياسة ودعوته إلى انتخابات نيابية في نوفمبر (تشرين الثاني). هذا الحزب هو «حركة المواطنين المزارعين» الذي أسس قبل 4 سنوات فقط، وهو تنظيم شعبوي يميني تحوّل إلى واحد من المنافسين الأساسيين في الانتخابات المقبلة في هولندا.

استقالة مارك روته جاءت بعدما اصطدم برفض أحد شركائه الثلاثة في الحكومة، القبول بفرض مهلة سنتين على اللاجئين قبل أن يتمكنوا من طلب لم شمل عائلاتهم. ومع أن الزعيم المستقيل عُرف بمهارته في تخطّي عقبات صعبة في الماضي، فإنه عجز هذه المرة عن إقناع شركائه في الحكومة بدعمه. كذلك عجز عن تخطي الضغوط داخل حزبه للتخلّي عن مساعيه بتشديد قوانين الهجرة، فوجد نفسه مضطراً للاستقالة. والآن سيبقى روته على رأس «حكومة تصريف» الأعمال حتى الانتخابات العامة في نوفمبر المقبل، المفترض أن تتيح تشكيل حكومة جديدة. ولكن في نظام أفرز أكثر من 17 حزباً لم يتمكن أي منها أبداً من الفوز بغالبية مطلقة في البرلمان، قد يستغرق تشكيل الحكومة العتيدة عدة أشهر... سيظل خلالها روته على رأس حكومة «تصريف الأعمال» حتى الصيف من العام المقبل.

ديلان يشيلغوز – زيغيريوس (آ.ن.ب)

تحالف غير متماسك

من ناحية ثانية، مع أن انهيار حكومة روته شكّل مفاجأة لكثيرين، فإن المراقبين داخل هولندا يقولون إن الائتلاف الذي قاده قام منذ البداية على تحالف هش تشوبه الخلافات، ما جعل سقوطه مسألة وقت لا غير؛ إذ إنه في حين كان «حزب الشعب للحرية والديمقراطية» بقيادة روته، يضغط مع حزب آخر من يمين الوسط داخل الحكومة بتجاه تشديد قوانين الهجرة، كان الاتحاد المسيحي (أيضاً من اليمين الوسط) وحزب «الديمقراطيون 66» (يسار الوسط) يشدّان في الاتجاه المعاكس. واللافت أنه على الرغم من ميل الأحزاب اليمينية عادة إلى تشديد قوانين الهجرة، فإن الاتحاد المسيحي المشارك في الحكومة رفض دعم روته من مبدأ رفضه تفريق العائلات وتشتيتها.

هذه الخلافات حول قوانين الهجرة واللجوء سلطت، في الواقع، الضوء على أزمة عادت إلى الواجهة في هولندا لتغدو الملف الأول من حيث الأهمية للناخب الهولندي، وفق آخر استطلاع للرأي نشره معهد في العاصمة أمستردام. فلقد نقلت وسائل إعلام هولندية عن الباحث بيتر كان، قوله إن «مسألة الهجرة واللجوء هي القضية الأهم بالنسبة للناخبين، خاصةً، بعد انهيار الحكومة». وبحسب الباحث، فإن حزب روته سيكون من المستفيدين مما حصل، مع أن زعيمه المستقيل نفسه أعلن أنه سيغادر الحلبة السياسية نهائياً، ولن يقود حزبه في الانتخابات المقبلة.

تركية - كردية لاجئة في الواجهة

وحقاً، رشّح الحزب - الذي يتمتع بأكبر كتلة نيابية هولندية حالياً - وزيرة العدل ديلان يشيلغوز - زيغيريوس لترؤس لائحة الحزب وتقوده في الانتخابات المقبلة. ويشيلغوز - زيغيريوس، المولودة في العاصمة التركية أنقرة، وصلت طفلة إلى هولندا ضمن عائلة أب تركي كردي يساري طلب اللجوء السياسي فيها. ومع أنها توافق روته في مواقفه حول الحد من اللاجئين، فليس واضحاً بعد ما إذا كانت ابنة العائلة اللاجئة من تركيا، ستتمكن من جمع الناخبين حول الحزب الذي قاده سلفها طوال 17 سنة.

روته نجح، بلا شك، خلال السنوات الـ13 التي قاد فيها هولندا، بأن يرسم لنفسه صورة الرجل العادي القريب من المواطن، الأمر الذي ساعده على التغلب على عدة فضائح كادت تطيح به خلال حكوماته السابقة. ولقد عُرف عنه أنه كان غالباً ما يتنقل بين بيته ومقر عمله ممتطياً دراجته الهوائية، بل شوهد ذات يوم وهو يمسح أرضية مدخل البرلمان بنفسه بعدما سقط من يده فنجان قهوته، بينما اصطف المنظفون بالقرب منه وهم يصفقون له. كذلك، ظل روته يدرّس مرة أسبوعياً في مدرسة بمدينة لاهاي، صباح كل اثنين، قبل أن يتوجه إلى المكتب، وهي مهنة قد يتفرّغ لها بعد اعتزاله السياسة.

فرانتس تيمرمانز

من منجزاته دولياً

من ناحية أخرى، يرى مراقبون في هولندا أن الزعيم المستقيل نجح إبان سنوات حكمه في أن يحوّل هولندا إلى لاعب أكبر من حجمه الحقيقي على الساحة الأوروبية، كما أنه «شبّك» تحالفات من دول داخل الاتحاد الأوروبي تؤمن بالمبادئ نفسها حول تقليص الإنفاق والدَّين العام. وبالتالي، فغيابه سيترك فراغاً على الساحة الدولية، ويهدّد بتقليص دور هولندا مرة جديدة. ولكن، في المقابل، تفتح استقالة روته الباب مرة جديدة أمام أحزاب اليسار الوسط، وخاصة حزب العمال الذي شارك في السلطة للمرة الأخيرة عام 2002. فقد أعلن فرانتس تيمرمانز، الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيسة المفوضية الأوروبية، نيته العودة إلى السياسة الهولندية وترؤس تحالف العمال مع حزب «الخضر» في انتخابات نوفمبر المقبلة. وحسب المتابعين، ما زال تيمرمانز - الذي شغل سابقاً منصب وزير الخارجية - يحظى بشعبية واحترام لا بأس بهما. ويبدو، فعلاً، أن اختيار تيمرمانز لقيادة تحالف العمال - «الخضر» رفع حظوظ الحزبين شعبياً. ذلك أن آخر استطلاعات الرأي أظهر أن التحالف اليساري - الوسطي يتصدّر الأحزاب المتنافسة، وسيفوز بـ28 مقعداً من أصل 150 في البرلمان، بزيادة 11 مقعداً عن المقاعد التي لدى الحزبين حالياً. وبيّن الاستطلاع نفسه أن حزب روته تحت قيادة يشيلغوز - زيغيريوس سيحل ثانياً بـ25 مقعداً. أما المرتبة الثالثة، بعدد مقاعد يصل إلى 21 مقعداً، فستكون لحزب «حركة المواطنين المزارعين» الذي أسس عام 2019 من قلب حركة المزارعين المعارضة لقرارات أصدرتها الحكومة تفرض على المزارعين تخفيض انبعاثات غاز النيتروجين الناتج عن مزارع الأبقار، بهدف خفض التلوث.

هذا، وكانت خطط الحكومة - التي كانت قد أجُبرت على إدخالها بعد قرارات أوروبية - قد أثارت جدلاً شديداً بين المزارعين الهولنديين الذين سيخسر كثيرون منهم مزارعهم بسبب تخفيض نسبة انبعاثات النيتروجين. وتترأس «حركة المواطنين المزارعين» اليوم صحافية سابقة اسمها كارولين فان دير بلاس، نجحت بقيادة الحزب الفتيّ لتحقيق أول انتصاراته في مارس (آذار) الماضي، بانتخابات المجلس الأدنى، حيث أصبح أكبر حزب ممثَّل فيه. ومع أن الحزب أسس أصلاً للدفاع عن المزارعين فقد جعلته طبيعة الشعبوية يستفيد أيضاً من الجدل الدائر حول اللاجئين.

اللجوء... اللجوء... اللجوء

جدير بالذكر أن هولندا شهدت جدلاً واسعاً في العام الماضي، بسبب نقص أماكن الإيواء والسكن للاجئين ما دفع بالمئات منهم لافتراش الأرض خارج أحد أكبر مراكز استقبال اللاجئين لعدة أشهر. بل توفي رضيع يبلغ من العمر 3 أشهر في المركز بسبب الاكتظاظ. ثم إن طالبي لجوء اضطروا للعيش في العراء لأشهر خارج مركز «تير أبيل» في محافظة خرونينخن (أقصى شمال هولندا)، المركز الرئيس والأكبر لاستقبال اللاجئين في هولندا، وصفوا الظروف التي تركوا فيها بأنها «غير إنسانية». وللعلم، فإن المركز المؤهل لاستيعاب ألفي لاجئ يُعد النقطة الأولى للاجئين حين يتقدمون بطلباتهم، وينتظرون فيه البت فيها. وبالفعل، انتقدت منظمات إنسانية الظروف الصحية التي ترك فيها اللاجئون، من دون القدرة على الاستحمام أو استخدام حمامات، والنوم في الخارج لأشهر، حتى المرضى منهم، ما يعني أن خطر انتقال الأمراض المعدية بينهم كان مرتفعاً. هذا، وبات قرابة الـ700 لاجئ معظمهم من دول عربية كاليمن وسوريا ودول فقيرة مثل أفغانستان، في العراء، بينما كان اللاجئون الأوكرانيون يحظون بمعاملة مختلفة، ويصار إلى توزيعهم على مساكن تابعة للبلديات المختلفة.

الحكومة الهولندية برّرت - آنذاك - الازدحام الشديد في مركز اللاجئين الرئيس المذكور، بإقفال العديد من مراكز الاستقبال إبان جائحة «كوفيد - 19»، وببقائها مقفلة بعد انحسار الجائحة. ولكن، ما يزيد الوضع سوءاً أن هولندا تعاني من نقص حاد ودائم على صعيد المساكن، ما يعني أن اللاجئين الذي يُمنحون أوراق إقامة بعد أشهر قليلة من وصولهم، لا يستطيعون العثور على أماكن ينتقلون إليها، فيضطرون إلى البقاء في مراكز اللجوء.

وبالفعل، تسببت هذه الفوضى في مركز لجوء «تير أبيل» ووفاة الرضيع بإعادة ملف اللاجئين إلى الواجهة. وفي حينه، تعهّد روته بوضع حد لأعداد اللاجئين نتيجة «عجز البلاد عن استيعابهم» كما قال. ومن ثم، جاء اقتراح وقف لمّ شمل العائلات لمدة سنتين ضمن الإجراءات التي تعهد باتخاذها لتخفيض أعداد اللاجئين، بيد أن الخلافات داخل حكومته الائتلافية أدت في النهاية إلى استقالته.

استفادة اليمين

على أي حال، استفاد حزب روته من أزمة اللاجئين، وأيضاً «حركة المواطنين المزارعين» من الأحزاب التي قد تكسب كثيراً من هذه الأزمة. فحزب «حركة المواطنين المزارعين»؛ كونه تنظيماً شعبوياً صريحاً يؤمن بمعالجة أزمة اللاجئين «في دول المنبع»، أي بتقديم مساعدات مالية للدول التي ينطلق منها اللاجئون إلى أوروبا وهولندا، مثل تونس وليبيا. بل يروّج البعض داخل هذا الحزب بأن اللاجئين «هم الذين يتسببون بأزمة السكن» في هولندا، وأن الحكومة تسعى للاستحواذ على المزارع لتحويلها إلى مجمعات سكنية. وحقيقة الأمر أن الحكومة أقرت، بالفعل، خطة لشراء مزارع بتمويل من الاتحاد الأوروبي - الذي خصّص مبلغ مليار ونصف مليار يورو - لتمويل برنامج الحكومة الهولندية بشراء مزارع بهدف تخفيض انبعاثات النيتروجين الضارة. وراهناً، تسعى الحكومة إلى خفض معدلات أوكسيد النيترات والأمونيا إلى النصف بحلول عام 2030، بعد تبنيها أخيراً خطة يقول ناشطون بيئيون إنها «جاءت متأخرة»، وإن الحكومات الهولندية المتعاقبة «تلكأت لسنوات في مواجهة الكميات الكبيرة من الانبعاثات الضارة التي تتسبب بها المزارع في البلاد».

ولكن، في المقابل، تعد الزراعة - ومن ضمنها تربية الماشية - جزءا أساسيا من الاقتصاد الهولندي. وبحسب مجموعة «الزراعة الوطنية» هناك قرابة الـ54 ألف شركة أعمال مرتبطة بالزراعة. ووصلت قيمة الصادرات الزراعية من هولندا إلى قرابة الـ95 مليار يورو عام 2019. وحقاً، تعد هولندا ثاني أكبر مصدّر زراعي في العالم بعد الولايات المتحدة، وأكبر مصدر للحم في أوروبا. واليوم يُستخدم ثلثا الأراضي في هولندا للزراعة وتربية الماشية، ما يعني أن النظام الزراعي يتسبب بأضرار بالغة على الطبيعة بسبب التلوثات الناتجة عن تربية الماشية بشكل أساسي.

الحسابات الانتخابية

وعلى الصعيد الانتخابي، بينما تتوقّع الاستطلاعات تحقيق حزب «حركة المزارعين المواطنين» نتائج طيبة في الانتخابات، مستفيدة من غضب المزارعين وأزمة اللاجئين، فإن حزباً يمينياً متطرفاً آخر يتوقع أن يحقق مكاسب من الخلافات حول الهجرة، هو «حزب الحرية» بقيادة النائب المتشدد خِيرت فيلدرز الذي يقود الحزب منذ عام 2006. وهنا، نشير إلى أن روته كان يرفض الدخول في تحالفات مع حزب فيلدرز، لكن ثمة إشارات بدأت الآن تخرج من داخل حزب روته توحي بإمكانية تحالف الحزبين بعد الانتخابات المقبلة؛ إذ قال النائب روبن بريكلمانز، الذي يعد من الوجوه الصاعدة في حزب روته، إنه لا يريد استبعاد إنشاء تحالف مع «حزب الحرية» حول الهجرة، رغم كلامه عن «استمرار» الخلافات الجوهرية مع الزعيم اليميني المتطرف الذي كان تعهد عام 2014 بمنع القرآن، وإغلاق كل المساجد في هولندا في حال انتخابه، من بين جملة سياسات متطرفة أخرى.

بناءً على ما تقدم، تبدو هولندا الآن أمام تقاطع 3 طرق: فإما أن يختار الناخبون مجدداً حزب روته ويخاطروا بجنوحه نحو اليمين المتطرف، وإما أن يختاروا «حركة المواطنين المزارعين» سائرين مباشرة في خيار التطرف اليميني، وإما أن يقرّروا السير مع التحالف اليساري المعتدل والعودة إلى زعيم ما زال محبوباً في أنحاء هولندا هو فرانتس تيمرمانز، رغم غيابه عن السياسة المحلية منذ انتقاله إلى بروكسل قبل 9 سنوات.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

 

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،