زيارة مودي إلى باريس وما تعنيه للعلاقات الثنائية

في خضمّ الأزمات العالمية وتشابك المصالح والأولويات

 مودي "ضيف شرف" في احتفالات "اليوم الوطني الفرنسي" وتبدو معه نظيرته الفرنسية إليزابيث بورن. (آ ب)
مودي "ضيف شرف" في احتفالات "اليوم الوطني الفرنسي" وتبدو معه نظيرته الفرنسية إليزابيث بورن. (آ ب)
TT

زيارة مودي إلى باريس وما تعنيه للعلاقات الثنائية

 مودي "ضيف شرف" في احتفالات "اليوم الوطني الفرنسي" وتبدو معه نظيرته الفرنسية إليزابيث بورن. (آ ب)
مودي "ضيف شرف" في احتفالات "اليوم الوطني الفرنسي" وتبدو معه نظيرته الفرنسية إليزابيث بورن. (آ ب)

زيارة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي الأخيرة لفرنسا، كانت السادسة منذ عام 2015، ثم إنه سبق أن استضافه الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه أربع مرات منذ وصوله إلى السلطة عام 2017. ولقد استغل الزعيمان مودي وماكرون، في الواقع، هذه المناسبة للاحتفال بـ«اليوبيل الفضي» للشراكة الاستراتيجية بين باريس ونيودلهي، فضلاً عن تحديد رؤية جريئة لربع القرن المقبل. كذلك سعى الجانبان إلى تعميق تعاونهما في مجالات الدفاع والأمن والتكنولوجيا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

الزعيم الهندي مع الرئيس ماكرون (أ.ب)

يجري كل هذا في خضم تطوير العلاقات بين أوروبا والهند على نطاق أوسع؛ إذ أصدرت الهند وفرنسا «خارطة طريق» بعنوان «أفق 2047» لتعزيز التعاون الثنائي على مدى السنوات الـ25 المقبلة، التي تُؤرخ 100 سنة من استقلال الهند، و50 سنة من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. ولقد عمل أربعة رؤساء فرنسيين وثلاثة رؤساء وزراء هنود، خلال السنوات الـ25 الماضية، على تطوير هذه العلاقة.

الاستقلال الاستراتيجي وتحويل المصالح

في الصورة الأوسع، ترتكز العلاقة الاستراتيجية بين فرنسا والهند على الاحترام المتبادل للاستقلالية الاستراتيجية لكلا الجانبين، وظلت باريس ثابتة على رفضها التعليق على الشؤون الداخلية للهند، أو خيارات نيودلهي في مجال السياسة الخارجية. وفي حين لعبت فرنسا دوراً قيادياً في رد الغرب على حرب روسيا في أوكرانيا، فإنها لم تنضم إلى الدول الغربية الأخرى في حثّ القيادة الهندية علناً على تغيير موقفها.

في الحقيقة، يشهد التاريخ على أن فرنسا حليف وثيق للهند، وبدأت الشراكة الاستراتيجية بين البلدين مباشرة بعد التجارب النووية الهندية. ففي عام 1974، ثم عام 1998، لم تنضم فرنسا إلى الضغوط الغربية لمعاقبة الهند على تجاربها النووية، بل تدخلت بإمدادات اليورانيوم لتشغيل مفاعلات تارابور النووية الهندية بالطاقة، وامتنعت عن إدانة التجارب النووية الهندية. كذلك، انتهزت باريس الفرصة لتعزيز العلاقات الدفاعية والأمنية مع نيودلهي، في بادرة لها صداها لدى مؤسسة السياسة الخارجية الهندية حتى الآن. وبعد فترة وجيزة من منح مجموعة المورّدين النوويين (NSG) إعفاءً خاصاً بالهند في سبتمبر (أيلول) 2008 للمشاركة في التجارة النووية المدنية، كانت فرنسا أول دولة توقع اتفاقية نووية مدنية مع الهند لمشروع جايتابور للطاقة النووية.

وفي حين، كان مثيراً للاهتمام أن البرلمان الأوروبي تبنى - بينما كان مودي يزور فرنسا - قراراً ينتقد الحكومة الهندية بسبب العنف في ولاية مانيبور الهندية، ذات الغالبية المسيحية، والانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان وقضايا حرية الدين، لم تُناقش أي من هذه القضايا أو تُثار بين الزعيمين الفرنسي والهندي. كما لم تُشر الهند أيضاً إلى أعمال العنف في فرنسا بعد مقتل فتى مراهق من أبناء الجالية الجزائرية.

تطورات العقد الماضي

اكتسبت الشراكة الفرنسية - الهندية ثقلاً واضحاً خلال العقد الماضي، مع بدء التعاون الوثيق، ثم تعزيزه، في مجموعة واسعة من القضايا، تشمل مجالات حساسة وسيادية، مدعوماً بالتعاون التجاري الدفاعي المزدهر الذي جعل فرنسا ثاني أكبر مورِّد للأسلحة إلى الهند بعد روسيا. وعلّق الصحافي والبروفسور الهندي راجا موهان بأن «عند البلدين ما يمكن وصفه بالتطابق في سعيهما المشترك إلى الاستقلال الاستراتيجي وسط ديناميكيات القوة العالمية». وأردف شارحاً أن شعار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «متحالفون غير منحازين» يعكس إصرار وزير الخارجية الهندي الدكتور س. جايشانكار على أن الهند «مؤهلة لأن يكون لها موقفها الخاص». ويتجسّد هذا الموقف بصورة أفضل في مفهومٍ كانت العاصمتان تستخدمانه بانتظام، ألا وهو «الاستقلال الاستراتيجي»، الذي يُعرّفُ بأنه القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة عن الضغوط الخارجية، لا سيما من القوى العظمى، في مجالات السياسة الرئيسية.

ويتابع موهان: «سواءً كان رفض معاقبة نيودلهي في أعقاب التجارب النووية عام 1998، أو منع الصين من إدراج مسألة كشمير على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي بعدما غيّرت الهند الوضع الإقليمي الراهن في الإقليم في أغسطس (آب) 2019، أثبتت باريس أنها الحليف الأكثر قيمة وثباتاً للهند»، ويستطرد: «يفيد تحليل حديث أن مودي وماكرون، مثل أسلافهما، عزّزا صلات قوية مع القوى الكبرى من دون أن يصبحا معتمدين بشكل مفرط على أي منها، وبالتالي، فهما محافظان على مسافة من المنافسة بين مختلف الكتل على غرار الحرب الباردة». وبينما تشير التطورات إلى أن «الهند بزعامة مودي لا تزال تعارض رسمياً الانضمام إلى تحالف عسكري، فإن ماكرون ينتقد بانتظام حلف شمال الأطلسي (ناتو) بطريقة ديغولية للغاية».

النظام العالمي

من جهة أخرى، اعتبر خبراء هنود أن زيارة مودي لفرنسا مهمة من حيث تغيير النظام العالمي وكذلك العلاقات الثنائية بين البلدين؛ إذ اعتبر الدكتور شيتال شارما، عضو هيئة التدريس بمركز الدراسات الأوروبية بجامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي، أن الزيارة كانت حاسمة فيما يتعلق بثلاثة مجالات رئيسة، وأوضح: «لقد جاءت في وقتها، وهي مهمة في العديد من الجوانب، وعلينا أن نفهم أهميتها من زاوية ثلاثة مجالات بالذات هي: تغيير النظام العالمي، والعلاقات الثنائية بين الهند وفرنسا، والحرب الأوكرانية». ثم تابع أن انتقاد الهند في فرنسا أمر نادر الحدوث. وقبل أقل من سنة، انتقد الرئيس ماكرون الدول التي تقف على الحياد بشأن حرب أوكرانيا في خطابه في الأمم المتحدة، معتبراً «أن الذين يصمتون اليوم يخدمون، سواءً ضد إرادتهم أو سراً بتواطؤ معيّن، حالة إمبريالية جديدة».

وأضاف شارما: «لقد جاء ذكر مودي في خطاب ماكرون. ولكن لم يكن الهدف معاقبة الزعيم الهندي على حياد نيودلهي في حرب أوكرانيا، ولا زيادة وارداتها من النفط الروسي الرخيص في ظل سقف للأسعار فرضته العقوبات العالمية، بل بدلاً من ذلك، أشاد الزعيم الفرنسي بنظيره الهندي لإبلاغه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن «عصر اليوم ليس وقتاً للحرب» خلال «القمة» المنعقدة في أوزبكستان. ثم إن فرنسا أيضاً عضو دائم في مجلس الأمن الدولي. وتأكيداً لتناغم القوى المتوسطة، يتوجب على نيودلهي الشروع في استكشاف إمكانيات الدعم الفرنسي الثابت للهند في مجلس الأمن الدولي.

ومن جهته، يقول البروفسور غولشان ساتشديفا، من مركز الدراسات الأوروبية بجامعة جواهر لال نهرو، معلقاً: «بعيداً عن عروض الصداقة الاحتفالية، تتشارك الهند وفرنسا في نظرة مماثلة إلى الشؤون الدولية... فالدولتان تفضلان نظاماً متعدد الأقطاب يمكِّنهما من لعب دور فعال في الساحة العالمية. والدولتان تتمتعان بهويات وطنية قوية، وتسعيان إلى الحصول على الاستقلال الاستراتيجي، وإعطاء الأولوية لحرية اتخاذ القرار في مجال السياسة الخارجية، والنظر إلى العالم من خلال عدسة من الاعتزاز العميق».

المواقف من أوكرانيا وروسيا والصين

في جانب موازٍ، في حين تحافظ فرنسا والهند على التزامهما بالتعددية القطبية، فإن حرب أوكرانيا تشكل تحدياً لبعض الضرورات غير المعلنة، لكنها تشكل ضرورة أساسية لشراكتهما الاستراتيجية.

إذ ما زالت الفوارق قائمة بين فرنسا والهند فيما يتصل بوجهات نظرهما حيال الحرب في أوكرانيا، وراهناً تحافظ نيودلهي على توازن دبلوماسي بين موسكو والدول الغربية، بعدما أحجمت عن إدانة التدخل العسكري لفلاديمير بوتين في أوكرانيا، فضلاً عن ذلك، برزت الهند باعتبارها مستورداً بارزاً للنفط الروسي بأسعار مخفّضة أثناء أضخم صراع أوروبي منذ الحرب العالمية الثانية. ولقد خضع حياد الهند لتدقيق متكرّر، مع امتناعها مراراً وتكراراً عن التصويت في الأمم المتحدة على إدانة العدوان الروسي في أوكرانيا.

وهنا يقول ساتشديفا: «يكمن الاختبار الحقيقي للتماسك الاستراتيجي بين فرنسا والهند في تقييم كل منهما لكيفية إشراك قوى كبرى أخرى مثيرة للمشاكل، مثل الصين وروسيا، فلطالما تطلعت نيودلهي تاريخياً إلى موسكو لاحتواء النزعة التوسعية لبكين في فنائها الخلفي الآسيوي. لكن أزمة أوكرانيا تسببت في إطلاق شرارة تحولات جيوسياسية هائلة، وهذا يشمل تغيراً في ميزان القوى بين موسكو وبكين، ما يجعل روسيا التي تُفرض عليها عقوبات وتُهمش بشكل متزايد تعتمد على الصين الناشئة... الأمر الذي يضرّ بالهند».

ثم يضيف: «لدى فرنسا تقدير أفضل من البلدان الأوروبية الأخرى لموقف نيودلهي من تلك الحرب». وأيضاً، كانت باريس من المؤيدين الدائمين للحصول على مقعد دائم للهند في مجلس الأمن، ولقد دعمت بقوة مواقف الهند بشأن كشمير والإرهاب في الأمم المتحدة، وكذا لدى هيئات مثل فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية».

ماكرون والصين

وهنا تجدر الإشارة، إلى أن الهند، التي دخلت في مواجهات عسكرية مع بكين في جبال الهيمالايا منذ أبريل (نيسان) 2020، تقرّ بأن علاقاتها مع الصين «غير طبيعية». وفي أبريل أثار الرئيس ماكرون جدلاً كبيراً في العواصم الغربية، لكنه حاز على الثناء من بكين عندما أعاد طرح فكرة الاستقلال الاستراتيجي بعد زيارة الدولة الرسمية لبكين.

كذلك أظهر ماكرون انفتاحاً على توسيع العلاقات التجارية مع الصين، وسعى إلى دور الصين بوصفها وسيطاً في الصراع الأوكراني. وصُورت هذه الزيارة على أنها شكل من أشكال التساهل الفرنسي تجاه بكين. ولكن بخلاف الولايات المتحدة، فإن فرنسا لا تستهدف الصين في علاقاتها بالهند، ولا تعلّق على التوترات الحدودية علناً.

ثم إن نيودلهي أحجمت عن انتقاد ماكرون لزيارته بكين هذا العام. وبدلاً من ذلك، كانت ردود الفعل الهندية معتدلة، عبر عمل نيودلهي وباريس معاً بشكل وثيق في الممارسة العملية على تحقيق التوازن بين منافستهم المشتركة، الصين، في المنطقة. ويشير تحليل نشرته شبكة «فرانس 24» الإخبارية، بقلم ليلى جانكتو، إلى أنه «نظراً لوجود العديد من المصالح المشتركة على المحك، يستطيع مودي الاعتماد على صديقه ماكرون لتفهم موقف نيودلهي من أوكرانيا... وسيطلب مودي من باريس تجنب ضغط على الهند للانضمام إلى الكتلة الغربية، وأن تكون بدلاً من ذلك أكثر حضوراً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في مجموعة «كواد» (التجمع الذي يضم أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة). ويمضي التحليل: «إن موقف الهند التقليدي هو أن الولايات المتحدة ليست شريكاً موثوقاً به، وتتيح مساحة كبيرة لصديقٍ (أي فرنسا) تحتاج إليه. وتدرك الهند أنه إذا كان ثمة تقارب بين أوروبا وروسيا، فإن فرنسا هي التي ستقوده».

التعاون في مجالات الدفاع والطاقة والفضاء

من جانب آخر، لئن كان العامل الصيني سبباً رئيساً لتوثيق العلاقات بين الهند والدول الغربية ومغازلتها للهند، فقد جاءت الحرب الأوكرانية بمثابة جرس إنذار للدول الأوروبية لجهة اعتمادها الاقتصادي الشديد على الصين. وفي المقابل، برزت الهند بوصفها سوقاً حاسمة لتجارة الأسلحة بالنسبة لفرنسا أيضاً. وفي هذه الشراكة المتعددة الأوجه، يمتد التعاون عبر مجموعة واسعة من القطاعات، بما فيها الدفاع، والمناخ، وانتقال الطاقة، والتعاون في مجال الفضاء، والاقتصاد الأزرق، والتعددية، بل حتى مكافحة الإرهاب. وعليه ليس من المستغرب أن تحتل صفقات الدفاع مركز الصدارة؛ نظراً لأن الدفاع كان تقليدياً، والركيزة الأقوى للشراكة بين الهند وفرنسا، وأن فرنسا - كما سبق - هي ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى الهند بعد روسيا بنصيب كبير يبلغ 30 في المائة.

مع هذا، فإن الخطط التوسعية للتعاون الدفاعي التي أعلنها مودي وماكرون، تؤكد بُعداً جديداً مهماً لعلاقتهما الثنائية. وهو أن فرنسا تحل محل روسيا باعتبارها ركيزة «الاستقلال الاستراتيجي» للهند. وخلال زيارة مودي الأخيرة، توصل الطرفان بنجاح إلى اتفاقات تتعلق بشراء الهند 26 طائرة مقاتلة من طراز «رافال - مارين» لقواتها البحرية، فضلاً عن البناء المحلي لثلاث غواصات إضافية من طراز «سكوربين» تبلغ قيمتها نحو 10 مليارات دولار. بيد أنه من المهم ملاحظة أن هذه الشراكات لا تنطوي على إدماج القوات أو وضع خطط حربية مشتركة. كذلك يشهد التعاون في مجال انتقال الطاقة تقدماً كاملاً؛ إذ أطلق البلدان عام 2015 التحالف الدولي للطاقة الشمسية الذي تطور ليشمل 100 دولة مختلفة.

العلاقة مع واشنطن

في الوقت نفسه، تربط كل من باريس ونيودلهي علاقات معقدة كثيراً ما يُساء فهمها مع الولايات المتحدة. فالعاصمتان تطمحان إلى درجة من الاستقلال عن سياسات واشنطن، مع إدراكهما أهمية اعتمادهما على القوة الأميركية في دفاعهما وأمنهما. ووفقاً للرئيس الفرنسي، على أوروبا ألا تتورّط في مواجهة أميركا مع الصين بل تحافظ على «استقلالها الاستراتيجي»، بينما هو يحذّر من أن اعتماد أوروبا الأمني على الولايات المتحدة قد يحوّل الدول الأوروبية إلى «تابعين» لواشنطن إذا ما تصاعدت المواجهة بين أميركا والصين. ولذا عمل ويعمل على دفع فكرة أن تكون أوروبا «قوة عظمى ثالثة» مع فرنسا في الصدارة.

الحسابات المشتركة في حوضي المحيطين الهندي والهادئ

> تملك كل من الهند وفرنسا مصالح استراتيجية كبيرة في المحيط الهندي، وتتشاركان المخاوف المتعلقة بتزايد عدوانية الصين في المنطقة. ولقد تفاقم التنافس بين الصين والهند نتيجة للنزاعات الدائرة على طول الحدود في جبال الهيمالايا، الأمر الذي يدفع نيودلهي إلى تحديث قواتها المسلحة بسرعة.

من منظور جغرافي استراتيجي، أثبت مفهوم منطقة المحيطين الهندي والهادئ أنه إطار قيّم للعلاقات المزدهرة بين فرنسا والهند. وتضم هذه المنطقة أيضا 1.5 مليون مواطن فرنسي، إضافة إلى 8000 جندي متمركزين في المنطقة، بحسب وزارة الخارجية الفرنسية.

وحسب الكاتبة الصحافية أيشواريا سانجوكتا روي بروما: «تعد فرنسا، باعتبارها الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي لديها أراض في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، شريكاً مثالياً لتعزيز الوعي بالمجال البحري الهندي في المنطقة. وإلى جانب تعزيز مشاركة الهند في «كواد»، من شأن الشراكة الهندية الفرنسية المساعدة على مراقبة الأنشطة الصينية في المنطقة عن كثب. ومع أن فرنسا قد لا تتمكن من إزالة المخاطر أو الانفصال عن الصين بسبب المصالح التجارية، فإنها ساعدت الهند في تعزيز دفاعها البحري على أساس المعاملات. تماماً كما حدث عام 2021، حين تحوّل الخلاف بين فرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا حول الغواصات إلى أزمة دبلوماسية شاملة، ويومها اتصل الرئيس إيمانويل ماكرون برئيس الوزراء ناريندرا مودي هاتفياً.

قوات هندية تشارك في العرض العسكري بجادة الشانزيليزيه (آ ف.ب)

إقرار فرنسي بالمصالح الاقتصادية والجيو ــ ستراتيجية

عدَّ كيه. سي. سينغ، السكرتير السابق في الخارجية الهندية، الاستقبال الفائق لرئيس الوزراء الهندي خلال احتفالات اليوم الوطني الفرنسي، أخيراً، إقراراً بالمصالح الاقتصادية والجيو-ستراتيجية العميقة التي تربط باريس ونيودلهي.

سينغ ذكر أن العلاقة تعود إلى ستينات القرن الماضي، عندما تدخلت فرنسا لمساعدة الهند في مجال الفضاء، وعرضت اليورانيوم المخصّب على مفاعل نووي، ولم يسبق لها أن أملت نصائحها بشأن البرنامج النووي الهندي على عكس الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.

كانت باريس ونيودلهي على مسار تعاوني هادئ لسنوات، استناداً إلى حس تجاري سليم وتقدير لرفض الآخرين اللعب بسياسات المعسكر. ولذا، على غرار زيارة مودي إلى الولايات المتحدة، كانت رحلته إلى فرنسا أيضاً بشأن توسيع طموح للتعاون الاستراتيجي، والبعث بإشارات مهمة في أوقات دولية عصيبة.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.