الاتهامات الجنائية لترمب تهزّ السباق الرئاسي الأميركي

الجمهوريون قلقون على كل الانتخابات العامة... والديمقراطيون مُربَكون حيال بايدن

ترمب أمام القضاء (أ.ب)
ترمب أمام القضاء (أ.ب)
TT

الاتهامات الجنائية لترمب تهزّ السباق الرئاسي الأميركي

ترمب أمام القضاء (أ.ب)
ترمب أمام القضاء (أ.ب)

مع توجيه اتهامات جنائية فيدرالية (اتحادية)، للمرة الأولى بحق رئيس أميركي سابق أو حالي - هو في الوقت نفسه المرشح الأول على قائمة حزبه - دخل السباق الرئاسي في الولايات المتحدة لانتخابات 2024، الذي بالكاد انطلق، منعطفاً غير مسبوق. ومع بدء محاكمة دونالد ترمب بقضايا تمسّ «الأمن القومي»، واحتمال فوزه بالسباق، لا يستبعد كثيرون أن يقود البلاد من «داخل سجنه».

ترمب، الذي أدين مرتين كرئيس، ووجهت إليه مرتين، تهماً جنائية منذ مغادرته البيت الأبيض، كان قد مثُل يوم الثلاثاء أمام محكمة فيدرالية في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، بتهمة تعريض «أسرار الأمن القومي» للخطر و«عرقلة» المحققين.

جلسة الاستماع التي استغرقت 50 دقيقة، كانت بداية لعملية ستبدأ بعد نحو شهر لمحاكمة الرئيس السابق دونالد ترمب، حين يكون السباق الرئاسي التمهيدي للجمهوريين، قد دخل مرحلة متقدمة، مع تزايد عدد المرشحين إلى أكثر من 12 شخصاً، الذين انضم إليهم أخيراً رئيس بلدية ميامي نفسها.

كل هؤلاء طامحون لنيل ترشيح الحزب، ومواجهة خصمهم مرشح الحزب الديمقراطي، في الانتخابات العامة. بيد أن انتخاب الرئيس، لن يكون الورقة الوحيدة التي سيلقي بها الناخبون الأميركيون في صناديق الاقتراع، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. إذ، كالعادة، سيُجدد انتخاب كل أعضاء مجلس النواب، وأكثر من ثلث أعضاء مجلس الشيوخ، فضلاً عن عشرات حكام الولايات.

ومع احتدام القضايا التي يتصارع عليها الحزبان الديمقراطي والجمهوري، كشفت بعض المؤشرات «الواعدة» للديمقراطيين، و«المقلقة» للجمهوريين، عن منحى ينبغي مراقبته جيداً. ورجّح البعض أن تكون بداية لاحتمال حصول تغيير عميق أكثر «اعتدالاً»، في نظرة الأميركيين في بعض الولايات الأكثر تأييداً للجمهوريين، من قضية الإجهاض إلى تقسيم الدوائر الانتخابية. والفضل هنا، يعود إلى المحكمة الأميركية العليا، التي تسبّبت قراراتها «المتناقضة» في هاتين القضيتين بمنح الديمقراطيين الأمل في الفوز بولايات كانت حكراً على الجمهوريين لعقود، وقلق الأخيرين من تأثيرات إحكامها على سيطرتهم تلك.

يقول مراقبون وسياسيون أميركيون: إن حملة إعادة انتخاب ترمب، تعرّضت لضربة كبيرة بعد الكشف عن لائحة الاتهام في قضية الوثائق السرّية. لكن، ومن أجل تقدير هذا الضرر، قد يكون من المجدي إلقاء نظرة على تداعياتها وتأثيراتها، على قادة الحزب الجمهوري، وقاعدته.

تحالف جمهوري ضد ترمب

وفق تقارير صحافية، فإن العدد الذي يؤيد ترمب في مجلس الشيوخ، يتساوى مع عدد الذين يقولون إنهم يريدون مرشحاً آخر، من بينهم من صوّت لعزله مرتين. لا، بل يرى البعض أن تحالفاً مناهضاً لترمب، يتشكل بين أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، خصوصاً بعد صدور لائحة الاتهام، التي فاقمت «الانزعاج» منه. وعلى الرغم من تقدمه على باقي منافسيه الجمهوريين، فإن عددهم الكبير، مؤشر على الأقل، إلى خوف الحزب من تداعيات الاتهامات على «مرشحهم الأساسي»، ورغبتهم في الاعتراض على سياساته.

صحيفة «بوليتيكو» ترى أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين يتخذون خطوات «هادئة» في هذا الاتجاه: أربعة أيّدوا مرشحين من غير ترمب، وقال آخران إنهما يريدان مرشحاً مختلفاً. وكثيرون آخرون متشائمون عند سؤالهم عن آفاقه الانتخابية، بمن فيهم بعض المدافعين المخلصين الذين ما زالوا «محايدين» رسمياً حتى الآن.

ونقلت «بوليتيكو» عن السيناتور مايك براون من ولاية إنديانا الجمهورية، وحليف ترمب منذ فترة طويلة، قوله إنه «اعتباراً من الآن سأقول فقط لقد أيّدت سياساته». ثم تابع براون «أنا لم أمنح تأييدي الرسمي بعد. كنت واضحاً تماماً أنني أود أن أرى شخصاً ما يوضح للحزب الجمهوري ما سنفعله في السياسات». وبينما يعد براون للترشح لمنصب حاكم الولاية، أردف إنه لن يؤيد أحد منافسي ترمب، بل ينتظر نهج الرئيس السابق في «التبلور».

وعلى الرغم من أن الفوز في الانتخابات التمهيدية الجمهورية، لا يقرّره التوازن بين مؤيدي هذا المرشح أو معارضيه من أعضاء مجلس الشيوخ. غير أن منتقدي ترمب هناك، يمثلون شريحة كبيرة من قاعدة الحزب، بما في ذلك المانحون، الذين يريدون أن يتغلب «جمهوري مختلف» على الرئيس جو بايدن.

ومع تحييد سيناتور ولاية إنديانا نفسه عن تأييد ترمب «الآن»، خسر الرئيس السابق دعم سيناتورَي ولاية ساوث داكوتا، جون ثون ومايك راوندز، وسيناتورَي ولاية نورث داكوتا، كيفن كرامر وجون هوفن، لمصلحة منافسيه تيم سكوت ودوغ بورغوم، على التوالي. ويترافق هذا التحول أيضاً، مع تصاعد الأصوات التي تعتقد أن أي مرشح جمهوري غير ترمب، يستطيع الفوز في الانتخابات العامة، مع الاعتراف بأنه المرشح الأوفر حظاً في الانتخابات التمهيدية.

ميتش ماكونيل (رويترز)

هذا الموقف يعكس رفض زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، أن يقول يوم الثلاثاء، بعد مثول ترمب أمام المحكمة، عما إذا كان سيدعمه إذا حصل على ترشيح الحزب الجمهوري، أو ما إذا كان ترمب قد ارتكب أي خطأ. فقد قال ماكونيل، الذي لم يتحدث أو يتواصل مع ترمب، منذ أحداث الهجوم على الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، «ببساطة، لن أبدأ في التعليق على المرشحين المختلفين لدينا للرئاسة». لكن السيناتور الجمهوري السابق والنافذ جون كورنن، المقرب من ماكونيل، قال: إن الحزب الجمهوري في حاجة إلى «أداء أفضل» من ترمب كي يفوز في الانتخابات العامة. وعكست تصريحات العديد من الجمهوريين، اختيارهم بعناية لكلماتهم، سواءً في انتقاد ترمب أو الإشادة بمنافسيه، في محاولة لتفادي إغضاب قاعدته الشعبية. وبدلاً من ذلك، على سبيل المثال، قالت السيناتور سينثيا لوميس من ولاية وايومينغ، إن رسالة تيم سكوت التطلعية «مرتفعة» في الانتخابات التمهيدية، وأن رون دي سانتيس، حاكم فلوريدا - الذي لم يحصل بعد - على تأييد أي عضو في مجلس الشيوخ «طرح قضايا يريد الناس معالجتها في هذه الدورة الانتخابية».

رون دي سانتيس (رويترز)

الاتهامات رفعت

شعبية ترمب

من جهة ثانية، مع شبه الإجماع، على أن ترمب في طريقه للفوز بالانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، بدا أن كل الاتهامات التي يتعرّض لها، ترفع من نسبة تأييده بين ناخبي الحزب الجمهوري لا العكس. وفي استطلاع أخير، ارتفع هذا التأييد إلى أكثر من 60 في المائة. في حين أن من بين 12 مرشحاً جمهورياً يتنافسون معه، يحظى دي سانتيس فقط بنسبة قبول تصل تقارب الـ20 في المائة، في حين حظي مايك بنس، نائب ترمب السابق، بنسبة 4 في المائة، والباقون حصلوا على نسبة 1 في المائة.

العديد من المراقبين يرون أن مشكلة المرشحين المنافسين لترمب، ليست فقط، أنهم «رهائن» بيد قاعدة ترمب الشعبية الضخمة، بل هم مكبّلون بضرورة الدفاع عن «جمهوري» يتعرض لهجوم الديمقراطيين.

أيضاً، المشكلة قد تكون أبعد من ذلك. فغالباً ما واجه الجمهوريون هذا النوع من التحديات، مع قضايا خطيرة تعرّض لها رؤساء جمهوريون سابقون، حاولوا - بحسب بعض المراقبين - الانقضاض على سيادة القانون وتخطي المؤسسات والقيم الديمقراطية. وهنا نذكر فضيحة «ووترغيت» مع ريتشارد نيكسون، إلى فضيحة «إيران كونترا» مع رونالد ريغان، إلى تلفيق جورج بوش «الابن» الحجج لاجتياح العراق، ووصولاً إلى ترمب والقضايا المرفوعة ضده... من الوثائق السرية إلى قلب نتائج الانتخابات!

غير أن امتناع قادة الحزب عن التعليق مباشرة ضد ترمب، واصطفاف عدد كبير منهم - بمن فيهم جميع المرشحين المنافسين له - وراء خطاب إدانة قرار الاتهام، ومهاجمة القضاء، والنظام السياسي برمّته، في تناغم مع خطاب ترمب الذي رفعه منذ ترشحه للرئاسة عام 2015، أظهر أن الحزب قد حسم قراره في اختيار مرشحه للانتخابات العامة.

هكذا صمت ميتش ماكونيل، ووقف كيفن ماكارثي (رئيس مجلس النواب) وستيف سكاليز (الرقم 2 في المجلس) ورون دي سانتيس ومايك بنس وراء ترمب، متهمين الإدارة بأنها «تسلح إنفاذ القانون»، وتهدد «المجتمع الحر»، والتعهد «بتنظيف» وزارة العدل، في حال فاز أحدهم.

كيفن ماكارثي (أ.ب)

فقط جمهوري واحد بارز في الكونغرس أدان ترمب بالفعل، هو السيناتور ميت رومني. إذ قال في بيان: «في جميع المراحل، أبدت وزارة العدل والمستشار الخاص العناية الواجبة، ومنحت السيد ترمب الوقت والفرصة لتجنب الاتهامات التي لم تكن متاحة بشكل عام للآخرين». وأضاف «لقد وجّه ترمب هذه التهم لنفسه، ليس فقط بأخذ وثائق سرّية، بل أيضاً برفض إعادتها عندما أتيحت له فرص عديدة لفعل ذلك». وكان لافتاً موقف وليم بار، وزير العدل السابق إبان رئاسة ترمب، الذي وصف الاتهامات، بأنها «جدية جداً وخطيرة» على رئيس سابق يطمح للعودة إلى البيت الأبيض. واعتبر أنها «تشكل تهديداً حقيقياً لفرص الجمهوريين في الفوز بالانتخابات العامة»، محذراً من أن شريحة واسعة من المستقلين قد تميل للتصويت إلى أي شخص آخر غير ترمب.

انقسام ديمقراطي يبحث عن بديل

في المقابل، بينما يكاد يجمع الديمقراطيون على أن ترمب يستحق لائحة الاتهام، فإنهم كانوا أكثر انقساماً، حيال ما إذا كان هذا الأمر جيداً للبلاد ولحزبهم، وعلى تأثيرها على الانتخابات. وفي حين التزم الرئيس جو بايدن وكبار مسؤولي إدارته وقيادات الحزب الكبرى، الصمت إلى حد كبير، بشأن لائحة اتهام ترمب، كان الديموقراطيون العاديون أكثر حرصاً على الكلام بمزيج من الابتهاج والتخوف العميق، من أن تؤدي الملاحقة الفيدرالية لرئيس سابق ومرشح حالي للبيت الأبيض، إلى «إفساد» السياسة الأميركية.

ومع صدور الاتهامات في بداية الحملة الرئاسية لعام 2024، التي يتوقع فيها العديد من الديمقراطيين، إعادة المباراة بين بايدن وترمب، يشعر بعض الديمقراطيين بالسعادة لمحاسبة ترمب «أخيراً» على أفعاله المخالفة للمعايير. غير أن آخرين يخشون أن يختار ترمب التحدي مرة أخرى، وأن يستجيب أنصاره بالعنف - في حالة إدانته ومحاكمته - كما حصل عام 2021، وهو أمر يمكن أن يتكرّر عام 2024، في حال خسر الانتخابات مرة أخرى.

ولكن على الرغم من ذلك، يقول البعض إن «الضرر الطويل الأمد الذي قد يلحق بالأمة وبنظام العدالة من اللافعل يفوق بكثير الأخطار السياسية والأمنية». ووفق ديفيد والترز، حاكم ولاية أوكلاهوما الديمقراطي السابق، «لدينا قوة شريرة في وسطنا يجب مواجهتها».

حافز للتساؤلات

في مطلق الأحوال، كانت لائحة الاتهام حافزاً للديمقراطيين، من جميع ميولهم، لطرح الأسئلة، عما إذا كانت ستؤدي إلى انفصال مؤيديه عنه، أم ستجعله مرشح الجمهوريين... وماذا سيحدث إذا أدين وكان لا يزال مرشحاً؟

كثيرون من الديمقراطيين يعتقدون أن الضرر اللاحق بفرص ترمب في الحصول على فترة رئاسية أخرى سيطغى على ترشيحه. إذ قال جاي جاكوبس، رئيس الحزب الديمقراطي لولاية نيويورك: «كثيرون من الأميركيين الوطنيين يتسمون بالفطرة السليمة والوطنية بحيث لن يمر هذا بأي طريقة أخرى». ولكن ديمقراطيين يشعرون بالقلق مما سيحدث إذا بُرّئت ساحة ترمب، وقد يوجه ضربة قوية للثقة المنخفضة أصلاً، بالحكومة والمحاكم ونظام العدالة ككل.

من جانب آخر، يخشى ديمقراطيون آخرون من أن تعزّز إدانة ترمب فُرص أحد منافسيه الجمهوريين، فتضر بفرص إعادة انتخاب بايدن، لا سيما وسط عجز الحزب الديمقراطي عن اتخاذ قرار جريء يطالب الرئيس «الثمانيني»، بالتنحي من الحملة لمصلحة مرشح ديمقراطي آخر أصغر سناً، ليس بالضرورة أن يكون نائبة الرئيس كامالا هاريس، بحسب العديد من الاقتراحات والتمنيات المتداولة في الأروقة الخلفية.

المحكمة العليا الأميركية تخلط الأوراق... مؤقتاً!

 

القاضي جون روبرتس (أ.ب)

* يرى عدد كبير من المراقبين الأميركيين، وبالأخص من الحزب الديمقراطي، أنه يمكن الدفع بشخصية ديمقراطية، تعمل على استثمار «الإيجابيات» التي ترتبت عن قرارات المحكمة العليا، في قضيتَي الإجهاض العام الماضي، وتقسيم الدوائر الانتخابية الأسبوع الماضي. فقد تحوّل حظر الإجهاض، إلى رافعة للديمقراطيين، حتى في بعض الولايات الأكثر ولاءً للجمهوريين. وانعكس هذا في انتخابات 2022 النصفية، حين فشل الجمهوريون في السيطرة على مجلس الشيوخ، وحققوا سيطرة باهتة على مجلس النواب. أيضاً يمكن طرح قضية أخرى ذات مصداقية، تتصل بقرار المحكمة العليا الذي أُعلِن عنه الأسبوع الماضي، وقضى بلا دستورية التقسيم الإداري الذي صوّت عليه مجلس نواب ولاية آلاباما الجمهورية للحد من تصويت الناخبين السود. إذ يمكن أن يكون القرار حاسماً لانتصار الديمقراطيين، ليس فقط في هذه الولاية الجنوبية، بل في ولايات أخرى وربما الانتخابات الرئاسية أيضاً. البعض رجّح أن ينتج من هذا القرار، إبدال ما يصل إلى خمس مقاطعات ذات غالبية من البيض الجمهوريين، بمقاطعات ديمقراطية ذات غالبية من الأقلية، بعدما طلب من ولاية آلاباما على وجه التحديد، إنشاء دائرة ثانية في مجلس النواب، من أجل توفير فرصة لمرشح أسود للفوز. ويُعد القرار تأكيداً غير متوقع للمادة 2 من قانون حقوق التصويت لعام 1965. هذا التطور أدى فوراً إلى تغيير الحسابات الجارية حول السباقات الرئيسة في مجلس النواب على امتداد الولايات الأميركية. فتقسيم الدوائر الانتخابية في غالبية الولايات الجمهورية، مصمم منذ عقود لضمان نجاح المرشحين الجمهوريين «البيض»، بحسب «انتقادات تاريخية». ويرى خبراء أن أصداء قرار المحكمة العليا يمكن أن تتردد عبر ولايات الجنوب العميق والوسط؛ ما يؤدي إلى إنشاء مقاعد جديدة ذات غالبية أصوات سوداء وديمقراطية قوية في ولايات متعددة». ويرى كثرة من الديمقراطيين، أنه مع إمكانية إضافة المزيد من المقاطعات في ولايات أخرى، اعتماداً على المزيد من الدعاوى القضائية، في ولايات أخرى مثل لويزيانا ونورث كارولينا وجورجيا وتكساس وفلوريدا، قد يتمكن الديمقراطيون ليس فقط من الحصول على المقاعد الخمسة الضرورية لاستعادة السيطرة على مجلس النواب، عام 2024، بل والتأثير بشكل حاسم على ميزان القوى السياسي في واشنطن. ومع احتمال صدور قانون جديد لحقوق التصويت في آلاباما ولويزيانا وجورجيا قبل عام 2024، كحد أدنى، وجدت المحاكم الأدنى بالفعل أن الخرائط الحالية في تلك الولايات من المحتمل أن تنتهك قانون 1965، وكذلك في تكساس وفلوريدا، بحيث يمكن إنشاء منطقة أو أكثر من المناطق ذات الغالبية اللاتينية. عموماً، وفي حين أن معظم الباحثين القانونيين يتفقون على أن قرار المحكمة العليا، يشكل نصراً لحركة الحقوق المدنية التقليدية وللديمقراطيين الذين يسعون لاستعادة السيطرة على مجلس النواب، فإنهم يجادلون أيضاً، بأن الانتصار كان متواضعاً نسبياً من الناحية القانونية، وقد يكون مؤقتاً. إذ انضم اثنان من الأعضاء المحافظين الذين يسيطرون على المحكمة، هما رئيسها جون روبرتس والقاضي بريت كافانو، إلى القضاة الليبراليين الثلاثة، ليعطوا الغالبية للقرار. واختار روبرتس وكافانو، تجنب الضغط على القضية، ضد إعادة تقسيم الدوائر على أساس العرق، جزئياً بسبب «الجدل الذي أطلقته المحكمة في حكمها المثير لحظر الإجهاض، إلى جانب الصدمات الأخرى التي أحدثتها قراراتها في القضايا التاريخية المتعلقة بالبنادق وتغير المناخ. ولذا؛ سعيَا بشكل متزايد إلى إبعاد نفسيهما عن اليمين المتشدد، وفق مراقبين، لكنهما لم يغيّرا رأييهما بشأن استخدام العرق من قِبل الجهات الحكومية، بما في ذلك الكونغرس. وبدلاً من ذلك، وضعا جانباً السؤال الدستوري للمستقبل. هذا، وكانت قد تصاعدت الدعوات للحزب الديمقراطي إلى استغلال هذا التطور، الذي عُد أول حدث مهم منذ عقود للدفع بمرشح رئاسي آخر، وتحويل المعركة، من معركة شخصية مع ترمب... إلى معركة على مستقبل النظام السياسي والديمقراطية الأميركية.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.