الائتلاف الألماني الحاكم ماض ٍقدماً بتعديلاته على «قانون الجنسية»

في خطوة لتسريع الاندماج تستفز معارضة اليمين المحافظ والمتطرف

المستشار الاشتراكي أولاف شولتز ... يقود حملة التغييرات على قانون الجنسية (د.ب.أ)
المستشار الاشتراكي أولاف شولتز ... يقود حملة التغييرات على قانون الجنسية (د.ب.أ)
TT

الائتلاف الألماني الحاكم ماض ٍقدماً بتعديلاته على «قانون الجنسية»

المستشار الاشتراكي أولاف شولتز ... يقود حملة التغييرات على قانون الجنسية (د.ب.أ)
المستشار الاشتراكي أولاف شولتز ... يقود حملة التغييرات على قانون الجنسية (د.ب.أ)

تشهد ألمانيا منذ عقود تحولات كبيرة في ديموغرافيتها جعلتها اليوم «دولة مهاجرين» بحق، وذلك بعدما بات أكثر من 27 في المائة من سكانها ذوي خلفية مهاجرة، حسب إحصاءات رسمية في العام 2021. ولكن، مع هذا ما زالت القوانين الألمانية لا تعكس هذا الواقع؛ إذ إن تشدد شروط الجنسية وفرض التخلي عن الجنسية الأصلية، يعنيان أن أكثر من 10 ملايين شخص يعيشون في بلد الـ83 مليوناً من دون أن يحملوا جنسية البلاد أو يتمتّعوا بحقوق المواطنين الألمان أو يشاركوا في الحياة السياسية. ولعل الفئة الأكثر تأثراً بشروط الجنسية المشددة هم الأتراك الذين يقارب عددهم الـ4 ملايين في ألمانيا، نصفهم لا يحمل الجنسية الألمانية والسبب رفضهم التخلي عن جنسيتهم التركية. إلا أن هذا الوضع يقترب أخيراً من نهايته في أعقاب تحضير الحكومة الاتحادية في برلين لطرح قانون تجنيس جديد يسمح بازدواجية الجنسية كما يخفف شروط التقدّم للحصول على الجواز الألماني.

مسعود أوزل، نجم كرة القدم الألماني العالمي، المتحدة من أصول تركية (د ب أ)

الحكومة الألمانية الحالية، التي يقودها اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي بمشاركة حزبي «الخضر» والديمقراطيين الأحرار (الليبراليون)، اتفقت على تقصير المهلة الزمنية للسماح للأشخاص بالتقدم للحصول على جنسية، فباتت 5 سنوات من العيش في ألمانيا عوضاً عن 8 سنوات كما ينص القانون الحالي، وحتى إلى 3 سنوات في حال إثبات المتقدم تمتعه بمستوى لغة مرتفع. والعنصر الأهم تسهيل إجراءات التقدم للحصول على الجنسية الألمانية للأتراك الذين جاءوا عمالاً مهاجرين بعد الحرب العالمية الثانية وبقوا في ألمانيا من دون أن يحملوا جنسيتها. ومن ناحية أخرى، سيعفي القانون الجديد أولئك الذين هم فوق سن الـ67 منهم من شرط التقدم لامتحان اللغة المكتوب، ولن يفرض عليهم سوى اجتياز الامتحان الشفهي.

ثمة سؤال يُطرح الآن، هو... هل ستصبح ألمانيا بهذا القانون، الذي من المفترض أن يصوّت عليه البرلمان خلال الصيف أو الخريف المقبلين، دولة تحتضن حقاً إرثها العرقي المتنوع؟

«لا أكترث كثيراً بالتقدم للحصول على جنسية ألمانية، أنا سعيد بجوازي التركي»... يقول ليفانت بلغة ألمانية طليقة، وهو ينقل معدات للطلاء قبل أن يبدأ العمل داخل شقة في منطقة كرويتسبيرغ ببرلين. وبالفعل، يمضي ليفانت، عامل البناء الخمسيني الذي يعمل ويقيم في برلين، الكثير من الوقت في تركيا، حيث ما زال لديه أفراد من عائلته والكثير من الأصدقاء. أما أولاده الذين وُلدوا في ألمانيا فقد حصلوا على الجنسية الألمانية، وما زالوا يحتفظون بجنسيتهم التركية؛ لأن القانون الحالي لا يجبرهم على اختيار إحدى الجنسيتين إلا عندما بلوغ سن الـ23.

رشا نصر، النائبة الاشتراكية في "البوندستاغ"، وهي متحدرة من اصول سورية (موقع "البوندستاغ")

تعديل عام 1999

الواقع أن قانون الجنسية الألماني المعدّل عام 1999 أتاح لأولاد ليفانت الحصول على الجواز الألماني بعد 8 سنوات من إثبات سكن الوالدين في ألمانيا، وهذه المدة قلصت من 15 سنة قبل تعديل القانون آنذاك. وللعلم، حتى عقد التسعينات لم يكن أمام الأجانب المولودين في ألمانيا أي سبيل للحصول على الجنسية الألمانية. ولم يُعدَّل القانون إلا في العام 1993 للمرة الأولى من أجل السماح لأولاد المهاجرين الذين يثبتون أنهم يعيشون في ألمانيا منذ 15 سنة، بالتقدم للحصول على الجنسية. أما قبل ذلك فلم يكن ممكناً الحصول على الجواز الألماني إلا باثبات صلة الدم، أي من أحد الوالدين.

بعدها، عام 1999 عندما وصل الاشتراكيون إلى السلطة، وشكّلوا الحكومة الاتحادية مع حزب «الخضر»، أرادوا إدخال تعديلات إضافية على قانون الجنسية تشمل السماح بازدواجية الجنسية وتغييرات أخرى كانت ستمنح حق الجنسية للمولودين في ألمانيا لأهالٍ غير ألمان. غير أنهم عجزوا عن إدخال تعديلات جذرية بسبب المعارضة الكبيرة التي واجهوها من قوى اليمين بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ، الذي كانت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، أمينته العامة آنذاك، ثم أصبحت زعيمته في العام التالي أي عام 2000. وفي حينه، قاد اليمين المحافظ حملة شرسة لوقف تغييرات الاشتراكيين، وبالأخص، السماح بازدواجية الجنسية، رافعاً شعار «نعم للاندماج، لا لازدواجية الجنسية»، وجمع 5 ملايين توقيع رافض لتلك التغييرات.

وفي نهاية الأمر، اضطر الاشتراكيون إلى التخلي عن الكثير من تغييراتهم، وجرى تمرير القانون بعد الاكتفاء ببعض التعديلات البسيطة منها السماح لأولاد المهاجرين الذين يولدون في ألمانيا بالحصول على الجنسية الألمانية بعد 8 سنوات عوضاً عن 15 سنة من إثبات سكن الوالدين. بل واقترن هذا الشرط بضرورة أن يختار الشخص المولود في ألمانيا عندما يبلغ سن الـ23 الجنسية التي يريد الاحتفاظ بها حصراً.

ولكن في العام 2014، أُدخل تعديل جديد حول هذه النقطة بإصرار من الاشتراكيين، الذين كانوا الشريك الأصغر في الائتلاف الحكومي بقيادة ميركل، ألغى شرط الاختيار بين الجنسيتين فقط للمولودين في ألمانيا.

ومن ثم، سمح القانون المعدل عام 1999 بوجود الجنسية المزدوجة فقط لمواطني دول الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي ما زال صالحاً حتى اليوم. ولكن، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، شهدت دوائر الهجرة في ألمانيا ارتفاعاً بخمسة أضعاف في أعداد المتقدمين البريطانيين للحصول على الجنسية الألمانية قبل انتهاء المهلة الانتقالية التي ستخرج فيها بلادهم رسمياً من الاتحاد؛ وذلك تفادياً لاضطرارهم إلى التخلي عن جنسيتهم البريطانية.

الوزيرة نانسي فايزر (آ ف ب)

خلافات حزبية مبدئية

كثيرون من الأتراك الذي يعيشون في ألمانيا يرفضون، مثل ليفنات، التخلي عن جوازهم التركي لصالح الجواز الألماني. وهنا نشير إلى أن معظم أفراد الجيل الأول من الأتراك - الذين جاءوا عمالاً بعد الحرب للمساعدة في جهود إعادة البناء وإطلاق عجلة الاقتصاد - لا يحملون الجنسية الألمانية لأنهم لم يتمكنوا من استيفاء شروط اللغة. ذلك أن مدارس تعليم اللغة لم تكن موجودة أو نادرة في الخمسينات، على الرغم من أن معظمهم يجيد التخاطب الشفهي ولكن ليس الكتابة.

وحقاً، لعقود خلت ظلت الجالية التركية عبر ممثليها في ألمانيا تطالب بتسهيل منح الجوازات للأتراك والسماح بازدواجية الجنسية، ولكن الديمقراطيين المسيحيين أصرّوا على موقفهم، رافضين إقرار أي تعديلات أو تغييرات، وواصلوا عرقلة المساعي التي تبذلها الأحزاب الأخرى لتلك الغاية. وما يستحق الذكر، أنه منذ محاولة الاشتراكيين الأخيرة عام 1999، حصلت محاولات على مستوى الولايات التي تضم جاليات تركية كبيرة، مثل برلين وهيسن (التي تضم مدينة فرانكفورت)، لتغيير القوانين، بيد أن المحاولات لم تؤدِ إلى إنجاز الكثير بسبب معارضة الديمقراطيين المسيحيين. ولذا؛ نجد أنه طوال فترة حكم ميركل - الزعيمة الديمقراطية المسيحية المحافظة - التي قادت 4 حكومات اتحادية متتالية بين العامين 2005 و2021، ظل حزبها يرفض إدخال أي تعديلات على قانون الجنسية.

إلا أن هذا الوضع تغيّر بعد تقاعد ميركل وخسارة حزبها في الانتخابات الأخيرة عام 2021، وعودة الاشتراكيين لقيادة الحكومة بعد غياب 22 سنة. إذ تعهدت الأحزاب الثلاثة التي شكلت الحكومة - أي الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) وحزب «الخضر» البيئي والحزب الديمقراطي الحر الليبرالي - على إدخال تعديلات على قانون الجنسية «يماشي العصر ويكون (متلائماً أكثر) مع المجتمع الألماني.

والآن بعد سنة ونصف السنة من تسلم الحكومة الحالية مهامها، توافقت الأحزاب الثلاثة على شكل هذا القانون الذي قدّمته وزيرة الداخلية الاشتراكية نانسي فايزر إلى أعضاء الحكومة في مارس (آذار) الماضي، وسيناقش في «البوندستاغ» (مجلس النواب الاتحادي - الفيدرالي) خلال الصيف. وعلى الرغم من ارتفاع الأصوات المعارضة من الديمقراطيين المسيحيين وقوى اليمين عموماً، من المتوقع أن يمرّ القانون هذه المرة ويغدو نافذ المفعول في الخريف المقبل بعد أن يُناقَش أيضاً في «البوندسرات» (أي مجلس الولايات، الذي يمثل الأحزاب المشاركة في الولايات الألمانية الـ16 الذي تحظى الأحزاب الثلاثة المشاركة في الحكومة الائتلافية الاتحادية، بغالبية الاصوات فيه (نصف زائد واحد).

في المقابل، لم يكف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي عن توجيه الانتقادات لخطة الحكومة تلك، وحتى أن نواباً ومسؤولين في الحزب يتكلمون عن «بيع الجواز الألماني» عبر السماح بازدواجية الجنسية. ولا يرفض الحزب فقط هذه النقطة في التغييرات، بل يرفض أيضاً تقصير مهلة السماح للتقدم للحصول على الجنسية من 8 سنوات إلى 5 سنوات. ويرى الحزب اليميني أن «التجنيس يجب أن يأتي في نهاية عملية اندماج ناجحة وليس في بدايتها؛ لأن الاندماج الجيد يحتاج إلى وقت».

على هذا يرد مؤيدو بأن تقصير المهمة والسماح بازدواجية الجنسية من السياسات التي تقرب ألمانيا من سياسات دول غربية أخرى تعتمد المبدأ نفسه. وينتقد الاشتراكيون و«الخضر»، خصوصاً، خصومهم الديمقراطيين المسيحيين وزعيمهم فريدريش ميرتز - الذي يميل إلى الجناح المتطرف في حزبه - ويتهمونه باعتماد «سياسة إقصاء». وكان ميرتز قد تعرض بالفعل لانتقادات شديدة بعدما وصف الطلاب المسلمين في المدارس، من عرب وأتراك، بأنهم «باشاوات صغار». وكان ميرتز يومها يعلق على أحداث رأس السنة الأخيرة التي شهدت اعتداءات على الشرطة من قبل شبان من أصول مهاجرة، وأراد في تعليقه الإضاءة على ضعف اندماج العائلات المسلمة في المجتمع الألماني.

هذا، ويكرّر المستشار شولتس (زعيم الاشتراكيين) نفسه في معرض رده على منتقدي إصلاح قانون التجنيس، بأن في ألمانيا قرابة الـ10 ملايين شخص يعملون ويدفعون الضرائب من دون أن يحملوا الجواز الألماني. ويضيف أن «الديمقراطية تزدهر عندما تتوافر فرص لإسماع الصوت»، في إشارة إلى ضرورة السماح لهؤلاء بالمشاركة في حق الاقتراع والحياة السياسية.

غايات تسريع الاندماج

ولكن، مع أن القانون الجديد يذهب بعيداً في تلبية دعوات الاندماج والانفتاح والإصلاح، فإنه وجّه ببعض الانتقادات من ممثلي الجالية التركية نفسها. إذ رحّب أمين عام «الجالية التركية في ألمانيا» غوياك صوفو أوغلو بالتغييرات التي تريد الحكومة إدخالها على قانون الجنسية، قائلاً «... وأخيراً ستأتي!»، لكنه سرعان ما أضاف منتقداً «إبقاء الامتحان الشفهي للغة على من يعرفون جيل العمال المهاجرين لا داعي له. كانت ستكون إشارة جيدة لو اعتُمد تسهيل أكبر في عملية للحصول على الجنسية لأولئك الذين ساهموا بإعادة بناء ألمانيا». وانتقد صوفو أوغلو كذلك تشديد القانون بالنسبة للجرائم المتعلقة بمعاداة السامية، قائلاً: «وفق المسودة الحالية، فإن ارتكاب (أفعال) بدافع العنصرية ومعاداة السامية هي لوحدها معيار استبعاد... (أفعال) وليس (جرائم) (!)... وهذا يترك الباب مفتوحاً أمام ما إذا كانت مجرد المشاركة في تظاهرات ضمن إطار حقوق حرية التعبير ستغدو معياراً للإبعاد».

في أي حال، تسعى الحكومة الاتحادية الحالية عبر تغييراتها المقترحة، ليس فقط إلى منح صوت لملايين المواطنين الذين يعيشون في ألمانيا من دون التمتع بكامل الحقوق، بل أيضاً تريد جذب مزيد من الأيدي العاملة التي تحتاج إليها البلاد بصورة ماسة وبشكل عاجل، وخاصة في مجالات الطب والتعليم. وهي تأمل أن تجذب تغييرات قانون الجنسية أعداداً أكبر من هذه الفئات لسد ثغرات كبيرة في المهارات المطلوبة.

غير أن البعض يحذر من أن ألمانيا ستكون في حاجة إلى أكثر من مجرد تعديل القانون لجذب هذه المهارات. فقد كتبت صحيفة «نويه أوزنابروك» أن ألمانيا «تحتاج إلى أكثر من مجرد قانون هجرة جذاب... إنها في حاجة إلى ثقافة ترحيبية تنقصها حتى الآن». وأضافت الصحيفة أن النقاش حول التجنيس والاندماج نقاش حساس، «لكن القانون شيء وما يعيشه الأشخاص من ذوات الخلفية المهاجرة في حياتهم اليومية في ألمانيا هو شيء آخر».

وتابعت الصحيفة شارحة «أي شخص اسمه ليس ماير أو مولر، غالباً، ما يواجه تمييزاً ضده. فمثلاً أثناء البحث عن وظيفة أو السفر في القطار وفي العمل أو عند التبضع أو التعامل مع السلطات... ليس مهماً إذا كنت مولوداً هنا أم لا». واستطردت من ثم «ما تحتاج إليه ألمانيا إلى جانب تغيير القوانين... هو ثقافة الترحيب، وهذا لا يمكن تغييره بالقوانين، بل يعتمد على المقاربة الشخصية، وعلى ألا ننظر إلى الطبيب أو الممرضة وغيرهم على أنه متضرّع يتسوّل وظيفة، بل النظر إليه كمواطن يؤدي دوره لضمان دوران عجلة المجتمع».

آليس فايدل وتينو شروبالا، الزعيمان بالشراكة لحزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف (أ ب)

مخاوف من استفادة «البديل لألمانيا» المتطرف وسط الجدل المحتدم حول الجنسية والاندماج

> وسط كل الجدل حول قانون الجنسية الألماني، والتغييرات المقترحة عليه، يخشى كثيرون من الألمان أن تستغل الأصوات اليمينية المتطرفة هذا القانون الجديد لكسب المزيد من الأصوات، كما حصل بعد موجة اللاجئين السوريين عام 2015. فالكل يتذكّر في تلك الفترة كيف نجح حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف بدخول «البوندستاغ» (مجلس النواب الاتحادي) للمرة الأولى في العام 2017.

في حينه، بات أول حزب ألماني يميني متطرف يعود إلى البرلمان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولقد بنى الحزب حملته آنذاك على مشاعر الكراهية والعداء للمهاجرين والمسلمين. وراهناً، تظهر استطلاعات الرأي في ألمانيا تقدم حزب «البديل لألمانيا» في الولايات الشرقية (ألمانيا الشرقية سابقاً) التي كانت تحت سيطرة السوفيات قبل الوحدة اللألمانية.

وهنا نشير إلى جميع الأحزاب الألمانية، حتى الآن، ترفض الدخول في أي ائتلاف حكومي مع حزب «البديل لألمانيا» سواءً على مستوى كل ولاية أو مستوى البلاد ككل. إلا أن هذا الوضع قد يتسبب بمشاكل معقدة قريباً، وبالذات، على الصعيد الولايات، في حال حافظ الحزب اليميني المتطرف على تقدمه في الاستطلاعات وترجمتها نتائج حقيقية في الانتخابات.

الاختبار الأول في الولايات الشرقية خلال العام المقبل سيكون مع الانتخابات المحلية المقرّرة في ولايات ثورينجيا وساكسونيا وبراندنبرغ. وحسب أحدث الاستطلاعات في هذه الولايات، فإن «البديل لألمانيا» يتبوأ الصدارة في كل منها ولكن من دون الحصول على الغالبية المطلقة التي تمكنه من الحكم منفرداً، ما يعني بأنه سيتوجب عليه تشكيل ائتلافات مع أحد الأحزاب الأخرى.

ولكن في حال ظلت الأحزاب الأخرى متمسكة برفضها التحالف، ولو مؤقتاً مع «البديل لألمانيا»، قد تواجه هذه الولايات مأزقاً شديداً وسط مخاوف من أنها قد تصبح «غير قابلة للحكم»، خاصةً، وأن الأحزاب الأخرى مجتمعة قد لا تكون لديها هي الأخرى غالبية كافية كذلك للحكم. ثم أن حزب «البديل لألمانيا» لا يستفيد فقط من النقاش الدائر حالياً حول المهاجرين، بل يستفيد من الحرب في أوكرانيا، إذ حيث تتزايد الدعوات في صفوف الحزب المتطرف لوقف «نشر العداء لروسيا» ووقف التورط في «حرب ليست حربنا».

بيد أنه، على الرغم من كل هذه المخاوف، تتجه ألمانيا لأن تصبح - على الأقل بحسب القانون - دولة «أكثر احتواءً لتنوّعها» وقبولها للمهاجرين الذين باتوا يشكلون جزءاً أساسياً من المجتمع، وهذا ينعكس كذلك في «البوندستاغ» حيث يوجد واحد من أصل 9 نواب من خلفية مهاجرة. ومعظم هؤلاء ينتمون إما إلى حزب «الخضر» أو إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي)، بينما يظل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي «الأقل تلوّناً» من بين الأحزاب الكبيرة الثلاثة.

حقائق

سمح القانون المعدل عام 1999 بوجود الجنسية المزدوجة فقط لمواطني دول الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي ما زال صالحاً حتى اليوم


مقالات ذات صلة

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)
حصاد الأسبوع لقطة جوية لمدينة هرجيسا (من منصة أكس)

«أرض الصومال»... إقليم «استراتيجي» يبحث عن هدف صعب

بين ليلة وضحاها، غزا إقليم «أرض الصومال» - «الصومال البريطاني» سابقاً - عناوين الأخبار، ودقّ ذاكرة المتابعين، إثر إعلان توقيعه مذكرة تفاهم تمنح إثيوبيا منفذاً

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.