هاكان فيدان... من «شاويش بلا مستقبل» إلى قيادة دبلوماسية الانفتاح على «الخصوم»

تركيا تفتح «الصندوق الأسود»

هاكان فيدان... من «شاويش بلا مستقبل» إلى قيادة دبلوماسية الانفتاح على «الخصوم»
TT

هاكان فيدان... من «شاويش بلا مستقبل» إلى قيادة دبلوماسية الانفتاح على «الخصوم»

هاكان فيدان... من «شاويش بلا مستقبل» إلى قيادة دبلوماسية الانفتاح على «الخصوم»

لم يكن مفاجئاً للعموم، تعيين رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان وزيراً في حكومة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الجديدة، إذ كان الجميع يعلم رغبة فيدان في العمل السياسي، منذ طلب من إردوغان أن يرشحه للانتخابات البرلمانية في عام 2015. إلا أن المفاجأة كانت - في نظر هؤلاء - في الحقيبة التي تولّاها؛ أي «الخارجية»، المتعارف عليها أنها للدبلوماسيين لا الأمنيين، مع أن عارفي فيدان عن قرب لم يُفاجأوا مطلقاً، بل هم يتوقعون له النجاح في إحداث نقلة نوعية بالسياسة الخارجية التركية، خصوصاً مع الدول التي تصنَّف في خانة «الخصوم».



كُتب الكثير عن «كره» إسرائيل لفيدان، الذي اتهمته صحيفة «واشنطن بوست» في 2013 بكشف هوية 10 جواسيس إسرائيليين لإيران لعلَّ أكثر الخطابات وضوحاً من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كان وصفه هاكان فيدان بـ«صندوقي الأسود وكاتم أسراري». وأضاف: «هو ومَن معه يشكلون مستقبل تركيا». وبالمناسبة، يعتقد أن فيدان كان أول من اكتشف مخطط الانقلاب على الحكم التركي في عام 2016، إذ يقول مسؤولون أتراك، قريبون من إردوغان، لـ«الشرق الأوسط»، إن فيدان حاول الوصول إلى الرئيس لتحذيره، إلا أنه لم يجده بسهولة؛ لكون الأخير في إجازة عائلية. وبناءً عليه، تواصل مع أحد أصهار إردوغان ونقل إليه الخبر. ويقال إن وزير الخارجية الجديد هو مَن نصح رئيسه بالظهور على وسائل التواصل الاجتماعي لتعبئة الجماهير، وقال له: «سنقاتلهم نحن حتى الموت، اذهب وتحدَّثْ للناس».

وخلافاً للانطباعات الأولى، يتحدث مصدر تركي عن سياسة جديدة في البلاد، في أيام دبلوماسية فيدان تُقارب النظام البريطاني، فوزير الخارجية آتٍ من الاستخبارات، ووزير الدفاع من المؤسسة العسكرية، أما وزير الداخلية فمن إدارة الحكم؛ أي من حكام الولايات. ويتوقع كثيرون نجاح فيدان في مهمته؛ «كونه يمتلك العلاقات والمعلومات»، ويعرف كيف يستثمرهما. يضاف إلى هذا الدورُ الخارجي الكبير الذي لعبه، خلال السنتين الماضيتين اللتين شهدتا تحولاً في السياسة التركية نحو «تصفير المشاكل» من جديد، لكن وفق آلية جديدة.

وحقّاً، كان فيدان «نقطة الوصل» والاتصال مع الدول التي ناصبت الحكومة التركية حكوماتها العداء كسوريا ومصر، كما مع بعض الدول التي تطبع علاقتها «التنافس» كإيران. وتقول مصادر متابعة للملف، لـ«الشرق الأوسط»، إنه هو مَن أطلق عملية تفاوض واسعة مع سوريا أخيراً أسفرت عن لقاءات قام بها شخصياً مع المسؤولين السوريين من دون تحديد مكان اللقاءات.

هنا يرى المدير السابق لجهاز الأمن العام اللبناني عباس إبراهيم أن تعيين فيدان «يدفع في الاتجاه الإيجابي لتحسين العلاقات التركية السورية».

ويتابع إبراهيم، الذي عمل مع فيدان على عدد من الملفات وتجمعهما «صداقة عمل» مستمرة، أن فيدان رجل براغماتي إلى حد كبير، وهو يعرف الملف بتفاصيله، كاشفاً عن لقاءات جمعت فيدان أخيراً بمسؤولين سوريين، وهو «يفهمهم ويفهمونه». ويعتبر أن لدى فيدان «قدرة عالية على بداية بناء الثقة مع الجانب السوري»، موضحاً أنه «عمل على الملفات: الأمني، والسياسي، والعسكري، للوجود التركي في سوريا»، ومتحدثاً عن توصل فيدان مع المسؤولين السوريين إلى «تنظيم خلاف تركي سوري على الأراضي السورية، لكنه للأسف لم يطبَّق من قِبل السياسيين الأتراك تحديداً»

مفاوضات مع سوريا... في لبنان

كذلك كشف إبراهيم أنه تعاون مع فيدان عن كثب، في وقت سابق؛ في مسعى لـ«تخفيف حِدة التوتر في الأراضي السورية»، وأن الأتراك وافقوا على مبدأ إطلاق مفاوضات تركية سورية في بيروت، لكن السوريين لم يتجاوبوا لاحقاً»، ومن ثم توقّع المسؤول الأمني اللبناني السابق أن يكون «وزير الخارجية التركي الجديد ناجحاً؛ لأنه في عمله الأمني كان يمارس دبلوماسية عالية»، معتبراً أن فيدان «يعيدنا إلى سياسة صفر مشاكل، فوزير خارجية بهذه الصفات يمكنه أن يقلص حجم المشاكل إلى حد كبير».

عاشق للمسلسلات التركية!

بعيداً عن السياسة، يتحدث مقرَّبون من فيدان عن وجهه الآخر «الفني»، فهو عاشق للأفلام والمسلسلات التركية، حتى لا يكاد يفوِّت واحداً منها. ويذهب بعضهم إلى اهتمامه بالسيناريوهات المكتوبة للإنتاجات التركية التي عُرضت على منصة «نتفليكس»، خصوصاً التاريخية منها. أيضاً الوزير الجديد شغوف جداً بالقراءة، إذ يصفه مسؤول تركي عمل معه، وعرفه وتواصل معه، بأنه «كثير القراءة، ويأتي على رأس قائمة أكثر الشخصيات قراءة للكتب في رحلات الرئيس إردوغان». ويضيف المسؤول - وكان قد تعرَّف على فيدان في مراحل متعددة - بدءاً من فترة تولي الأخير رئاسة الوكالة التركية للتعاون والتنسيق «تيكا»، ثم عمله معاون مستشار رئيس الحكومة، ثم معاون مستشار «وكالة الاستخبارات التركية»، إلى مرحلة تولّيه رئاسة «الاستخبارات الوطنية التركية» - لـ«الشرق الأوسط»، أن فيدان «يعتمد على فريق العمل الجماعي إلى أبعد الحدود، ويعمل على تشجيع فريقه»، ويعتبره «صاحب رؤية ورابط الجأش، وجانبه هذا له تأثير كبير».

ثم يشير المسؤول - الذي طلب إغفال اسمه - إلى أن فيدان «يهتم كثيراً بالتكنولوجيا، وله مساعٍ كبيرة في حصول وكالة الاستخبارات على تكنولوجيا عالية». ويستطرد شارحاً: «تحليلاته دقيقة، ورسائله صريحة وواضحة، لا تجده يتلاعب معك في حديثه... فهو يقابل أسئلتك بأجوبة صريحة، ويهتم بوصول رسائله إلى الطرف الآخر، ويحب التأكد من وضوح فكرته بنظر الطرف الآخر... إنه شخصية متّزنة، ويطلب من خصمه أن يكون كذلك». وبالفعل، يصفه اللواء عباس إبراهيم بأنه «شخصية هادئة جداً، ورجل صبور، ومستمع جيد... ويحافظ على علاقاته، ولا يقطع الاتصال معها في كل الظروف، ويتابع ملفاته بدقة متناهية».

علاقات سيئة مع إسرائيل

على صعيد آخر، يتوقع أن تكون علاقة فيدان مع إسرائيل تحدياً جدياً، إذ كُتب كثير عن «كره» إسرائيل لفيدان، الذي اتهمته صحيفة «واشنطن بوست» في عام 2013، بتسليمه 10 جواسيس إسرائيليين لإيران. كذلك هناك تقرير لـ«نيويورك تايمز» يتحدث عن تراجع التعاون التركي الإسرائيلي، بسبب مخاوف من تسريب فيدان المعلومات إلى الاستخبارات الإيرانية، وإلى المجاهدين في سوريا. وفي حينه، نشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية تقريرها عنه، ونقلت فيه مخاوف «الموساد» إزاء تعيينه؛ بسبب دوره في تنظيم «أسطول الحرية»، وأيضاً بسبب قربه اللصيق من إردوغان، وحزبه الحاكم «العدالة والتنمية»، ودفاعه عن المصالح النووية الإيرانية.

سيرة ذاتية لافتة

في الحقيقة، يتمتع هاكان فيدان بسيرة ذاتية لافتة يقل فيها الجانب العملي، ويندر فيها الشخصي، فهو شخصية كتومة لم يسمع الأتراك صوته إلا في خطاب تسلم وزارته. بيد أن المتابع لسيرته يلاحظ أنه كان يتمتع بقوة دفع هائلة في حياته، إذ إنه دخل المؤسسة العسكرية لـ15 سنة، وبدأ مسيرته فيها «شاويشاً» (رقيب)، وأنهاها برتبة ضابط صف، من دون مستقبل باهر في المؤسسة، التي لا يمكن لها أن تستوعب «الشاب المتديّن» برتبة أكبر، مهما طال بقاؤه فيها.

على الجانب الشخصي، فيدان متزوج، وأب لثلاثة أولاد، وهو من مواليد العاصمة أنقرة عام 1968، وقد درس وتخرّج في مدرسة قوات المشاة عام 1986، ثم درس في مدرسة اللغات، التابعة لقوات المشاة، ومن ثم جمع خبرة عملية في ميدان الاستخبارات، وعمل بين عامي 1986 و2001، في «وحدة التدخل السريع»، التابعة لـ«حلف شمال الأطلسي (ناتو)»، وعمل في فرع جمع المعلومات السريعة بألمانيا.

ولاحقاً، أكمل تعليمه الجامعي إبّان فترة وجوده مع «الناتو» في ألمانيا، وحصل على شهادته الجامعية في الإدارة والعلوم السياسية من جامعة «ماريلاند» الأميركية، وتحديداً من كليتها العالمية التي أسّست لتمكين الجنود الأميركيين من مواصلة تعليمهم في الخارج، ثم أكمل درجتي الماجستير والدكتوراه في قسم العلاقات الدولية بجامعة «بيلكنت» المرموقة في أنقرة.

بعد ذلك، في أعقاب فترة خدمة استمرت 15 سنة بصفوف القوات المسلَّحة، استقال فيدان عام 2001 وهو برتبة ضابط صف، والتحق مباشرة بوزارة الخارجية مستشاراً سياسياً واقتصادياً، ومن ثم عُيّن رئيساً لإدارة «مؤسسة التعاون والتنمية»، التابعة لرئاسة الوزراء، وفي الوقت نفسه عمل مساعداً لمستشار لرئاسة الوزراء، ثم عُيّن مستشاراً للمسؤول عن السياسة الخارجية والأمن الدولي، وبعد ذلك عمل موفَداً خاصاً لرئاسة الوزراء.

اهتمامه بالاستخباراتوهنا يقول الإعلامي التركي أردام أتاي، الذي تابع عمل فيدان عن كثب، لـ«الشرق الأوسط»، إن اهتمام فيدان بالإستخبارات بدأ بعد عودته من مهمته الخارجية مع «الناتو»، وكانت وظيفته الأولى في أنقرة إعداد أطروحة ماجستير حول «الاستخبارات والسياسة الخارجية: مقارنة بين أنظمة الاستخبارات البريطانية والأميركية والتركية». وقد ركزت أطروحته على البحث في الرأي القائل إن «وجود استخبارات قوية ومؤهلة ضرورية لسياسة خارجية ناجحة». وذكر أتاي أن فيدان «فحص الهياكل الاستخباراتية لكل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اللتين استخدمتا المعلومات الاستخباراتية بنجاح في السياسة الخارجية، ثم أجرى مقارنة مع نظام الاستخبارات التركي، وقدّم بعض الاقتراحات لمزيد من التطوير لنظام عملها». وبعد الانتهاء من أطروحته كانت مهمته الوحيدة هي انتخابه عام 2000 عضواً في الجمعية العامة لمؤسسة «أوياك (OYAK)»، وهي مؤسسة للاستثمار، تابعة للقوات المسلَّحة التركية، وقد استقال من الجيش بمجرد أن أنهى خدمته الإجبارية في عام 2001.

مستشار في سفارة أجنبية

حصل هاكان فيدان على وظيفته الأولى، بعد خلع زيِّه العسكري، وكانت المستشار السياسي والاقتصادي في السفارة الأسترالية بأنقرة. وللعلم، فإن وزير المالية الحالي محمد شيمشك كان بدوره في موقع مُشابه في السفارة الأميركية بأنقرة، وكذلك رئيس لجنة الشؤون الخارجية السابق سعاد كينيكلي أوغلو.

وبدأ فيدان مشوار الصعود السريع عام 2003 عندما عُيّن رئيساً لإدارة التعاون والتنمية التركية «تيكا».

في ذلك الوقت كانت «تيكا» تابعة لوزير الدولة بشير أتالاي، وكان يعمل بالقرب من أتالاي، الذي كانت علاقاته مع عبد الله غل، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية - حينذاك - جيدة، لدرجة أن شائعات انتشرت بأن فيدان سيصبح الأمين العام لرئاسة الجمهورية، عندما يصبح غل رئيساً. غير أن هذا لم يحصل، ذلك أنه أثناء وجود فيدان في «تيكا» لفت انتباه رئيس الوزراء إردوغان - يومذاك - فضمَّه إلى فريقه في عام 2007. وبالفعل، عُيّن نائباً لوكيل رئاسة الوزراء مسؤولاً عن السياسة الخارجية وقضايا الأمن الدولي. وما يستحق الذكر في هذا المجال، أن رئاسة «تيكا»، التي تعمل بالتعاون مع كل من وحدات الشؤون الخارجية والاستخبارات، كانت ملائمة ومناسبة تماماً لفيدان، إذ ركز من خلالها على العلاقات مع البلدان التي ترتبط مع تركيا بعلاقات تاريخية وثقافية، ولا سيما في آسيا الوسطى، ومنها انطلق إلى أفريقيا.

في تلك الفترة، كان أيضاً يرافق مستشار رئاسة الوزراء للسياسة الخارجية أحمد داود أوغلو «وزير الخارجية الأسبق» في رحلاته الإقليمية، كما كان يعمل عن قرب، ويرافق نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية آنذاك عبد الله غل في رحلاته الخارجية، وأيضاً كان يشارك في عدد من الوفود التي تُرافق إردوغان في زياراته خارج تركيا، أو عند استقباله الضيوف الأجانب من رؤساء ومسؤولين.

قانون في 48 ساعة لحماية فيدان

من جهة أخرى، كان فيدان موضع عداء لـ«جماعة فتح الله غولن»، التي تحوّلت من حليف لإردوغان إلى ألدّ أعدائه. وقد تعرّض فيدان لمتابعة دقيقة من الجماعة، حتى إنه اتهمها بالتنصت على مكالماته، وعرض مضمونها في بعض الصحف المعارضة. وقبل تعيينه في عام 2010 مستشاراً للاستخبارات التركية، حصلت حادثة أظهرت النفوذ الذي صار يتمتع به، فقد استدعى قاضي التحقيق في قضية التنظيم السري لـ«حزب العمال الكردستاني» المحظور «بي كي كي»، فيدان؛ للتحقيق معه بوصفه مشتبهاً به مع 4 من قيادات جهاز الاستخبارات، بعد الاشتباه في تقديمه الدعم للحزب الكردستاني المحظور، أو غضّ بصره عن معلومات مسبقة عن عمليات مسلَّحة وهجمات نفّذها الحزب ضد رجال الأمن في تركيا. إلا أن الحكومة عمدت فوراً إلى إرسال قانون يعطي رجال الاستخبارات الحصانة من الإدلاء بأقوالهم أمام المحاكم الجنائية. وجرى إقرار القانون في البرلمان، خلال 48 ساعة فقط، رغم انتقادات المعارضة.

تغيير في الاستخبارات

وعلى الرغم من الاتهامات، استخدم فيدان القوة التي حصل عليها من دعم إردوغان، لإعادة هيكلة جهاز الاستخبارات، وكان من إنجازاته إنشاء «قسم المصادر المفتوحة»، وكان أعظم إنجازاته - كما يقول أردام أتاي - إنهاء المعركة الاستخباراتية بين الجهاز ورئاسة الأركان والدرك، إذ جرى تشكيل «مجلس تنسيق الاستخبارات الوطنية»، وكان مرتاحاً لكونه الرئيس الوحيد بلا منازع، لجميع أجهزة استخبارات الدولة. وما يستحق الإشارة أيضاً أن فيدان هو المستشار الثاني الذي يعتلي ذلك المنصب من خارج المؤسسة الاستخباراتية، إذ كان تبتان جوسال هو المستشار الأول الذي عُيّن من خارج المؤسسة عام 1992.

أخيراً، الرئيس إردوغان كان يريد - وفق الصحف التركية - من تعيين الرجل المقرَّب منه المزيد من تحديث «وكالة الاستخبارات الوطنية»، ومأسستها، وإبعادها عن سطوة العسكر، بما أنه لا يزال 50 في المائة من موظفيها من سِلك الجيش، فعمل فيدان على تقسيم الاستخبارات إلى جهازين؛ أحدهما للداخل، والآخر للخارج، على غرار مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي»، ووكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» في الولايات المتحدة؛ وذلك لتعزيز حضور الاستخبارات التركية في المناطق الساخنة، وتلبية حاجات دور تركيا المتنامي، بدءاً من الشرق الأوسط وجيرانها الروس، والقوقاز، وآسيا، وأفريقيا، وحتى الأميركيتين، وأوروبا، وإسرائيل.


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».