الائتلاف الألماني الحاكم ماض ٍقدماً بتعديلاته على «قانون الجنسية»

في خطوة لتسريع الاندماج تستفز معارضة اليمين المحافظ والمتطرف

المستشار الاشتراكي أولاف شولتز ... يقود حملة التغييرات على قانون الجنسية (د.ب.أ)
المستشار الاشتراكي أولاف شولتز ... يقود حملة التغييرات على قانون الجنسية (د.ب.أ)
TT

الائتلاف الألماني الحاكم ماض ٍقدماً بتعديلاته على «قانون الجنسية»

المستشار الاشتراكي أولاف شولتز ... يقود حملة التغييرات على قانون الجنسية (د.ب.أ)
المستشار الاشتراكي أولاف شولتز ... يقود حملة التغييرات على قانون الجنسية (د.ب.أ)

تشهد ألمانيا منذ عقود تحولات كبيرة في ديموغرافيتها جعلتها اليوم «دولة مهاجرين» بحق، وذلك بعدما بات أكثر من 27 في المائة من سكانها ذوي خلفية مهاجرة، حسب إحصاءات رسمية في العام 2021. ولكن، مع هذا ما زالت القوانين الألمانية لا تعكس هذا الواقع؛ إذ إن تشدد شروط الجنسية وفرض التخلي عن الجنسية الأصلية، يعنيان أن أكثر من 10 ملايين شخص يعيشون في بلد الـ83 مليوناً من دون أن يحملوا جنسية البلاد أو يتمتّعوا بحقوق المواطنين الألمان أو يشاركوا في الحياة السياسية. ولعل الفئة الأكثر تأثراً بشروط الجنسية المشددة هم الأتراك الذين يقارب عددهم الـ4 ملايين في ألمانيا، نصفهم لا يحمل الجنسية الألمانية والسبب رفضهم التخلي عن جنسيتهم التركية. إلا أن هذا الوضع يقترب أخيراً من نهايته في أعقاب تحضير الحكومة الاتحادية في برلين لطرح قانون تجنيس جديد يسمح بازدواجية الجنسية كما يخفف شروط التقدّم للحصول على الجواز الألماني.

مسعود أوزل، نجم كرة القدم الألماني العالمي، المتحدة من أصول تركية (د ب أ)

الحكومة الألمانية الحالية، التي يقودها اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي بمشاركة حزبي «الخضر» والديمقراطيين الأحرار (الليبراليون)، اتفقت على تقصير المهلة الزمنية للسماح للأشخاص بالتقدم للحصول على جنسية، فباتت 5 سنوات من العيش في ألمانيا عوضاً عن 8 سنوات كما ينص القانون الحالي، وحتى إلى 3 سنوات في حال إثبات المتقدم تمتعه بمستوى لغة مرتفع. والعنصر الأهم تسهيل إجراءات التقدم للحصول على الجنسية الألمانية للأتراك الذين جاءوا عمالاً مهاجرين بعد الحرب العالمية الثانية وبقوا في ألمانيا من دون أن يحملوا جنسيتها. ومن ناحية أخرى، سيعفي القانون الجديد أولئك الذين هم فوق سن الـ67 منهم من شرط التقدم لامتحان اللغة المكتوب، ولن يفرض عليهم سوى اجتياز الامتحان الشفهي.

ثمة سؤال يُطرح الآن، هو... هل ستصبح ألمانيا بهذا القانون، الذي من المفترض أن يصوّت عليه البرلمان خلال الصيف أو الخريف المقبلين، دولة تحتضن حقاً إرثها العرقي المتنوع؟

«لا أكترث كثيراً بالتقدم للحصول على جنسية ألمانية، أنا سعيد بجوازي التركي»... يقول ليفانت بلغة ألمانية طليقة، وهو ينقل معدات للطلاء قبل أن يبدأ العمل داخل شقة في منطقة كرويتسبيرغ ببرلين. وبالفعل، يمضي ليفانت، عامل البناء الخمسيني الذي يعمل ويقيم في برلين، الكثير من الوقت في تركيا، حيث ما زال لديه أفراد من عائلته والكثير من الأصدقاء. أما أولاده الذين وُلدوا في ألمانيا فقد حصلوا على الجنسية الألمانية، وما زالوا يحتفظون بجنسيتهم التركية؛ لأن القانون الحالي لا يجبرهم على اختيار إحدى الجنسيتين إلا عندما بلوغ سن الـ23.

رشا نصر، النائبة الاشتراكية في "البوندستاغ"، وهي متحدرة من اصول سورية (موقع "البوندستاغ")

تعديل عام 1999

الواقع أن قانون الجنسية الألماني المعدّل عام 1999 أتاح لأولاد ليفانت الحصول على الجواز الألماني بعد 8 سنوات من إثبات سكن الوالدين في ألمانيا، وهذه المدة قلصت من 15 سنة قبل تعديل القانون آنذاك. وللعلم، حتى عقد التسعينات لم يكن أمام الأجانب المولودين في ألمانيا أي سبيل للحصول على الجنسية الألمانية. ولم يُعدَّل القانون إلا في العام 1993 للمرة الأولى من أجل السماح لأولاد المهاجرين الذين يثبتون أنهم يعيشون في ألمانيا منذ 15 سنة، بالتقدم للحصول على الجنسية. أما قبل ذلك فلم يكن ممكناً الحصول على الجواز الألماني إلا باثبات صلة الدم، أي من أحد الوالدين.

بعدها، عام 1999 عندما وصل الاشتراكيون إلى السلطة، وشكّلوا الحكومة الاتحادية مع حزب «الخضر»، أرادوا إدخال تعديلات إضافية على قانون الجنسية تشمل السماح بازدواجية الجنسية وتغييرات أخرى كانت ستمنح حق الجنسية للمولودين في ألمانيا لأهالٍ غير ألمان. غير أنهم عجزوا عن إدخال تعديلات جذرية بسبب المعارضة الكبيرة التي واجهوها من قوى اليمين بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ، الذي كانت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، أمينته العامة آنذاك، ثم أصبحت زعيمته في العام التالي أي عام 2000. وفي حينه، قاد اليمين المحافظ حملة شرسة لوقف تغييرات الاشتراكيين، وبالأخص، السماح بازدواجية الجنسية، رافعاً شعار «نعم للاندماج، لا لازدواجية الجنسية»، وجمع 5 ملايين توقيع رافض لتلك التغييرات.

وفي نهاية الأمر، اضطر الاشتراكيون إلى التخلي عن الكثير من تغييراتهم، وجرى تمرير القانون بعد الاكتفاء ببعض التعديلات البسيطة منها السماح لأولاد المهاجرين الذين يولدون في ألمانيا بالحصول على الجنسية الألمانية بعد 8 سنوات عوضاً عن 15 سنة من إثبات سكن الوالدين. بل واقترن هذا الشرط بضرورة أن يختار الشخص المولود في ألمانيا عندما يبلغ سن الـ23 الجنسية التي يريد الاحتفاظ بها حصراً.

ولكن في العام 2014، أُدخل تعديل جديد حول هذه النقطة بإصرار من الاشتراكيين، الذين كانوا الشريك الأصغر في الائتلاف الحكومي بقيادة ميركل، ألغى شرط الاختيار بين الجنسيتين فقط للمولودين في ألمانيا.

ومن ثم، سمح القانون المعدل عام 1999 بوجود الجنسية المزدوجة فقط لمواطني دول الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي ما زال صالحاً حتى اليوم. ولكن، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، شهدت دوائر الهجرة في ألمانيا ارتفاعاً بخمسة أضعاف في أعداد المتقدمين البريطانيين للحصول على الجنسية الألمانية قبل انتهاء المهلة الانتقالية التي ستخرج فيها بلادهم رسمياً من الاتحاد؛ وذلك تفادياً لاضطرارهم إلى التخلي عن جنسيتهم البريطانية.

الوزيرة نانسي فايزر (آ ف ب)

خلافات حزبية مبدئية

كثيرون من الأتراك الذي يعيشون في ألمانيا يرفضون، مثل ليفنات، التخلي عن جوازهم التركي لصالح الجواز الألماني. وهنا نشير إلى أن معظم أفراد الجيل الأول من الأتراك - الذين جاءوا عمالاً بعد الحرب للمساعدة في جهود إعادة البناء وإطلاق عجلة الاقتصاد - لا يحملون الجنسية الألمانية لأنهم لم يتمكنوا من استيفاء شروط اللغة. ذلك أن مدارس تعليم اللغة لم تكن موجودة أو نادرة في الخمسينات، على الرغم من أن معظمهم يجيد التخاطب الشفهي ولكن ليس الكتابة.

وحقاً، لعقود خلت ظلت الجالية التركية عبر ممثليها في ألمانيا تطالب بتسهيل منح الجوازات للأتراك والسماح بازدواجية الجنسية، ولكن الديمقراطيين المسيحيين أصرّوا على موقفهم، رافضين إقرار أي تعديلات أو تغييرات، وواصلوا عرقلة المساعي التي تبذلها الأحزاب الأخرى لتلك الغاية. وما يستحق الذكر، أنه منذ محاولة الاشتراكيين الأخيرة عام 1999، حصلت محاولات على مستوى الولايات التي تضم جاليات تركية كبيرة، مثل برلين وهيسن (التي تضم مدينة فرانكفورت)، لتغيير القوانين، بيد أن المحاولات لم تؤدِ إلى إنجاز الكثير بسبب معارضة الديمقراطيين المسيحيين. ولذا؛ نجد أنه طوال فترة حكم ميركل - الزعيمة الديمقراطية المسيحية المحافظة - التي قادت 4 حكومات اتحادية متتالية بين العامين 2005 و2021، ظل حزبها يرفض إدخال أي تعديلات على قانون الجنسية.

إلا أن هذا الوضع تغيّر بعد تقاعد ميركل وخسارة حزبها في الانتخابات الأخيرة عام 2021، وعودة الاشتراكيين لقيادة الحكومة بعد غياب 22 سنة. إذ تعهدت الأحزاب الثلاثة التي شكلت الحكومة - أي الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) وحزب «الخضر» البيئي والحزب الديمقراطي الحر الليبرالي - على إدخال تعديلات على قانون الجنسية «يماشي العصر ويكون (متلائماً أكثر) مع المجتمع الألماني.

والآن بعد سنة ونصف السنة من تسلم الحكومة الحالية مهامها، توافقت الأحزاب الثلاثة على شكل هذا القانون الذي قدّمته وزيرة الداخلية الاشتراكية نانسي فايزر إلى أعضاء الحكومة في مارس (آذار) الماضي، وسيناقش في «البوندستاغ» (مجلس النواب الاتحادي - الفيدرالي) خلال الصيف. وعلى الرغم من ارتفاع الأصوات المعارضة من الديمقراطيين المسيحيين وقوى اليمين عموماً، من المتوقع أن يمرّ القانون هذه المرة ويغدو نافذ المفعول في الخريف المقبل بعد أن يُناقَش أيضاً في «البوندسرات» (أي مجلس الولايات، الذي يمثل الأحزاب المشاركة في الولايات الألمانية الـ16 الذي تحظى الأحزاب الثلاثة المشاركة في الحكومة الائتلافية الاتحادية، بغالبية الاصوات فيه (نصف زائد واحد).

في المقابل، لم يكف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي عن توجيه الانتقادات لخطة الحكومة تلك، وحتى أن نواباً ومسؤولين في الحزب يتكلمون عن «بيع الجواز الألماني» عبر السماح بازدواجية الجنسية. ولا يرفض الحزب فقط هذه النقطة في التغييرات، بل يرفض أيضاً تقصير مهلة السماح للتقدم للحصول على الجنسية من 8 سنوات إلى 5 سنوات. ويرى الحزب اليميني أن «التجنيس يجب أن يأتي في نهاية عملية اندماج ناجحة وليس في بدايتها؛ لأن الاندماج الجيد يحتاج إلى وقت».

على هذا يرد مؤيدو بأن تقصير المهمة والسماح بازدواجية الجنسية من السياسات التي تقرب ألمانيا من سياسات دول غربية أخرى تعتمد المبدأ نفسه. وينتقد الاشتراكيون و«الخضر»، خصوصاً، خصومهم الديمقراطيين المسيحيين وزعيمهم فريدريش ميرتز - الذي يميل إلى الجناح المتطرف في حزبه - ويتهمونه باعتماد «سياسة إقصاء». وكان ميرتز قد تعرض بالفعل لانتقادات شديدة بعدما وصف الطلاب المسلمين في المدارس، من عرب وأتراك، بأنهم «باشاوات صغار». وكان ميرتز يومها يعلق على أحداث رأس السنة الأخيرة التي شهدت اعتداءات على الشرطة من قبل شبان من أصول مهاجرة، وأراد في تعليقه الإضاءة على ضعف اندماج العائلات المسلمة في المجتمع الألماني.

هذا، ويكرّر المستشار شولتس (زعيم الاشتراكيين) نفسه في معرض رده على منتقدي إصلاح قانون التجنيس، بأن في ألمانيا قرابة الـ10 ملايين شخص يعملون ويدفعون الضرائب من دون أن يحملوا الجواز الألماني. ويضيف أن «الديمقراطية تزدهر عندما تتوافر فرص لإسماع الصوت»، في إشارة إلى ضرورة السماح لهؤلاء بالمشاركة في حق الاقتراع والحياة السياسية.

غايات تسريع الاندماج

ولكن، مع أن القانون الجديد يذهب بعيداً في تلبية دعوات الاندماج والانفتاح والإصلاح، فإنه وجّه ببعض الانتقادات من ممثلي الجالية التركية نفسها. إذ رحّب أمين عام «الجالية التركية في ألمانيا» غوياك صوفو أوغلو بالتغييرات التي تريد الحكومة إدخالها على قانون الجنسية، قائلاً «... وأخيراً ستأتي!»، لكنه سرعان ما أضاف منتقداً «إبقاء الامتحان الشفهي للغة على من يعرفون جيل العمال المهاجرين لا داعي له. كانت ستكون إشارة جيدة لو اعتُمد تسهيل أكبر في عملية للحصول على الجنسية لأولئك الذين ساهموا بإعادة بناء ألمانيا». وانتقد صوفو أوغلو كذلك تشديد القانون بالنسبة للجرائم المتعلقة بمعاداة السامية، قائلاً: «وفق المسودة الحالية، فإن ارتكاب (أفعال) بدافع العنصرية ومعاداة السامية هي لوحدها معيار استبعاد... (أفعال) وليس (جرائم) (!)... وهذا يترك الباب مفتوحاً أمام ما إذا كانت مجرد المشاركة في تظاهرات ضمن إطار حقوق حرية التعبير ستغدو معياراً للإبعاد».

في أي حال، تسعى الحكومة الاتحادية الحالية عبر تغييراتها المقترحة، ليس فقط إلى منح صوت لملايين المواطنين الذين يعيشون في ألمانيا من دون التمتع بكامل الحقوق، بل أيضاً تريد جذب مزيد من الأيدي العاملة التي تحتاج إليها البلاد بصورة ماسة وبشكل عاجل، وخاصة في مجالات الطب والتعليم. وهي تأمل أن تجذب تغييرات قانون الجنسية أعداداً أكبر من هذه الفئات لسد ثغرات كبيرة في المهارات المطلوبة.

غير أن البعض يحذر من أن ألمانيا ستكون في حاجة إلى أكثر من مجرد تعديل القانون لجذب هذه المهارات. فقد كتبت صحيفة «نويه أوزنابروك» أن ألمانيا «تحتاج إلى أكثر من مجرد قانون هجرة جذاب... إنها في حاجة إلى ثقافة ترحيبية تنقصها حتى الآن». وأضافت الصحيفة أن النقاش حول التجنيس والاندماج نقاش حساس، «لكن القانون شيء وما يعيشه الأشخاص من ذوات الخلفية المهاجرة في حياتهم اليومية في ألمانيا هو شيء آخر».

وتابعت الصحيفة شارحة «أي شخص اسمه ليس ماير أو مولر، غالباً، ما يواجه تمييزاً ضده. فمثلاً أثناء البحث عن وظيفة أو السفر في القطار وفي العمل أو عند التبضع أو التعامل مع السلطات... ليس مهماً إذا كنت مولوداً هنا أم لا». واستطردت من ثم «ما تحتاج إليه ألمانيا إلى جانب تغيير القوانين... هو ثقافة الترحيب، وهذا لا يمكن تغييره بالقوانين، بل يعتمد على المقاربة الشخصية، وعلى ألا ننظر إلى الطبيب أو الممرضة وغيرهم على أنه متضرّع يتسوّل وظيفة، بل النظر إليه كمواطن يؤدي دوره لضمان دوران عجلة المجتمع».

آليس فايدل وتينو شروبالا، الزعيمان بالشراكة لحزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف (أ ب)

مخاوف من استفادة «البديل لألمانيا» المتطرف وسط الجدل المحتدم حول الجنسية والاندماج

> وسط كل الجدل حول قانون الجنسية الألماني، والتغييرات المقترحة عليه، يخشى كثيرون من الألمان أن تستغل الأصوات اليمينية المتطرفة هذا القانون الجديد لكسب المزيد من الأصوات، كما حصل بعد موجة اللاجئين السوريين عام 2015. فالكل يتذكّر في تلك الفترة كيف نجح حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف بدخول «البوندستاغ» (مجلس النواب الاتحادي) للمرة الأولى في العام 2017.

في حينه، بات أول حزب ألماني يميني متطرف يعود إلى البرلمان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولقد بنى الحزب حملته آنذاك على مشاعر الكراهية والعداء للمهاجرين والمسلمين. وراهناً، تظهر استطلاعات الرأي في ألمانيا تقدم حزب «البديل لألمانيا» في الولايات الشرقية (ألمانيا الشرقية سابقاً) التي كانت تحت سيطرة السوفيات قبل الوحدة اللألمانية.

وهنا نشير إلى جميع الأحزاب الألمانية، حتى الآن، ترفض الدخول في أي ائتلاف حكومي مع حزب «البديل لألمانيا» سواءً على مستوى كل ولاية أو مستوى البلاد ككل. إلا أن هذا الوضع قد يتسبب بمشاكل معقدة قريباً، وبالذات، على الصعيد الولايات، في حال حافظ الحزب اليميني المتطرف على تقدمه في الاستطلاعات وترجمتها نتائج حقيقية في الانتخابات.

الاختبار الأول في الولايات الشرقية خلال العام المقبل سيكون مع الانتخابات المحلية المقرّرة في ولايات ثورينجيا وساكسونيا وبراندنبرغ. وحسب أحدث الاستطلاعات في هذه الولايات، فإن «البديل لألمانيا» يتبوأ الصدارة في كل منها ولكن من دون الحصول على الغالبية المطلقة التي تمكنه من الحكم منفرداً، ما يعني بأنه سيتوجب عليه تشكيل ائتلافات مع أحد الأحزاب الأخرى.

ولكن في حال ظلت الأحزاب الأخرى متمسكة برفضها التحالف، ولو مؤقتاً مع «البديل لألمانيا»، قد تواجه هذه الولايات مأزقاً شديداً وسط مخاوف من أنها قد تصبح «غير قابلة للحكم»، خاصةً، وأن الأحزاب الأخرى مجتمعة قد لا تكون لديها هي الأخرى غالبية كافية كذلك للحكم. ثم أن حزب «البديل لألمانيا» لا يستفيد فقط من النقاش الدائر حالياً حول المهاجرين، بل يستفيد من الحرب في أوكرانيا، إذ حيث تتزايد الدعوات في صفوف الحزب المتطرف لوقف «نشر العداء لروسيا» ووقف التورط في «حرب ليست حربنا».

بيد أنه، على الرغم من كل هذه المخاوف، تتجه ألمانيا لأن تصبح - على الأقل بحسب القانون - دولة «أكثر احتواءً لتنوّعها» وقبولها للمهاجرين الذين باتوا يشكلون جزءاً أساسياً من المجتمع، وهذا ينعكس كذلك في «البوندستاغ» حيث يوجد واحد من أصل 9 نواب من خلفية مهاجرة. ومعظم هؤلاء ينتمون إما إلى حزب «الخضر» أو إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي)، بينما يظل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي «الأقل تلوّناً» من بين الأحزاب الكبيرة الثلاثة.

حقائق

سمح القانون المعدل عام 1999 بوجود الجنسية المزدوجة فقط لمواطني دول الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي ما زال صالحاً حتى اليوم


مقالات ذات صلة

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)
حصاد الأسبوع لقطة جوية لمدينة هرجيسا (من منصة أكس)

«أرض الصومال»... إقليم «استراتيجي» يبحث عن هدف صعب

بين ليلة وضحاها، غزا إقليم «أرض الصومال» - «الصومال البريطاني» سابقاً - عناوين الأخبار، ودقّ ذاكرة المتابعين، إثر إعلان توقيعه مذكرة تفاهم تمنح إثيوبيا منفذاً

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
TT

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)

تُعَدُّ الشراكة بين السعودية والصين فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات حيوية عدة. إذ يوفر التعاون في الطاقة النظيفة والابتكار التكنولوجي فرصاً لدعم أهداف السعودية في تحقيق «رؤية 2030» وزيادة استخدام الطاقة المستدامة، كما أن الاستثمار في مشاريع كبرى مثل «نيوم» يفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة ويعزز من النمو المشترك.

في مجالات التكنولوجيا والابتكار، يعزّز التعاون في قطاعي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية من قدرة السعودية على تحقيق أهدافها التكنولوجية، ويقوّي الروابط الاقتصادية بين البلدين، ومن جهة أخرى، يعزز التبادل الثقافي والتعليم من العلاقات الإنسانية ويزيد من التعاون بين الشعبين.

مع هذا، تواجه الشراكة تحدياتٍ قد تؤثر على العلاقات الثنائية، وتشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية الدولية التي تتطلب مزيداً من الحكمة والروية من أجل درء تعارض المصالح، والتقلبات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على حجم التبادل التجاري والاستثمارات. ولا شك أن الاختلافات الثقافية والسياسية تستوجب تعزيز الحوار والتفاهم، كما يتطلب تحقيق التنمية المستدامة التنسيق بين المشاريع المشتركة وضمان توافقها مع معايير البيئة.

مستقبلاً، يتوقع أن يزداد التعاون في الطاقة النظيفة - وتقف مشاريع مثل «نيوم» حافزاً كبيراً لتعزيز الاستثمارات الصينية في المملكة -، كذلك عبر تكثيف الفعاليات الثقافية والتبادلات التعليمية، يؤمل تمتين الروابط بين الشعبين، ويمكن أن يشمل التعاون المستقبلي المجالات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. وحقاً، من شأن دعم السعودية مبادرة «الحزام والطريق»، الإسهام في تعزيز البنية التحتية والنقل بين الصين والشرق الأوسط، مع الأخذ في الحسبان تكيّف الشراكة مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية باعتماد استراتيجيات مرنة.

إن العلاقات السعودية الصينية اليوم نموذج للشراكة الاستراتيجية المتكاملة التي تستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية، ومع مواصلة تطوير هذه الشراكة يتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين مزيداً من النمو في مختلف المجالات؛ ما يخدم مكانتيهما على الساحة الدولية. وأخيراً، إن الشراكة بين السعودية والصين لا تقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تمتد لتسهم في استقرار الاقتصاد العالمي وتنميته بشكل عام. إذ تجسّد هذه الشراكة نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي القائم على تحقيق مصالح مشتركة؛ مما يساهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين. وهنا تبرز خصوصاً الرؤية الاستراتيجية عند البلدين والتزامهما بالابتكار والتعاون ليفتحا أبواباً جديدة للتنمية والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.